الاثنين، 15 يونيو 2009

وقفات مع ذكريات من 291 إلى 300 :

بسم الله
عبد الحميد رميته , الجزائر

291- قيل لنا " أنت غائب " , إذن أنت غائب !!! :
هذه حادثة وقعت لي اليوم على الساعة 3.55 مساء من يوم الأربعاء 15/04/2009 م بالثانوية التي أدرس بها منذ 1984 م . لي ولد عمره 15 سنة يدرس في السنة 4 متوسط , أدخلته إلى المستشفى ( بمدينة ... ) يوم الأحد 12/4/2009 م من أجل إجراء عملية جراحية تمت والحمد لله بنجاح , واحتجتُ اليوم ( الأربعاء ) إلى أن أذهب إلى المستشفى بمدينة ... من أجل إخراج الإبن والإتيان به إلى البيت ليرتاح فيه حوالي أسبوعين قبل أن يشفى من مرضه تماما بإذن الله تعالى . استأذنتُ من السيد مدير الثانوية من أجل أن أغيب أمسية اليوم , أي أغيب عن التدريس لمدة 3 ساعات ( من الساعة 2 إلى الساعة 5 مساء ) , فأذن لي السيد مدير الثانوية ودعا للولد بالشفاء وقال لي " نلتقي غدا صباح الخميس بإذن الله تعالى " . ولكن نظرا لأنني أخرجتُ ابني من المستشفى وأوصلته إلى بيتي على الساعة 3.30 مساء , فإنني عزمت على أن أدرس تلاميذ قسم من الأقسام من الساعة الرابعة إلى الخامسة . ذهبت إلى الثانوية حوالي الساعة 3.55 فوجدت التلاميذ يهمون بالخروج من القسم لينصرفوا إلى بيوتهم على اعتبار أن إدارة الثانوية أخبرتهم بأن
" الأستاذ رميته " غائب اليوم عنكم من ال 4 إلى ال 5 مساء .
فوجئ التلاميذ بي أمامهم فقالوا لي " يا أستاذ أنت غائب هذا المساء "! .
قلتُ لهم " لكنني الآن أمامكم " .
- ولكن الإدارة أخبرتنا بأنك غائب !.
- ولكنني حضرتُ .
- وبقينا حوالي دقيقتين مع " أنا حاضر " , " بل أنت غائب "!!! .
وكأن لسان حال التلاميذ يقول ( قالت لنا الإدارة " أنت غائب " , إذن أنت غائب . نحن لا نعرف إلا هذا , نحن نصدق الإدارة ونكذب أعيننا ) !!!.
وفي النهاية دخل نصف تلاميذ القسم إلى القاعة حيث قدمت لهم الدرس وغاب النصف الآخر على اعتبار أن
" الإدارة قالت لنا بأن الأستاذ غائب إذن هو غائب " !!!.
ثم أقول كما قلتُ منذ أيام " إلى أين يتجه التعليم في بلادنا ؟! . لا أدري ثم لا أدري " .
292- بين الشجاعة والانتحار : أنا أتذكر أنني عندما سجنتُ مرتين ( مرة لمدة عام ونصف ومرة لمدة 3 أشهر ونصف ) من طرف المخابرات الجزائرية كنتُ باستمرار أقول للجلادين " هذه عنقي إن أردتم قتلي , وهذه يدي ورجلي إن أردتم تقييدي , وهذا جسدي إن أردتم تعذيبي , ولكن ثقوا بأنكم لا تملكون إلا جسدي وأما روحي فهي لله وحده ولن تنالوا منها شيئا " . وكان جميع الجلادين يفهمون من كلامي هذا بأنه شجاعة وجرأة مني , ولذلك فإنني كلما تعاملتُ معهم بهذه الطريقة وضُح عندهم أكثر بأنني أكبرُ منهم بكثير , ومنه فإنهم يلجأون من أجل الانتقام إلى زيادة سبي وشتمي وتعذيبي وسب الله والرسول والإسلام والمسلمين و...أمامي . وأنا أقسم بالله أنه لا أحد من الجلادين كان يفهم من تسليم جسدي لهم وأنا مرفوع الرأس ومبتسم , ما كان أحدٌ منهم يفهم أبدا بأن ذلك ضعف مني أو محاولة انتحار !!!. وكل الجلادين الذين يلتقون بي اليوم
( خارج السجن ) يحترمونني كثيرا ويستحون حتى أن يرفعوا رؤوسهم أمامي , لأنهم عرفوني شجاعا لا محاولا أن أنتحر .!!! وكذلك فإن كل الناس الذي حكيتُ لهم بالتفصيل ما وقع لي في السجن , كلهم فهموا جميعا وبلا استثناء أنني كنت شجاعا وجريئا ومقداما وعزيزا ( بالله بطبيعة الحال ) وبأنني كنتُ كبيرا وأما الجلادون فكانوا صغارا جدا . وأنا أحلف مليون مرة أنه ما فهم واحدٌ من الناس مهما كان جاهلا أو حاقدا أو بنصف عقل أو بعُشر عقل أو ... ما فهم أبدا ولو لثانية واحدة من الزمان ما فهمه الأخ ... عندما اتهم سيد قطب بأنه انتحر وهو يسلم نفسه لجلاديه !!! .
293 – إذا كان أقـرب الناس إليك لا يحترمك !:
اتصل بي في يوم من الأيام ( منذ حوالي 15 سنة ) , اتصل بي مسؤول على مؤسسة تعليمية معينة من أجل التوسط لدى واحد من أعز أصدقائه ( كما قال عنه هو ) وذلك لأرقي ابنته , أي ابنة هذا الصديق . طلبتُ من هذا المسؤول ( ولنفرض بأن اسمه صالح ) , بأن يترك التوسط لأنني لا أحب أية وساطة من أجل الرقية , وقلتُ له " أنا أريد إزالة الحواجز بيني وبين الناس من أجل الرقية . دع صاحبك يتصل بي , وإذا كانت الرقية تلزم ابنـته فسأعطيه موعدا بإذن الله تعالى , سواء كنتُ أعرفه أم لم أكن أعرفه ". حاول معي صالحٌ من أجل أن أعطيه هو الموعد لصاحبـِـه , ولكنني رفضتُ وأصررتُ على الرفض . اتصل بي صاحبه ( العزيز أو الأعز ) بعد أيام قليلة , وبعد أن سمعتُ منه حكاية ابنته أعطيته موعدا حتى أرقي ابنـته في اليوم ( كذا ) بعد العصر وعلى الساعة ...
ذهبتُ إلى دار هذا الشخص في الموعد المحدد وسمعتُ من ابـنـته ثم رقيتها . وقبل أن أخرج من داره أذن المؤذن لصلاة المغرب . استأذنتُ من أهل البيت في أداء صلاة المغرب في البيت , " ثم أقدم بعض النصائح للمرأة التي رقيتها ثم أخرج ".
صليتُ المغرب ثم جلست مع المرأة التي رقيتها ومع أمها وأبيها , ووجهتُ المرأة إلى جملة أشياء من شأنها أن تساعدها على سرعة الشفاء بإذن الله تعالى .
وعندما هممتُ بالخروج من دار الرجل ( أبي المرأة التي رقـيـتُـها ) استوقفني الرجل وزوجته على اعتبار أن العَـشاءَ جاهزٌ ( وكان واضحا أنهم جهزوا عشاء من أجلي أنا بالذات ) . قلتُ لهم " جزاكم الله خيرا كثيرا , ونيتكم طيبة , و ... ولكن يستحيل علي أن أتعشى في دار رقيتُ واحدا من أهلها . لن أفعل هذا أبدا , لأنني أرى أن هذا قد يكون مقدمة لأن آخذ في يوم من الأيام أجرا على الرقية , وأنا عاهدت نفسي على أن لا آخذ أجرا على رقية أبدا . لا داعي لأن تتعبوا أنفسكم , ولا داعي لأن تلحوا علي , لأنني لن آكل شيئا عندكم مهما ألححتم ".
نظر إلي الرجل عندئذ وابتسم قائلا " ما زال الخير في هذه الدنيا يا أستاذ عبد الحميد ".
ثم أضاف مبتسما أو ضاحكا ضحكة فيها تعجب من شيء وإعجاب بشيء آخر " آه يا شيخ ... لو حضر معك صالحٌ , لفرح كثيرا بسبب أنك لن تأكل شيئا , لأنه هو الذي سيتولى أكل نصيبك أنتَ ونصيبه هو , ولا أدري إذا كان ذلك سيكفيه أم لا . صالحٌ يقول عن نفسه دوما [ على كَـرشي نخلي عرشي ] , أي من أجل بطني , أنا مستعد لأن أدمر عرشي أو ملكي أو سلطاني "!!!.
قلتُ لنفسي عندئذ " بغض النظر عن الغيبة التي وقع فيها هذا الرجل اتجاه صاحبه " , " ما أسوأ حال الواحد منا إذا كان أقربُ الناس إليه وأعزُّ الناس عنده لا يحترمه , بل يسخر منه ويستهزئ به بمناسبة وبدون مناسبة ".
وصدق من قال " إذا أردت أن يحبك الله ثم يحبك الناس فازهد فيما في أيدي الناس " . وأما إن كنتَ متكالبا على ما في أيدي الناس , فلا داعي لأن تتعب نفسك وتتمنى محبة الناس لك واحترامهم إياك . إن ذلك مستحيلٌ مليون مرة , وإنك بذلك تكون كمن يصرخ في واد أو يزرع في رماد .
والله أعلم بالصواب .
294 – بسبب رفضي للجلوس في سيارة إلى جانب امرأة ! :
منذ أكثر من 25 سنة , ومع بداية اشتغالي بالتعليم في ثانوية حيث كنتُ أعزبا لم أتزوج بعدُ , كنتُ متجها من مدينة قسنطينة – عبر سيارة الأجرة - إلى مدينة ميلة ( المسافة بينهما 45 كلم ) . والسيارة فيها 6 أماكن بدون حساب مكان السائق . ركبنا في السيارة نحن 5 أشخاص : إثنان في الخلف وواحد في الأمام إلى جانب السائق وإثنان في الوسط . إذن بقي مكان شاغرٌ في وسط السيارة , لأن الوسط يسع 3 أشخاص . جلستُ أنا في الوسط إلى جانب شاب آخر لم يعجبني من البداية , لأنه ظهر لي بأن شكلي أنا المتدين ( بلحية ) لم يستسغـه هو , خاصة وأن أنظار الكثير من الناس – سلطة وشعبا - في ذلك الوقت كانت متجهة إلى الشباب المتدين ( الذكور بلحاهم والإناث بحجابهن ) .
وفي وسط المسافة بين المدينتين أوقفتنا شابة متبرجة جدا جدا في الطريق لتركب معنا من ذلك المكان وحتى مدينة ميلة . أردتُ أن ألجئها إلى الجهة الأخرى حتى تجلس بجانب الشاب الآخر ولا تجلس بجانبي أنا . ولكن الشاب بدا لي ( وأنا لستُ متأكدا من ذلك بطبيعة الحال ) بأنه يريد أن يُـحرجني , فأصر هو على أن الشابة تجلس بجانبي أنا . اتجهت المرأةُ إلى جهتي أنا فرفضتُ أن تجلس إلى جانبي كما رفضتُ أن تجلس بيني وبين الشاب , وأصررتُ على أن تجلس بعيدا عني , وفي الجهة الأخرى من السيارة , ويبقى الشاب بيني وبينها .
انزعج السائق ( الذي لم أكن أعرفه ) من ترددنا , فقال للشابة غاضبا " ادخلي إلى السيارة بسرعة واجلسي على يمين السيد ... ( وكان يقصدني ) , وإلا فإنني أواصل سيري ولا أنتظرك أكثر مما انتظرتكِ " . أرادت الشابة الدخولَ فعزمتُ أنا عندئذ على النزول من السيارة حيثُ أعطيتُ تكلفة السفر للسائق أمام اندهاشه هو واندهاش بقية الركاب ومعهم الشابة المتبرجة . وقلت للسابق " سألحق أنا بإذن الله على رجلي أو في سيارة أخرى .
لا تقلقوا من أجلي . رافقتكم السلامة . السلام عليكم ورحمة الله وبركاته " !.
انتظرتُ على قارعة الطريق لحوالي نصف ساعة , ثم مرت بي سيارةٌ أخرى ركبتُ فيها حيثُ أوصلتني إلى مدينة ميلة , والحمد لله رب العالمين .
ملاحظـتـان :
1- السائق وكذا بقية الركاب ومنذ تلك الحادثة أصبحوا كلما رأوني جروا إلي وأحسنوا استقبالي و... , وهم لا ينادونني حتى الآن إلا ب " يا شيخ ... يا أستاذ ..." , وهذا دليل على أنهم علموا بأن موقفي مع الشابة هو موقف شجاع وعفيف وشريف و ...2- الموقف المذكور هنا فيه احترام للمرأة وليس فيه أي ازدراء أو احتقار لها . أنا تصرفتُ معها كما تصرفتُ , لأنني أحترم المرأة وأحب لها ما أحب لبناتي ولنساء أهلي . أنا لم أجلس بجانبها ولم أحتك بها , تماما كما لا أحب لأجنبي أن يجلس بجانب ابنتي ويحتك بها .
وقبل أن أختم أعلق على القصة القصيرة ببعض التعليقات البسيطة :
1-حجابُ المرأة يًـجمِّـلها جمالا يجعل الرجلَ يحترمها ويقدرها , وأما تبرجها فيُـجمِّـلها جمالا يجعل الرجلَ يطمع فيها ويشتهيها .
2- جلوسُ رجل بجانب امرأة وهو ملتصق بها فخذا إلى فخذ , جلوس حرام بكل تأكيد , والسبب واضح لا يحتاج إلى بيان , ومن قال " ليس في ذلك شيء " هو إما جاهل أو مخادع .
3- من يحرم نفسه من لذة معصية , يعوضه الله غالبا بلذة طاعة هي أكبر وأعظم بكثير من اللذة الأولى .
4- السير الحلال راجلا ولو لعشرت الكيلومترات , هو خير وأفضل بكثير من الركوب الحرام ولو لدقائق معدودات .
5- يجب أن يكون المؤمن معتزا كل الاعتزاز بدينه " ولله العزة ولرسوله وللمومنين " . وأما إن سخر منه ساخرٌ فليقل له تلميحا أو تصريحا " إن تسخروا منا , فإنا نسخر منكم كما تسخرون " .
والله وحده الموفق والهادي لما فيه الخير .
295- آه كم كانت قيمة فنجان الحليب عظيمة ! :
خلال فترة السجن التي قضيتُـها فيما بين سبتمبر 85 وجانفي 86 م في 4 سجون جزائرية عُـذِّبت خلالها أكثر بكثير مما عُـذبت خلال فترة السجن الأولى التي استمرت معي لمدة عام ونصف , أي من نوفمبر 82 إلى ماي 84 م , مرت بي أحداث جسام بعضها حلو وبعضها مر , ولكن الكل فيه عبرة وعظة بإذن الله تعالى .
ظروف المعتقل الانفرادي في زنزانة خاصة بي كانت سيئة جدا , من حيث الأكل والشرب والفراش والغطاء واللباس , والحاجة إلى الوضوء والغسل والتيمم , وكذا إلى الضوء والهواء , وإلى النوم , وإلى الراحة والهدوء , وكذا الرغبة في البقاء ولو ليوم واحد بدون تعذيب جسدي ونفسي و ...
ومن مظاهر معاناتنا في الزنزانة الأكل القليل وغير الصحي والوسخ والأكل بدون ملعقة و ...
ومما مر بي خلال تلك الفترة من أحداث صغيرة ولكن فيها عبرة : فنجان الحليب الذي كنت أشربه كل صباح حوالي الساعة 6.00 صباحا .
كان الحارس الجلاد القاسي الغليظ العنيف الفظ ... يأتينا في كل يوم على الساعة السادسة صباحا بفنجان حليب ساجن , فنجان وليس كأسا , أي أن كميته قليلة بالمقارنة مع كمية الحليب العادية التي يشربها أغلبية الناس في بيوتهم في اليوم مرة أو مرتين , سواء كانوا صغارا أو كبارا , رجالا أو نساء . وكان الجو البارد من جهة والجوع والعطش من جهة ثانية , وكذا المعاملة الفظة الغليظة التي كنا نُـعامَـل بها في المعتقل من جهة ثالثة , كل ذلك كان يجعل فنجان الحليب يتحول في نظري إلى كنز من الكنوز الـثميـنـة للغاية والغالية جدا . كنتُ أمسكُ بفنجان الحليب بقوة وأحيطه بيدي الاثنـتين من أجل التدفئة من جهة , ومن جهة أخرى كأنني أخاف أن يطير أو يتبخر الحليب من بين يدي . أشرب الجرعة الصغيرة الواحدة في كل دقيقة تقريبا , وأقسِّم الفنجان إلى حوالي 30 جرعة خلال 30 دقيقة تقريبا . أشرب الجرعة الواحدة وأستمتع بهذا الشرب كل الاستمتاع وكأنني آكل اللحم أو الكبد أو كأنني أشرب العسل المصفى أو ... كنت أشرب الجرعة الواحدة من الحليب الدافئ وكأنني ملِك أو سلطان أو رئيس دولة أو ... كنت أشرب فنجانَ الحليب وأقول في نفسي " أنا في نعمة لو علم بها من سجنني لقاتلني عليها بالسيف " .
كنتُ أستمتع وأتلذذ كثيرا بشرب الحليب من هذا الفنجان الصغير , وأتمنى لو يبقى فنجان الحليب عندي لأقسَِمه إلى ألف قسم أو ألف جزء , ولأسـتمتع بالشرب لأطول مدة ممكنة , ولو استمر شربي للحليب ليوم كامل . ولكن ليس كل ما يتمنى المرء يدركه , ومنه فعندما تصل السادسة والنصف ( أي بعد نصف ساعة من بدء شربي للحليب ) يفتح الحارسُ الجلاد نافذة زنزانتي الصغيرة ليطلب مني فنجان الحليب الفارغ , ويا ويلي إن رفضتُ إعطاءه الفنجان أو طلبتُ وقتا إضافيا لزيادة الاستمتاع بشرب الحليب .
وعندئذ وعندئذ فقط انتبهتُ إلى أن شربَ الحليب نعمة عظيمة , وإلى أن الأكل والشرب نعمة عظيمة , وإلى أن الحرية نعمة عظيمة , وإلى أن الإسلامَ أعظمُ النعم وأجلُّـها على الإطلاق , وإلى أن نعم الله علينا لا تعد ولا تحصى , ولكن قل من يشكر الله عليها .
يا رب إذا أنعمت علينا فاجعلنا من الشاكرين , وإذا ابتليتنا فاجعلنا من الصابرين , آمين .
296- أنا أخاف على نفسي من تدريس متبرجات تبالغن في التبرج ! :
كان يا مكان في سنة من السنوات حيث كان عمري 23 سنة ( ما زلتُ أعزبا ) , وحيث كنتُ أُدرِّسُ تلاميذَ ثانوية من ثانويات الجزائر الطويلة والعريضة . ولأنني كنتُ صغيرا في ذلك الوقت فإن سني أكبر من سن التلميذ أو التلميذة في الثانوية ب 3 أو 4 أو 5 سنوات فقط , ومنه يمكن أن أعتبر نفسي فقط أخا أكبر قليلا لأي تلميذ , لا كشأني اليوم ( 2009 م ) حيث سني أكبر من سن التلميذ بالثانوية بأكثر من 3 مرات , ومنه فأنا في مرتبة الأب لأي تلميذ .
في تلك السنة وعندما اقتربت نهاية السنة الدراسية واقتربت معها أيامُ الصيف الساخنة , أي في الأيام الأولى من شهر ماي قلتُ للتلميذات " رجاء ثم رجاء ليست لي سلطة أقدر من خلالها على أن أفرض عليكن الحجاب الشرعي , ولكنني أتمنى أن تلتزم كل واحدة منكن على الأقل بلباس محتشم , وإلا فإن اللباس المتبرج جدا والفاضح للغاية هو فضلا عن كونه حرام بكل تأكيد هو كذلك مخالف للقوانين الداخلية للمؤسسة . رجاء احترمننا يا تلميذات نحن معاشر الرجال , سواء كنا أساتذة أم تلاميذ أم مراقبين أم عمالا أم إداريين أم ...".
وبعد يومين أو ثلاثة دخلت إحدى تلميذاتي في قسم من الأقسام , دخلت عندي إلى القسم بلباس فهمَ منه كل التلاميذ حينذاك بأن التلميذة تقصد إثارتي واستفزازي وتحدي توجهي الديني .
ملاحظتان : 1- كثير من تلاميذ المؤسسة أصبحوا من خلال الدعوة إلى الله التي كنتُ أمارسها داخل المؤسسة وخارجها في ذلك العام , أصبحوا يصلون والكثيرات من تلميذات المؤسسة بدأن ولأول مرة يلتزمن باللباس المحتشم قبل أن تلبسن الحجاب الشرعي بعد ذلك بعام . وكان هؤلاء التلاميذ المتدينون وأولئك التلميذات المتدينات كانوا هم الأوائل في المؤسسة من حيث مستواهم العلمي وكذا الأدبي والأخلاقي .
2-وبسبب من ذلك وجه إلي السيد مدير المؤسسة إنذارا على اعتبار أنني أفسدُ تلاميذَ المؤسسة لأنني أُعلمهم الدينَ الإسلامي !!!. وبسبب من ذلك كذلك قال السيد المدير لبعض المقربين إليه " أكبر خطإ ارتكبته في حياتي هو أنني قبلتُ في بداية هذا العام الدراسي , قبلتُ الأستاذ ( رميته عبد الحميد ) مدرسا وأستاذا في المؤسسة التي أديرها أنا "!!!.
ثم أكمل القصة : عندما دخلتْ التلميذة بذلك اللباس المتبرج جدا والفاضح جدا , لأنه وبكل تأكيد يكشف من جسدها أكثر مما يستر , عندما دخلتْ على تلك الهيأة قلتُ لها في الحين " اخرجي " .
خرجت التلميذةُ من القسم وذهبت إلى السيد مدير المؤسسة لتشتكي أستاذها , وبعد قليل جاءني مستشار تربوي ( مراقب ) وقال لي " المدير يطلبك في مكتبه يا شيخ عبد الحميد ". ذهبتُ إليه , وعندما سألني عن سبب إخراجي للتلميذة أخبرته بالقصة , وأكدتُ له بأن لباس التلميذة ليس مخالفا للشرع الإسلامي فقط بل هو كذلك مخالف لقوانين المؤسسة , و " لو كنتم تطبقون القانون لطردتم التلميذةَ من أمام المؤسسة وقبل أن تصل إلي أنا , أي إلى القسم ". قال لي " أنا أعرف , ولكن ... " . وخلال نقاش استمر حوالي 15 دقيقة بيني وبين المدير , هو هددني بأنه سيتخذ إجراءات صارمة ضدي , وأنا أكدتُ له بأنني لن أقبل هذه التلميذة وبلباسها هذا في قسمي حتى ولو طُـردتُ نهائيا من عملي بالمؤسسة أو من كل التعليم لأن الرزق على الله وحده . وبالفعل كان لي ما أردتُ أنا – والحمد لله - لأن المدير اضطر ليطلبَ خلال بقية اليوم من التلميذة أن تتخلى عن لباسها هذا , ودخلتْ إلى قسمي بعد ذلك – في اليوم الموالي - بلباس عادي كما كانت تلبسُ من قبل وكما تلبس زميلاتُـها في القسم .
ملاحظة : التلميذة المذكورة في حكايتي هذه هي الآن متزوجة بمسؤول كبير وعندها أولاد وبنات , وزوجها يعرفني جيدا ويحترمني كثيرا ويقول لي بأن زوجته تقول له باستمرار " بلغ للأستاذ رميته ما يلي : أعتذر أولا عما سببته له في يوم ما من حرج ومن مشاكل مع إدارة الثانوية ومن ... ثم ما كان مني أنا في يوم من الأيام هو مجرد طيش أولاد وبنات ... ثم ما فعله معي الأستاذ في ذلك اليوم هو عين الحكمة ولو كان مؤلما جدا في حينه ... ولو أخطأتْ ابنتي اليوم مع أستاذها كما أخطأتُ أنا في يوم ما مع الأستاذ رميته , فإنني أتـمنى لأستاذها أن يتصرف معها كما تصرف الأستاذُ رميته معي , مهما كان تصرفه قاسيا علي ومهما تمت هذه القسوة مع ابنتي التي هي أغلى شيء عندي ".
ثم أواصل : ومن الكلمات التي قلـتُـها أنا خلال نقاشي مع المدير كلمة معينة أثارت استغرابَـه الشديد وتعجبَـه الكبير , وذلك عندما قلتُ له من ضمن ما قلتُ " أنا شاب صغير وغير متزوج وأُدرس تلميذات في مثل سني أنا تقريبا , ومنه فأنا أخاف على نفسي من الفتنة وأنا أدرس تلميذة بهذا التبرج المثير والفاتن !". بقي المدير لشهور عدة وهو يردد كلامي هذا على أساتذة الثانوية أحيانا متعجبا وأحيانا أخرى ساخرا " أنظروا إلى الأستاذ رميته المتدين والشيخ والذي يؤم الناس أحيانا في الصلوات و ... هو يخاف على نفسه من فتنة النساء أو من فتنة البنات . ما أعجب أمر الأستاذ وما أغربه . إنه أمر لا يُصدَّق !!! ".
والحقيقة هي أنني لست غريبا ولا عجيبا وكلامي ليس غريبا ولا عجيبا ولا شاذا , وإنما هو طبيعي جدا وللغاية.
1- القول بأن التلميذة التي عمرها 16 أو 17 أو 18 سنة هي بنتي أو عوض بنتي (مهما كانت متبرجة ) , ومنه فلا بأس أن أنظر إلى عورتها كما أشاء وأن أمسها كما أشاء وأن أختلي بها كما أشاء و ... لأنها في مرتبة ابنتي , هذا كله كلام فارغ لا قيمة له شرعا ومنطقا وعرفا وعادة و ... ووالله إن الذي يقوله إما مريض أو أنه يكذب على نفسه . هي ليست بنتي وأنا أنظر إليها حين أنظر إليها على اعتبار أنها أجنبية لأنها أجنبية بالفعل وهي في السن الذي يجعلها مرغوبا فيها من طرف أي رجل . ولو نظرتُ إلى تلميذة عمرها 17 سنة مثلا وهي في كامل زينتها ثم قلتُ " وماذا في ذلك ؟! إنها ابنتي !" , والله أنا أكذب عندئذ مليون مرة . وأما إن أردتُ أن أتعامل مع التلميذة على اعتبار أنها ابنتي , تعاملا يحبه الله لي ويرضاه الله لي , فيجب علي أن أنصحها وأوجهها وأتمنى لها الخير والعفاف والشرف والطهر والأدب والأخلاق والدين و ... الذي أحبه أنا لابنتي أو لنساء أهلي . ثم بعد ذلك يجب علي أن لا أمسها ولا أنظر إلى عورتها ولا أقـبلها ولا أداعبها ولا أختلي بها ولا ... لأنها حقيقة وشرعا أجنبيةٌ عني وليست أبدا محرما من محارمي .
هكذا يجب أن يتعامل الواحدُ منا مع أجنبية عنه , وإلا بلاش .
2-رغبة الرجل في المرأة رغبة فطرية وغريزية كالرغبة في الأكل والشرب , ولا علاقة لها أبدا بكون الرجل متدين أم لا , قوي الإيمان أو ضعيف الإيمان , قريب من الله أم بعيد عن الله . نعم قوي الإيمان يمنع نفسه من الحرام وأما ضعيف الإيمان فقد يطلبُ المرأة بالحلال والحرام , ولكن الرغبةَ في حد ذاتها في المرأة موجودةٌ عند الرجل كل رجل , مهما كان أتقى الناس أو كان أفسقَـهم .
3- خوفي على نفسي من فتنة النساء أو من فتنة تلميذات دليلٌ على صحة إيمان وإسلام , أي أنني أخافُ على نفسي أن أعصي الله تبارك وتعالى . ومنه فأنا أُبعدُ عن نفسي الفتنة حتى أُدرِّسُ التلاميذ وأنا طائع لله , وأُدرسُ التلميذات وأنا بعيدٌ عن ارتكاب أي حرام مع تلميذة ولو من خلال النظرة الحرام ... وبذلك أنا أضربُ عصفورين بحجر واحد كما يُقال .
4- خوفي على نفسي من فتنة النساء أو من فتنة التلميذات دليل على صحتي البدنية والعضوية وعلى أنني رجل سليم وصحيح ومعافى . وأما لو قلتُ " أنا ليست لي أية رغبة في النساء بشكل عام , والمرأة عندي هي مثل الطاولة أو الكرسي أو القلم أو الطباشير أو ... هي لا تعني بالنسبة إلي أي شيء " , فإنني بذلك أقدم الدليلَ القطعي على أنني مريضٌ ويلزمني طبيبٌ . وكل رجل يقول بأنه لا يرغب في المرأة أصلا , هو إما كاذب وإما مريض , وليس هناك احتمال ثالث .
وفقني الله وأهل المنتدى جميعا لكل خير , آمين .
297- قالت لي " رأس ابني ( خشين) " !!! : ليس كل ما يبدو للشخص بأنه يراه هو يراه بالفعل لأنه ربما يبدو له فقط بأنه يرى كذا , وهو في الحقيقة لم ير شيئا . وليس كل ما يبدو للشخص بأنه يسمعه هو يسمعه بالفعل لأنه ربما يبدو له فقط بأنه يسمع كذا , وهو في الواقع لم يسمع شيئا . وما أكثر ما قال لنا قائل
" في الطريق يبدو لي بأنني أسمع شخصا يناديني باسمي , ولكنني عندما أستدير إلى الخلف لا أجد أحدا " !.
وهذا أمر يمكن أن يقع شيء منه لكل الناس أو لأغلبيتهم , ولا يجوز أن يقلقنا لا من قريب ولا من بعيد .
ولا يُـعتبر هذا النوع من الوسواس – إن صح التعبير - مرضا يحتاج إلى رقية أو إلى طبيب إلا حين تزداد حِـدته ويكـثـرُ جدا ويستمر لمدة طويلة حتى يصبحَ مع الوقت مشكلة لا بدَّ لها من حل .
وهذا الوسواس البسيط الذي يمكن اعتباره عاديا والذي يمكن أن يقع لأغلبية الناس , هو وسواس عادي وطبيعي أحيانا لا يُـضحك أحدا ولا يلفتُ انتباهَ أحد إليه , ولكنه في أحيان أخرى هو مضحكٌ وقد يُـلفتُ انتباهَ بعضِ أو الكثيرِ من الناس إليه .
ومن أمثلة ذلك : التقيتُ – منذ حوالي 20 سنة – بامرأة داخلة إلى المستشفى مع ابن لها عمره حوالي 7 سنوات . سألتها عن أحوالها وعن حال الطفل الذي معها , فقالت لي " أنا آتية به إلى المستشفى لأبحث له عن علاج " .
- ما الذي يشتكي منه ؟
- هو لا يشتكي من شيء !
- إذن لماذا أتيتِ به إلى المستشفى ؟
- لأن رأسه " خشين " !!!.
و"خشين" بلهجة الجزائريين تعني معنيين : إما أن الرأس خشين , أي أن صاحبه عنيد , وإما أن الرأس خشين بمعنى أن حجمه كبير عضويا !.
وأنا فهمتُ في البداية المعنى الأول , فقلتُ لها " وهل هناك طبيب يعالج الرأسَ الخشين ؟! . عناد الطفل تلزمه تربية وطول بال ونفس طويل وصبر ومصابرة ونصيحة وتوجيه ودعاء لله ورجاء ... ولا يحتاج إلى طبيب " .
قالت " لا ! . أنا أشتكي من كبر حجم رأس ابني , ومنه فأنا أبحث له عن دواء أو عملية جراحية للإنقاص من حجم رأسه حتى يصبح متناسبا مع حجم الجسم عموما !" , ولكن الطفل في الحقيقة كان طبيعيا جدا وكان رأسه عاديا تماما . حاولتُ أن أقنع الأم بأن ابنها طبيعي حتى تُـرجعه إلى البيت ولا تكمل طريقها إلى المستشفى , ولكنها أصرت على أن رأسه " خشين " ولا بد له من طبيب يعالجه بأدوية أو يُجري له عملية جراحية تنقص من حجم رأسه !!!.
تركتها تذهب عند الطبيب , وبعد حوالي 3 أيام وجدتُـها في مكان ما مرة أخرى , فسألتها " ماذا صنع الأطباء لولدك ؟!" , ابتسمت وقالت " حاولتُ إقناعهم ولكنهم أحاطوا بي : أطباء وممرضون , وضحكوا معي كثيرا وطويلا لأنهم كانوا – في أغلبيتهم - يعرفونني , ثم أفهموني وأقنعوني بصعوبة بـأن ابني سليمٌ كما قلتَ أنت لي يا شيخ عبد الحميد ". قلتُ لها " الحمد لله , وأتمنى أن لا تترك هذه الحكاية آثارا سيئة على نفسية ولدك في الحاضر أو في المستقبل " , قالت " يبدو أنه بألف خير , والحمد لله رب العالمين ".
298 – لغو ثم لغو باسم البحث عن الزوجة الحلال : اللغو هو الباطل أو هو ما لا يفيد أو ... على خلاف بين العلماء والفقهاء والمفسرين و... وقد يكون اللغو في الكلام وقد يكون في الفعل .
وأنا أعرف معنى اللغو من أيام زمان , ولكنني أظن أنني ما عرفتٌ معنى اللغو في الكلام كما ينبغي أو أنني عرفتُ معنى اللغو أكثر وأكثر يوم الإثنين 4/5/2009 م مساء .
كنتُ راجعا من مدينة قالمة إلى قسنطينة , ثم من قسنطينة كنتُ راجعا عبر سيارة أجرة إلى مدينة ميلة . دخلتُ السيارة على الساعة الخامسة و 40 دقيقة , وبعد 5 دقائق تحركت السيارة متجهة إلى ميلة . دخلتُ السيارة على الساعة 5.40 دقيقة حيث وجدتُ فيها شابا عمره 25 سنة يتحدث عن طريق الجوال مع نساء ... بقي الشاب يتحدثُ بصوت مرتفع يسمعه جميعنا ( ركاب السيارة : أنا و 4 آخرون والسائق ) . بقي يتحدث حتى الساعة السادسة والربع حيث انقطع الاتصال ربما بسبب أننا مررنا بمكان كان خارج التغطية .
وكان حديث الشاب مع النساء أو مع البنات , كان في نظري لغوا في لغو , وكان جلـه حراما وفيه من سوء الأدب وقلة الحياء والوقاحة وانتهاك محارم الله ما فيه , والقليل منه كان كلاما لا فائدة منه وإنما هو قتل للوقت و... ليس إلا .
وعندما سألتُ الشاب أخبرني بأنه يتحدث مع هذه الشابة وأخواتها منذ الساعة الثالثة والنصف لا منذ الساعة الخامسة و40 دقيقة ( أي منذ حوالي 3 ساعات إلا ربع ) وأنه يتحدث كل شهرين أو ثلاثة مع مجموعة من البنات بقصد التعرف ثم إذا أعجبته واحدة , عندئذ ربما اتجه إلى أهلها ليطلبها للزواج .
وإن لم تعجبه أية واحدة منهن بحث عن أخريات ليحاول معهن لشهور عدة ومرة أخرى , فإن لم يجد من تصلح له زوجة بحث عن مجموعة ثالثة وهكذا ... وقال لي بأن هذا شأنه مع النساء والبنات منذ حوالي 3 سنوات , وأنه يقضي في كل يوم حوالي 5 أو 6 ساعات في الحديث الطويل مع البنات ... تارة مباشرة هنا وهناك وأحيانا أخرى عن طريق الهاتف النقال , وتارة بإذن أهل الفتاة وأحيانا أخرى بغير إذن الولي ...
ترددتُ في البداية هل أنصحه أم لا , ثم عزمتُ على أن أكلِّـمه وأنصحه وأوجهه بطريقة لينة لعله يسمع ويستفيد , إن لم يكن اليوم فعلى الأقل في يوم من الأيام , وإن لم يستـفـد هو فقد يستفيد بقية الركاب أو السائق مما سأنصحه به . والحمد لله أن الشاب سمع مني وقبل مني ( مع أنه لا يعرفني ) ما نصحته به , على الأقل في الظاهر سواء عمل بما نصحته أم لم يعمل به , بدليل أنه كان طيلة الحديث يكلمني ب " يا شيخ " أو " يا أستاذ " " بارك الله فيك ... " " عندك حق ..." " سل الله لي الهداية يا شيخ " ... ثم في النهاية طلب مني رقم هاتفي حتى يتصل بي متى احتاج إلى مساعدتي أو إلى نصائحي .
وكان من ضمن ما قلـتُه له خلال حوالي 45 دقيقة , ما يلي :
1-الذي يبحث عن زوجة يبارك الله له فيها , يحب أن يتبع الطريق الشرعي في سبيل ذلك ولا يتبع هذا الطريق الملتوي الذي أنت تسلكه منذ سنوات . والطريق الطبيعي هو أن تسأل عن الفتاة من بعيد أو من قريب . ثم إذا اطمأن قلبك إليها اتصل مباشرة بأهلها واطلبها منهم . إذا وافقوا فاستكمل بقية الخطوات الشرعية وإلا فاذهب أنت في حال سبيلك , وليفتح الله على كل منكما بالخير .
2- حكاية التعارف بين الشاب والفتاة قبل الخطبة أو بعدها , وقبل العقد أو بعده هو كذب في كذب , ووالله لن يعرف أحدهـمـا الآخر كما ينبغي وعلى حقيقته إلا بعد الزواج .
3- كل هذا الوقت الذي أنت تقضيه في التحدث مع فتيات أجنبيات مازالت الواحدة منهن ليست خطيبة لك ولا زوجة , ستُـسأل عنه يوم القيامة , واسأل نفسك من الآن : هل سيكون هذا الوقت في ميزان حسناتك أم سيئاتك ؟!.
4- كل هذا الكلام الذي سمعـتُـه أنا منك خلال 25 دقيقة تقريبا هو لغو في لغو , وأغلبه - إن لم أقل كله - باطل وحرام . ومع ذلك أنا أعرف أن ما تقوله لهؤلاء الشابات بعيدا عن سمع الغير وكذا ما تقوله لهن في الليل هو أسوأ بكثير مما يقال أمام أمثالي وفي النهار . وهذا أمر مفهوم وبديهي ولا يحتاج إلى شرح أو دليل أو حجة أو برهان .
5- أنت لا تقبل حتما أن يتحدث شاب مع أختك أو إحدى نساء أهلك بمثل ما سمعتك أنت تتحدث به قبل قليل مع بعض الشابات . إذن كيف تقبل لبنات الغير ما لا تقبله أنت لنساء أهلك , وكيف لا تقبل من غيرك من الشباب ما تقبلك أنت من نفسك ؟! . أليست هذه قمة في الأنانية يا هذا ؟!.
6- لن يبارك الله لك في زواج أنت تريد أن تبدأه بالحرام من أول يوم . وكذلك لن تحترمك امرأة في الدنيا ولن تُـقدرك إلا إذا كنتَ معها وقافا عند حدود الله تعالى . وأما وأنتَ تتحدث مع شابة أجنبية عنك باللغو الذي كنت أسمعه منك قبل قليل , فيستحيل أن تحترمك وتقدرك . كن على يقين من هذا يا ولدي ...
هداني الله وإياك وجميع شباب وشابات أمة الإسلام وجميع أبناء أمة محمد عليه الصلاة والسلام إلى ما فيه الخير والهدى والرشاد والتوفيق , آمين .
299- كثرة الاهتمام بهذه الدراسات تُـقـسي القلب مع الوقت :
أنا أعتقد أن كثرةَ الاهتمام – وأؤكد على كلمة كثرة - بالدراسات المتعلقة بمسائل غيبية , ( فضلا عن أنها غالبا خلافية ولا نعرفُ الصوابَ فيها , وفضلا عن أنه ليست لها فائدة عملية ) تُقَسي القلبَ مع الوقتِ , خاصة إن لم يُصاحبها اهتمامٌ كافي بالتربية الروحية مثل النوافل من الصلاة والصيام ومثل الذكر والدعاء ومثل قراءة القرآن ومثل زيارة المقبرة ومثل محاسبة النفس ومثل ... وأنا أعرف شبابا عندنا في بعض المناطق في الجزائر , هم أبطالٌ في نقل أقوال العلماء في النفس والروح والقلب والعقل و...مما ليست لهُ أية فائدة عملية , ثم تجدهم جاهلين لأبسط مسائل الفقه في الصلاة والصيام , وتجدهم ضعافا جدا في مجال تخصصهم الدراسي , وتجدهم بعيدين كلَّ البعد عن التعامل مع الناس بما يمليه عليهم الأدبُ والخلق الإسلامي , وتجدهم قساة في التعامل مع أقرب الناس إليهم من إخوة وأخوات وأب وأم , وتجدهم يعانون ( بشهادة أهاليهم ) في الكثير من الأحيان من القلق والوسواس والخوف والخلعة و... وكلُّ هذا نتجَ في نظري عن اهتمامهم الزائد بدراسة علم ظني - ليست فيه فائدة عملية ويُقسي القلب - على حساب علوم أخرى تُعرِّفُ بالدين وتُـقرِّب من الله وتزيدُ من الأجر وتُسعد الإنسانَ وتُرقِّـق القلبَ وترفعُ المعنوياتِ وتُـقوي الإيمانَ و...
تم منذ حوالي 3 شهور بين أخوين كريمين هنا في الجزائر. أحدُهما يؤكد على أن عدوه الأساسي هو النفس الأمارة بالسوء , وكان يُـقدمُ على صحة دعواه أدلة من أقوال بعض العلماء , وأما الآخر فكان يؤكد على أن عدوه الأكبر هو الشيطان وكان هو الآخر يستدل على صحة ما يقول بأقوال علماء آخرين . واحتد النقاشُ بينهما فقلتُ لهما مهدئا " على رسلكما لن يستفيد الدينُ ولن يستفيد أيُّ مسلم من حدة النقاش بينكما , ولن يُـقدم أحدكما دليلا قطعيا على صحة ما يقول , ولن يستطيعَ أيٌّ منكما أن يُـقدم لنا ولو فائدة عملية بسيطة يمكن أن نأخذها من هذا الحوار. على رسلكما ! إن المطلوبَ من كلِّ واحد منا حتى يحبَّـه اللهُ ويرضى عنه أن يتخذَ الشيطانَ عدوا وأن يتغلبَ على هواه وأن يرفعَ نفسه على درجة الرضى والاطمئنان أو على الأقل إلى درجة النفس اللوامة , ثم لا علينا بعد ذلك من بقية النقاش والحوار. قولا لي بالله عليكما ما الذي يستفيدُ منه أيُّ واحد منا إن عرفنا أين موضع النفس من البدن أو لم نعرف ذلك ؟ ما علاقة النفس بالروح ؟ أيهما أهم ؟ ما علاقة النفس بالهوى والشيطان ؟ ما علاقة النفس بالعقل ؟ ما علاقة النفس بالقلب ؟ إلى آخر هذه الأسئلة . قولا لي بالله عليكما أية فائدة سيجنيها المؤمنُ من خلال هذه الدراسات أو البحوث أو من وراء أي نقاش في هذه المسائل أو من هذه الخصومة بينكما ؟ . هداني الله وإياكما لكل خير آمين ".
300-الله عادل وحكيم ورحيم : قال لي أخ متعصب في يوم من الأيام ( عام 1991 م ) عندما ذكرتُ أمامه حاكما ظالما من حكام الجزائر , وقلتُ عنه أمامه " رحمة الله " , قال لي عندئذ " أسأل الله أن لا يرحمه . وإن دخل هو إلى الجنة فأنا لا أريد أن أدخلها , بل إنني أسأل الله عندئذ أن يدخلني إلى النار "!!! .وهذا عندي قمة في التعصب الذي لا يأتي إلا من جهل .1- هل مثلا لو أتيحت لي الفرصة للتحدث مع الرئيس " أوباما " مثلا عن الإسلام ودعوته إلى الإسلام و ... هل أُغلق هذا الباب أمام نفسي وأمامه هو وأقول له " باب التوبة مغلق أمامك أنت يا ... لأنك حاربت الله ورسوله والمسلمين كثيرا , وأنت لذلك لا يصلحُ لك إلا انتقام الله منك "!!! .أنا أرى أن هذا موقفٌ لا يصلح أبدا من الناحية الشرعية , لأن باب التوبة في الحقيقة مفتوحٌ أمام العباد ( كل العباد ) ما لم يغرغر أحدهُم , أي ما لم يصل إلى لحظات الاحتضار قبيل وفاته . ثم هذا موقفٌ لا يصلح شرعا لأن الله وحده أعلم بمن ينـتقم منه ومن يعفو عنه , وهو وحده أعلم كذلك بمن يخـتم له بالخير ومن يخـتم عليه بالشر , وهو وحده أعلم بمن يستحق رحمته ومن لا يستحق إلا عذابه .2 - ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم " أو " خير لك مما طلعت عليه الشمس " ولم يستـثن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا مهما كان فاسقا أو فاجرا أو كافرا أو مشركا أو منافقا أو عدوا لله ولرسوله وللمؤمنين والمسلمين .3 - ثم إن مات شخصٌ على الكفر ثم أدخله الله يوم القيامة النار , فإننا لا نشك أبدا ولا يجوز لنا أن نشك أبدا في عدل الله ثم في رحمته سبحانه وتعالى , حتى ولو عاش هذا الشخصُ ألفَ سنة والناس لا يعرفون عنه إلا أنه عابد لله تقي نقي ورع زاهد و ... يجب أن نكون على يقين ما دمنا مسلمين مؤمنين أن الله ما أدخله النار إلا لأنه يستحق النارَ , ولأنه يعلم منه ما لا يعلمه الناس منه , ولأنه يعلم الظاهر والخفي وأما الناس فلا يعرفون إلا الظاهر فقط , , ولأن الله هو العدل " ولا يظلم ربك أحدا " . وفي المقابل : إن مات شخصٌ على الإسلام ثم أدخله الله الجنة يوم القيامة , فإننا لا نشك أبدا ولا يجوز لنا أن نشك ولو للحظة من الزمان في عدل الله ثم في رحمته سبحانه عزوجل , حتى ولو عاش هذا الشخص ( مثل بوش وأكثر من بوش , وفرعون وأكثر من فرعون ) ألف سنة والناس لا يعرفون عنه إلا أنه كافر ومشرك وعدو للإسلام والمسلمين , ولا يعرفون عنه إلا أنه عاش أغلب حياته يحارب الأرض والسماء بالليل والنهار بالقول والفعل , ولا يعرفون عنه إلا أن فيه وعنده " العيوب السبعة " كما يقول الناس في مَـثَـلهم المشهور , ولا يعرفون عنه إلا أنه لم يفعل في حياته خيرا قط . يجب أن نكون على يقين ما دمنا مسلمين مؤمنين أن الله ما أدخله الجنة إلا لأنه يستحقها ( بعد رحمة الله طبعا ) , ولأنه يعلم منه ما لا يعلمه الناس منه , ولأنه يعلم الظاهر والخفي وأما الناس فلا يعرفون إلا الظاهر فقط , , ولأن الله هو العدل " ولا يظلم ربك أحدا " , ولأن الله أحكمُ الحاكمين " إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ " .
وهذا الكلام – كما هو واضحٌ - يتضمن رد المشيئة إلى الله عز وجل ، فإنه هو وحده الفعال لما يشاء " لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ". والله وحده أعلم بالصواب .
انتهت ال 300 وقفة , ثم تأتي بعدها بإذن الله تعالى ال 100 وقفة الرابعة مع ذكريات حسنة أو سيئة

وقفات مع ذكريات من 281 إلى 290 : :

بسم الله
عبد الحميد رميته , الجزائر

281- كل من العلوم الشرعية والفيزيائية علمتني الدقة في الحساب :
أنا أقول دوما للناس " العلوم الشرعية علمتني الدقة في كل شيء , والعلوم الفيزيائية التي أدرسها في الثانوية منذ 31 سنة تقريبا علمتني كذلك الدقة في كل شيء . تعلمتُ من كل من العلوم الشرعية والعلوم الفيزيائية , تعلمتُ الدقة في كل شيء بما في ذلك الحساب أو الرياضيات .
عندما كنا منذ حوالي 15 سنة , مع مداولات امتحان شهادة البكالوريا , وقبيل ظهور النتائج النهائية كنا نحسب معدلات التلاميذ عن طريق الآلة الحاسبة ( قبل انتشار الكمبيوتر والأنترنت بعد ذلك ) , وعندما وصلنا إلى معدل تلميذ من التلاميذ حسبنا معدله فوجدناه 9.993232531 . عندئذ وقع اختلاف بيننا نحن ال 9 أشخاص
( 8 أساتذة للمواد الثماني ومعنا مفتش مسؤول عن لجنة تضم حوالي 200 تلميذا ) في"هل التلميذ ناجح أو راسب ؟". وأذكر أن أغلبية الزملاء قالوا " نساعد التلميذ ونعتبره ناجحا لأنه قريب جدا من ال 10 / 20 , ولكنني اعترضت في ذلك الوقت على نجاح التلميذ , على اعتبار التلميذ لم يصل إلى معدل ال 10 / 20 وهو معدل النجاح , ومنه فيعتبر راسبا , وقلتُ لهم " لو فتحنا هذا الباب من المساعدة للتلاميذ لأصبح الأمر فوضى , لأننا إذا اعتبرنا صاحب ال 9099 ناجحا لماذا لا نعتبر صاحب 9.98 ناجحا ؟!. وإذا اعتبرنا صاحب ال 9.98 ناجحا لماذا لا نعتبر صاحب ال 9.97 ناجحا ؟!. وهكذا تختل الموازين والمقاييس , ونفتح بذلك بابا عريضا للفوضى والظلم والمحسوبية والتمييز و ... " , وقلتُ في النهاية " لا أوافق أبدا على نجاح التلميذ , ببساطة لأنه لم يتحصل على معدل النجاح الذي هو 10 / 20 ". وبالفعل , بعد طول نقاش وحوار اتفق الجميع على اعتبار التلميذ راسبا .
ثم بعد عامين أو ثلاثة وقعت حادثة مماثلة ومخالفة في نفس الوقت للحادثة السابقة , حيث وجدنا معدل تلميذ 9.997123456 .
والمعروف أننا نكتب النتيجة دوما برقمين فقط بعد الفاصلة , وذلك مع نتائج التلاميذ من الابتدائي إلى نهاية الجامعة . نحن نكتفي دوما برقمين فقط بعد الفاصلة . والمعروف عندنا في الرياضيات , أننا إذا أردنا أن نبقي فقط على رقمين بعد الفاصلة فإننا ننظر إلى الرقم الثالث بعد الفاصلة :
ا- فإذا كان أكثر من 5 أضفنا إلى الرقم الثاني بعد الفاصلة أضفنا 1 : مثال عوض 15.238 نكتب 15.24 ( أي أضفنا إلى ال 3 , أضفنا 1 فأصبحت 4 ) .
ب- وأما إذا كان أقل من 5 أبقينا على الرقم الثاني بعد الفاصلة كما هو : مثال 123.673 نكتب 123.67 ( أي أننا أبقينا على ال 7 كما هي لأن ما بعدها 3 أي أقل من 5 ) .
ملاحظة : إذا طبقنا هذه القاعدة على التلميذ الأول , فإننا سنجد بأن معدله 9099 فقط , لأن الرقم الثالث بعد الفاصلة هو 3 , ومنه فهو تلميذ راسب إذا راعينا الدقة والعدل .
جـ- وأما إن كان 5 بالضبط , فنحن مخيرون بين أن نضيف 1 ( مثل ا ) أو لا نضيف ( مثل ب ) إلى الرقم الثاني بعد الفاصلة : مثال 7.235 إما أن تكتبها 7.24 أو 7.23 , كل ذلك صحيح ومقبول .
إذا طبقنا هذه القاعدة من قواعد التدوير التي يراد منها الدقة أكثر في الحساب , إذا طبقناها على معدل التلميذ الثاني الذي هو 9.997123456 , فإننا نجد أنفسنا مضطرين لأن نعتبر معدل التلميذ 10.00 لأن الرقم الثالث بعد الفاصلة هو 7 , أي أكثر من 5 , ومنه يجب إضافة 1 إلى الرقم الثاني بعد الفاصلة فتصبح نتيجة التلميذ عندئذ 10.00 , ومنه فهو ناجح .
اختلفنا في الأمر , وكنت مصرا على أن التلميذ ناجح , وأذكر أن من ضمن المعترضين على نجاح التلميذ كان أستاذ الرياضيات فقلت له " يا أستاذ إن قبل من أستاذ آخر أن يخالفنا فلا يقبل منك أنت أن تخالف " . وبعد نقاش استمر حوالي 20 دقيقة تم إفهام الجميع بالقاعدة التي أشرت إليها سابقا واتفق الجميع – بلا استثناء -على إنجاح التلميذ , والحمد لله رب العالمين .
ثم أقول : كل مسلم مؤمن يكون دليله في الحياة هو الشرع أولا ثم العقل , يكون غالبا داعية ناجحا في الحياة الدنيا .وأما المسلم الآخر الذي يتناقض في كل وقت مع مقتضيات العقل والمنطق سواء على مستوى أقواله أو أفعاله , فإنه في الغالب إذا دعا إلى الله سيكون داعية تنفير من الدين لا داعية جلب إلى الدين .ومن هنا فإنني أقول للناس في كثير من الأحيان عندما يقولون لي " ظنناك أستاذ علوم شرعية لا علوم فيزيائية " , أقول لهم " أنا أعتز بالعلوم الفيزيائية كثيرا لأن الدين علمني العقل والمنطق والدقة في كل شيء , ثم جاءت العلوم الفيزيائية فأكدت لي أكثر وأكثر مراعاة ( بعد الشرع طبعا ) العقل والمنطق في حياتنا الدينية والدنيوية " .ومنه فالحمد لله ثم الحمد لله على نعمه التي لا تعد ولا تحصى .
اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك .
282- نغير السقف أفضل أم نغير العين ؟! :
قالت لي إحدى محارمي من النساء في يوم الأيام " يا ليت زوجي يصلح لنا كذا وكذا من أمور البيت . هو يعتذر دوما بأنه لا يقدر على ما أطلب أنا منه , وأنا أرى من جهتي بأن من واجباته الأساسية أن يوفر لنا ما نريد ".
قلتُ لها " مطلوب من الرجل أن يوفر لزوجته وأهله وأولاده ما يريدون في حدود استطاعته , ويحرم على المرأة أن تكلف زوجها ما لا يطيق " , ثم سألـتها " ما أردت من زوجك مثلا ؟!" , قالت " طلبت منه أن يهدم سقف الحجرة كذا ... ثم يبنيه من جديد بشكل أحسن وأفضل ..." , قلتُ " لماذا ؟! " , فقالت " ألا ترى تلك الخدوش الموجودة في السقف , ألا تتطلب أن يغير – بسببها - السقف من الأساس !؟". نظرتُ إلى السقف فرأيت السقف على أحسن حال تقريبا . وأما الخدوش التي أشارت إليها المرأة فلا تتطلب أبدا تغيير السقف من أصله,ولكنها تحتاج من بناء عمل ساعة أو ساعتين فقط, بتكلفة أقل بكثير وكثير من تهديم السقف وإعادة بنائه".
قلت لقريبتي " يا فلانة أنا أرى أنه يجب تغيير العين لا السقف " , ففهمتُ قصدي وقالت " أنا أرى أن تغيير السقف أفضل " , قلت لها " بل إن تغيير العين أفضل بإذن الله عند الله وعند الزوج وعند أغلب الناس ".
قالت " كيف ؟!" .
قلتُ لها : لو كان زوجك قادرا على ما طلبتِ منه , فإننا قد نختلف في أيهما أفضل ( يلبي لك طلبك أم لا ؟!) . وأما وهو غير قادر , فإنه لا يجوز لنا أبدا أن نختلف , بل يجب أن نتفق جميعا على أن الأفضل أو الواجب أن لا يلبي لك طلبكِ .
إذا غيرنا السقف فإننا سنطلب بذلك من الزوج ما لا يطيق ويضطر من أجل ذلك إلى الاستدانة التي فيها من الحرج ما فيها , أو يضطر إلى جلب المال من الحرام وفي ذلك من الإثم والعدوان ما فيه .
ثم إن الزوج الذي تكلفه زوجته ما لا يطيق قد يكرهها ويبغضها مع الوقت ويصبح مندفعا بشكل تلقائي وعفوي وبلا شعور إلى أن ينتقم منها بالإساءة إليها بالقول أو العمل , بالطرق المباشرة أو غير المباشرة . كل ذلك من أجل ماذا ؟! , والجواب : من أجل أمر كمالي جدا طلبته منه زوجته وهو ليس ضروريا البتة .
وأما إذا عملنا من أجل تغيير العين أي تغيير الطريقة التي ننظر بها – بالعين أو بالبصيرة لا البصر - إلى الأشياء وحرصنا على القناعة وعلى إيثار الدين على الدنيا وحرصت المرأة على حسن معاملة وزجها وتقدير ظروفه وعلى أن لا تطلب منه إلا ما يقدر عليه ووقفت معه في السراء والضراء قولا وعملا , ونظرت في أمور الدنيا إلى من هي دونها وفي أمور الدين إلى من هي أحسن منها , ونظرت إلى ما أعطاها الله أكثر مما تنظر إلى ما حرمها الله منه , ونظرت إلى الأشياء الجميلة في الحياة أكثر من النظر إلى الأشياء السيئة فيها , و... فإنها ستسعد وستسعد زوجها وكل من حولها , سعادة في الدنيا قبل سعادة الآخرة بإذن الله تعالى .
ثم إن تغيير السقف يتطلب مالا لا يقدر عليه الزوج , وأما تغيير العين أو البصيرة فيتطلب فقط إيمانا ويقينا وعزيمة وإرادة تقدر عليها المرأة بإذن الله إن أرادت .
ولذلك فأنا أصر على ما قلته لهذه المرأة وأقوله دوما لنفسي على سبيل النصيحة " إن تغيير العين أسهل وأفضل وأطيب بكثير من تغيير السقف " .
والنصيحة التي ذكرتُـها أعلاه لا تعني امرأة بعينها بل تعني أغلبية النساء , لأن نقطة ضعف المرأة الأكبر في كل زمان ومكان هي المال , بل إنها نصيحة لنا جميعا - رجالا ونساء - من أجل أن يكون تعلقنا بالدين أكثر من تعلقنا بالدنيا " وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا " .
والله وحده أعلم بالصواب , وهو وحده الموفق والهادي لما فيه الخير .
نسأل الله أن يغلبنا على أنفسنا وعلى الشيطان , وأن يبارك لكل زوج في زوجته , آمين .
283-قال لي" النجاح عندك هو يا أستاذ رميته إعتلاء أعلى المناصب في الدولة , أو تحقيق أرباح طائلة ":
فقلتُ له :1- لقد عرض علي الكثير من الإخوة وفي أكثر من مرة أن أكون برلمانيا أملك مرتبا شهريا مغريا هو أكبر بأكثر من 10 مرات من مرتبي أنا الآن ( بعد 31 سنة من التعليم ) , ولكنني رفضتُ وبقوة . ولو ترشحت فإن أغلبية الناس الساحقة سينتخبون علي بغض النظر عن انتماءاتهم الحزبية , وهذا بشهادات قادة الأحزاب المختلفة في المنطقة التي طلب مني الترشح فيها . رفضتُ أن أكون برلمانيا لأبقى أستاذا بسيطا أعلم وأربي الأجيال , وأعرق قبل أن أنال مرتبي البسيط في نهاية الشهر , ولأبقى مرتاح الضمير وأنا أعيش بعيدا عن الكذب والسرقة والنفاق و ...2- ولقد عرض علي ضباط مخابرات كبار عام 82 م في السجن , عرضوا علي ( بالترغيب والترهيب ) السيارة الفارهة والسكن الجميل الواسع جدا والمرتب المغري والجاه الدنيوي العريض في مقابل أن أعمل معهم ولكنني رفضت بقوة وبشدة وبدون أي تردد , لأنني أعلم أن أكرم الناس عند الله التقي النقي لا صاحب الجاه والقوة والمال و ...3- أنا أرقي الناس منذ 1985 م وحتى والآن , ولقد رقيتُ حتى الآن أكثر من 14 ألفا من الأشخاص من أكثر من 25 ولاية جزائرية .ولم أقبض حتى الآن ولو من شخص واحد ولو سنتيما واحدا , مع أن أكثر من 50 % من رقاة الجزائر حاليا كاذبون وسارقون وآكلون لأموال الناس بالباطل , اكتسبوا الأموال الطائلة من مال الرقية .وأما أنا فإنني ما أخذتُ ولو سنتيما واحدا من أحد حتى الآن ( مع أن المال يعرض علي في كل يوم وبإلحاح ) , وذلك انطلاقا من إيماني بأن القناعة كنز لا يفنى وبأنه " ما عند الله خير وأبقى " .وإذا أردت أخي أن أزيدك فسأزيدك ...ومع ذلك إذا بقيتَ مصرا على أنه ربما " كان النجاح عندي هو اعتلاء أعلى المناصب في الدولة أو تحقيق أرباح طائلة " , بعد كل الذي ذكرتُه لك والذي لم أذكره , فأنت وشأنك أخي الحبيب .
وفقني الله وإياك لكل خير , آمين .
284- " لعن الدين " : كنت مسافرا في يوم من الأيام ( 29 مارس 2009 م ) من مدينة ميلة إلى مدينة ... من خلال حافلة . وفي لحظة من اللحظات وقع شبه اشتباك كلامي بين شخصين من ركاب الحافلة , فقال أحدهما للآخر " يلعن دين بباك " ( بلهجة الجزائر , أي لعنة الله على دين أبيك ) ثم اعتذر اللاعنُ - عندما اعترضتُ عليه - بجملة اعتذارات منها أن نيته حسنة , وأنه تعود على ذلك , وأنه يقصد دين الأب لا دين الشخص الذي أمامه و...
فقلتُ له :
" ا- يا هذا إن ما قلته الآن كفر واضح وصريح بلا شك ولا ريب .
2- الذي لعنته هو دين الأب وهو نفسه دين الإبن , أي هو نفسه الإسلام . إذن أنت – شئتَ أم أبيتَ , اعترفتَ أم لم تعترف – أنت لعنتَ الآن وسببتَ الإسلامَ دين الله عزوجل .
3- النية الحسنة معتبرة فقط مع المباحات والمستحبات والواجبات , ولكنها غير معتبرة أبدا مع المحرمات والمعاصي , ومنه فلا يشملها هنا أبدا الحديث " إنما الأعمال بالنيات ".
4- الحرام حرام إلى يوم القيامة مهما أقبل الناس عليه وانغمسوا فيه , والواجب واجب إلى يوم القيامة مهما قصر في أدائه الناس وتكاسلوا في ذلك .
5- أنت اختلفتَ مع صاحبك فحُـلَّ مشكلتك معه هو , وأما الله فلماذا تدخله أنتَ بينك وبين صاحبك باللعن والعياذ بالله تعالى ؟!.
6- ما يقال في الحكم والأمثال " من شب على شيء شاب عليه " , ليس صحيحا دوما , وأنت مطلوب منك أن تجاهد نفسك بالعزيمة القوية والإرادة الفولاذية وبالله قبل ذلك وبعد ذلك , من أجل تعويد نفسك على طاعة الله واجتناب معصيته ومن أجل التخلص من طباعك السيئة مهما كثرت وتعددت واختلفت .
7- ثم يستحيل أن تجد طعما للسعادة والراحة والسكينة والطمأنينة و ... وأنت تقول ما قلت قبل قليل , فتب إلى الله يا هذا ... أسأل الله لي ولك الهداية , آمين ".
285- سألني " هل يجوز لي قتل إبني ؟ " :
أذكر هنا رجلا متدينا ولكنه خشن كان له إبن عمره حوالي 22 سنة .
والقصة وقعت حوالي 1999 م .
حاول هذا الرجل أن يربي ابنه على الدين , ولكن الابن أصبح مع الوقت تاركا للصلاة وشاربا للخمر والمخدرات وزانيا و ... فغضب عليه أبوه كثيرا واستعمل معه الترغيب والترهيب لأكثر من سنة ولكن بلا جدوى . جاءني الأب في يوم من الأيام مستفتيا وجادا جدا في استفتائه , وكان يريد أن يطبق ما أقول له وفي الحين مهما كان الذي يطلب مني حكم الإسلام فيه عظيما للغاية وخطيرا جدا .
قال لي " يا شيخ أنا أسألك عن أمر معين هو حلال علي أم حرام ؟!. إذا كان حلالا علي فسأقوم به اليوم - قبل الغد - وقبل أن أنام "!!!. قلت له " وما ذاك ؟! " , قال " ابني حاله كذا وكذا وكذا " قلتُ له " أعانك الله وسدد الله خطاك وآجرك الله . هذا هو حال بعض الأولاد في هذا الزمان الصعب " , " ولكن أين السؤال هنا ؟! " , قال لي " هل يجوز لي شرعا أن أقتل ولدي هذا أم لا "!!!.
نظرت إلى الرجل فرأيت كأن النار يخرج لهيبها من وجهه وكأن الشيطان نفخ فيه نفخة غضب قوية . وأنا قلت قبل قليل بأن الرجل خشن , لأنني أعرفه مؤمنا ولكنه جاهل . وبسبب جهله يمكن له وبسهولة أن يرتكب الحماقات التي يمكن أن يندم عليها طول الحياة أو في الدنيا والآخرة . وهذه الحماقات يمكن جدا أن يرتكبها ونيته حسنة وطيبة حتى وإن لم تشفع له هذه النية الحسنة عند الله تعالى.
قلتُ للرجل " لا وألف لا . لا يجوز لك ذلك مهما كان السبب . هذا حرام ثم حرام عليك لا يجوز لك حتى أن تفكر في قتل ولدك مجرد التفكير" .
ثم كلمته في الموضوع طويلا فاقترح علي أن أجلس معه ومع ابنه جلسة مناصحة في وجود أم الولد , قلت له " لا مانع عندي " .
وبالفعل جلسنا في بيته حوالي 3 ساعات من الليل أنا والولد وأبواه ( وكان بيننا وبين الأم ستار ) . وكانت جلسة مناصحة ومصارحة , تبين لي من خلالها بأن الأب ربى أولاده تربية قاسية وعنيفة فطلبت منه بعض التساهل واللين .
كما لاحظت على الولد الطيش ذلك واللامبالاة والاستهتار بالدين وبالوالدين , فنصحته بما رأيته مناسبا له , ثم قلت للأب في النهاية " إذا لم يلتزم ابنك خلال المدة ... بالعودة إلى الصلاة وترك الخمر والمخدرات والزنا و... يمكنك أن تطرده من البيت ( مهما كان ذلك أمرا قاسيا جدا بطبيعة الحال) , ولكن لا يليق بك أبدا أن تفكر مرة أخرى في قتل ابنك". تم الاتفاق على ذلك , وخلال حوالي 6 أشهر استقام أمر الولد ورجع الأب والإبن إلى بعضهما البعض , وهما اليوم - والحمد لله رب العالمين - سمنا على عسل كما يقولون . 286- قال لي " جدنا قرد " :
الإنسان سماه الله إنسانا , ولا يليق أن يسمى حيوانا ناطقا كما يسميه بعض الفلاسفة . هو بشر أو هو بنو آدم أو هو إنسان أو ... ولكنه ليس حيوانا ناطقا . وأذكر أن الطلبة الشيوعيين كانوا خلال السبعينات من القرن الماضي في الجامعة , كانوا يقولون لي ( على اعتبار أنني من المتدينين القلائل فيما بينهم ) " نحن يا عبد الحميد , انحدرنا في الأصل من قرد " , فأقول لهم " وأما أنا فأبي الأول هو سيدنا آدم وأما أنتم فإن أصررتم على ما تقولون فهنيئا لكم بجدكم القرد الأول !!!. وأنا اليوم حين أريد أن أذكرهم بذلك العهد – بعد أن هداهم الله إلى الدين وإلى شعائر الإسلام وإلى الصلاة وإلى ... - يقولون لي " رجاء يا شيخ لا تذكرنا بذلك الماضي الأسود الذي خرجنا منه ولا نريد حتى أن نتذكره ".
287- النوم بسهولة والاستيقاظ بسهولة نعمة كبيرة لا يعرفها إلا من حرم منها :
كثير من النعم لا يعرف قيمتها بشكل عام إلا من حرم منها . ومن هذه النعم نعمة الاستيقاظ من النوم بسهولة والعودة إلى النوم بسهولة .
الناس بصفة عامة مع النوم أصناف ثلاثة أساسية :
1- أشخاص نومهم خفيف جدا , وهؤلاء يمكن أن لا يناموا إلا بصعـوبة لأنه لا بد أن يتوفر لهم هدوء كبير قبل يناموا . ويمكن أن يتوفر لهم ذلك بسهولة , ويمكن أن لا يتوفر لهم ذلك إلا بصعوبة . ثم إن هؤلاء إذا ناموا يمكن أن يستيقظوا لأقل حركة أو صوت أو كلام أو ... لذلك فإن هؤلاء الأشخاص بخفة نومهم هذه يتعذبون ويعذبون من يحيط بهم من الناس سواء كانوا زوجة وأولادا أو زوجا وأولادا أو إخوتا وأخواتا أو أصدقاء وزملاء أو ...
2- أشخاص نومهم ثقيل جدا . وهؤلاء يمكن أن يناموا بسهولة أو بصعوبة , ولكنهم عندما ينامون لا يستيقظون إلا بصعوبة كبيرة وبالغة . ويمكن لهؤلاء وبسهولة أن يتعطلوا – بسبب ثقل نومهم – وتفوتـهم الكثير من المصالح ومن الواجبات والمستحبات الدينية ( مثل صلاة الصبح في وقتها ) والدنيوية
( مثل الشغل ومطالب الدنيا المختلفة ) , كما أنهم قد يثيرون الشفقة أو السخرية من غيرهم :
ا- مع أن الشخص لا يلام على ثقل نومه , لأنه خارج عن نطاقه وعن مجال الاختيار عنده .
ب- ومع أن السخرية والاستهزاء لا تجوز من المؤمن بأخيه المؤمن , و " لا تشمت بأخيك فيعافيه الله ويبتليك " .
أشخاص نومهم بين وبين ...وهذا هو الوسط الأحسن والأفضل والأطيب والأيسر والأنفع و... والواحد من هؤلاء ينام بسهولة ومتى شاء , ويستيقظ بسهولة ومتى شاء هو أو أراد آخر أن يوقظه لأنه هو الذي أوصاه بذلك وأذكر بالمناسبة أنني والحمد لله ومنذ كنت صغيرا من هذا الصنف الثالث .
لذلك فإنني يمكن أن أستيقظ – عموما – عدا استثناءات قليلة - متى أشاء أو متى يشاء من أوصيه بأن يوقظني سواء كان شخصا بشرا أو كان هاتفا نقالا أو ... أستيقظ بسهولة إذا رن الهاتف النقال أو إذا ناداني شخص آخر باسمي بصوت متوسط الحجم أو إذا حركني آخر تحريكة بسيطة بقد إيقاظي .
إذا حركني بقصد إيقاظي أستيقظ بسهولة , وأما إذا مسني بدون قصد منه أي بدون إرادة إيقاظي فإنني غالبا لا أستيقظ .
قلتُ : أنا أستيقظ بسهولة وأنام أيضا بسهولة متى شئت أنا بإذن الله تعالى بطبيعة الحال , سواء في الصباح أو في المساء أو في وسط النهار , شربت القهوة أم لم أشربها ... كنتُ متعبا أم نشطا ...
والنوم بسهولة والاستيقاظ بسهولة نعمتان كبيرتان جدا لا يعرفهما إلا من حرم منهما .
وأنا أقول للغير أحيانا بأن من نعم الله علي أنني أنام وأستيقظ بسهولة كبيرة ومن زمان والحمد لله رب العالمين . هذا إلى حد أنني يمكن أن أصلي صلاة الصبح في المسجد ثم ... حتى إذا اقتربت الساعة السابعة صباحا أجد نفسي متعبا وأمامي عملي بالثانوية الذي يبدأ على الساعة الثامنة صباحا , فأعزم على النوم ولو لنصف ساعة .
أدخل إلى الفراش على الساعة ال 7 صباحا بالضبط , وأوصي زوجتي أن توقظني على الساعة 7.30 , وأضبط كذلك منبه الهاتف على ال 7.30 , ثم أحاول النوم . وعلى السابعة والنصف بالضبط أستيقظ سواء أيقظتني زوجتي أو الهاتف أو استيقظت لوحدي . أستيقظ من النوم بعد أن نمتُ كم ؟!. بعد أن نمتُ 29 دقيقة , لأنني نمتُ عند حوالي الساعة 7.01 , أي أنني بقيت في الفراش 30 دقيقة : 29 منها نوم ودقيقة واحدة تقريبا انتظار نوم , أشغلها ببعض القرآن والأدعية والأذكار المأثورة عن رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم .
والحمد لله ثم الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .
اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك .
قد نتفق وقد نختلف حول أسباب النوم الثقيل والخفيف والمتوسط , ولكن الذي لا أظن أننا نختلف عليه هو أن التوسط في ذلك يطلبه ويتمناه كل واحد منا لنفسه .
288- " ما أخذ بسيف الحياء فهو اغتصاب " :
أو هو قريب أو شبيه بالاغتصاب , أي أن ما تأخذه أنت من الغير عن غير رضا نفس وطيب خاطر كأنك تأخذه منه بالقوة أو كأنك تسرقه منه أو تخطفه منه . لذلك فإن من أراد السلامة لنفسه وأراد رضا الله تعالى ثم محبة الناس له وأراد السعادة وراحة البال وأراد السكينة والطمأنينة عليه أن يحرص في حياته على أن يعطي أكثر مما يأخذ ( اليد العليا خير من اليد السفلى ) , وأن لا يأخذ من الغير – حين يأخذ منهم – إلا إذا تأكد من أن ذلك تم عن طيب خاطر تام ورضا نفس كامل , وإلا – أي إذا لم يكن متأكدا من ذلك – فإن التعفف أولى وأطيب وأكثر بركة بإذن الله .
أقول هذا وأنا أعلم تمام العلم أننا في زمان طغى فيه حب المادة والدنيا والمال على الكثير الكثير من الناس وحتى المتدينين منهم . ومنه فإن الكثيرين يعتبرون الأخذ من الغير شطارة وقفازة , ومنه فكلما كنت نشطا وذكيا كلما أخذت أكثر من الغير , وأما مراعاة وجه الله ثم محبة الناس فأمر ثانوي جدا عندهم , فإنا لله وإنا إليه راجعون !. وهؤلاء يعتبرون أن من يحرص في الحياة على أن يعطي أكثر مما يأخذ , يعتبرونه ناقص " فهامة " وساذجا وبنصف عقل والعياذ بالله و...
وبهذه المناسبة أقول بأنني تعودتُ منذ كنت صغيرا , وما زلتُ على ذلك إلى اليوم , تعودتُ على سبيل المثال على أنني عندما أذهب إلى السوق , يقول لي البائع " كل – يا شيخ - من هذا التمر قد يعجبك , ذق هذا الجزء من البرتقال قد يظهر لك لذيذا فتشتري مثله , خذ بضع حبات من المشمش وتذوقها لترى كم هو حلو , ..." , وهكذا يقال لي مثل هذا الكلام من طرف تجار مئات المرات ولسنوات طويلة , وعن خضر وفواكه ومأكولات مختلفة . التاجر يقول ما يقول , يقول ذلك عادة بنية حسنة وطيبة , وأنا لا أقول أبدا بأنني لو ذقتُ أو أكلت سأرتكب حراما , ولكنني أؤكد على أن التاجر ما قال ما قال , إلا رغبة منه في دفعك للشراء , فإذا أكلتَ أو شربتَ على حسابه هو ثم اشتريتَ منه هو خاسر معك وإذا لم تشتر منه هو خاسر معك . هو خاسر معك في الحالتين .
قلتُ : أنا لا أقول بأن الأكل أو الشرب حرام , لم أقل هذا ولن أقوله لأنني لست مفتيا ولا فقيها ولا عالما , ولأنني لست متأكدا من الحرمة , ولكنني على يقين من أن عدم الكل أو الشرب أولى . إذا اشتريتُ أنا آكل مما اشتريتُ وإذا لم أشتر فإنني لا آكل شيئا . هذا بإذن الله أحسن عند الله وعند الناس وأفضل وأطيب , لأسباب عدة من أهمها أن التعفف أولى وأن " ما عندكم ينفذ وما عند الله خير وأبقى ".
لذلك فإنني ومنذ كنت صغيرا ما أكلتُ مما عرض علي الأكل منه ولا تذوقتُ مما عرض علي التذوق منه , ما أكلتُ ولا تذوقتُ شيئا في أي يوم من الأيام أبدا أبدا أبدا ... أما مع الله فواضح أن التعفف أفضل وبكل تأكيد , وأما مع الناس فإن التاجر يحترمك أكثر ويقدرك أكثر , وكذلك الناس - كل الناس - سيحترمونك أكثر وأكثر كلما رأوك زاهدا فيما عند الغير .
لذلك فإنني أنصح بالمناسبة نفسي وأنصح من يقرأ لي ما أكتبه وأنشره هنا بنصيحة بسيطة جدا ولكنها غالية جدا " إن أردت أخي محبة الله أولا ثم محبة الناس ثانيا فازهد فيما في أيدي الناس ما استطعتَ إلى ذلك سبيلا " .
وأما إن طلبت البطولة والمجد والشرف والعلا وأنت متكالب ومتهافت على ما في أيدي الناس فأنت واهم مليون مرة ومليار مرة .
والله وحده أعلم بالصواب , وهو وحده الموفق والهادي لما فيه الخير .
289- كانت ابنته تدرس عندي ! :
قلتُ وما زلت أقول وسأبقى أقول " إذا أردت أن يحبك الله ثم الناس فازهد – ما استطعت- فيما في أيدي الناس ", ثم أضيف هنا " إزهد خاصة إن كان فيما تأخذ من الغير شبهة ".
ومن أمثلة هذه الشبهات أن يكون الغير أبا لـتلميذ يدرس عندك أنتَ !.
إذا كان التلميذ يدرس عندك وأراد أبوه أن يقدم لك هدية ما فالأفضل أن لا تأخذها ( والعالم أو المفتي هو الذي يمكن أن يقول : يجوز لك أن تأخذ أو لا يجوز لك أن تأخذ ) . هذا أفضل وأطيب وأحسن من جهة تعففا عما في يد الغير ومن جهة ثانية ابتعادا عما يمكن أن يكون شبهة ومن جهة ثالثة طلبا لرضا الله تعالى ثم احترام الناس وتقديرهم . الأفضل أن لا تأخذ – يا أستاذ - هدية من ولي التلميذ أو أبيه أو ... حتى تبقى منصفا وعادلا في تعاملك مع التلاميذ كل التلاميذ , بدون أن تميز فيما بينهم تمييزا جاهليا مبنيا على أن " ولي هذا أهداني كذا , ومنه فمطلوب مني أن أتساهل مع ابنه " و" أما الآخرون فأعاملهم معاملة عادية " !!!. يمكن أن يحدث هذا التمييز من الأستاذ ولو عن غير قصد أو بدون شعور , ومنه فإن غلق باب قبول الهدية من ولي التلميذ أفضل من منطلق سد الذريعة ( حتى ولو لم نحكم بحرمة أخذ الهدية , لأن التحريم يقدر عليه فقط الفقهاء والعلماء ) .
حدث منذ حوالي 12 سنة أن جاءني ولي تلميذة في بداية السنة الدراسية وأخبرني بأن ابنته تريد أن تدرس عندي في السنة الأولى ثانوي وأنها تـصر على أنها " إما أن تدرس عندك أو لا تدرس إطلاقا ". أفهمته في أن في كل الأساتذة خيرا وبركة بإذن الله , ثم قلت له " حاول مع الإدارة , ربما استجابت لطلب ابنتك " . وبعد حوالي أسبوعين استجابت الإدارة لطلب الولي والتحقت التلميذة بقسمي مطمئنة مرتاحة .
وبعد حوالي شهر دخلت حانوتا للمواد الغذائية فوجدت ولي التلميذة مع صاحب الحانوت . طلبتُ من صاحب الحانوت قليلا من الفول السوداني , وانتظرت أن يناولني إياه لأدفع له ثمن ذلك . ولكنني رأيت ولي التلميذة كأنه غمز صاحب الحانوت , فأخذ صاحب الحانوت يجمع مجموعة أكلات ( ياؤورت , جبن , حلوى , شكولاطة , فول سوداني ... ) بسعر أكبر بحوالي 10 مرات من سعر القليل من الفول السوداني الذي طلبته أنا .
ظننت في البداية بأن هذه المأكولات طلبها الولي لنفسه , ولكنني فوجئت في النهاية بأن صاحب الحانوت يعطيني أنا هذه المجموعة من الأكلات ... قلتُ له " أنا ما طلبت إلا كذا فقط من الفول السوداني " . قال لي " هذه هدية من فلان " وأشار إلى ولي التلميذة , وقال لي الولي " هذه يا أستاذ هدية مني إليك , ورسول الله يقبل الهدية " , قلت له " الأمر هنا مختلف . شكرا جزيلا لك . رجاء لا تحلف علي لأنني لن آخذ ما تعطيني إياه الآن مهما ألححت علي ومهما حاولت معي ". حاول صاحبُ الحانوت ومعه الولي , ومع ذلك أصررت ثم أصررت على الرفض . ثم تقدمت عندئذ من ولي التلميذة وقبلتُ جبهته حتى لا يجد حرجا في نفسه من رفضي . وكانت قبلتي لجبهته كأنها ماء أطفأ في الحين الحرج الذي كان عنده . أخذ الولي عندئذ تلك المشتريات لنفسه وخرج .
سألني صاحب الحانوت " لماذا يا شيخ عبد الحميد رفضت وأصررت على الرفض ؟!" , قلتُ له " لأن ابنته تدرس عندي وأنا لا أريد أن أتأثر بهذه الهدية في تعاملي مع التلاميذ . أنا أريد أن أبقى عادلا ومنصفا ما استطعتُ في علاقتي بكل التلاميذ ". سكت صاحب الحانوت برهة ثم قال " الحمد لله يا أستاذ على أنه ما زال بعض الخير في هذه الدنيا " . والولي كان يحترمني ثم ازداد احترامه لي بعد ذلك , وابنته كانت تقدرني ثم ازداد تقديرها لي بعد تلك الحادثة .
الحمد لله ثم الحمد لله ثم الحمد لله . نسأل الله أن يقوينا على أنفسنا وعلى الشيطان , آمين .
290- طلبت منه أن يخصم لي يوما من مرتبي ! : يوم السبت 7/3/2009 م كان مطلوبا مني أن أحضر مجلس قسم من الأقسام متعلقا بنتائج الثلاثي الثاني من السنة الدراسية 2008 /2009 م , وكان موعد المجلس من ال 12.30 إلى ال 13.30 من بعد منتصف النهار . ولكن للأسف الشديد نسيتُ الموعد ولم أتذكره إلا قبيل الساعة 14.00 مساء عندما كنتُ متجها إلى الثانوية للعمل مع التلاميذ من الساعة الثانية إلى الرابعة . وعندما تذكرتُ الموعد وعرفت أنني غبتُ عن حضور المجلس بدون عذر إلا النسيان , ومع أن النسيان في حد ذاته عذر , ومع أنني لا أغيبُ عن عملي بالثانوية إلا نادرا , ولا أنسى ما له صلة بالتلاميذ أو بالإدارة أو بالأساتذة إلا نادرا كذلك , ... فإنني عزمتُ على أن أطلبَ من السيد مدير الثانوية أن يخصم من مرتبي أجر هذا اليوم الذي غبتُ فيه عن حضور المجلس نسيانا . أعرف أن العادة جرت بالعكس لا بما كنتُ أنا مقدما عليه . العادة جرت عند الأغلبية الساحقة من العمال في كل زمان ومكان , جرت العادة على أن العامل يغيب بعذر مقبول أو غير مقبول أو بدون أي عذر , ثم إذا أراد المسئول أن يعاقبه بالخصم من مرتبه , نجد العامل يعترض ويحتج ويرفض الخصم بقوة بالطرق المستقيمة والمعوجة وبالدليل والبرهان أو بلا أي دليل ولا أي برهان .
هذه هي العادة الجارية والتي يعرفها العام والخاص من الناس , كل الناس . ولكنني خالفتُ العادة لأنني لم أستسغ غيابي عن المجلس ولم أقبل من نفسي النسيان الذي اعتبرته تقصيرا مني , فأردتُ أن أعاقبَ نفسي حتى أجتهدَ كيلا أنسى مرة أخرى ( ما استطعتُ وفي حدود المقدرة والإمكان بطبيعة الحال ) . اتجهتُ قبل الساعة الثانية بعد الظهر – وقبل توجهي إلى القسم للتدريس – إلى مكتب السيد مدير الثانوية , استأذنتُ في الدخول عليه ثم دخلتُ . قال لي " خير إن شاء الله يا أستاذ . ما الذي أخرك ؟! " , قلتُ له " ما أخرني عن الحضور في المجلس إلا النسيان . ليس لي أي عذر . ومن أجل هذا جئتك " . قال لي " لا بأس عليك يا أستاذ رميته . من ذا الذي لا ينسى من البشر ؟! ". قلتُ له " أتوسل إليك يا ... أن لا تردني فيما سأطلبه منك الآن " , قال " وما ذاك ؟!" , قلت له " أريد أن تعاقبني بخصم مرتبي لهذا اليوم , حتى لا يتكرر مني تهاون اليوم مرة أخرى . أرجوك يا سيدي المدير لا ترد لي طلبي هذا ".
فرد علي مبتسما وجادا وحازما في نفس الوقت " مستحيل ثم مستحيل ثم مستحيل . أطلب مني يا أستاذ أي شيء آخر أنفذه لك إلا هذا . لن أنفذ لك طلبك هذا ولو ألححتَ ساعات وساعات . قد أفعل هذا مع أغلب الأساتذة , ولكنني لن أفعله مع قليلين أنت واحد منهم . يا أستاذ رميته أنت لا تغيب عن عملك وعن التلاميذ إلا مرة واحدة خلال سنوات عديدة , فكيف تريدني أن أعاقبك إذن من أجل نسيان تقع فيه ولا يكاد يتكرر منك , ومن أجل نسيان لا يسلم منه بشرٌ . ما تطلبه مني يستحيل أن أنفذه لك فرجاء لا تعد طلبك هذا مرة أخرى "!!.
وأنا أعلق هنا بتعليق بسيط :
1- لن يحبك الغيرُ إلا بعد أن تحبَّ أنت الغيرَ .
2-إذا أردت أن تعطي لنفسك مصداقية عند الله أولا ثم عند الناس بعد ذلك لا بد لك من تضحيات جسام ولمدة طويلة ولوجه الله أولا . وأما إن أردت المصداقية والسمعة الطيبة ولكنك لم تجتهد ولم تضح ولم تبذل ولم تعط فاعلم أنك واهم ثم واهم .
3- التكاسل والتهاون لذيذان , ولكن لذة الاجتهاد والجهاد والتضحية أعظم لذة بكثير .
4- قليل من المال مع استقامة على أمر الله وراحة ضمير , هو خير وأفضل وأطيب بكثير من كثير من المال مع اعوجاج مع الله وتأنيب ضمير . والله وحده أعلم بالصواب .

وقفات مع ذكريات من271 إلى 280 :

بسم الله
عبد الحميد رميته , الجزائر

271- " يا ليتك ما كتبت ما كتبتَ عن حكام المسلمين , وعفا الله عما سلف " :
قالت لي أخت من الأخوات
في الأيام الماضية كتعليق على موضوع نشرته في منتدى من المنتديات أشرتُ فيه إلى بعض ظلم حكام المسلمين للمعتقلين الإسلاميين عندهم , وذلك من خلال موضوعي " النوم في الماء البارد والصلاة عريانا ". قال الأخت الكريمة " شكرا لك أخي عن الفتوى المتعلقة بجواز الصلاة ولو كنتَ عريانا . ولكن كان من المفروض عدم إدراج القصة أساسا , وعفا الله عما سلف , وذلك على الأقل من أجل تحسين صورة النظام الجزائري . وبالنسبة للإستعباد والإستبداد فنحن والحمد لله أحسن من دول عديدة عربية . وأرى أن ذاك الزمن قد ولى . وكما كانت هناك أخطاء من مسؤولين , كانت أخطاء أخرى من مواطنين إسلاميين .مرة أخرى بارك الله فيك أستاذ رميته . كان هذا رأيي الشخصي , وجهة نظري أنا فقط يا أستاذ ".
فأجبتها بقولي :
أختي الفاضلة نتفق ونحن إخوة ونختلف ونحن إخوة كذلك , ولكنني مع ذلك أقول لكِ بأنني أختلف معك في الرأي ...1- الحديث عن ظلم الحكام العرب والمسلمين ( والعرب خاصة ) هو حديث عن واقع لا يجوز أبدا إنكاره ولا تجاوزه .2- ظلم حكام العرب والمسلمين وطغيانهم هو أمر مهم جدا وخطير جدا , وهو من الأسباب الأساسية لتقدم الكفار – من يهود ونصارى ووثنيين و... - في القرن الأخير من بعد سقوط الخلافة الإسلامية وإلى اليوم , وتأخر المسلمين . ولذلك لا يجوز أبدا جحود هذا الظلم وإنكار وهذا الطغيان بأي حال من الأحوال . 3- التستر على ظلم وطغيان وتعدي حكام العرب والمسلمين هو تشجيع لهم ولو بطريقة غير مباشرة , ولو بنية حسنة وطيبة , قلتُ : هو تشجيع لهم على زيادة الطغيان والدكتاتورية , وهو لذلك أمر لا يجوز البتة .4- " عفا الله عما سلف " كان يمكن أن يقبل مع من تاب وأناب . وأما حكامنا فكانوا ومازالوا متمردين على الله وشرعه وكذا على شعوبهم . وفي المقابل هم مصرون على إعطاء الولاء للكفار لا للمسلمين , وللشيطان لا للرحمان , وعلى خدمة أنفسهم ومن يواليهم لا خدمة شعوبهم . ومنه فإن حكاية " عفا الله عما سلف " غير مقبولة البتة هنا ومع حكامنا جميعا أو مع أغلبيتهم الساحقة . 5- وأما حكاية تحسين صورة الجزائر فالمطلوب تحسين الصورة بالحق لا بالباطل وبالعدل لا بتغطية الشمس بالغربال , والله أحق أن يرضى , وشرع الله أحق أن يراعى , ودين الله أحق أن نحافظ على صورته الطيبة والحسنة والجميلة .6- ثم نحن لا نقارن أبدا بين نظام ونظام ولا بين بلد وبلد ولا بين الجزائر العزيزة وغيرها من بلدان العالم العربي والإسلامي الحبيب , وإنما نحن نتحدث عن طغيان وظلم وتعدي وإساءة ودكتاتورية أغلب حكام العرب والمسلمين مع دين الله ثم مع شعوبهم . الكل بصفة عامة سواء , فقط مع بعض الاختلاف في الدرجة من نظام إلى نظام ومن بلد إلى بلد .7- وأما أن ذلك هو زمن قد ولى , فهذا والله ليس صحيحا البتة , بل هو زمن كان وما زال ولا ندري إلى متى سيبقى , بل إن ما وقع في الجزائر في التسعينات ( من 1992 م وإلى عام 2000 م ) هو أبشع بكثير مما وقع معي ومع أمثالي عام 82 م وعام 85 م .8- وأما أن الحكام ظلموا وكذلك بعض الإسلاميين أخطأوا أو انحرفوا عن سواء السبيل فهذا صحيح , ولكن مع التنبيه إلى أن انحراف الحكام أعظم بكثير من جهات عدة منها :أولا : أن الحكام تحكمهم قوانين ومواثيق دولية مطلوب منهم الالتزام بها , ومنها ما يتعلق بمنع التعذيب الجسدي , وأما الإسلاميون فإذا لم يحكمهم الخوف من الله , فلا قانون يضبطهم , ومنه فاللوم على الحكام أكبر بكثير .ثانيا : أن من أسباب خروج الكثير من الخارجين عن الحكام بالطرق الفوضوية أو بالطرق السليمة , كما يقول الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تعالى هو ظلم حكام العرب والمسلمين وإصرارهم على رفض تحكيم شرع الله وتفننهم في تعذيب المعارضين السياسيين لهم . ومنه فإن مسؤولية هؤلاء الحكام أكبر بكثير من مسؤولية من خرج عليهم أو لم يخرج عليهم بالطريق المناسب , والله وحده أعلم بالصواب .نسأل الله الهداية لنا ولجميع حكام المسلمين بلا استثناء . اللهم أصلح أحوالنا وأعز الإسلام والمسلمين , آمين .
272- المزاح الكاذب المباح : بالأمس ( 28/2/09 م ) كنت أحرس تلاميذ في إمتحان بالثانوية , ولأن تلاميذ هذا الزمن يعول الكثير منهم على الغش ولأنني منعتهم من الغش , فإنهم يقضون جزء كبيرا من وقت الحصة في النظر إلي ومراقبتي وأنا أتحرك داخل القسم ( أملا في أن يغفلوني ) . خاطبتهم في وقت من الأوقات – أثناء الحصة وقبل انتهائها - مازحا " لماذا تنظرون إلي في أكثر وقت الحصة . آه نسيتُ . أنتم تنظرون إلي لأنكم اشتقتم إلي"!. ضحك التلاميذ , لأنهم يعلمون بأنني أعلم أنهم ينظرون إلي لشيء آخر لا لأنهم أحبوني واشتاقوا إلي . ومنه فإن ما قلته لهم هو مزاح أو كذب جائز , ولا علاقة له بالكذب الحرام لا من قريب و لا من بعيد .
ومما وقع بيني وبين بعض الإخوة مئات المرات ما يلي : قال لي أحد الإخوة وهو يقرأ لي موضوعا عن الرقية الشرعية منشورا في منتدى من المنتديات , أؤكد من خلاله على :1- أن عدم أخذ الأجر على الرقية الشرعية أفضل من أخذه حتى وإن كان الأخذ جائزا شرعا من حيث الأصل. 2-وعلى أنني رقيتُ أكثر من 14 ألفا من الأشخاص حتى الآن وما أخذتُ الأجر ولو عن واحد منهم , والحمد لله رب العالمين . قال لي الأخ وهو يقرأ لي ذلك " أخي الأستاذ عبد الحميد , ما رأيك لو أعمل معك كما يعمل الممرض مع الطبيب . أنت ترقي الناس , وأنا أقبض الأجر نيابة عنك ثم في نهاية النهار أو الأسبوع أو الشهر نتفق على أنك تأخذ مثلا 80 % من المبلغ المجموع , وأنا أستفيد من 20 % منه . ما رأيك أخي عبد الحميد أليست الفكرة جميلة ؟! ".ولأن الأخ يتحدث في شيء أنا أعلم يقينا أنه لا يقصده بالفعل بل يقصد المزاح فقط . ومنه فإن هذا المزاح كاذبٌ ولكنه جائز بإذن الله تعالى .
هذا إذن أمر يجب أن يكون واضحا حتى لا نتهم من قال مباحا بأنه كذب كذبا حراما .
273- الأخوة والمحبة في السجن نعمة عظيمة جدا :
أذكر أننا عندما كنا في سجن البرواقية ( ولاية المدية ) لمدة عام ونصف , قضينا سنة ونصف السنة كفترة من أحسن فترت حياة كل واحد منا الخاصة , أو قضينا أياما هي من أحسن الأيام في حياتنا . وفي المقابل قضينا في نفس الفترة أياما هي من أسوأ الأيام في حياتنا .
السجن كأي شيء آخر فيه الخير الكثير وفيه الشر الكبير .
كان في السجن الجوع والعطش والألم والحزن والتعذيب النفسي والبدني والإذلال والإهانة والظلم والقهر والتعدي والإساءة والفساد والإفساد , وسب الله ورسوله وعلماء الإسلام وشتم الصحابة رضوان الله عليهم , والتهديد بالإكراه على الزنا وعلى شرب الخمر ...الخ ...
ولكن كان في السجن كذلك الأخوة والمحبة والتكافل والبكاء من خشية الله والذكر والدعاء الصادقان والخالصان ورؤية الرسول سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام في المنام وتعلم الدين وحفظ القرآن وقوة الإيمان والثبات على الحق والاستهانة بالباطل مهما علا وتكبر وتجبر والاعتزاز بالحق والاستعداد في كل وقت للتضحية بالنفس رخيصة في سبيل الله تعالى و ... وهكذا ...
ومما أذكره من حسنات السجن فيما بين نوفمبر 1982 م وماي 1984 م الأخوة الكبيرة والمحبة العظيمة التي كانت فيما بيننا وكذا سعة الصدر وطول البال أثناء خلافاتنا مع بعضنا البعض . نختلف – طبعا في مسائل دينية أو دنيوية , فرعية وثانوية واجتهادية - فيما بيننا . ويسيء الواحد منا إلى الآخر في حوالي 1 % من الأحوال , ولكن والحمد لله وفي حوالي 99 % من خلافاتنا كان شعارنا قولا وعملا , قانونا وتطبيقا هو " رأيي صواب ولكنه يحتمل الخطأ ورأيك خطأ ولكنه يحتمل الصواب " و " نتفق ونحن إخوة ونختلف ونحن إخوة كذلك " و
" اختلافاتنا يجب أن تكون رحمة لا نقمة " و " نختلف ولكن لا يجوز أن يفسد اختلافنا الود الذي يجب أن يكون بيننا " و " المحافظة على الأخوة الإسلامية ومقتضياتها واجب من أهم واجبات الإسلام " .
ومنه فإنني أؤكد على أننا اختلفنا فيما بيننا في مئات المسائل أو آلاف , ومع ذلك لا يقول أحدنا للآخر أبدا ما يسيئه أو يجرحه أو يقلقه أو يؤذيه أو ... ولا يسب أحدنا الآخر ولا يشتمه أبدا , ولا يسخر أحدنا أبدا من الآخر ولا يستهزئ به في أية لحظة , ولا يُـنفِّر أحدنا أبدا من أخيه ولا يُحذر منه أبدا مهما كان . وأؤكد على أنه لم يقل أحدنا لآخر أبدا أبدا أبدا " أنت ضال أو منحرف أو فاسق أو فاجر أو مائع أو منحل أو مبتدع أو... أو أنت تكذب أو تسرق أو تخون أو ...". لم يحدث هذا أبدا أبدا أبدا لا في النوم ولا في اليقظة . وحلاوة الجو الإيماني الذي كنا نعيشه في السجن وكذا بركات الأخوة والمحبة التي كنا نستظل بظلالها لا يحس بها إلا من عاشها , ومع ذلك نسأل الله أن يعافينا جميعا من السجن" لا تتمنوا لقاء العدو , ولكن إذا لقيتموه فاثبتوا ".
وكنتُ في تلك الفترة أقدم لإخواني ال 20 الموجودين معي في السجن درسا أسبوعيا في فقه العبادات على المذهب المالكي مقارنا بالمذاهب الأربعة الأخرى ( الشافعي وأحمد وأبو حنيفة وبن حزم ) , وكنت في دروسي هذه أركز على جملة أشياء منها :
1- تعلم أحكام العبادات على مذهب الإمام مالك .
2-مقارنة مذهب الإمام مالك ببقية المذاهب والتأكيد على أن كل المذاهب محترمة وكلها تشكل الإسلام العظيم , وأنه لا يجوز التعصب لواحد منها ولا ضد واحد منها .
3- تعلم فقه الاختلاف والاستفادة منه في سائر شؤون حياتنا الدينية والدنيوية .
وفي المقابل كان الكثير الكثير من الإخوة الإسلاميين المعتقلين في الجزائر في الفترة ما بين 1992 م و 2000 م , كانوا في بعض المعتقلات يختلفون فيما بينهم بالليل والنهار في مسائل ثانوية فرعية اجتهادية في الدين أو في الدنيا . وبسببها يسخر بعضهم من بعض ويشتم بعضهم بعضا ويحذر بعضهم من بعض , و... وكانوا يعيشون كأنهم خصوم وأعداء وكأنهم ليسوا إخوة في الدين وليسوا دعاة إلى الله وليسوا مساجين ومعتقلين في سبيل الله , و... ووصل بالبعض منهم الجهل والتعصب للأسف إلى درجة أنهم أصبحوا يصلون في المعتقل جماعة من خلال أكثر من جماعة واحدة للصلاة المفروضة الواحدة , وذلك بسبب الاختلاف والتعصب لمسائل بسيطة جدا لا يجوز أبدا التعصب لها أو التشدد من أجلها , لأنها إما متعلقة بمستحبات أو سنن فقط , أو بواجبات أو فروض خلافية بين الفقهاء والعلماء .
274- " سي عبد الحميد , وعمي عبد الحميد , والأخ عبد الحميد " :
أنا هنا أذكر جانبا هزليا بسيطا جدا من حياتنا التي كنا نعيشها في السجن , والذي كنا من خلاله نُرِّوح به عن أنفسنا ونقوي من خلاله أنفسنا على عبادة الله وكذا على الصبر على متاعب السجن والتحقيق والتعذيب و ... كنا في السجن في الفترة الممتدة من نوفمبر 1982 م وماي 1984 م , كنا 21 شخصا: أنا ومعي 20 آخرون.
وكنا ثلاثة أشخاص أسماؤنا " عبد الحميد " .
ومنه اقترح علينا في يوم من الأيام الأخ ... الذي كان أستاذ عربي في الثانوية ثم في الجامعة , رحمه الله , لأنه مات خلال السنوات الحمراء العشرة بالجزائر , أي سنوات التسعينات . قلتُ : اقترح علينا الأخ أمرا حتى لا تختلط الأسماء بين الإخوة بين عبد الحميد وعبد الحميد وعبد الحميد .
اقترح علينا اقتراحا اتفقنا عليه جميعا , وبقينا نعمل به طيلة العام والنصف وحتى خروجنا من السجن في ماي 1984 م , بعد أن حكمت محكمة أمن الدولة بالمدية , حكمت علينا جميعا بالبراءة .
اقترح الأخ الفاضل رحمه الله رحمة واسعة ورزقه أجر الشهداء , لأنه مات مقتولا .
اقترح أن ينادى الإخوة :
1- على الأول ( وكان طبيبا إسمه ... عبد الحميد ) ب " سي عبد الحميد " .
وسي معناها " السيد " , وهي كلمة تطلق على الشخص كدلالة على احترامنا وتقديرنا له ولعلمه , كما نقول اليوم للمطلع على الإسلام " يا شيخ " .
2- وعلى الثاني ( وكان طالبا في جامعة بضواحي الجزائر العاصمة , إسمه ... عبد الحميد ) ب " الأخ عبد الحميد " .
3- وأن ينادى علي أنا ( عبد الحميد رميته ) , بـ " عـمي عبد الحميد " .
ومع أنني لم أكن الأكبر سنا في ذلك الوقت , بل كان عمري آنذاك 27 عاما وكان الشيخ عباسي مدني مثلا يرقد بجانبي في ذلك السجن وفي تلك الفترة , كان عمره حوالي 53 سنة أي أن سنه كان ضعف عمري أنا , إلا أن الأخ اقترح على إخواني مناداتي ب" عمي " من جهة للتفريق بيني وبين الآخرين ومن جهة أخرى من باب الاحترام والتقدير لمن نقول له " عمي " حتى وإن كان في السن أصغر منا .
وكم كانت تعجبني كلمة " عمي عبد الحميد " التي سمعتها بعد ذلك من إخواني خلال فترة السجن كلها , سمعتها منهم آلاف المرات .
وفقني الله وأهل المنتدى جميعا لكل خير , آمين .
275- " الإغضاء عن السفيه يزيد صاحبه رفعة " : وقيل كذلك " الإعراض عن الجاهل أحسن جواب له ". فإذا فرضنا أن شخصا قال لك - بعد أن قدمت له نصيحة ما - ما لا يصلح أن يُقال , فلـمَ تقلقْ وتغضبْ وتثورْ !؟ . إن الذي قال لك ما لا يليق , أثبتَ بذلك عيبَـه هو لا عيبَـك أنت . إنه زاد من حسناتك عند الله , كما زاد هو من سيئاته . إنه هبط بقيمته عند من يسمعه إلى الحضيض , أما قيمتُـك أنت فلن تُنقصَ منها تلك الكلمات شيئا , بل إن قيمتك يرفعُـها الله غالبا عند الناس كلما تحمَّـلتَ الأذى وقابلتَ السـيـئـةَ بالحسنةِ واحتسبتَ أجركَ عند الله .
وأذكر هنا بالمناسبة أن رجلا طلبني منذ حوالي 15 سنة من أجل أن أحكم بينه ( هو وزوجته ) من جهة , وبين أهل زوجته من جهة أخرى , أن أحكم بين العائلتين في قضية لها علاقة بالميراث . سمعتُ من الطرفين في جلستين طويلتين , ثم حكمتُ بما رأيتُه موافقا للشرع الحنيف , وطلبتُ مع ذلك الاستعانة بعد ذلك برجل له اختصاص في المسائل التقنية حتى يُكملَ القسمة بين العائلتين من الناحية المادية والمالية والتجارية .
وبعد أن حكمتُ بما حكمتُ به لم يعجب الحكمُ الرجلَ فثارت ثائرته وقال لي " ما دخلك أنت يا عبد الحميد ؟!". فقالت له زوجته " أنت الذي طلبتَ الشيخ عبد الحميد يا رجل !".
سكت برهة ثم قال لي " أنت مزور , أنت جئت تدافع عن غيري بالباطل , أنت مفسد !!!". قلتُ له " ما دمنا قد وصلنا إلى هذا الحد فأنا أستأذن في الانصراف , وشكرا جزيلا لك ".
أرادت زوجتي أن تنصرف معي من بيت هذا الرجل ( كان زوجا لإحدى محارمها من النساء " , فطلبتُ منها أن تبقى ساعة أو ساعتين لتكمل الزيارة وصلة الرحم ثم تلحق بي , وأضفتُ قائلا لها " الرجل اختلف معي أنا , وأنا لا أريد أن أدخلك أنتِ في الوسط . قريـبـتك هي قريبتك وصلة الرحم في الإسلام هي صلة الرحم مهما كان بيني وبين زوج قريـبـتك " .
خرج الرجل معي , إلى باب الدار وقبل أن نصل إلى الباب , قلتُ له " أنا أتمنى منك أن تُحكم أي إمام في مدينة ميلة , وستجد أنه سيحكم بينك وبين ... بنفس ما حكمتُ أنا به قبل قليل " , فقال لي باللفظ " لو نزل الله من فوق سبع سماوات , وحكم بنفس ما حكمتَ به أنت , ما قبلتُ بحكمه أبدا !!!". والعياذ بالله تعالى , وأستغفر الله العظيم من كل ذنب عظيم .
ومنذ تلك الحادثة كلما صادفتُ الرجلَ في طريقي أسلم عليه فلا يرد .
وفي يوم من الأيام جاء إلى ثانويتنا ليسأل عن ابنته وعن أحوالها , فأخطأت الإدارة وظنت بأن ابنته كانت تدرس عندي فاستدعت مجموعة من الأساتذة , وأخطأت فاستدعتني أنا معهم . دخلتُ إلى مكتب المسؤول وقلتُ للولي وللمسؤول وللأساتذة " السلام عليكم " فردوا " وعليكم السلام " . ولما رأيتُ بأن التلميذة لا تدرس عندي وأن الأمر لا يعنيني , خرجتُ في الحين . الحادثة وقعت في الصباح على الساعة ال 10 , وعند الساعة الواحدة التقيتُ بأستاذ من الأساتذة الذي قال لي " يا أستاذ رميته , أنت في الصباح , وبمجرد خروجك من عندنا لحقنا بك فخرجنا وراءك " , قلتُ " ما الذي أخرجكما وقد جاء الأب يسألكم عن ابنته ؟!" , فقال لي " بمجرد أن خرجتَ أنتَ رد على سلامك بقوله ( أنظروا إلى الكلب الذي يسمى عبد الحميد ) , فلم نفهم لماذا قال لك ذلك , ولكننا انصرفنا عنه وقلنا له ( إن كانت الأستاذ رميته كلبا , فكلنا كلاب ) . أراد الولي أن يبقينا ولكننا أصررنا على الانصراف ".
قلتُ وما زلتُ أقول " سامحه الله وهداه الله ثم أسعده الله في الدارين " . ومع ذلك فأنا أجزم 100 % وليس 99 % بأن الرجل أسقط من قيمته عند كل من سمع بقصته وبما قال لي وما فعل معي ( وعلى رأسهم زوجته الفاضلة ) , هذا فضلا عن إثمه عند الله عزوجل .
اللهم اغفر لنا جميعا وارحمنا واهدنا وارزقنا وعافنا , آمين .
276- أخطأتُ في قراءة سورة القدر : يحكى أن رجلين مسلمين صالحين يحفظان القرآن الكريم اضطرا في يوم من الأيام للصلاة في بيت أحدهما . أمَّ صاحبُ البيت الآخرَ ( أي صلى به إماما ) وقرأ في إحدى الركعتين بسورة الزلزلة فأخطأ فيها , فلامه الآخر بعد الصلاة " كيف تخطئ في سورة قصيرة ومعروفة مثل الزلزلة !؟ ". وفي يوم من الأيام - وبعد سنوات - اضطرا للصلاة في البيت مرة أخرى , ولكن في هذه المرة في بيت الشخص الثاني . وكما هي السنة عندنا في ديننا , صلى صاحبُ البيت إماما ( وهو الذي كان مأموما أيام زمان ) بالآخر ( وهو الذي كان إماما من قبل ) . وللأسف الشديد أخطأ الإمامُ أثناء القراءة في إحدى الركعتين , أخطأ في قراءة سورة الفاتحة (!!!).وبعد الصلاة قال له صاحبه " هذه بتلك , وإن كنتَ - مع ذلك - أنتَ الملوم أكثر , إذ كيف تخطئ في قراءة سورة الفاتحة التي لا تكاد تجد مؤمنا مهما كان صغيرا أو جاهلا يخطئ فيها "!!! .
وأنا وقع لي مؤخرا ( مع بداية شهر مارس 2009 م ) حادث مماثل لما ذكرتُ , وكأن الله من خلال ذلك يُـعلمنا التواضعَ ويطلب منا في نفس الوقت السعي لأن نكون دوما أحسن وأفضل دينا ودنيا . صليتُ في البيت بنساء أهلي صلاة العشاء جماعة , وأثناء الركعة الأولى أخطأتُ في قراءة سورة القدر ( إنا أنزلناه في ليلة القدر...) مع أنني أحفظ القرآن كله منذ 1982 (حيث حفظته خلال 3 أشهر ونصف فقط في السجن) وأنا أراجعه باستمرار والحمد لله رب العالمين . بعد الصلاة مباشرة , أي بعد التسليمة الثانية قرأتُ سورة القدر - أمام نساء أهلي - وأعدتها بشكل صحيح وسليم وبكل سهولة , مع أنني أثناء الصلاة تعثرتُ فيها . وهذا النسيان الذي يعترينا بين الحين والآخر يُـذكرنا بضعفنا وعجزنا وقصورنا ويدعونا أكثر وأكثر إلى أن نعتصم بالله ونتقوى بالله ونستعين بالله ونطلب الهداية والتوفيق من الله وحده , ونكثر من قول " لا حول ولا قوة إلا بالله " .
علق أخ فاضل على مقالتي هذه عندما نشرتها في منتدى من المنتديات فقال " وفائدة أخرى من القصة ( وأنا مجرب ) أنك ما عيّرت أحداً بشيء إلا ابتليتَ أنتَ به أو بأدهى منه , حتى ولو كنتَ من أبعد الناس عن هذا الشيء الذي عيرت غيرك بسببه . هناك خيط دقيق جداً بين النصح والسخرية , لا يراه ولا يتبينه بتوفيق الله إلا أصحاب البصيرة والتجربة وبعد النظر . شكرا لك أستاذ رميته ".
فقلتُ له " أخي الحبيب صدقت ثم صدقت .هذا إن سخر منك بطريقة غير مباشرة أو سخر منك وهو يدعي النصيحة لك .فما بلك بمن يسخر منك ويستهزئ بك جهارا نهارا وبطريقة واضحة وصريحة , ومع سبق الإصرار والترصد , كيف سيكون حاله مع الله دنيا ثم آخرة ؟!.
نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة , آمين .
والله وحده أعلم بالصواب .
277- من المنكرات التي تقع أحيانا باسم الإصابة بالجن ! :
أنا حتى الآن كلما تذكرت هذه القصة الحقيقية والواقعية أعتبرها نكتة لأنها مضحكة بالفعل , إذ كيف يلعب بعض الشباب بأهاليهم فيفسقون ويفجرون ويرتكبون الحرام باسم الجن , والجن بريء كل البراءة مما اتهم به .
هي نكتة طريفة , ولكنها في المقابل نكتة مؤلمة للغاية .
هي نكتة طريفة , ولكن فيها في المقابل من الدروس والعبر ما فيها .
طلبني أهل فتاة من أجل أن أرقيها في بيت أحد أقاربها بولاية من الولايات بعد أن أتوا بها من مقر سكناها بولاية أخرى . ذهبتُ بعد الخامسة مساء إلى حيث هي عند أقاربها فاستقـبلتُ هناك من طرف أهلها وأقاربها . دخلتُ إلى الغرفة التي توجد بها الفتاة ورأيت هناك عجبا . رأيتُ عجبا يقع أمام أهلها وأقاربها وبدون أن ينكر ذلك أحدٌ خوفا من أذى الجن لأن الكل تصور بأن الفتاة مصابة بجن , والجن طلب منهم الاستسلام لما يقع أمامهم وعدم الإنكار , وإلا انتقم الجن من الفتاة !!!.
استدراك :عرفتُ من أهل الفتاة قبل أن أرى الفتاة بأنها كانت - ولشهور عدة- تتصل بشاب ( باستمرار) جار لها , تتصل به خفية عن أهلها . ولما اكتشف الأهلُ ذلك هددوه وهددوها هي , ثم ... ثم بعد ذلك مرضت الفتاة أو تمارضت , ووقع لها ما وقع , حتى طلبني أهلها من أجل أن أرقيها . طلبوني من أجل الرقية على اعتبار أنها أصبحت تعاني من الأرق والقلق والوسواس والخوف و ... ومن أوجاع في مناطق معينة من جسدها لم ينفع الطبيب في علاجها أو تهدئتها ... و...
أواصل القصة : دخلتُ إلى الحجرة ورأيتُ عجبا . رأيت على فراش وثير وجميل يتسع لشخصين , رأيت فتاة عمرها حوالي 17 سنة وهي تعانق شابا عمره حوالي 19 سنة : الأيدي متشابكة , والجسدين ملتصقين البطن بالبطن والصدر بالصدر والخد ملتصق بالخد , و ... وبمجرد دخولي نظرا إلي بنظرة فيها من عدم الارتياح ما فيها . وقبل أن أسمع من الفتاة أو من الشاب وقبل أن أرقي الفتاة , رأيتُ أن تغيير هذا المنكر الذي أمامي هو الأولى في البداية . سألتُ الشاب والفتاة بسرعة عن هذه الوضعية فسمعتُ ما ملخصه أن الجن هو الذي سكن في جسد الفتاة وطلب من الشاب أن يلتصق بالفتاة لساعات متصلة في كل يوم , وإلا انتقم الجني من الفتاة !!!.
قلتُ للشاب " هل ما تفعله حلال أو حرام , وهل تقبله أنت لأختك مع أجنبي عنها , و...؟!" , قال لي
" هذا حرام وأنا لا أقبله أبدا لأختي , ولكنه فُـرض علي فرضا من طرف الجني الذي أصاب الفتاة . أنا جارها والجني حتم علي أن ألتصق بها كما ترى , وإلا انتقم منها "!!!. وقال لي أهل الفتاة وأقاربها بأنهم حاولوا الفصل بين الجسدين فلم يستطيعوا , وربما لم يبذلوا الجهد اللازم من أجل ذلك , خوفا على الفتاة من أذى الجن !!!.
ابتسمتُ وكدتُ أضحك ولكن ضحكا كالبكاء . قلتُ للفتاة وأنا واثق من نفسي مستعينا بالله وحده أولا وأخيرا " والله الذي لا إله غيره إنني لن أعطيكم أكثر من دقيقة واحدة لتنفصلا عن بعضكما , وإلا فسترون ما سأفعله بكما ؟! . وأما حكاية أن الجن فرض عليكما هذا الحرام , فإنني لن أقتنع به أبدا أبدا أبدا ".
وصدقوني إخوتي القراء : في أقل من دقيقة نظر الشاب والفتاة لبعضهما البعض واستشار كل منهما الآخر بالإشارة , وفكرا وقدرا ثم فكرا وقدرا , ثم قبل أن تكتمل ال 60 ثانية , ابتعد الشاب عن الفتاة بعد أن أطلقته الفتاة من بين ذراعيها وهي غضبى .
قلت له " اخرج وانتظر في قاعة مجاورة " . طلبتُ في الحين من أهل الفتاة أن يأخذوا الشاب في سيارة ليرجعوه إلى أهله ( الذين يسكنون على بعد حوالي 100 كيلومترا في ولاية أخرى ) في الحين , وبعد صلاة المغرب مباشرة , وذلك بعد أن طمأنتهم بأنه لن يحصل شيء من الضرر للبنت بإذن الله تعالى .
ثم رقيتُ الفتاة وسمعت منها في وجود أهلها من الرجال ثم في وجود البعض من أهلها من النساء فقط ,
و ... فـتأكدتُ بأن الفتاة ليس بها أي أثر للجن . وبعد أخذ ورد , وسماع ثم سماع , ومن أكثر من طرف , في تلك الليلة ثم في اليوم الموالي , علمتُ بأن حكاية الجن كانت فقط مسرحية متفق عليها بين الفتاة والشاب من أجل إعطاء ديمومة واستمرارية لاتصالهما ببعضهما البعض وهما رافعا الرأسين وبلا أي خوف من العائلتين : عائلته هو وعائلتها هي .
وصلتُ إلى هذه النتيجة , ولكني لم أخبر بها أهل الفتاة حتى لا ينتقموا منها , ولكنني في المقابل :
1- طمأنت أهل الفتاة إلى أن الفتاة لا بأس عليها – صحيا - بإذن الله من اليوم فصاعدا .
2- نصحت الفتاة حتى لا تعود لفعلـتها أبدا لأن ذلك حرام ومنكر ولا يجوز ( لأنه كذب وغش ومس حرام بين الرجل والمرأة الأجنبية عنه و... ) , وإلا أخبرتُ أهلها بحقيقة الأمر .
3- أكدتُ لأهل الفتاة بأن يراقبوا ابنتهم من اليوم فصاعدا وأن لا يقبلوا في حياتهم أبدا بالحرام مهما بدا لهم بأن جنا أو إنسا يريدون أن يفرضوه عليهم .
وبعد أيام قليلة من تلك الحادثة اتصل بي أهل الفتاة وأخبروني بأن ابنتهم بألف خير وبأنها تحت المراقبة باستمرار وبأنهم استفادوا مما حدث لابنتهم دروسا ودروسا , والحمد لله رب العالمين ...
278- أنا لا أدري لماذا يصر بعض الناس على العقلية الأحادية ؟! :
قال لي في يوم من الأيام أخ كريم " لقد أرسلتُ ابنتي من المدينة التي نسكن فيها إلى مدينة أخرى تبعد عنا بحوالي 150 كلم , حيث يسكن عمها . أرسلـتُـها هناك لتقضي عند عمها أياما من عطلتها الجامعية . ولأنني أخاف على ابنتي كثيرا من أولاد الحرام من الرجال , فإنني اتصلتُ بها عن طريق الهاتف فيما بين المدينتين مرارا وتكرارا لأطمئن عليها ولأوجهها ولأحذرها من أولاد الحرام و... واتصلت بعمها عن طريق الهاتف وأكدت له أكثر من مرة على وجوب استقبال ابنتي بمجرد وصول الحافلة التي تقلها إلى المدينة الثانية . طلبتُ منه أن يستقبلها بعد وصول الحافلة مباشرة ليأخذها معه إلى بيته ولا يترك لها فرصة لكي تذهب هنا وهناك و ... أو حتى لتفكر في الذهاب إلى أي مكان غير دار عمها و...".
ولأنني أعرف ابنة هذا الرجل التي كانت متدينة وفاضلة وصاحبة حياء وأدب وأخلاق و... , وأعرف أننا عموما في أمن وأمان خاصة في المدينتين وما بينهما , وأعرف أن الفتاة انتقلت في سفرها عبر الحافلة التي نصف ركابها تقريبا نساء و ... فإنني قلتُ للرجل " أنا لو كنتُ مكانك ما خفتُ على ابنتي مثلما خفتَ أنتَ , وما تشددتُ معها كما تشددتَ أنتَ " , فثار في وجهي غضبانا وقال لي " يجب أن أخاف على ابنتي وأن أقلق عليها أكثر وأكثر , ويجب أن أتشدد معها وأعسر الأمور أمامها أكثر وأكثر حتى أغلق أمامها أية إمكانية للإنحراف وأية إمكانية للإعتداء عليها ".
قلتُ له " أخي الحبيب أنا أرى أنك تشددت مع ابنتك زيادة عن اللزوم , ومع ذلك أنا مقتنع 100 % بأنك تقصد خيرها ومصلحتها ... أنا أرى بأن التشدد مع الفتاة والميل إلى سوء الظن بها و ... قد يثيرها ويستفزها ويجعلها تتعود على الكذب عليك وعدم مصارحتك والظهـور أمامك بوجه غير وجهها الحقيقي و ... ولكنني مع ذلك أحترم رأيك كل الاحترام وأضعه على رأسي وفي عيني , وأنا أعلم يقينا بأن نيتك حسنة وبأن قصدك طيب ... أنا وإن كنت أحترم رأيك إلا أنني لو كنت مكانك لن أفعل مع ابنتي مثلما فعلت أنت ... أنا أميل إلى التساهل مع ابنتي وإلى حسن الظن بها وإلى التماس الأعذار لها وإلى إعطائها مساحة لا بأس بها من الحرية ( بدون مبالغة بطبيعة الحال , أرخي لها الحبل ولكن رأس الحبل يبقى دوما بيدي ) , وأرى أن هذا هو التعامل الأمثل مع البنت بعد أن ربيناها وكوناها لسنوات وسنوات على مبادئ الإسلام والإيمان ... أنا وإياك نقصد في النهاية مصلحة البنت ولكن أنت بطريقتك المحترمة وأنا بطريقتي المحترمة كذلك , وفي كل خير , والله وحده أعلم بالرأي الأصوب . والخلاصة هو أن رأيي صواب ولكنه يحتمل الخطأ , ورأيك خطأ ولكنه يحتمل الصواب" .
انفجر عندئذ في وجهي ثورة وغضبا وكأنه بركان مدمر , وكأنني قلتُ كفرا أو فسقا وفجورا , وقال لي " يجب أن نقطع الآن حديثنا هذا ما دمت تريد التعامل مع ابنتك بهذه الطريقة المائعة والمنحلة , والتي تسمح للذئاب أن يعتدوا عليها وبسهولة ... أنت بهذه الطريقة لا تغار على ابنتك ولا تحرص على مصلحتها ولا تخاف عليها وعلى شرفها وحيائها وأدبها وخلقها و ... لا يُـقبل منك أبدا إلا أن تخاف على ابنتك كما أخاف عليها أنا , وأن تـتشدد مع ابنتك كما أتشدد أنا مع ابنتي . ولا يجوز لك أبدا أن ترى ما فعلـتُـه أنا مع ابنتي تعصبا وتشددا وتزمتا ... والخلاصة هو أنه يجب عليك أن ترى فقط ما أراه أنا هنا وفي هذه المسألة بالذات , لأن رأيي هنا هو وحده الحق والهدى والرشاد الذي ما بعده إلا الباطل والضلال والغي " !!!.
ولا تعليق عندي على ما قال لي هذا الرجل إلا " سبحان الله لماذا يصر بعض الناس على العقلية الأحادية في المسائل الخلافية الفرعية الثانوية الاجتهادية " ؟! .
279- الحياة لا بد أن تستمر:
لام أخٌ فاضل عضو في منتدى , لام أختا كريمة ( مشرفة على قسم ترفيهي في المنتدى ) على أنها كتبت عن بعض الأشياء الترفيهية ( بطريقة إسلامية نظيفة ومؤدبة ) في نفس الأيام التي كانت فيها إسرائيل تحرق الأخضر واليابس في غزة مع نهاية عام 2008 م وبداية عام 2009 م , لامها الأخ بشدة وبعنف ومع مبالغة , على اعتبار أنها قاسية القلب وأنها لا تراعي مشاعر الآخرين وأنها غير مهتمة بإخوتها في غزة و ...
فقلتُ لها وله ما يلي :
صحيح أن المطلوب الأهم في تلك الأيام هو التضامن مع إخوتنا في فلسطين بكل أنواع وأشكال التضامن الممكنة , وأن العبادة الأهم في تلك الأيام كانت هي الوقوف مع إخوتنا في غزة بأموالنا وأنفسنا وبجهودنا وأوقاتنا و... ولكن مع ذلك فإن الحياة لا بد أن تستمر .
يموت أبي وأمي والحياة تستمر , وتحتل فلسطين وأفغانستان والعراق و ... والحياة تستمر كذلك , و ...لو سرنا بهذا المنطق الذي تتكلم عنه أنت أخي الفاضل , فإن الحياة ستتوقف من مئات السنين لأن أعداء الإسلام يتكالبون على الأمة الإسلامية باستمرار ومن زمن طويل , والصراع بين الحق والباطل ماض إلى يوم القيامة . ثم لا تناقض أبدا بين أن نتحدث عن الحرب الشرسة المعلنة ضد إخواننا في غزة وأن نتحدث عن الصلاة والصيام والزكاة والحج والرقية والسياسة والاقتصاد والاجتماع والتربية والتعليم و ... هذا دين وذاك دين كذلك . صحيح أن الأولى في هذه الأيام هو التركيز على الحديث عما يحدث لإخواننا وكشف عداوة إسرائيل وأمريكا والغرب للإسلام والمسلمين وكذا الكشف عن فضائح الأنظمة العربية وعلى رأسها النظام العربي الـ... الخائن وكذا نظام عباس أبي مازن العميل و ... لأن الأهم قبل المهم , ولكن كل ذلك لا يمنع أبدا من الحديث الموازي عن كل شيء آخر من أمور الدين والدنيا .ثم أختي الفاضلة والعزيزة ... لا عليك .لا تحملي هما . هذه هي الدنيا فيها الحلو وفيها المر , وفيها ما يعجب وما لا يعجب , وفيها ما يفرح وفيها ما يحزن . الذي يقول لك ما قال يمكن جدا أن تكون نيته حسنة وإن لم يحسن استعمال العبارات المناسبة حين خاطبك بما خاطبك به.وأنت كذلك نيتك طيبة وحسنة بإذن الله تعالى , وذلك لأن أبي يموت وأمي تموت ومع ذلك أعيش أنا . رسول الله عليه الصلاة والسلام يموت ويدفن تحت الأرض , ومع ذلك تستمر الحياة .
ويمكن أن يموت أخي بالأمس وأتزوج أنا اليوم . نعم الأفضل أن أكون بسيطا في فرحي حين أتزوج ( ويمكن أن أؤجل الزواج إلى وقت لاحق ) ولكن لا يليق أبدا أن يمنع موتُ حبيب , أن يمنعني من الزواج ومن الفرح .لو كانت غزة تستفيد من إغلاق كل النوافذ إلا نافذة نتحدث من خلالها عن غزة لفعلنا وأغلقنا كل النوافذ وكل الأبواب كذلك , ولكن غزة مطلوب منا أن نتضامن معها ماديا ومعنويا ,وبالغالي والرخيص (في حدود الاستطاعة) , ولكن مع ذلك لا مانع أبدا أن تستمر قبلها ومعها وبعدها , أن تستمر الحياة . ومنه لا مانع أن نبقى – مع كل ما يصيب إخوتنا في غزة - نأكل ونشرب وندخل ونخرج ونبيع ونشتري ونتزوج ونربي أولادا ونمزح بدون أن نبالغ ونمزح ولا نقول إلا حقا , وهكذا ...يوم أن ماتت أمي منذ حوالي 20 سنة خيل إلي أن الحياة ستتوقف نهائيا , ولكن بعد أيام بدأت أنسى وعلمتُ عندئذ أن بعض النسيان خير , ومع ذلك نتمنى أن لا ننسى غزة حتى ينصرها الله على أعدائها .أنتِ أختنا ... , أنت بإذن الله خيرك أكثر بكثير من شرك , ومنه فإن الأصل هو حسن الظن بك والثقة فيك , ومنه أنا أسأل الله أن لا يأتي علينا يوم أو ساعة أو دقيقة أو حتى ثانية واحدة نشك من خلالها في نيتك . اللهم انصر جميع إخواننا في غزة . اللهم كن معهم ولا تكن عليهم .اللهم أعز الإسلام والمسلمين وانصر كلمتي الحق والدين , ووحد صفوف المسلمين واجمع شملهم واجعل كلمتهم واحدة .بارك الله فيك ... وفي أهل المنتدى جميعا . 280- الناس مع الاعتذار إلى من ظلموه ثلاثة أصناف :
أول ما يحاسب الله عليه العبد يوم القيامة فيما يتعلق بحقوق العباد : الظلم , ومنه فمطلوب من كل واحد منا أن يراقب نفسه كثيرا وما استطاع إلى ذلك سبيلا حتى لا يظلم مسلما أبدا . ولأن كل بني آدم خطاء فإن الواحد منا سيظلم غيره مهما حاول ومهما راقب نفسه , ومهما ... ولكن :
1-على كل منا أن يحاول من أجل أن يكون إحسانه للغير أكثر بكثير من ظلمه له .
2-على كل منا أن يحاول أن لا يصر على ظلم الغير إن رأى بأنه ظلمه , بل عليه أن يسارع بالتوبة إلى الله والاعتذار لمن وقع عليه ظلمه .
والناس هنا يختلفون اختلافا كبيرا له أسباب مختلفة على رأسها تأتي قوة الإيمان بالله والطمع في رحمته والخوف من عذابه . الناس يختلفون من حيث الاستعداد للإعتذار للغير , إذ نجد هنا الناس منقسمين إلى 3 أقسام أساسية :
1- البعض من الظالمين ليس لهم أي استعداد للإعتذار لمن ظلموه , سواء تلميحا أو تصريحا , بطريقة مباشرة أو غير مباشرة , مهما كان ظلمهم لمن ظلموه كبيرا وعجيبا وعريضا وضخما وفظيعا , ومهما شهد على ظلمهم الكثير الكثير من الناس , ومهما نبههم إلى ظلمهم الكثير من الناس , ومهما شهد على ظلمهم للغير البشر والشجر والحجر .
ومن هؤلاء أذكر شخصا كان مسؤولا في مؤسسة تعليمية سبني وشتمني وقال لي الكلام البذيء الفاحش والساقط والخليع والمائع والمنحل و ... وكفر بالله أمامي مرات ومرات ومرات , وأنا لا أقابل منه كل ذلك إلا بالدعاء له بالهداية ثم الرحمة والمغفرة . وحتى أهله وأولاده توسلوا إلي في أكثر من مرة أن أصبر عليه وعلى ظلمه عسى أن يرجع إلى صوابه في يوم ما . ومع ذلك ما رجع إلى صوابه حتى اليوم , وما اعتذر إلي في يوم ما , بأية طريقة كانت .
وهذا الشخص يتعامل معي أهله ( أولاده وبناته ) حتى الآن المعاملة الطيبة والحسنة , وكأنهم يريدون الاعتذار إلي في مكان أبيهم , وأنا مع ذلك مسامحه دنيا وآخرة بإذن الله تعالى . وهذا النوع من الظالمين عندهم من الشر ومن سوء الطوية ما عندهم , نسأل الله لنا ولهم الهداية والرشاد .
وأظن ( وقد أكون مخطئا ) أن هذا النوع الأول يشكل أقلية من الناس .
2- والبعض الآخر من الظالمين ليسوا مستعدين للإعتذار بطريقة مباشرة , لأنه ليست هم قوة الإيمان الكافية ولا الشجاعة اللازمة , ومنه فإنك تجدهم يلجأون في الغالب إلى الاعتذار لمن ظلموه بالطرق غير المباشرة وبالتلميح لا بالتصريح , سواء تم الاعتذار بالقول الطيب أو بالمعاملة الحسنة أو .... ولا شك أن هذا الصنف من الناس هو أفضل بكثير من الصنف الأول , سواء عند الله أو عند المظلوم أو عند الناس أجمعين . ولا شك أن أجر هذا الصنف من الظالمين كبير عند الله تعالى . وأنا أعتقد أن هؤلاء يشكلون أغلبية الظالمين في دنيا المسلمين .
3- وأما الصنف الثالث ممن ظلموا غيرهم , فهم الأفضل والأحسن والأطيب والأصلح والأهدى والأرشد , وهم الذين إذا ظلموا غيرهم سارعوا بالتوبة إلى الله وبالاعتذار المباشر والواضح والصريح لمن ظلموه , الاعتذار الذي ليس فيه " لكن ..." , الاعتذار لوجه الله ليس إلا , واحتسابا للأجر عند الله وحده . ولا شك أن دافع هؤلاء الأول هو قوة الإيمان بالله وعظم اليقين فيما عند الله من ثواب لمن أحسن ومن عقاب لمن أساء . وأظن أن هذا الصنف الثالث يشكل أقلية من الناس .
الصنف الأول سيء جدا وهو قليل , والصنف الأخير حسن جدا وهو قليل كذلك .
وأما الصنف الثاني فهو الذي يتشكل من أغلبية المؤمنين المسلمين , والله أعلم .

وقفات مع ذكريات من261 إلى 270 :

بسم الله
عبد الحميد رميته , الجزائر

261- لا بد أن تبحث عن السبب غير المباشر ! :
نلاحظ في الكثير من الأحيان أحداثا معينة خلال حياتنا اليومية نرى من خلالها أشياء ونسمع أشياء أخرى لا نفهمها ولا نعرف مغزاها ولا الداعي إليها , ونتعجب : إما بيننا وبين أنفسنا , أو نتعجب مع القريبين إلينا من الناس , نتعجب " لماذا وقع كذا , وما السبب فيما حدث ووقع ؟! ".
نبحثُ ثم نبحث , فلا نجد سببا معقولا ومنطقيا لما وقع أمامنا . نعصرُ الذهن وننشطه , ونحلل ونناقش و... ومع ذلك لا نجد سببا مُقنعا مهما كان بسيطا لما وقع أو يقع أمامنا . والحقيقة أننا لم نفهم ولم نجد تفسيرا لما وقع , لأننا بحثنا فقط عن الأسباب المباشرة الممكنة ولم نهتم بالأسباب غير المباشرة التي قد تكون هي الحقيقية .
إن السبب فيما وقع غير مباشر ولذلك لم ننتبه نحن إليه , ومنه فما أحوجنا إذا أردنا أن نفهمَ كما ينبغي الكونَ والحياة والإنسان , وأن ننتفعَ بما نفهم , ما أحوجنا إلى أن نبحث عن الأسباب المباشرة وغير المباشرة لما يقع ويحدث أمامنا .
ومن أجل توضيح ما قلـتُـ ه هنا :
مثال أول : قالت لي امرأة في يوم من الأيام :
1- أنا لا أدري لماذا يقلق زوجي من صلاتي المفروضة أو من صلاة النافلة ؟!. كلما رآني أصلي احتج علي – رغم قيامي بحقوقه علي وزيادة - بمثل قوله " أهذا قيام ليل أم ماذا ؟! " , " أنت تصلين وكأنك تعتبرين نفسك أتقى امرأة في الدنيا ؟!" , " هيا أسرعي . اعطني غذائي . الوقتُ الآن ليس وقت صلاة " , " والله إذا لم تحضري لي القهوة خلال 5 دقائق سأفعل لكِ كذا وكذا ..." !!!.
2- أنا لا أدري لماذا ينزعج زوجي من قراءتي للقرآن الكريم من المصحف . كلما رآني – يوميا في الصباح وفي المساء – أقرأ القرآن احتج علي بمثل قوله " ليس في الدنيا غير القرآن يا هذه ..." , " القرآن لن يجلب لنا أكلا أو شربا ..." , " هذا ليس وقت قرآن , وإنما هو وقت أكل وشرب " , " والله إن لم تحضري لي أكلي خلال دقائق قليلة سآخذ منكِ المصحفَ وأخبئه في مكان لن تستطيعي الوصول إليه أبدا " , " هيا أسرعي اعطني اللباس كذا وكذا ... أنا مشغول " , " ما هذا القرآن الذي أراك تقرئينه في كل وقت " ؟!.
3- أنا لا أدري لماذا ينزعج زوجي من تتبعي لأي برنامج ديني على التلفزيون ؟! . كلما رآني – تقريبا – أتفرج على برنامج ديني في قناة الناس أو الرحمة أو إقرأ أو المجد أو الحكمة أو الخليجية أو ... فسدت أحواله وتجهم وجهه واتجه بعصبية إلى التلفزيون ليطفئ الجهاز أو ليغير القناة إلى ما فيه رياضة أو غناء أو أفلام رعب أو ... ويقول لي " درس الجمعة يسمعه الناس مرة واحدة في الأسبوع , ولا يُقبل أبدا أن نبقى طيلة الأسبوع مع الدروس الدينية يا امرأة ..."!.
وهكذا ... تحكي لي المرأة الكثيرَ عن انزعاج زوجها من كل ما هو ديني , ثم تقول لي " أنا لا أدري يا شيخ لماذا يفعل زوجي ويقول لي كل ذلك ؟!" .
وأنا أجبتها على سؤالها بجواب طويل جاء فيه أو منه " أنت تبحثين عن السبب المباشر , ولذلك لم تجدي سببا , وأما لو نبحثُ سويا عن السبب غير المباشر , فسنعرف بكل سهولة سببَ انزعاج زوجك من كل ما هو ديني أو له صلة بالدين . وإذا عُـرف السببُ الحقيقي بطلَ العجبُ . إن الأمر بسيط جدا ومفهوم جدا . إن زوجك لا يصلي , وهو يتتبع من زمان عورات النساء الأجنبيات , بل هو زان كما تعلمين أنتِ , بل هو يعترف لك بذلك , وزوجك يسرق بسهولة ويكذب ويخون وكأنه يشرب ماء !. إذا كان هذا هو حال زوجك , فمن الطبيعي جدا أن ينزعج من كل ما تفعلينه أنت مما يذكره بالله واليوم الآخر . إنه ما زال حتى الآن منغمس في الشهوات والأهواء وهو – حاليا – لا يريد أن يتوب , مهما نصحه ناس وناس , بل إنه – حاليا – يغضب ممن ينصحه. ومنه فإنه يعتبرك تنصحينه ولو بطريقة غير مباشرة عن طريق الصلاة والقرآن والدروس الدينية . إنه لا يريد أن يتذكر الصلاة لأنه لا يصلي , وهو – حاليا – لا يريد أن يصلي . وهو لا يريد أن يراك تقرئين القرآن لأن القرآن يقول له مثلا " لا تقربوا الزنا , إنه كان فاحشة وساء سبيلا " , وهو يرى أن في الزنا متعة لا تعادلها متعة (!) . وهو لا يقبل منك أن تسمعي دروسا دينية في التلفزيون أو من خلال أشرطة أو أقراص أو ... لأن كل هذه الدروس تقول له بأنه فاسق فاجر, وأن عليه أن يتوب إلى الله وهو – حاليا – لا يريد أن يتوب ,وهكذا...
يا أختي الفاضلة إن زوجك ينزعج من الصلاة والقرآن والدروس الدينية , لأنه – باختصار – يرى كل ذلك منك نصحا غير مباشر له بأن يتوب إلى الله , وهو – حاليا – ليس عنده أي استعداد لأن يتوب . ولو ذهبتِ أختي الكريمة إلى امرأة أخرى متزوجة برجل صالح , فإنك ستلاحظين أن زوجها يفعل معها عكسَ ما يفعله معك زوجُـك , بمعنى أن زوجها يفرح كثيرا عندما يراها تصلي وتقرأ القرآن وتسمع الدروس الدينية و.... سيفرح وسيشاركها في عباداتها بطريقة أو بأخرى , وسيعتبر أن هذه نعمة كبيرة أنعم بها الله عليه . إن زوجك كلما أقبلتِ على الدين انزعج أكثر وأساء إليكِ أكثر , وأما زوج الأخرى فكلما أقبلتْ هي على الدين فرح أكثر وسعد أكثر وأحسن إليها أكثر .
مثال ثاني : أنا من زمان طويل , أي من أكثر من 23 سنة , أي منذ بدأتُ أعالج الناس بالرقية الشرعية عام 1985 م , وأنا أدعو الناس أن يطلبوا الرقية الشرعية عند مطلع على الدين يخاف الله تعالى , وكذا عند من لا يأخذ أجرا على الرقية , وذلك لأنني مقتنع – بغض النظر عن الحكم الشرعي بجواز أخذ الأجرة على الرقية - :
1- بأن عدم أخذ الأجر على الرقية أفضل من أخذه , وهذا بلا أي خلاف بين عالمين من علماء الإسلام في الدنيا كلها , من عهد رسول الله عليه الصلاة والسلام وإلى اليوم .
2- وبأنه ضمن حوالي 50 شخصا يأخذون الأجر على الرقية الشرعية , ربما لا يوجد منهم إلا شخص واحد يتقي الله في ذلك , وأما ال 49 الآخرون ( تقريبا بطبيعة الحال ) فإنك تجدهم غالبا سارقين وكاذبين وآكلين لأموال الناس بالباطل . ومنه فلقد رقيتُ حتى الآن أكثر من 14 ألفا من الأشخاص خلال أكثر من 23 سنة , وما أخذتُ على رقية واحدة ولو سنتيما واحدا في أي يوم من الأيام , والحمد لله رب العالمين .
ثم أقول : عندنا في بعض الولايات الجزائرية أشخاصا رقاة سمعوا مني وعني أنني أشجع كثيرا على عدم أخذ الأجر على الرقية حتى أصبحت زوجةُ الواحد منهم تطلبُ أن أرقيها أنا ( عوض أن يرقيها زوجها الراقي الذي لم تقتنع به هي مع أنه زوجها , لم تقتنع به للأسف الشديد لأنه متكالب على أكل أموال الناس بالباطل ) فيبعثها زوجها إلي مع أخيها مثلا من أجل أن أرقيها أنا . حدث هذا في أكثر من مرة .
ثم بعد ذلك يسمع بعض الناس من بعض هؤلاء الرقاة قوله " أنا أكره الأستاذ رميته "! . يتعجب الشخصُ عندما يسمع من الراقي هذا الكلام , ولا يفهمه . لا يفهمه لأنه بحث فقط عن الأسباب المباشرة فلم يجد سببا مباشرا مهما كان ضعيفا . هو تساءل فيما بينه وبين نفسه " هذا راقي شرعي والأستاذ رميته راقي شرعي , فلماذا يكره هذا الراقي الأستاذ رميته ؟!". والجواب عن هذا التساؤل هو أن سبب هذه الكراهية غير مباشر. إنه يكرهني لأنه يسرق أموال الناس بالكذب عليهم , ولأنه يأخذ منهم الأموال الطائلة من أجل رقية بسيطة جدا لا تكلفه جهدا ولا وقتا , ولأنه يرقيهم من أجل أشياء لا علاقة لها أبدا بالرقية كالدراسة والعمل والتجارة والزواج والسيارة و... , و ... وأنا ضد كل ذلك .
مثال ثالث : جاءني رجل في يوم من الأيام منذ حوالي 14 سنة من أجل رقية له ولزوجته , لأنه تزوج في الأيام الماضية وما زال لم يقض حاجته بعد من زوجته . سمعتُ منه ومن زوجته بالتفصيل من أجل أن أعرف سبب عدم قضاء حاجته : هل هو عضوي أم أنه نفسي ( تعب وخوف و ...) أم أنه سحر ربط ؟ , لأن كل سبب يعالج بالطريقة المناسبة والمتفقة معه . تكون لدي انطباع في البداية بأنه ليس بهما أي سحر , أي أن المشكلة إما نفسية أو عضوية . ومع ذلك وتحت إلحاح الزوجين علي رقيتهما مرة ثم بعد أيام قليلة رقيتهما مرة ثانية ( مع أنه لو كان هناك سحرا فإن رقية واحدة كافية بإذن الله في أغلب الأحيان ) ولم يتبين لي أي أثر لسحر أو ربط سواء للزوج أو للزوجة . بقيت مشكلـتهما قائمة بعد أن رقاهما أكثر من راقي , بقيت لشهور عدة . وبعد حوالي 3 شهور اتصل بي الزوج وطلب مني رقية ثالثة له ولزوجته . استجبتُ للطلب ورقيتهما بعد أن سمعتُ منهما أكثر مما سمعتُ في المرتين 1 و 2 . وفي نهاية هذه الجلسة الثالثة تكون عندي شبه يقين بأن المشكلة عضوية وهي أن الزوج عاجزٌ جنسيا . صارحتُ الزوج بذلك , وقلتُ له " أنا لستُ طبيا , وأنا لم أفحصك لأن هذا ليس من صلاحياتي , ولكنني أعطي رأيي الذي أعتبره صوابا ولكنه يقبل الخطأ : أنت يا فلان عاجز جنسيا ولستَ مسحورا , وأما زوجتك فليس بها شيء . أسأل الله أن يشفيك وأن يبارك لك في زوجتك وأن يبارك لها فيك وأن يجمع بينكما في خير [ هذا مع ملاحظة أن العجز الجنسي عند الرجال نادر جدا , ولكن علاجه صعب جدا حتى اليوم في أغلب الأحيان ] .
بعد ذلك بحوالي شهر سمعتُ بأن الرجل يريد أن يطلق زوجته على اعتبار أنها مسحورة ولم ينفع الرقاة في علاجها , وذلك من أجل أن يحطم لها مستقبلها !. هو يريد أن ينتقم لعجزه الجنسي [ لأنه تبين - طبيا وعضويا - بعد الطلاق , بأن الرجل بالفعل عاجز جنسيا ] من هذه المرأة المستضعفة . رأيتُ عندئذ أن من واجبي الشرعي مهما كان الأذى الذي يمكن أن يأتيني نتيجة لذلك , أن أتدخل لأنه لا أحد يعرف حقيقة الأمر مثلي أنا . اتصلتُ بعائلة الزوجة وأخبرتهم بأن ابنتهم ليس بها شيء , وأذكر أن الزوجة عندما سمعتني أقول لأهلها ما قلتُ بكت طويلا من الفرح لأنها رأت أنني رفعت عنها التهمة الباطلة التي يمكن أن تعطلها عن الزواج طيلة حياتها [ والحمد لله على أنها – بعد الطلاق - تزوجت من رجل صالح , وهي تعيش معه اليوم على أحسن حال ] . واتصلتُ بعائلة الزوج وبالزوج وقلتُ لهم بأن المرأة ليس بها شيء وأن الزوجين ليس بهما أي سحر , ولم أذكر لعائلته بطبيعة الحال أمر العجز الجنسي لأنني من جهة لم أكن متأكدا من ذلك 100 % , ولأنني من جهة أخرى لم أرد أن أحرج عائلته بمشكل مثل هذا , سوف يقلقهم كثيرا . وأذكر أنني قلتُ للزوج وعائلته " إن أردتم أن تطلقوا فلا تظلموا المرأة , وقولوا مثلا ( لم نتفق , لذا وقع الطلاق ) , ولكن الذي لا يجوز أبدا هو أن تلصقوا بالمرأة أمرا هي بريئة منه تماما . رجاء لا تظلموا المرأة فإن الظلم ظلمات يوم القيامة " .
وقلتُ للزوج بيني وبينه " المطلوب منك الآن أن تسعى من أجل علاج نفسك لا أن تتهم المرأة بما ليس فيها" , وبالطبع فإن موقفي هذا منه ومن زوجته ومن الطلاق الذي كان مقبلا عليه أوغر صدره ضدي كثيرا , خاصة وأنه رأى أنني الوحيدُ الذي كشفتُ له عن عجزه الجنسي , وخاصة كذلك أن العجز الجنسي يمس أمرا من خواص رجولة وفحولة الرجل , أي رجل في الدنيا كلها . ولذلك فإنني رأيتُ أن الرجل كأنه تمنى لو أن الأرض انشقت تحت قدميه ولم يعلم " عبد الحميد رميته " بعجزه الجنسي !. لذلك حقد علي كثيرا ( مع أن صلة أهله بي طبية وحسنة وجيدة من زمان وحتى اليوم ) وظهر بعضُ حقده علي من خلال لقائي الأخير به قبل أن يُـطلق عندما أكدتُ له بأن المرأة سليمة وأن المشكل فيه هو . وواضح بطبيعة الحال أن العيبَ ليس في المرض في حد ذاته لأن المرض قضاء وقدر يجب أن نؤمن به جميعا كمسلمين مؤمنين , وكل واحد منا يمكن أن يمرضَ , ولكن العيبَ كل العيب هو في إنكار المرض ومحاولة الانتقام من المرض باتهام وظلم الغير .
طلق الرجل زوجته بعد ذلك بأيام , ثم تزوجت هي بعد ذلك بسنة أو أكثر .
ومضت على ذلك سنوات عدة ( 3 أو 4 سنوات ) ثم أخرجتُ أنا تلميذة من قسمي بالثانوية , بسبب لباسها الفاضح , ثم جاء وليها ( وهو ليس أباها بطبيعة الحال ) يسبني ويشتمني كما قصصتُ القصة بالأمس من خلال الموضوع الذي نشرتُـه في المنتدى . عندما سبني وشتمني هذا الرجل تعجبتُ في ذلك الوقتِ لماذا وقع ذلك ؟!. بحثُّ عن سبب مباشر فلم أجد , حاولتُ ثم حاولتُ فلم أجد شيئا , ولكنني عندما تذكرتُ بعد أيام أن الرجلَ هو نفسه الذي كشفتُ له ولزوجته من سنوات عن عجزه الجنسي , عرفتُ السببَ غير المباشر لحقده علي واندفاعه المبالغ فيه إلى سبي وشتمي .
وإذا عرف السبب – مباشرا أو غير مباشر – بَـطُـلَ العجبُ كما يقولون .
أسأل الله الهداية والصلاح لهذا الرجل وكذا الشفاء مما به , وأن يزوجه الله في يوم من الأيام بامرأة صالحة تعينه على أمر دينه ودنياه وأن يسعده الله في الدارين .
أسأل الله لي ولأهل المنتدى جميعا بلا استثناء الصدق والإخلاص لله عز وجل في كل قول أو عمل , آمين .
262- حتى اليهودية ومطلوب منك أن تدافع عنها ضد من يريد الاعتداء على شرفها :
قلتُ بالأمس ( 3 /2 /2009 م ) أمام التلاميذ الذكور – بالثانوية - الكلمة التي أقولها لهم باستمرار ولا أمل من قولها " إن الذكورَ كثيرون , ولكن الرجال قليلون . وإن الواحدَ منكم لن يكون رجلا إلا إذا حرص على أن يدافع عن المرأة –كل امرأة- كأنها أختُـه بالضبط . إذا وجدَ الواحد منكم في يوم ما "رجلا ساقطا " يريدُ أن يعتدي على إحدى زميلاته في الثانوية ( أو على أية امرأة أخرى ) ,فإن عليه أن يأخذَ عصا أو سكينا أو ... ويقول للآخر " تفضل ! إنك لن تصل إليها بإذن الله إلا على جثتي ! ". إذا حرصتَ أيها التلميذ ( وأيها الذَّكر بشكل عام ) على شرف المرأة وحيائها وعفتها ,كما تحرص على شرف وحياء وعفة أختك , وبالشكل الذي ذكرتُ , فعندئذ وعندئذ فقط أنتَ تستحقُّ أن تكون رجلا وممن قال الله فيهم " من المؤمنين رجال ..." , وإلا فأنت ذكرٌ ولكنكَ لستَ رجلا للأسف الشديد ".
فقال لي أحدهم " يا أستاذ أنا لا أقبل أبدا أن أدافع عن امرأة إلا إذا كنتُ أعرفها وأعرفُ بأنها مستقيمة وعفيفة وطاهرة وطيبة ومباركة و ...!!!" .
فأجبته بما يلي :
1- يجب أن يكون الواحد منا صريحا مع نفسه كل الصراحة , لأن الرجل أحيانا يزعم أنه مستعد للدفاع عن شرف المرأة وهو في حقيقة الأمر واحد ممن يلطخون هذا الشرف , بل إن من المضحكات المبكيات في عالم الناس اليوم أن أكثر من رجل أعرفه يدعي – كذبا وزورا - لفتاة ما بأنه يحبها ويريد أن يتزوج منها ومنه فهو لا يسمح لها أن تُـكلم ولو رجلا واحدا ( غيره هو ) ولو بكلام عادي ولو تم هذا الكلام أمام الناس وبلا خلوة و ... ثم تجده هو في المقابل يزني بها مرات ومرات بلا أدنى حرج عنده أو عندها . يحدث هذا كما يحدثُ مع من يُـحكى عنه بأنه زنى بامرأة ( ولم يفكر في الحرام ) ثم لم يعزل ماءه عنها , فسئل عن ذلك " لمَ لمْ تعزلْ حتى لا تُـفضح بحملِ المرأة منك ؟!" , فقال " لأنني سمعتُ بأن العزلَ مكروهٌ في الإسلام " !!!.
2- ثم يجب على أي واحد منا – معاشر الرجال – إن انتقدنا المرأة أن ننتقدها من باب النصيحة لها لا من باب التشهير بها , ولنعلم أن الرجل مكملٌ للمرأة وهي مكملةٌ له , وفي كل خير بإذن الله , و" إن أكرمكم عند الله أتقاكم " رجلا كان أو امرأة .
3- ثم من أين جاء هذا الشرط الذي يتمثل في أنه لا يجب علي أن أدافع عن شخص إلا إن كان مستقيما ومؤمنا وطيبا ومباركا و...؟!. إن الله حرم الظلم على نفسه وجعله بين عباده محرما وقال " لا تظالموا " , ولذلك فإنه يجب على المسلم أن يدافع عن المظلوم حتى ولو كان كافرا . ثم لو انطلقنا من هذا المنطلق واعتبرناه صحيحا , وقلنا " لن ندافع عن أحد إلا بعد التأكد من أنه مستقيم مؤمن ومسلم و..." , فإن الدفاع عن المظلوم وإنكار المنكر سيسقط تلقائيا عندئذ ولن يبقى واجبا من واجبات المسلم المؤمن , لأنه لا أحد من البشر في الدنيا كلها , معصوم عن المعصية والظلم والإثم والعدوان , إلا الأنبياء عليهم وعلى رسولنا الصلاة والسلام .
4- ثم إن معرفة حقيقة المظلوم إن كان مستقيما طائعا أو منحرفا عاصيا , تتطلب وقتا وجهدا وبحثا هنا وهناك مع الأهل والأقارب والجيران والأصدقاء والسلطات المدنية والجنائية و ... ومن البديهي بمكان أن نقول بأنه لا يمكن شرعا وعقلا ومنطقا أن نبحث ساعات وأياما وأسابيع ...حتى نطمئن على سلامة اعتقاد وسلوك الشخص , ثم بعد ذلك نجري لننصره على من ظلمه !.
5- صحيح أن حد قذف المحصنات مثلا لا يطبق – كما قال كثير من الفقهاء - على شخص القاذف إن لم يأت ب 4 شهداء , إلا إن كانت المرأة المقذوفة عفيفة وطاهرة وشريفة . وأما إن تم قذف امرأة سيئة السمعة فإن شخص القاذف قد يُـعزر ولكن لا يقام عليه حد القذف إن لم يأت ب 4 شهداء . ولكن هذه مسألة وما نتحدث عنه في موضوعنا هنا مسألة أخرى . نحن نتحدث عن امرأة يريد رجال سقاط أن يزْنوا بها أو يغتصبوها , هل يجب أن ندافع عنها مهما كانت في حياتها اليومية : طائعة أم منحرفة ؟!. والجواب المؤكد هو أنه يجب على كل مسلم قادر على الدفاع أن يدافع عن هذه المرأة حتى لا يعتدى أحد على شرفها .
6- مطلوب منا أن ندافع – كمؤمنين ومسلمين - عن الشرف والكرامة والعفة للمرأة مهما كان سلوكها , ومطلوبٌ منا كذلك أن ندافع عن الشرف والعفة والكرامة لوجه الله أولا قبل أن يكون لوجه المرأة المراد ظلمها والاعتداء عليها . وإن مات الواحد منا وهو يدافع عن هذه المرأة فهو بإذن الله عند الله شهيد.
7- المرأة اليهودية المدنية على أرض فلسطين حتى ولو لم تكن محاربة هي – كما يقول الكثير من علمائنا – عدوة , وهي جندية من جنود بني صهيون المحتلين لأرض فلسطين الطاهرة , ومنه فيجب على أي مسلم استطاع أن يصل إليها ليقتلها أن يقتلها , وله إن شاء الله على ذلك الأجر الكبير عند الله تعالى .
وأما المرأة اليهودية المسالمة التي تعيش مثلا في بلد من بلادنا العربية الإسلامية ( كالجزائر مثلا ) كمواطنة عادية
" وأهل ذمة " , إن أراد ساقط من الرجال أن يعتدي على شرفها وأحب أن يغتصبها , فإنه يجب على كل مسلم قادر أن يدافع عنها ضد من يريد تلويث شرفها ولو أدى به ذلك إلى أن يموت في سبيله شهيدا بإذن الله .
يجب على كل رجل مسلم أن يدافع عن المرأة المراد الزنا بها مهما كانت هذه المرأة منحرفة أو كافرة أو نصرانية , بل حتى ولو كانت يهودية .
والله وحده أعلم بالصواب .
نسأل الله أن يجعلنا من الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر المدافعين عن المظلومين مهما كانوا .
كما نسأله تعالى أن يحفظ لنا نساءنا وبناتنا وزوجاتنا وأخواتنا طيبات مباركات عفيفات شريفات قانتات تائبات عابدات سائحات , آمين .
263- الحكمة ضالة المؤمن :
قال لي أحد الإخوة الكرام في منتدى من المنتديات وفي يوم من الأيام , تعليقا على وقفة من وقفاتي مع ذكريات حسنة أو سيئة عنوانها ( رفضتها في القسم بسبب لباسها الفاضح ) , قال لي معترضا " الأستاذ رميته , أراك كثيرا ما تحكي عن نفسك ثم تذكر ما يستفاد من النص أو القصة . هل ترى ترجمتك الذاتية تصلح مادة تربوية لرواد الموقع , وهل ترى ما فعلته أنتَ بطولة ؟!. راع عقولنا من فضلك "!.
وأنا أقول لهذا الأخ ولغيره " ما أنا إلا مسلم بسيط ومواطن متواضع جدا من دولة الجزائر , وأنا دوما – ومنذ 1975 تقريبا - أقول بأنني عامي ومقلد , ولم أدَّع في يوم من الأيام أنني أكثر من ذلك . ولكن مع ذلك يجب أن أنبه بهذه المناسبة إلى :
1-الدروس والعبر يمكن أن تستفاد حتى من إبليس لعنة الله عليه . مثلا نقول " إبليس يعترف بالله ربا , ومع ذلك نحن نجد بين الحين والآخر أن بعض البشر لا يؤمنون بوجود الله أصلا . إبليس أفضل منهم في هذا للأسف الشديد . يا ليتهم أخذوا الدرس والعبرة حتى من إبليس "!!!.
2- " الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها " , ومنه فيمكن للمسلم أن يستفيد وأن يأخذ الدروس والعبر والمواعظ حتى من الكفار : يهودا أو نصارى أو ... في الشهر الماضي رأينا مثلا كيف أن طبيبا جراحا نرويجيا يحكي عن نضاله السابق مع أهل غزة . وأثناء الحوار الذي أجرته معه قناة الجزيرة رأيناه يبكي , وبكى البعض منا معه . أليس في سلوك هذا الطبيب ( وهو كافر ) درس وعبرة بالغان ؟!. كيف لكافر أن يتضامن مع إخواننا في غزة , وبعض المسلمين – في المقابل - يسبون ويشتمون باستمرار أهل غزة أو حركة حماس أو إسماعيل هنية !؟.
3- بل حتى الحيوانات ويمكن أن نأخذ منها الدروس والعبر . يمكن أن نقول مثلا " القط ويعرف ما له وما ليس له , بدليل أنك إن أعطيته قطعة لحم أكلها على مهله وهو يحتك بك ويستأنس بك ويتودد إليك و... وأما إن أخذ القطعة منك بدون إذنك , فإنه يهرب بعيدا عنك ويأكل خفية وخلسة وينظر إليك من بعيد خوفا من أن تلحقه لتسترجعَ منه أنتَ قطعة اللحم . إنه يفعل ذلك لأنه يعرف – غريزة – بأنه أخذ ما ليس من حقه " .
القط يعرف ما له وما ليس له , ومع ذلك فالكثير من البشر وحتى من المؤمنين لا يعرفون ما لهم وما عليهم , ومنه فإنهم يسرقون ويكذبون ويخونون ويظلمون و ... ولا تهتز لهم ولو شعرة واحدة من أجسادهم , وكأنهم بلا إحساس . أليس في سلوك القط درس وعبرة بالغان لمن يريد أن يعتبر ؟!.
إذا كان إبليس وتؤخذ منه الدروس والعبر , واليهودي والنصراني يمكن أن نستفيد من سيرته ومن ترجمة حياته , والقط أو أي حيوان آخر يمكن أن نأخذ منه الدروس والعبر ونستفيد منه ونأخذ منه الحكمة , فكيف لا تستفيد أخي أنتَ من سيرتي أنا , وكيف لا أستفيد أنا من سيرتك أنت ؟!. وكيف لا نأخذ الدروس والعبر من سيرة كل منا . صحيح أننا نستفيد من الدعاة والعلماء – رحمهم الله جميعا - أكثر وأكثر , ولكن لا مانع أبدا – شرعا وعقلا وعرفا و... - من أن نستفيد من بعضنا البعض . والذي نستفيد منه ليس شرطا أن يكون دوما أحسن وأفضل منا , بدليل أنني يمكن أن آخذ منك سلوكا طيبا ولو كنتُ أفضل منك في أشياء أخرى , ويمكن أن تستفيد مني أنتَ في حسنة من حسناتي ولو كنتَ أحسن مني في مسائل أخرى , وهكذا ...
والمؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا , والمؤمنون إخوة , والله أعلم بالصواب .
حفظ الله أهل المنـتـدى جميعا وبلا استثناء من كل سوء , وبارك فيهم ونفع بهم وجعلهم الله من أهل الجنة , آمين .
264- امدح المرأة ولكن باعتدال ! :
والخطاب هنا موجه للرجل :
1- في تعامله مع المرأة من أهله .
2- أو للرجل في تعامله مع زوجته .
3- أو للطبيب في تعامله مع مريضات .
4- أو للمعلم في تعامله مع تلميذات .
5- أو للمستشار الاجتماعي في تعامله مع مواطنات .
وهذا مع ملاحظة أن الرجل قد يتساهل وينبسط في الحديث مع محارم من النساء أو مع زوجة , ولكن مطلوب منه أن يتشدد عموما مع نفسه حين يكون الحديث مع أجنبية عنه , وذلك حتى لا يرتكب حراما أو مكروها , وحتى يكون خير الحديث أكبر بإذن الله من شره ( طبعا إن كان لا بد من هذا الحديث ) .
ثم أقول : المرأة تحب – فطرة – المديح حبا جما . كل إنسان يحب عموما أن يُمدح ولكن حب المرأة للمديح أكبر . ومنه فمما يجب أن ينتبه إليه الواحدُ منا في تعامله مع المرأة حبُّـها للمديح . لذا فإن مدحنا للمرأة ( بحق لا بكذب , ولوجه الله لا من أجل دنيا , وبالطريقة المشروعة لا بالدوس على حدود الله وحرماته ) مهم جدا من جهات عدة منها :
ا- أن هذا المديح قد يربط المرأةَ بنا أكثر , فـتصبح مستعدة للسماع منا أكثر ولتـقـبل النصيحة والتوجيه منا أكثر , وفي ذلك من الخير ما فيه .
ب- أن المديح – إن كان لدينها وأدبها وخلقها وحيائها و ... - يمكن أن يدفعها أكثر لزيادة الإجتهاد في طاعة الله تعالى . والمعلم ( أو الأستاذ ) مثلي يمكنه عن طريق المديح أن يدفع التلميذة دفعا للإجتهاد أكثر في الدراسة وللإستقامة أكثر في سلوكها داخل المؤسسة وخارجها .
ملاحظة : النساء لسن كلهن سواء في تأثرهن بالمديح , ومنه فمنهن من لا يصلح لها ولو المديح البسيط , ومنهن من يفيدها حتى المديح الزائد . ومنهن من يفيدها المديح في وقت وظرف ومكان , ولكنه يضرها في وقت آخر أو ظرف آخر أو مكان آحر , وهكذا ...
ولكن مع ذلك يمكن أن نقول بشكل عام بأن المديح للمرأة هو ككل شيء آخر إذا زاد عن حده انقلب إلى ضده . إنه كالملح للطعام : إن تم باعتدال نفع , ولكنه إن زاد عن حده ضر وأساء وأفسد .
لذلك فإن المديح الزائد والمبالغ فيه قد يسيء إلى المرأة من إحدى جهتين :
الأولى : أنها يمكن أن تتكبر عليك أو على غيرك أو حتى على دين الله تعالى والعياذ بالله , بسبب من هذا المديح الزائد , وفي ذلك من الشر ما فيه .
والثانية : أنها يمكن أن تسيء إليك بطريقة أو بأخرى , فتكون لك ومعك كاللـئيمة " إن أنت أكرمتها تمردت عليك ".
وبالمناسبة أقول : جاءتني امرأة منذ حوالي 15 سنة ( مات عنها زوجها حديثا ) من أجل أن أرقيها . رقيتها وأثناء الرقية أو قبلها أو بعدها ذكرتُـها ببعض الخير ومدحتها من أجل تشجيعها على الصبر عن وفاة زوجها ومن أجل أن تخلفه بخير ومن أجل أن تجتهد ما استطاعت في عبادة الله , خاصة وعندها الكثير من وقت الفراغ لأن زوجها لم يترك لها ولدا . مدحتُـها بقصد حسن , ولكن ربما لم أنتبه إلى أنني بالغتُ في ذلك قليلا . ولم أنتبه أنا إلى ذلك وإلى خطئي هذا إلا بعد شهور , حين سمعت ممن أثق فيها من النساء أن تلك المرأة التي رقيتها قالت لأختها وللبعض من صديقاتها قولا منكرا ربما سببه من جهة مبالغتي في مدحها لدقائق عندما أتتني مع أختها من أجل رقية , وربما أن سببه من جهة أخرى هو أن من طبعها أن تقابل إحسان الغير إليها بالإساءة لا بالإحسان . وعندما سمعتُ بمقالتها المنكرة , أنا أعترف أنني تمنيتُ أنني لم أرقـها أساسا وأصلا , ولكن من أجل وجه الله كل شيء يهون . عزمتُ بيني وبين نفسي أن أنبهها في يوم من الأيام إن أتيحت لي الفرصة , أن أنبهها إلى أنني سمعتُ بمقالتها المنكرة وأنني ألومها على ذلك بطريقتي الخاصة ( وإن كنتُ مسامحها مع ذلك دنيا وآخرة ) .
مضى على هذه الحادثة حوالي عام وفي يوم من الأيام دقت علي بابَ بيتي امرأتان , وعندما فتحتُ البابَ وجدتُ أمامي نفسَ المرأة ومعها نفسَ أختها . جاءت المرأة من جديد لتطلبني من أجل رقية , على اعتبار أنها استفادت في العام الماضي كثيرا من رقيتي لها . وعلى خلاف عادتي استدرتُ إلى جهة أخرى وأعطيتها جنبي , وكأنني أقول لها " أنا أريد الانصراف عنكما " .
قلتُ لها " يمكنكِ أن تتصلي بفلان من أجل أن يرقيك . الخير فينا كلنا بإذن الله , ونحن لا ندري من يكون سببا في شفائك أنتِ . شفاك الله وعافاك ووفقك الله لكل خير " . قالت لي " ولكنني أريدك أنتَ بالذات لترقيني " , قلتُ لها كلمة ما تعودتُ أن أقولها لغيرها " ولكنني لا أريد أن أرقيك أنا , بل أريد لغيري أن يرقيكِ . أنت تريدينني أنا , وأنا أريد لكِ غيري " , قالت متوسلة وراجية " رجاء يا شيخ لا تردني !". قلتُ لها " أنا آسف . السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ".
آه أنا لم أذكر حتى الآن ما قالته هذه المرأة عني بعد رقيتي لها . لقد قالت كلمة ما قالتها عني امرأة أخرى من قبل أو من بعد , لأن النساء تعودن على التعامل معي حتى من قبل زواجي بسنوات وسنوات على أساس أنني شيخ وأستاذ يأخذن مني العلم والنصح والتوجيه ولا تتعاملن معي عادة على أساس أنني رجل وهن نساء , والحمد لله رب العالمين على نعمه التي لا تعد ولا تحصى .
الكلمة التي اعتبرتُـها منكرة والتي قالتها عني تلك المرأة سامحها الله وهداني وإياها إلى ما فيه خير الدارين هي
" علمتُ من خلال مدح الأستاذ رميته لي , أنه معجبٌ بي وأنه يحبني " !!!. وصدق من قال عندنا في الجزائر
" همٌّ يضحك وهمٌّ يبكي "!!!.
وفقنا الله جميعا لكل خير , آمين .
265- كان يا مكان في قديم الزمان :
ومنذ عشرات السنين كنتُ مسؤولا في جماعة وكنتُ معتبرا ( عند أفرادها وعند قائدها ) من أفضل وأفقه أفراد الجماعة ومن ال 5 أو ال 6 الأوائل فيها . ولكن ولما كشفتُ في يوم من الأيام عن أفراد في الجماعة فيهم العيوب التي تقال والتي لا تقال , وقدمت الأدلة والشهود الصادقين على صحة ما أقول , وقلت " أنبهكم لتخلصوا الجماعة من هؤلاء فقط حتى يبارك الله لكم في جماعتكم , وأما أنا فليس لي أي غرض دنيوي أو خاص من وراء كشفي لحقيقة هؤلاء الأشخاص . "!فماذا كانت النتيجة ؟! . كانت النتيجة التي نجدها عند كثير من الجماعات والتنظيمات والأحزاب والحكومات الإسلامية وغير الإسلامية منذ أكثر من 1000 سنة والتي تحدث عنها الكواكبي أيام زمان في " الاستبداد " والتي ملخصها " نافق أو فارق " و" أنت معنا بطل , ولكنك خارجنا بصل " و " أنت من داخلنا فقيه كبير ومجاهد عظيم , أما إن خرجت عنا فإنك ستصبح ضالا ومنحرفا وعدوا للأرض والسماء !" .حار القائد ماذا يفعل ؟!.ووجد نفسه أمام موقفين أحلاهما مر : ا - إما أن يقف مع الحق , وينظف الجماعة من وسخها حتى يبارك الله لها في عملها ودعوتها وحركتها , وعندئذ هو خاف أن تنقسم الجماعة لأن أشياع المنحرفين وشيعتهم يمكن أن ينـتقموا , وفي هذا من الخسارة المادية والدنيوية ما فيه . ب- وإما أن يقف مع الباطل , أي يغض الطرف عما قلتُ وعن الأشخاص الساقطين الذي ذكرتُ الكثير عن سرقتهم وكذبهم و .... يغض الطرف حتى تبقى الجماعة موحدة ومشهورة ومستورة و ... ولن يخسر بهذه الطريقة ( هكذا ظن بمقاييس الدنيا لا الآخرة , و... ) إلا شخصا واحدا إسمه عبد الحميد رميته , الذي يعلم يقينا أنه لن ينتقم لنفسه أبدا وأنه سينسحب من الجماعة بدون سعي لتقسيمها أو تـقـزيمها , ولن يعمل من أجل إنشاء جماعة أخرى غيرها أو إثارة الفتنة في أرجائها أو ... لأنه دوما يقول عـنه " عبد الحميد من أزهدنا جميعا في المسؤولية " .فكر القائد ( سامحه الله وهدانا الله وإياه إلى الصراط المستقيم وجعلنا الله وإياه وجميع أفراد جماعته وحزبه من أهل الجنة ) واستشار بعض المقربين إليه , وانتهى للأسف الشديد إلى الحل الثاني . وأذكر أنني عندما انسحبتُ ( عام 86 19 م ) في ذلك الوقت ولهذا السبب , قيل عني بأنني مجنون وقيل عني بأنني من أجهل الناس وقيل عني بأنه لم تكن لي أية قيمة في الجماعة في يوم من الأيام وبأنني ضال ومنحرف وعدو للإسلام والمسلمين , وتم تهديدي بالضرب , وكذا بالطرد من ولاية ميلة التي كنتُ أسكن فيها وأعمل بها وما زلتُ أستاذا , وقيل لي من طرف بعضهم " الساقط من ولاية كذا خيرٌ من الصادق من ولاية سكيكدة مثل رميته عبد الحميد ".ثم ذهب زمان وجاء زمان , وانقسمت الجماعة وانشقت مرة ومرتين ثم ... , وأنا أؤكد أن المنشقين اليوم يقولون " كم كان صادقا عبد الحميد فيما قال " , والقادة يقولون كذلك " ما أصدق عبد الحميد فيما فعل " , وهؤلاء وأولئك طلبوني بعد ذلك في أكثر من مرة للإنخراط في أحزابهم فرفضتُ , ورغبوني ترغيبا كبيرا فرفضتُ , ووعدوني بأن أكون من المقربين إلى الزعيم ومن البرلمانيين الكبار فرضتُ . ولقد قلتُ وما زلتُ أقول وسأبقى " والله أنا مهما كنتُ بسيطا , أنا أسعد مليون مرة من الرئيس بوتفليقة , وأنا كذلك أسعد وأهنأ مليون مرة من أي زعيم لحزب إسلامي سياسي حالي في الجزائر ( أصبح يفكر في نفسه وفي جماعته أكثر بكثير مما يفكر في شعبه ودينه ) وكذا أكثر من أي برلماني إسلامي ( لم يبق يفكر إلا في جيـبه , وأما الإسلام والشريعة الإسلامية والحكم بما أنزل الله فلم تبق إلا شعارات تقال في المناسبات للسذج من الناس وكذا في الحملات الانتخابية ) .والآن " تـتـا تـتا خلصت الحـتوتـة " .
266- كم هذا الذي حدث بشع جدا ( زنا المحارم ) ! :
ممارسة الرقية لأكثر من 23 سنة أفادتني كثيرا , حيث تعلمتُ منها الكثير الكثير . ومما تعلمتُ منها : تعلمتُ جوانب مهمة في علم النفس والتربية , وتعلمتُ الكثير عن طبائع الناس التي هي أشكال وألوان , وعرفتُ من خلال ذلك كذلك الطيب جدا والخبيث جدا , وعرفت المسالم والعنيف والساذج والماكر و ... وعرفتُ الذي يكاد يكون ملاكا في طهره وعفافه وصدقه وإخلاصه والآخر الذي يكاد يكون شيطانا مريدا في مكره وانحرافه وضلاله وخبثه ...
ومن أسوإ ما عرفتُ من سلوكات طائشة ما تعلق بزنا المحارم :
جاءتني شابة منذ حوالي 10 سنوات مع أبيها وأمها من أجل أن أرقيها هي , على اعتبار أنها أصبحت ومنذ شهور تعاني من جملة أعراض منها الأرق والصداع وأوجاع في جهة المعدة وخلعة ووساوس وقلق كبير واكتئاب زائد وأوجاع في أجزاء أخرى من الجسم وتكاسل غير عادي في الدراسة واضطراب مفاجئ في أداء الصلوات الخمس وميل للعزلة وانطواء و... أخذها أهلها عند الطبيب النفساني وكذا طبيب الأعصاب فلم يفد أحدهما لا في تشخيص مرضها ولا في علاجها . جلستُ مع الثلاثة وسمعتُ من الفتاة ومن والديها وملتُ مسبقا إلى أن مشكلة الفتاة نفسية ولا تحتاج أبدا إلى رقية . ومع ذلك فأنا أرقيها من أجل طمأنتها وطمأنة أبويها المتعلقين جدا بالرقية . ولكن بعد الرقية أردتُ أن أتوسع في الحديث مع الثلاثة والسماع منهم لعلي أعرف سرا للمرض وتشخيصا له . لاحظتُ عندئذ وكأن الفتاة تريد أن تتكلم معي بعيدا عن والديها . استأذنتُ من والديها أن يتركاها معي ويجلسان أمام الباب مباشرة , بعد ترك الباب مفتوحا على مصراعيه حتى نتجنب الوقوع في الخلوة المحرمة . أعطيتُ الأبوين كرسيين ليجلسا عليهما أمام الباب وبدأت في السماع من البنت . في البداية ترددتْ ولكنني طمأنـتُـها إلى أنني لن أعرفَ ما بها ولن تشفى مما تعاني منه إلا إذا تكلمتْ وصارحت وصدقت وأخلصتْ , وأكدتُ لها أن الراقي هو مثل الطبيب والإمام والعالم هم جميعا خزائن أسرار للناس جميعا , ومنه فـ" ثقي أن سرك لن يُـكشف لأحد من الناس بإذن الله تعالى " .
بدأت الفتاةُ تحكي ويا لَسوء ما حكتْ وما قصتْ . عم الفتاة تعود منذ حوالي سنتين على :
ا- أن يأتي إلى بيت أخيه ( أي أبيها هي ) عندما يكون أبوها وأمها غائبين ( وأما إخوتها فكانوا ما زالوا صغارا ) .
ب- أو يأتي إلى بيت أهلها يوم الإثنين مساء أو الخميس مساء أو الجمعة حيث لا دراسة , ويستأذن من أبيها ( أي من أخيه ) في أخذ الفتاة ( ابنة أخيه ) معه في سيارته ليتجول معها قليلا في أرجاء المدينة ليروح عن نفسها حتى تقبل على الدراسة بعد ذلك بنفس أكبر وبنشاط أعظم .
ولكن الأب كان يسـتـغل للأسف الشديد , يستغل الدارَ الفارغة أو جولاته ونزهاته مع ابنة أخيه ليزني بها . طبعا بدأ معها بالكلام ثم اللمس والتقبيل ثم المداعبات ثم ... ولما وجد مع الوقت تجاوبا من طرف البنت أصبح يزني بها الزنا الكامل والتام . في البداية كان يزني بتحفظ ثم أصبح يزني بشكل عادي ويمارس الجنس مع ابنة أخيه وكأنه يفعل ذلك مع زوجته . استمر الأمر على ذلك حوالي عام ونصف وكأن الرجل شيطان وكأن الفتاة مخمورة , ثم فجأة بدأ ضميرها في الاستيقاظ وبدأت تحاول باللين مع عمها أن يتوقف عن زناه , ولكنه لا يريد أن يتوقف وهي لا تريد أن تغضبه , فأصيبت بما أصيبت به , مما بدا لأهلها أنه سحر أو عين أو جن , ولكنه في الحقيقة مشكلة نفسية بحثة لا علاقة لها بالرقية لا من بعيد ولا من قريب .
سمعتُ من الفتاة عجبا , وتألمتُ كثيرا للرجل يزني بابنة أخيه وللفتاة تحبُّ ( كما صارحتني ) هذا الزنا وتتمناه وتشتاق إليه وتنتظره من أسبوع إلى آخر ... وللشيطان كيف يلعب ببعض الناس وللفطرة كيف تفسد و...
أكدتُ للفتاة في البداية أن ما فعلته منكر وزنا وسقاطة وانحراف وفسق وفجور وفاحشة ومقت وجريمة عظمى وانحراف عن الفطرة السليمة . الزنا العادي بالأجنبية فاحشة , ولكنه لا يتناقض مع الفطرة السليمة لأنه محبب إلى النفوس , ونحن لا نمتنع عنه إلا لأنه حرام , وأما زنا المحارم فهو مناف للفطرة السليمة , والشخص يرفضه وينفر منه فطرة , ولا يفعله إلا الشواذ من الناس رجالا أو نساء . وطلبتُ منها أن تتوقف وفي الحين وفي الحين وفي الحين عن ارتكاب هذا المنكر أو مقدماته مع عمها , ومعاهدة الله على تجنب الزنا ومقدماته مادامت حية مع عم أو مع أي أجنبي " توبي إلى الله في الحين واصدقي مع الله وأخلصي لله عسى أن يقبلَ منك , ويمكن أن يرزقك الله في المستقبل بزوج صالح لا يعرف خيانتك السابقة , يسعدك وتسعدينه" . قلتُ لها " ما رأيك لو أُخبر أبويك ؟!" , قالت " لا !. رجاء لأنه سيقتلني حتما , ويمكن أن يحاول قتلَ عمي كذلك , ولكن عمي هو الذي سيقتله لأن عمي هذا جبار وسفاك للدماء ولا يتورع عن أي ذنب في الدنيا مهما كان عظيما وكبيرا " .
قدمتُ لها النصائح والتوجيهات المناسبة لتساعدها على العيش في جو نظيف وللتخلص نهائيا من فسقها وفجورها , وطلبتُ منها أن تكثرَ من الدعاء والاستغفار , ومن صلاة النافلة ومن صيام التطوع ومن قيام الليل ومن فعل الخير ومن الصدقة و ... وأن تهتم بدراستها و ...
وعندما انتهيتُ من السماع منها ومن الحديث معها ناديتُ أبويها وأخبرتهما بأن ابنتهما إن شاء الله سيتجه أمرها من اليوم فصاعدا إلى خير , ثم خلوتُ بعد ذلك بالأب وطلبتُ منه بطريقة معينة غير مباشرة ( تجعله لا يشك في أخيه ) , طلبتُ منه أن لا يترك الدار أبدا وحدها للأولاد وللبنت الكبيرة , وأن لا يتركَ الفتاةَ تخرج من الدار
( إلى غير المؤسسة التعليمية التي تدرس فيها ابنته الكبرى ) مع أي كان إلا مع الوالدين , وشجعتُه على ربط البنت بالبيت من أجل اهتمامها بالدراسة وبتقوية إيمانها وبالابتعاد عن الشارع الفاسد و ... ومن حسن تقدير الله معي أن الرجل لم يشك في أخيه , ربما بسبب طيبته الزائدة والمبالغ فيها . شكرني الأبوان وكذا البنت وانصرفوا .
ثم بعد حوالي شهر من هذه الزيارة أرجع الأبوان البنتَ إلي ليخبرني الجميعُ بأن الفتاة شفيت إلى حد كبير جدا مما كانت تعاني منه وأنها مستغرقة في دراستها وفي عباداتها والحمد لله , وأخبرتني الفتاةُ كذلك بأنها أوقفت كل اتصالاتها مع عمها وأنها أخبرته جادة وحازمة بأنه إما أن يقطع اتصاله بها نهائيا , وإما أنها ستشتكي به إلى أهلها وإلى السلطات المدنية في المدينة . حذرته فخاف والحمد لله . ووجدتُ الفتاةَ في هذه المرة الثانية شخصا آخر يختلف كل الاختلاف عن التي رأيـتُـها من قبل . من قبلُ كانت شبه امرأة وأما التي رأيتها الآن وفي المرة الثانية فهي فتاة عادية تماما : بدا لي بأنها كانت شيطانا فرجعت خلال شهر إلى صراط الله المستقيم , أتمنى من الله أن يتوب علينا وعليها , كما أتمنى من الله أن يزوجها عن قريب بمن يسعدها ويسعده .
اللهم اغفر لنا وارحمنا وغلبنا على أنفسنا وعلى الشيطان .
وكتعقيب على ما ذكرتُ أعلاه أقول : نثق الثقة الكبيرة في المحرم ( مثل العم وغيره ) , وهذا هو الأصل , ولكن الثقة المطلقة لا تجوز أبدا , لأن الثقة المطلقة لا تصح إلا مع معصوم , والمحرم سواء كان عما أو بن أخ أو ... ليس معصوما أبدا , بل هو معرض للمعصية وللشذوذ .والأصل أن الرجل سوي وعلى الفطرة , ولكن الأفضل أن نتوقع وجود الشاذ من الرجال والشاذة من النساء في أي وقت من الأوقات .
267- من أمثلة المرضى الشواذ :
من أمثلة الرجال الشواذ أو على الأقل المرضى , من طلبني أهله منذ حوالي 20 سنة لأرقيه : ذهبت إلى الدار فوجتُ شابا عمره حوالي 20 سنة طريح الفراش منهار المعنويات خاصة , عرض نفسه على الأطباء فلم يفيدوا في علاجه من كثير من القلق والوسواس والخلعة والخوف والأرق والاضطراب في النوم والأوجاع في أكثر من موضع من الجسد و ...ولعل السبب في عدم شفائه على يد الطبيب هو أمران : الأول أنه لم يستشر طبيبا نفسانيا بل زار طبيبا عاما فقط , والثاني أنه لم يبح بأسراره الخاصة للطبيب .طلبتُ منه أن يتحدث إلي بما يقلقه ويزعجه , فطلب هو من أبيه وأمه وأخته وأخيه أن يخرجوا ويتركوني معه وحده . سمعتُ منه العجبَ خلال أكثر من ساعة , فعلمتُ أنه راغب ( أكرمكم الله ) في أخته , ولأنه يعلم أن ذلك كبيرة من الكبائر وشذوذ كبير فإنه بقي لشهور يقاوم ويقاوم , فأصيب بما أصيب به . قدمتُ له النصائح المناسبة ورقيتُه فقط استجابة لطلبه وطلب أهله لأنني مقتنع بأنه لا يحتاج أبدا إلى رقية شرعية .نصحته ووجهته , ثم طلبت الجلوس مع الأخت والأم وحدهما , ووجدت حرجا في تقديم النصيحة لهما بوجوب الستر الزائد أمام الشاب ( أي الأخ والإبن ) . ومع ذلك غالبتُ نفسي واخترت الطريقة المناسبة ونصحت وأكدت على النصيحة بوجوب الستر الزائد مع الإبن والأخ وكأنه أجنبي عنهما . ورأيتُ في ذلك الوقت وكأن الأم لم تفهم عني شيئا , ولكنها وعدت بالتطبيق , وأما الأخت فبدا لي بأنها فهمت غرضي وقصدي .وأنا أحمد الله تعالى على أن هذا الشاب بتوفيق الله أولا , ثم بسبب عمل الشاب والأخت والأم بنصائحي وتوجيهاتي , فإن الشاب اتجه أمره إلى الشفاء خلال حوالي أسبوعين فقط بعد معاناته من المرض لشهور عدة قاسى معها الأمرين حتى خاف على نفسه من الجنون . ومضى على هذه الحادثة حوالي 20 سنة وهذا الشاب أصبح الآن رجلا كامل الرجولة وصالحا مصلحا , هاديا مهتديا بإذن الله تعالى .وبعد حوالي 6 أشهر من شفائه عادت الأم والأخت إلى لباسهما المعتاد مع الشاب , كلباسهما السابق , أي كلباسهما مع أي محرم , والحمد لله أولا وأخيرا .
268- النوم في الماء البارد والصلاة عريانا ( مرة أخرى ) ! :
يجب على المسلم أن يستر عورته المغلظة ( من الرجل : القبل والدبر , ومن المرأة : الإليتان والفخذان والعانة ) أثناء الصلاة , مع القدرة على الستر . فإن لم يستطع صلى عريانا , وصلاته صحيحة بإذن الله . وإذا علم المصلي أن هناك من يعيره ما يستر به عورته فلم يستعره وصلى عريانا بطلت صلاته . وإن وجد ساترا نجسا أو حريرا فصلى عريانا بطلت صلاته كذلك , لأن الواجب ستر العورة بواحد منهما , والحرير مقدم على النجس .
وأذكر بالمناسبة هنا ما وقع لي في السجن أو بالضبط في الزنزانة خلال حوالي 12 يوما في مدينة ... عام
1982 م عند رجال المخابرات العسكرية الجزائرية , حيث قضيتُ منها 3 أيام وأنا عريان كيوم ولدتني أمي . نزعوا لي ثيابي بالقوة وفرضوا علي أن أبقى هكذا لمدة 3 أيام بلياليها , زيادة في الإهانة والتعذيب والتنكيل و والسخرية والاستهزاء و ... حتى يصدوني عن سبيل الله أو عن الدعوة إلى الله أو التمسك بالإسلام وهيهات هيهات ... فرضوا علي أن أبقى 3 أيام كاملة غير منقوصة عريانا تماما : آكل عريانا وأشرب عريانا وأخرج من المرحاض وأدخل إليه عريانا . وفرضوا علي كذلك أن أنام عريانا بلا فراش ولا غطاء , بل وسط كمية من الماء البارد ( في ليالي نوفمبر الباردة جدا خاصة في مدينة ... شرق الجزائر ) ارتفاعها حوالي 60 سنتيمترا : أنام في الماء البارد بهذا الشكل خلال ساعات الليل كلها فأنام حوالي 60 مرة وأستيقظ حوالي 60 مرة خلال الليلة الواحدة . ثم يُـحقق معي وأعذب بمختلف أنواع التعذيب وأنا عريان كذلك , وأقرأ القرآن وأنا عريان و... وأصلي كذلك وأنا عريان , لأن الإسلام برحمته أباح للمسلم أو أوجب عليه – حتى يبقى متصلا بربه باستمرار - أن يصلي ( إن لم يجد ما يستر به جسدَه ) ولو عريانا , ولو كيوم ولدته أمه .
أسأل الله أن يُـعلمنا ما ينفعنا وأن يَـنفعنا بما يعلمنا وأن يزيدنا علما , وأن يقوينا على أنفسنا وعلى الشيطان , وأن يهدينا وأن يهدي حكامنا وحكام المسلمين أجمعين إلى سواء السبيل , آمين .
269- الفضول كالملح : مطلوب فقط بمقدار وباعتدال :
الفضول أو حب الاطلاع أمر غريزي عند أغلبية البشر , ولكنه كأي شيء آخر : لا بأس به وهو مقبول وله فوائده وحسناته وإيجابياته , ولكنه كأي أمر آخر : إذا زاد عن حده انقلب إلى ضده .
كنت اليوم ( 18/2/2009 م ) في قسم من الأقسام مع تلاميذي بالثانوية , وفي وقت من الأوقات وفي نهاية الحصة والتلاميذ يُـحضرون أنفسهم للخروج من القسم عندما يدق الجرس , كنتُ أتحرك في القسم فوقعت عيني على ورقة – كأنها خاصة – كانت تكتبُ فيه تلميذةٌ من التلميذات أمورا معينة تخصها , فهمزتها زميلتها
" الأستاذ ينظر إليك , خبئي الورقة ". اغتنمتُ الفرصة لأتحدث مع التلميذة وزميلتها قليلا عن الفضول : ما له وما عليه , وقلت لهما من ضمن ما قلتُ " حتى لو وجدتُ الورقة سقطت منك وأتيحتْ لي الفرصة لأن أقرأها ولو بعيدا عنك أنتِ وبدون علمكِ أنتِ , فلن أفعل . لن أقرأها لأنني أعلم يقينا أنها لا تخصني , كما أظن أنه ليس فيها خطورة على الدين أو على البلاد والعباد . إذن لن أقرأها خاصة وأنا أعرف أنها من خصوصياتك وأنك لا تحبينني أن أطلع على مضمونها و ...".
لقد أتيحت لي فرص كثيرة جدا في حياتي من أجل أن أطلع على أشياء وأمور وأغراض عدة لغيري , ولكنني لم أفكر حتى مجرد التفكير في أن أمد يدي أو بصري أو سمعي إلى ما لا يعنيني . وحتى في المرات التي كانت نفسي تحدثني فيها – فضولا – أن أطلع أو أرى أو سمع أو أمد يدي إلى ما يعني الغير ولا يعنيني , كنتُ أغالب نفسي وأغلبها غالبا . وأنا أقول - وأحمد الله على ما أقول - بأن نفسي لم تغلبني في هذا الشأن بالذات ( أي فيما له علاقة بالفضول ) إلا قليلا أو إلا نادرا .
1- لقد أتيحت أمامي فرص كثيرة كنتُ بقيتُ فيها حارسا لدكان مواد غذائية فيه من المال والسلع و... الكثير , ومع ذلك ما مددتُ ( ولو للحظة واحدة ) عيني ولا سمعي ولا يدي إلى ما لا يعنيني أثناء غياب صاحب المحل .
2- وأتيحت لي فرص كثيرة بقيتُ فيها - لمدة من الزمن - بإذن وعلم المسؤول , بقيتُ في مكتب بشركة أو إدارة أو ... وكان يمكنني وبسهولة – في غياب المسؤول – أن أمس أو أرى أو أسمع أو آخذ أو أطلع على وثائق أو أموال أو صور أو ... ومع ذلك ما مددتُ يدا ولا عينا ولا أذنا إلى ما لا يعنيني .
3- وأتيحت لي فرص كثيرة كانت فيها أمامي ولمدة لا بأس بها من الزمن , كانت محافظ أشخاص أغنياء أو مسؤولين كبار , كانت أمامي وكان فيها من الأموال الطائلة ما فيها ومن الوثائق السرية والخاصة ما فيها , ومع ذلك ما مددتُ يدي أبدا ولا بصري ولا سمعي إلى ما لا يعنيني .
4- وأتيحت لي فرصٌ كثيرة بقيتُ فيها لفترة لا بأس بها من الزمن في بيوت ناس أدخلوني إليها من أجل رقية أو من أجل سؤال عن حلال وحرام أو من أجل استشارة اجتماعية أو ... وكان يمكنني في غياب صاحب البيت المؤقت , أن أطلع على الكثير من أسرار البيت وأن آخذ منه ما أريد , ومع ذلك أنا ما فعلتُ شيئا من ذلك أبدا .
5- وأتيحت لي فرص كثيرة كانت فيها محافظ نساء أمامي لفترة من الزمن , وفي المحافظ ( ربما ) صور ورسائل وأغراض خاصة وأدوات زينة وأموال و ... ومع ذلك ما مددتُ أبدا إلى حقيبة من هذه الحقائب يدا أو عينا أو سمعا , ولو في يوم واحد من الأيام .
6- وأتيحت لي فرص كثيرة أخذتُ فيها هواتف نقالة لتلاميذ وتلميذات من الأقسام وبقيت الهواتف عندي أحيانا ساعات وأحيانا أخرى أياما معدودات ( كعقوبة للتلميذ ) , ومع ذلك ما مددتُ يدي لهاتف نقال واحد – في أي يوم من الأيام - من أجل أن أرى صورة أو أسمع أغنية أو أطلع على ما يجوز أو ما لا يجوز مما هو موجود في الكثير من هواتف شباب وشابات هذا الزمان .
ثم أقول : الفضول يجعلنا نرى أو نسمع أو نطلع أو ... ما لا يعنينا , فنفعل أحيانا ما يجوز شرعا وما لا حرج فيه . وأحيانا أخرى نقوم بـما هو جائز ولكنه خلاف الأولى . وأحيانا ثالثة نرتكب ما هو مكروه .
وأحيانا رابعة نرتكب ما هو حرام بلا خلاف بين عالمين اثنين من علماء الإسلام . وهكذا ...
مهم جدا أن ننتبه إلى أن الفضول أمر طبيعي ومقبول ومستساغ حينا ولكنه مرفوض وحرام أحيانا أخرى .
والفضول في الحياة كالملح للطعام : لا بد منه ولكن بمقدار , فإذا زاد عن ذلك أفسد وأساء وظلم واعتدى .
أما بالنسبة للحلال والحرام فالأمر كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الحلال بين والحرام بين ".
وأما من زاوية أخرى فمن أهم ما يعيننا على التمييز بين ما يجوز وما لا يجوز من الفضول هو تحكيم حديث النبي محمد عليه الصلاة والسلام " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " . ومنه فاسأل نفسك - أخي الحبيب - دوما عندما تحدثك وتدعوك إلى التطفل على الغير " هل تقبل أنت من الغير أن يطلع من أغراضك الخاصة على كذا أم لا ؟!" , فإن رأيتَ أنك لا تنزعج فلا بأس عليك عندئذ , وإن رأيتَ بأنك لا تقبل ذلك من الغير فأبعد أذاك عندئذ عن هذا الغير . صحيح أن هذا الضابط ليس دقيقا دوما , لأن هناك أشخاصا جاهلين أو ضعفاء الإيمان قد يقبلون لأنفسهم الحرام , وهؤلاء لا يجوز لهم طبعا أن يفعلوا حراما مع الغير مهما قبلوه هم لأنفسهم . ولكنني أظن أن هؤلاء شواذ والشاذ لا يقاس عليه . ولا تنس أخي الكريم أن " الدين المعاملة " ,
و " المسلمُ من سلم المسلمون من لسانه ويده " و " لا ضرر ولا ضرار " و " إن العين تزني وزناها النظر , وإن اليد تزني وزناها البطش , وإن الأذن تزني وزناها السمع ... وإن الفرج يصدق هذا أو يكذبه " .
أسأل الله أن يغلبنا على أنفسنا وعلى الشيطان , آمين .
270- لقد قدمتم لي درسا لن أنساه بإذن الله في حياتي أبدا :
في عام 1980 م كنت أدرس تلاميذ عسكريين في مدرسة أشبال الثورة العسكرية بمدينة ... , كنت أدرسهم مادة العلوم الفيزيائية . كنت أدرس هؤلاء التلاميذ , وكان ضمن هؤلاء التلاميذ تلميذ اسمه " عبد الحليم " كان تلميذا رائعا ( الله يبارك فيه , ما شاء الله عليه , لا قوة إلا بالله ) أدبا وحياء وخلقا واجتهادا و ... وحتى جمالا ( جمال الرجال لا النساء ) . وبدون أي قصد مني بطبيعة الحال وقع حب هذا التلميذ في قلبي , وهو بطبيعة الحال حب الأب لابنه أو حب الأستاذ لتلميذه , إلا أنه كان حبا مبالغا فيه قليلا كما سنرى بعد قليل .
وأنا من عادتي ومما أنا مقتنع به كل الاقتناع أن الحب محله القلب , وأما تعامل الأستاذ مع التلاميذ فيجب أن يحكمه العدل ثم العدل , بمعنى أنني يجب أن أعدل كل العدل بين التلاميذ في المعاملة أو في تقديم الدروس أو في الفروض والامتحانات أو ... وأما حبي للتلميذ فيبقى أمرا بيني وبين نفسي أو بيني وبين التلميذ , ولكن خارج مجال الدراسة . هذا هو مقتضى العدل الذي قامت عليه السماوات والأرض , وهو ما أوصانا به ديننا ونبينا , وهو ما كنت أنا مقتنعا به كل الاقتناع , وما كنتُ أحاول أن أطبقه على نفسي في تعاملي مع التلاميذ ما استطعتُ إلى ذلك سبيلا . وفي يوم من الأيام كلفتُ التلاميذَ بأداء واجب فيزيائي في المنـزل , فقام به أغلبية تلاميذ القسم وتخلف عنه 7 تلاميذ لم يؤدوا الواجب تكاسلا وتهاونا ليس إلا , أي أنهم لم يقدموا ما طلبته أنا منهم بدون أي عذر ضعيف أو قوي . أخرجتُ التلاميذَ إلى السبورة , أي أمام جميع تلاميذ القسم , وسألتهم فلما لم أجد لهم عذرا ضربـتهم .
ملاحظات : 1- أنا أضرب التلاميذ مرة واحدة خلال كل 4 أو 5 سنوات , وذلك منذ بدأت التعليم وحتى الآن , أي خلال أكثر من 30 سنة .
2- فرق كبير بين تلاميذ زمان وتلاميذ هذا الزمان . أما أيام زمان فكنتُ أضرب التلميذ فلا يرفع رأسه ولا يده أبدا في وجهي , بل يستسلم كل الاستسلام للضرب ثم يستسمجني بعد ذلك بساعات أو أيام ويعدني بأنه لن يكرر بعد ذلك خطأه أو خطيئته . وأما تلاميذ اليوم فإننا – نحن الأساتذة - أصبح الواحدُ منا يحسب ألف حساب قبل أن يفكر في ضرب التلميذ , لأن التلميذ ربما سيقاوم أو سيضربُ الأستاذَ .
3- أيام زمان كان الأستاذُ يضرب التلميذ , وإذا سمع ولي التلميذ بذلك ضرب ابنه مرة ثانية .
وأما اليوم فإن الولي يمكن أن يأتي إلى المؤسسة ليحتج على الأستاذ " لماذا ضربت ابني ؟!" , وربما أسمعَ الوليُّ الأستاذَ ما لا يحب أن يسمع , وربما ضرب الوليُّ الأستاذَ !!!. ولم لا , فـنحن في زمان يكاد يصبح فيه الحليم حيرانا ؟!.
ثم أقول : ضربتُ 6 تلاميذ ثم وصلتُ إلى التلميذ الأخير الذي تمنيتُ أن يكون أي تلميذ آخر إلا أن يكون تلميذا معينا , ولكن للأسف الشديد كان هذا التلميذ هو التلميذ الأحب إلي الذي إسمه " عبد الحليم " . قلتُ له " ماذا دهاك يا عبد الحليم , لماذا لم تؤد واجبك ؟!" , فسكت وأطرق برأسه واحمر وجهه خجلا يزيد من جمال وجهه الرجولي . ووقفتُ أنا متسمرا في مكاني لأكثر من دقيقة : لا أدري ما أفعله ؟! . العقل والعدل يطلبان مني أن أضربه كما ضربت زملاءه , وأما العاطفة تقول لي " لا تضربه .هذا تلميذ رائع جدا ومؤدب للغاية ومجتهد كفاية , وأنت تحبه يا عبد الحميد , ومنه فلا يليق بك أن تضربه أبدا . كيف تضرب من تحبه كثيرا وجدا وللغاية ؟! ".
وقع الصراع عندي بين العقل والعاطفة ولكن العاطفة هي التي تغلبت للأسف . قلتُ للـتلميذ " إرجع إلى مكانك وإياك أن تعيد الخطأ مرة أخرى , وإلا عاقبتك كما عاقبتُ زملاءك قبل قليل " . رجع التلميذ إلى مكانه وعاد معه زملاؤه الستة .
ذهب زمان وجاء زمان , ومرت الأيام والأسابيع والشهور , ثم وصلت نهاية السنة الدراسية . وكعادتي مع التلاميذ في أغلب سنوات تدريسي , أنا أخصص للقسم الواحد ساعة أو ساعتين في نهاية السنة الدراسية من أجل تقديم نصائح وتوجيهات دينية ودنيوية , وكذا من أجل أكل " طمينة " , وكذا من أجل تقديم جائزة لأحسن تلميذ , وأخيرا من أجل التسامح مع التلاميذ وطلب تسامحهم مع بعضهم البعض . وقبل نهاية الحصة قلتُ للتلاميذ " أنا مسامحكم جميعا دنيا وآخرة , حفظكم الله ورعاكم جميعا ووفقكم الله لكل خير , وأنا في المقابل أطلبُ منكم أن تسامحون على أي خطأ ارتكبته معكم أو مع واحد منكم في يوم من الأيام . وإن رأى أحدكم أنه لن يسامحني على خطأ ارتكبته إلا بعد أن أطلب السماح منه أمام كل تلاميذ القسم فلا مانع عندي في ذلك أبدا , المهم أن تنبهوني وأن تقنعوني بأنني أخطأتُ بالفعل في حقكم أو في حق أي واحد منكم . أتمنى أن نفترق في هذه الأيام ولا أحد منا يحمل للآخر في قلبه غلا أو حقدا أو غشا . التقينا في بداية السنة إخوة ونفترق في هذه الأيام إخوة كذلك بإذن الله .
عندئذ رفع تلميذٌ من نهاية القسم أصبعه وطلبني بالإشارة , فذهبت عنده فقال لي " يا أستاذ أتمنى أن تسمح لي من أجل أن أنبهك إلى ما نراه خطأ ارتكبته في حقنا – بعض تلاميذ القسم - في يوم من الأيام " . قلتُ له " وما ذاك ؟!" . قال " يمكن يا أستاذ أن أصعد على السبورة لأتكلم من هناك ؟!" , قلتُ له " تفضل " , فخرج وتحدث أمام القسم كله فقال " أنا يا أستاذ أتحدث الآن لا باسمي الخاص , ولكن باسم أغلب تلاميذ القسم ". ثم سكت هنيهة وأراد أن يواصل وهو متردد . قلت " قل ما شئت ولا تتحفظ , وكن على يقين أنني قابل منك كل ما تقول ما دمت ستقول الحق . إننا نحب أنفسنا , ولكن الحق بإذن الله أحب إلينا من أنفسنا " . قال " يا أستاذ أتذكر يوم ضربتَ مجموعة من التلاميذ , لأنهم تكاسلوا عن تأدية واجب منزلي ؟!" , قلت " نعم أنا أذكر ذلك جيدا " , قال " ضربتَ يومئذ 6 تلاميذ ولكنك لم تضرب السابع , مع أنه ارتكب نفس المخالفة . لقد غلبتك يا أستاذ عاطفتك في ذلك الوقت ولم تعمل بمقتضى العدل والعقل . يا أستاذ ما رأينا منك خلال السنة الدراسية إلا كل خير وبركة وإحسان , وأغلبيتنا نقول ونحن معتزون بما نقول بأنك بحق وعن جدارة واستحقاق أب عزيز جدا لكل واحد منا , ولكنك يا أستاذ في ذلك اليوم ضعفتَ فأعفيتَ من الضرب من لا يليق بك أن تعفيه . هذا على الأقل هو رأينا , والرأي في النهاية إليك أنتَ بعد أن تسمعَ منا " .
تسمرتُ في مكاني وتمنيتُ لو أن الأرض ابتلعتني ولكنني تماسكت ورفعت رأسي وقلتُ للتلميذ ولجميع تلاميذ القسم " وأنا أعترفُ بخطئي كل الاعتراف " . ناديتُ في الحين التلميذَ عبد الحليم " اصعد إلى السبورة " , فصعد التلميذ إلى السبورة ووقف أمامي وكله حياء وأدب وخلق وخجل . سألتُ التلميذَ المتكلم " ما رأيك . هل تأذن أن أضربه الآن كما ضربتُ الستة في يوم من الأيام ؟! . أنا أعتبر مجرد سكوتك إذنا لي بالضرب , وأما إن كنت ترفض أن أضربه فلا بد أن أسمع منك اعتراضا شفويا ".
وصدقوا إخواني إذا قلتُ لكم بأن التلميذ ما سكت وما تردد ولو لحظة واحدة في الجواب , بل قال لي بلهجة الواثق من نفسه والحازم والجاد والمتحدث باسم زملائه بحق , قال " لا يا أستاذ أبدا لن نوافقك على ضرب زميلنا عبد الحليم . أنتَ تحبه ونحن نحبه كذلك مثلك أو ربما أكثر منك , ولكننا فقط أردنا أن ننبهك إلى خطآ ارتكبته نتمنى أن لا ترتكبه مرة أخرى مع غيرنا , لأننا نحب لك أن تكون ما حييتَ قدوة طيبة لمن تعلمهم من أولادك وتلاميذك ". كدتُ أبكي من الفرح لحسنِ ما سمعتُ من التلميذ , ولمحبة التلاميذ لبعضهم البعض , ولكوني وجدتُ من ينصحني ويوجهني من أبنائي التلاميذ , فقلتُ للتلميذ " وأنا أعترف أمامكم الآن بأنكم قدمتم لي درسا في العدل وفي العاطفة التي لا يجوز تحكيمها إلا بشرط أن لا تناقض عدلا وعقلا , لقد قدمتم لي درسا لن أنساه بإذن الله ما حييتُ " . والله وحده أعلم بالصواب .