الثلاثاء، 15 سبتمبر 2009

وقـفـات مع ذكريات من 311 إلى 315

بسم الله
عبد الحميد رميته , الجزائر

311- ظن أنني رقيته في مقابل ماء يشتريه لي ! :
منذ حوالي 20 سنة تقريبا قبل اليوم , رقيتُ شخصا , وعندما انتهيتُ من الرقية أراد أن يعطيني أجرا ( مال ) فرفضتُ بقوة على اعتبار أنني لم آخذ ولن آخذ بإذن الله أي أجر على الرقية الشرعية في أي يوم من الأيام , سواء سمي ذلك أجرا أم سمي هدية أم ...
ألح علي من أجل أن أقبض الأجر , فرفضتُ وأصررتُ على الرفض .
وبعد أيام من هذه الرقية الشرعية كان هذا الشخص ذاهبا إلى مدينة معينة عبر سيارته الخاصة , فطلبتُ منه أن يأتيني بكمية من الماء المعدني ( حوالي 20 لترا ) . غاب الرجل يومين أو ثلاثة , ولما رجع استقبلته وطلبتُ منه أن يعطيني الماء الذي طلبته منه .
وهذا الرجل يكمل الحكاية بنفسه , لأنه هو الذي حكاها لبعض الناس ( كان من ضمنهم أحد إخوتي ) , وأنا لم أكن منتبها إلى أشياء هو انتبه إليها , ولم أعرف تفاصيل القصة إلا عن طريق أخي وآخرين معه .
قال الرجل لمن حكى لهم هذه القصة " أنا فهمتُ من الشيخ عبد الحميد أنه طلب مني الماء كأجر غير مباشر على الرقية الشرعية , فقلت في نفسي : كيف يقبل الشيخ عبد الحميد أن ينزل إلى هذا المستوى , حيث يرفض الأجرَ اليوم ويقبله غدا , أو يرفضُ الأجرَ المباشر ويقبل الأجرَ غيرَ المباشر , أو يرفضُ الأجرَ باليد اليمنى ثم يقبضه بعـد ذلك وببرودة باليد اليسرى أو ؟؟؟! ... ولكنني عندما أردت أن أُنـزل الماء من السيارة لأعطيه للشيخ عبد الحميد استوقفني وقال لي :
- لا تعطني الماء حتى تقبض الأجر . ما هو ثمن كمية الماء ؟!.
- لا داعي لأن تعطيني شيئا .
- لا بل أعطيك أجرك كاملا غير منقوص , ولن آخذ قطرة ماء حتى تقبض أجرك قبل ذلك .
حاولتُ وحاولتُ مع الشيخ عبد الحميد لأثنيه عن عزمه ولكنه أصر على أنه لن يأخذ مني شيئا ما لم أقبض أنا الأجر كاملا على كمية الماء , وقال لي في النهاية " لو لم أرقك منذ أيام كان يمكن أن أقبل هديتك , ولكن بعد أن رقيتك فإنني لن أقبل منك هدية لأنني أخاف أن تكون الهدية أجرا غيرَ مباشر على الرقية , وأنا لا أريد أن أقبض أي أجر على الرقية ما حييتُ بإذن الله ".
وختم الرجل حكايته لمن حكاها لهم , بقوله " قبضتُ من الشيخ المبلغ المالي وأعطيته كمية الماء ... وعندئذ عرفتُ بأنني أسأتُ الظن بالشيخ , حين دخلني شك بأنه يأخذ أجرا غير مباشر على الرقية الشرعية ".
والحمد لله رب العالمين.

312 - من مظاهر إيذاء الجار للجار :

وظلمه والتعدي عليه والإساءة إليه : دق الباب عليه بقوة وعنف . وأذكر بالمناسبة أن رجلا – من حوالي 15 سنة – جاءني ( أثناء غيابي عن داري ) إلى بيتي من أجل رقية شرعية فدق الباب الخارجي لداري بعنف حتى كاد يكسرها . كلمته زوجتي من وراء الباب " الشيخ عبد الحميد ليس بالبيت ", فزاد دقه وعنفه ضد الباب , وقال عندئذ ما اعتبرته فيما بعد نكتة , ولكنها مؤلمة للأسف الشديد , قال " لماذا لا يكون الشيخ في البيت ؟!. لا بد أن يبقى في البيت باستمرار حتى يجده من يطلبه متى طلبه "!!!. يقول هذا الكلام وكأن الرقية هي شغلي الوحيد , وكأنها هي مصدر رزقي مع أنني لا آخذ على الرقية أي مال أبدا , وكأنه ممنوع علي أن أخرج من بيتي أبدا , ولله في خلقه شؤون والناس هم دوما أشكال وألوان .

313- " ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه , وإنهم لكاذبون ":
قال لي أخ فاضل وكريم من الإخوة , قال لي في الأيام الماضية , ونحن راجعون من بيت أستاذ زميل لنا مات منذ أيام قبل ذلك اليوم . قال لي " أنا أجد صعوبة في فهم كيف يمكن أن يوجد عباد في الدنيا كلها ينطبق عليهم قول الله تعالى " ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه , وإنهم لكاذبون " . كيف يمكن أن يرى أشخاصٌ عذابَ الله تعالى أمامهم يوم القيامة , يرونهم جزاء معدا لمن كفر أو عصى أو تكبر وتجبر , ومع ذلك إن أعادهم الله إلى الدنيا فإنهم سيعودون إلى ما كانوا عليه من قبل , أي يعودون إلى بطر الحق وغمط الناس , أو إلى الكفر أو الشرك أو النفاق , أو إلى التعدي والظلم والإساءة أو ... كيف يمكن أن يكون ذلك ؟!".
فرددتُ عليه بكلام طويل منه ما يلي :
1- هناك صعوبة في فهم هذا من جهة ولكن هناك سهولة في فهمه من جهة أخرى .
2- الآيات الواردة في هذا الموضوع هي " ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المومنين . بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل , ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون " .
3- ما قاله الله وما قاله رسول الله لا يمكن أن يتناقض مع علم صحيح أو مع عقل سليم , ولكن قد لا يدرك العقلُ بعضَـه , وذلك لأن هناك فرقا واضحا وكبيرا بين ما يتناقض مع العقل وما لا يدركه العقل .
4- حلاوة الدنيا ومتاعها الزائل تعمي الناس أحيانا وتصدهم عن معرفة الحق أو اتباعه .
5- يجب أن نسلم بأن كل ما قاله الله صحيح وبأن كل ما قاله رسول الله عليه الصلاة والسلام سليم , ثم بعد ذلك لا بأس أن نحاول أن نفهم ما قال الله ورسوله أو نفهم العلل والحكم والأسباب و ... وأما أن يقول الواحد منا " لا أسلم بشيء من الدين إلا بعد اقتناعي به " , فهذا شأن الكفار وليس شأن المسلمين المؤمنين .
6- سهل جدا أن نفهم كيف أن الإنسان يمكن أن يعود إلى معصية الله من جديد إن أتيحت له الفرصة للعودة إلى الحياة الدنيا مرة أخرى , بدليل أن الناس يرون الموت أمامهم في كل يوم , وبعضهم يرى أباه وأمه وأخاه وأخته وابنه وابنته و ... يموتون أمامه , ومع ذلك هو بعد الدفن ( أو قبله ) مباشرة , هو راجع إلى الدنيا وإلى مبارزة الله بالمعاصي والذنوب والآثام وكأنه لم ير الموت أمامه قبل قليل فقط .
وهذا أمر ملاحظ ومشاهد في كل حين وآن .
7- سهل جدا أن نفهم كيف أن الإنسان يمكن أن يعود إلى معصية الله سبحانه من جديد إن أتيحت له الفرصة للعودة إلى الحياة الدنيا مرة أخرى , كما قال الله تعالى " ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه , وإنهم لكاذبون " , بدليل أن هناك الكثيرين من الناس يبلغ الواحد منهم ال 70 أو ال 80 أو ال 90 من عمره وهو ما زال مصرا على مبارزة الله بالكبائر بالليل والنهار ومع سبق الإصرار والترصد .
وأذكر هنا وبهذه المناسبة رجلا ( نفرض أن اسمه خالد ) عمره حوالي 50 سنة له زوجة وأولاد , جاءني منذ حوالي عامين مع أبيه ( عمره حوالي 85 سنة ) . جاءني خالد من أجل أبيه الذي يقضي في كل أسبوع حوالي 3 أيام في دار امرأة مطلقة يزني بها وكأنها زوجته , وبقية ال 4 أيـام يقضيها أبو خالد مع أهله وكأن شيئا لم يحدث .
طلب مني خالد أن أرقي أباه لعله مسحور من طرف هذه العاهرة , ولكن وبعد أن حكيتُ مع أبيه وسمعت منه ثم رقيته عرفتُ أن أمره لا علاقة له بالسحر لا من قريب ولا من بعيد , وإنما هي شهواته وأهواؤه وشيطانه التي تركها تستولي عليه إلى درجة أنه أصبح كالمجنون – والعياذ بالله - وهو ليس مجنونا .
أفهمتُ خالدا بأن أباه يحتاج لمن ينصحه لا لمن يرقيه , وأنه هو محتاج إلى إرادة قوية وإلى عزيمة جبارة من طرفه هو من أجل التغلب على نفسه والتوقف في الحين عن الزنا . نصحتُ الأبَ بما يناسب خلال حوالي 45 دقيقة , ثم أوصيتُ خالدا بجملة نصائح يمكن أن يتبعها مع أبيه لإعانته على الشيطان والنفس والهوى .
ولكن وللأسف : بعد بضعة أسابيع اتصل بي خالد عن طريق الهاتف وأخبرني بأن أباه ما زال على حاله من الفسق والفجور والعصيان , وما زال على الزنا بالمرأة المطلـقـة لأيام عدة في كل أسبوع يسافر من أجلها حوالي 75 كيلومترا , وما زال الرجل الهرم يبارز الله بالمعاصي وهو شيخ اقترب عمره من ال 90 سنة , وهو شيخ أصبح قاب قوسين أو أدنى من القبر والموت .
أسأل الله لي ولأهل المنتدى جميعا حسن الخاتمة .
اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين , آمين .

314- عندما هددني تلميذ بالضرب بسبب أنني منعته من الغش !:

أول أمس مساء ( 10 جوان 2009 م ) كنتُ أحرس تلاميذ قسم من الأقسام في امتحان البكالوريا . وكما قلتُ من قبل وفي الشهور الماضية فإن مستوى التعليم في بلادنا ( سلوكا واجتهادا ) هو في انحدار رهيب , والأسباب متعددة ومتنوعة , والمسؤوليات كثيرة ومتداخلة .
وهذا الذي وقع لي يوم الأربعاء الماضي مع تلميذ من التلاميذ هو مثال بسيط ضمن آلاف الأمثلة على هذا الانحطاط في مستوى التعليم في بلادنا الجزائر خاصة .
وأنا أراقب تلاميذ القسم ( من الثالثة مساء إلى السادسة مساء ) لاحظتُ بأن تلميذا ينظر من طاولته القريبة من طاولة من هو أمامه , كان ينظر إلى ورقة زميله الذي يجلس أمامه وينقل منها ما يريد أو يتيسر له أن ينقل . طلبتُ من التلميذ برفق أن يؤخر طاولته قليلا إلى الوراء , وقد كان بإمكاني – قانونيا - أن آخذ منه أوراق الإجابة وأكتب به تقريرا بتهمة الغش , وسيحرم عندئذ من المشاركة في امتحان البكالوريا لمدة خمس سنوات مقبلة .
سألني " لماذا أؤخر طاولتي ؟!" .
قلتُ له " هكذا ... أو حتى لا يُـقلق أحدُكما – أنت وزميلك – الآخرَ ".
قال " لن أتأخر إلى الوراء ".
قلت له " بل ستفعل " .
غضب وأخذ أوراق إجابته وأرجعها إلى الحراس الخمسة وأراد أن ينصرف مع أنه في الساعة الأولى من وقت الامتحان . قلتُ له " أنا لم أطلب منك مغادرة القاعة ولكنني فقط طلبتُ منك سحب طاولتك قليلا إلى الخلف ".
بدأ يرفع صوته بالكلام والاحتجاج حتى شوش على زملائه داخل القاعة وفي القاعات المجاورة .
قلت له " يا هذا ارجع إلى الوراء وأكمل امتحانك ... ثم لا بأس أن نكمل المناقشة أنا وإياك بعد الامتحان وأمام القاعة في هدوء وراحة واطمئنان ".
قال لي عندئذ بلهجة وقحة جدا فيها من سوء الأدب وقلة التربية ما فيها " لا حديث لي معك داخل المؤسسة , وإنما سأنتظرك على الساعة السادسة أمام المؤسسة , وسترى ما سأفعل بك "!!!.
قلت له " ما دامت الأمور وصلت إلى هذا الحد , انتظر هنا ولا تخرج حتى أنادي السيد رئيس المركز ليكمل حديثه معك ".
ناديتُ رئيس المركز وأخبرته بما حدث وشهد على ذلك كثيرون كانوا حاضرين هناك .
قال له السيد رئيس المركز عندئذ كلاما طويلا لمدة حوالي 5 دقائق , وكان مما قاله له ما يلي :
1- كلامك مع الأستاذ رميته وقاحة وليس جرأة ولا شجاعة أبدا .
2- إذا أردت أن تكون جريئا وشجاعا فكن في أدبك وسلوكك واجتهادك في الدراسة لا في التعدي على أبيك وأستاذك ومن هو أكبر منك .
3- الأستاذ رميته عبد الحميد الذي كنت تهدده هو أستاذنا وشيخنا وإمامنا , وقد أقبل منك أن تسبني أنا ولكنني لا أقبل منك أبدا أن تسبه هو .
4- الأستاذ رميته الذي كنت تهدده بالضرب هو سيدك وأستاذك وأبوك في نفس الوقت , وأنت بتهديدك له كأنك تهدد أباك أو أمك . لا أدري إن كنت تفهم ما أقوله لك الآن أم لا " ؟!.
أراد التلميذ أن يقول شيئا ليبرر به وقاحته فقاطعه السيد رئيس المركز " لا كلام لك معي الآن . اغرب عن وجهي , وإلا إذا عدت لما قلته للأستاذ مرة أخرى سأطردك من الامتحان نهائيا , ولن تجني في النهاية إلا على نفسك ".
وعندما أراد الانصراف من مركز الامتحان كلمه أحد الإخوة الزملاء من أمانة البكالوريا قائلا " والله يا ولدي لو أردت أن تمس الأستاذ بأي سوء , فإنني أؤكد لك بأنك لن تصل إليه إلا بعد أن تضربَ أو يضربَـكَ حوالي 100 شخصا : حوالي 75 أستاذا حارسا وحوالي 10 أشخاص من الأمانة وحوالي 15 شخصا من الشرطة ورجال الأمن . كل هؤلاء سيقفون لك بالمرصاد بينك وبين الأستاذ رميته , ولن تصل إلى الأستاذ إلا بعد أن تقضي عليهم جميعا أو بعد أن يقضوا عليك أنتَ . إذا فكرتَ في أن تضرب أي أستاذ وبالأخص الأستاذ رميته فاحسب لما قلتُ لك حسابه . ومنه فإذا اعتبرتَ نفسك قادرا على أن تؤذي الأستاذ فأنت واهم ثم واهم .
ثم يا ليتك تكن شجاعا في أدبك وأخلاقك ودراستك عوض أن تكون وقحا . سوء الأدب يقدر عليه كل الناس , وأما حسن الأدب والخلق والحياء والدين فلا يقدر عليه إلا القليل من الناس" .
ثم في النهاية أقول :
1- من أراد العظمة في الدنيا قبل الآخرة لا بد أن يكون مستعدا للتضحية بماله وجهده ووقته و ... وحياته .
ولا ننسى أن بعض التلاميذ قتلوا أساتذتَـهم أخيرا في الجزائر لا لشيء إلا لأن الأستاذ منع التلميذ من الغش .
2- من أراد أن يحبه الناسُ لا بد أن يحب هو الناسَ أولا .
3- التلميذ الذي يهدد أستاذا بالضرب لا يحترمه أحد ولو كانوا أهله وعشيرته . قد يدافع أهله عنه حمية ولكنهم لن يحترموه أبدا , بل هو نفسه لا يمكن أن يحترم نفسه أبدا أبدا أبدا .
والله وحده أعلم بالصواب , وهو وحده الموفق والهادي لما فيه الخير .

315- من أجل خروج سافر لنساء مع عروس تزوج بها أحد أقاربي :

أنا مقتنع كل الاقتناع بجملة مسائل أعتبرها كأنها بديهيات منها :
1- أن أغلب بدع ومحرمات الأعراس سببها نساء , ومعهن رجال تخلوا عن قوامتهم على نسائهم .
2- أن المرأة كما تحترم المحسن إليها هي تحترم كذلك وربما أكثر الحازم والجاد معها , وأما الضعيف مع المرأة فلن تحترمه امرأة أبدا .
3- رضا الناس غاية لا تدرك , والله وحده أحق أن يُـرضى .
4- كن صاحب مبدأ أنت مستعد للتضحية من أجله بالغالي والرخيص من وقتك وجهدك ومالك , يحبك الله ثم الناس . وأما إن لم تكن صاحبَ مبدأ وكانت الدنيا أكبرَ همك ومبلغَ علمك ثم طلبتَ بعد ذلك محبةَ الله ثم الناس فاعلم أنك واهم وكن على يقين من ذلك .
وأذكر بالمناسبة أنني دعيتُ ( منذ حوالي 20 سنة ) أنا وزوجتي للحضور في عرس لأحد أقاربي . وكما كان يحصل في بعض الأعراس كلفني قريبي المتزوج ( صاحب العرس ) بمراعاة الشرع والحلال والسنة خلال العرس وسط الرجال , وطلب مني أن أكلف زوجتي بنفس المهمة وسط النساء . وكان هذا التكليف لي ولزوجتي يتم في بعض الأعراس . وبسبب من ذلك وقبل ذلك وبعد ذلك بتوفيق من الله تعالى وحده , كان العرس يمر والحمد لله على أحسن حال وكما يحب الله ورسوله إلى حد كبير وبعيد . يتم العرس على أحسن حال إذا قبلَ الحاضرون إلى العرس بمسؤوليتنا أنا وزوجتي على مسائل الحلال والحرام والبدعة والسنة و.... وهذا هو الذي كان يحصل دوما وباستمرار , إلا في هذا العرس الذي أردتُ أن أذكر الآن حكايتَـه وخبره . في هذا العرس أوصى الزوجُ أهلَـه بالسمع والطاعة لي ولزوجتي ولكنـهم في آخر المطاف غلبتهم نفوسهم وأهواؤهم وتحكيم العادات والتقاليد البالية فرفضوا في وقت من الأوقات – ولو بأدب – رفضوا الانصياع لأوامري .
أنا مع الرجال وزوجتي مع النساء , أوصينا أهل العرس بجملة وصايا منها وجوب التخلص من بعض المحرمات والبدع التي تقع كثيرا في مناسبات الأفراح والأعراس . ومن هذه المحرمات تبرج النساء اللواتي يصاحبن العروسَ عند خروجها من دار أهلها وهي متوجهة إلى دار زوجها . أكدت لأهل العرس مرات عدة بأنني لن أقبل مع العروس عندما تخرج من بيت أهلها وحتى تصل إلى بيت أهلها , لن أقبل إلا بنساء محتشمات ( بحجاب أو ملاية أو ... ) , وأما المتبرجة فلن أسمح لها أبدا أن تخرج مع العروس .
ذهبتُ يوم الخميس مساء مع زوجتي ومع حوالي 50 شخصا ( نساء ورجالا ) إلى دار العروس حيث مكثـنا هناك حوالي ساعتين , ثم أمرتُ أهلَ العروس بإخراج العروس .
وبعد حوالي ربع ساعة نادتني زوجتي وفالت لي " هناك متبرجات من أهل العروس تردن الخروج مع العروس . ومع أنني أخبرتهن بأن هذا أمر مرفوض وبأن زوجي سيعترض عليكن حتما , ومع ذلك هن مصرات على الخروج متبرجات". طلبتُ عندئذ من صاحب السيارة الأولى ( ضمن حوالي 25 سيارة ) أن يتوقف وأن لا يتحرك حتى أرجع المتبرجات من أهل العروس إلى بيت العروس , إما من أجل أن يغيرن لباسهن أو يُـغـيَّـرن بنساء أخريات ملتزمات باللباس الإسلامي وبالحجاب أو الملاية أو ...
دار حوار طويل وعريض في دار العروس ثم كلموا البعضَ من أهل العريس الذين اتصلوا بي وقالوا لي " يا شيخ عبد الحميد , رجاء لا تعمل لنا مشكلة مع أهل العروس . معك حق 100 % , ولكن الأفضل أن لا نحدث مشكلة وأن لا نغضب أهل العروس " .
قلت لهم " لقد أوصاكم العريسُ بالسمع والطاعة وبالتزام الحلال والسنة في كامل العرس ... والله أحق أن يُـرضى ... تأكدوا أن العروس وأهلها لن يحترموا في النهاية إلا من أطاع الله وحاول إرضاءه , وأما من أرضاهم في سخط الله فلن يحترموه أبدا ... " .
ولكنهم أجابوا " كلُّ ما قلته يا عبد الحميد صحيح وصواب , وأنت عندنا عزيز جدا , ونحن نعلم بأن العريس أوصانا بالسمع والطاعة لك , ولكن رجاء سلم لأهل العروس في هذا المرة فقط ... " .
ابتسمتُ وقلت لهم " هذه نكتة ... أنتم تحترموني ولكنكم لا تسمعون كلامي , هذا أمر مضحك للغاية ".
أعطيتهم مهـلة لحوالي 5 دقائق , ولما أصروا على الخضوع لأهل العروس وللمتبرجات , ناديتُ زوجتي أمام أكثر من 200 شخصا من أهل العروس والعريس , وتحركتُ معها على أرجلنا لحوالي 1 كيلومتر حيث أخذنا سيارة أجرة واتجهنا لوحدنا من خلال طريق آخر نحو دار العريس التي تبعد عن دار العروس بحوالي 7 كيلومترا .
وبعد وصول موكب العرس الماجن والمائع والمنحل والسافر , وبعد أن سمع العريسُ بخبر ما وقع لام ووبخ وعاتب أهلَـه الرجال بشدة , ثم جاء واعتذر إلي بسبب خذلان أهله لي , ثم جاء أهله واعتذروا إلي .
قلتُ لهم " هذا هو الذي يقع في كثير من الأحيان المشابهة : ترضون المخلوق ثم تندمون بسرعة , تعصون الخالق ثم تندمون بسرعة وهكذا ... ما قيمة اعتذاركم إلي الآن ؟!. الله أحق أن تتوبوا إليه ... ما الذي بقي لكم من معصيتكم لله ؟!. ألم تعلموا أن كل معصية لذيذة ولكن لذتها تزول ويبقى عقابها , وأن كل طاعة متعبة ولكن تعبها يزول ويبقى ثوابها ... ثم أتظنون بأن المتبرجات اللواتي حاولتم إرضاءهن سيحترمنكم , إن هذا مستحيل . ثم أتظنون بأن أهل العروس يحترمونكم بسبب ما فعلتم , هذا مستحيل ... يا ليتكم تعلمون بأن الراحة والهناء والساعة لن تحصلوا عليها إلا بطاعة الله وحده , ولن يحبكم الناس الحب الحقيقي إلا إذا أطعتم الله فيهم ..." . فسكتوا وطأطأوا رؤوسهم معترفين ضمنيا بسوء ما فعلوا .
اللهم أصلح أحوالنا وغلبنا على أنفسنا وعلى الشيطان .

ليست هناك تعليقات: