الثلاثاء، 15 سبتمبر 2009

وقفات مع ذكريات من 251 إلى 260

بسم الله
عبد الحميد رميته , الجزائر

251- طولُ لسان بنت عمرها 5 سنوات ! :

صادفتُ في حياتي أكثر من بنت صغيرة عمرها أقل من 6 سنوات , أي ما زالت لم تدخل المدرسة بعدُ , أريد أن ألاعبَ الواحدة منهن وألاطفها فتسبني وتشتمني وتبصقُ في وجهي ( أكرمكم الله ) , ويمكن أن تكون الفتاة قد تعلمت ذلك من البيت أو من الشارع . ويراها أبوها تفعل ذلك من بعيد فيجري خلفها ليضربها فأتوسل إليه أن لا يفعل , وأطلب منه أن يخلصها من هذا السوء في الأدب مع الإنسان عموما ومع الكبير خصوصا , أن يخلصها من ذلك بالتدريج لا في الحين , وبالتي هي أحسن قبل التي هي أخشن .
ولكن كما أن في هذه الدنيا شرا كبيرا فإن فيها الخير الكثير كذلك , وأتمنى أن يكون الخيرُ أكثر وأكثر من الشر , والصراع بين الحق والباطل ماض إلى يوم القيامة ولكن الغلبة في النهاية بإذن الله للخير , ولو كره من كرهَ .
ومن أمثلة هذا الخير طفلة صغيرة عمرها حوالي 4 سنوات ونصف , جميلة في المنظر وإن شاء الله حلوة في المخبر , تُحَبُّ بسهولة , ورأيـتُـها للمرة الأولى , حملني أبوها معها في سيارته ( اليوم 18/10/2008 م ) لينقلني من مكان إلى آخر داخل مدينة ميلة . وخلال تلك المسافة ولحوالي دقيقتين أو ثلاثة فقط جلستُ مع البنت جلسة طريفة وفيها عبرة وعظة .
قالت لي بداية " ضعني في (حِجرك ) يا عمي مادام المكان لا يتسع إلا لشخص واحد يجلس في مقدمة السيارة مع أبي " . قلتُ لها " سمعا وطاعة يا ابنتي " . كانت الفتاة تحمل في يديها علبتي حلوى "Gaufrettes " . ومع أن الأولاد الصغار تغلب عليهم في الصغر وفي الكثير من الأحيان , تغلب عليهم أنانيتُـهم فإن البنت أعطتني – بدون أن أطلب ذلك – إحدى العلبتين , وقالت لي " كلْ يا عمي , لا يليق بي أن آكل وحدي وأنت تنظر إلي بدون أن تشاركني في الأكل " , فرحتُ كثيرا بكلمتها وضممتها إلي وقلت لها " شكرا جزيلا لك " , فأجابت بصوت طيب ومبارك وحلو وجميل ورائع يخرج من القلب ويصل إلى القلب " العفو يا عمي " .
وبعد قليل عندما هممتُ بالنزول من السيارة لتكمل البنتُ الطريق مع أبيها , قالت لي " السلام عليكم ورحمة الله وبركاته " , فقلتُ " وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته " وانحنـيـتُ إليها لأقبلها , ثم نزلتُ من السيارة وهممتُ بالابتعاد عنها , فنادتني قبل أن يتحرك أبوها بالسيارة وقالت لي كلمة أفرحتني بها جدا وأضحكتني بها جدا خاصة وأنها تأتي من طفلة صغيرة عمرها لم يتجاوز ال 5 سنوات , قالت لي وبالدارجة الجزائرية " ما تنساش ( أي لا تنسَ ) سلِّم لي على مَـرْتَـكْ ( أي بلغ سلامي لزوجتك ) "!!!. اعتبرتُ كلمتها نكتة جميلة جدا ورائعة جدا خاصة وأنها واقعية وفيها من العبرة والعظة ما فيها . انحنـيتُ إليها مرة أخرى وقبلتها على جبهتها , وقلتُ لها أمام أبيها " ما شاء الله عليك , لا قوة إلا بالله , بارك الله فيك ". وعندما حكيتُ القصة لزوجتي في نفس الأمسية قالت لي " ما شاء الله , لا قوة إلا بالله , نعم هناك والحمد لله بنات حلوات تتكلم الواحدة منهن الكلام الحكيم والجميل والذي لا يقدر على قوله إلا الكبار " , فقلتُ لها " إن كان هذا آت من طول لسان – كما يقول بعضهم - فما أحسن طول اللسان إذا كان طويلا بجمال , وما أسوأ طول اللسان إن كان طولـه بقبح " .
نسأل الله أن يبارك لنا في أولادنا وبناتنا . اللهم هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما , آمين .

252 – من قال " لا أدري " فقد أجاب :

* قال ابن عباس " إذا ترك العالم لا أدري أصيبت مقاتله " .
* وقال ابن عمر " العلم ثلاثة : كتاب ناطق ، وسنة ماضية ، ولا أدري " .
* وقال ابن مسعود " من كان عنده علم فليقل به ، ومن لم يكن عنده علم فليقل : الله أعلم , فإن الله قال لنبيه : "قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ ".
* وقال عمر بن عبد العزيز " من قال : لا أدري فقد أَحرز نصفَ العلم " ، لأنَّ الذي له على نفسه هذه القوة قد دلَّنا على جودة التثبُّت ، وكثرة الطَّلب ، وقوة المُنَّة .
* وقال الهيثم بن جميل " شهدت مالك بن أنس سئل عن ثمان وأربعين مسألة ، فقال في اثنتين وثلاثين منها لا أدري " ، وسئل الإمام مالك مرة عن مسألة , فقال : لا أدري , فقيل له : إنها مسألة خفيفة سهلة ، فغضب وقال " ليس في العلم شيء خفيف ، أما سمعت قوله جل ثناؤه "إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلا ثَقِيلاً" , فالعلم كله ثقيل ، وبخاصة ما يُسأل عنه يوم القيامة " . وقال : إذا كان أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم - تصعب عليهم مسائل ، ولا يجيب أحد منهم في مسألة حتى يأخذ رأي صاحبه مع ما رُزقوا من السداد والتوفيق مع الطهارة , فكيف بنا الذين قد غطت الخطايا والذنوب قلوبنا " .
* وقال بعض العلماء : هلك من ترك " لا أدري" . * وقال أبو بكر الأثرم " سمعت أحمد بن حنبل يُـستفتى فيكثر أن يقول : لا أدري " .
* وذُكر لأبي حنيفة قول من قال " لا أدري نصف العلم " قال " فليقل مرتين لا أدري حتى يستكمل العلم" . والنصوص في ذلك كثيرة ، وآثار العلماء الربانيين شاهدة على اعتبار هذا الأصل والالتجاء إليه عند عدم القدرة والعلم .
وقول " لا أدري" عما لا ندري , أمر مطلوب ومحمود ومستحسن ومستحب , سواء صدر ذلك من العلماء أو من العامة أمثالنا نحن . ومن مصائبنا الكبيرة والعسيرة خاصة في ال 20 أو ال 30 سنة الأخيرة أن الكثير الكثير من الشباب المتدين في الجزائر وفي العالم كله , لا يجرؤ أبدا على أن يقول عما لا يدري " لا أدري " , فيقول بلا علم ويجيب بلا حجة ولا دليل ولا برهان , فيَضل ويُضل والعياذ بالله تعالى .
وأنا أذكر بالمناسبة كلاما أقوله لبعض الناس من سنوات يتعلق بتعاملي مع الرقية الشرعية . أنا أرقي في الغالب ولا أُشخصُ , لأن التشخيصَ صعبٌ في مسائل الرقية الشرعية وكذا في الطب النفسي أو العصبي , وأنا أريد أن أكون صادقا مع نفسي ومع الناس . وعندما أُسألُ " ما بالُ المريض ؟" أقول " لا أدري . أنا رقيته برقية شرعية , وأنا أترك الباقي على الله تعالى وحده . ستظهر حقيقة التشخيص بإذن الله وسيأتي الشفاء إن شاء الله في الدقائق أو الساعات أو الأيام أو الأسابيع القادمة . وحتى وإن كان التشخيص مهما إلا أن شفاء المريض عندي أهم من التشخيص الذي قد يكون صوابا أو خاطئا , وقد يكون مبنيا على علم ودليل أو مبنيا فقط على أوهام وشكوك".
يُقال لي " ولكنك تكثر من قول ( لا أدري) " , فأقول لهم " من قال لا أدري عما لا يدري فقد أجاب , ثم إن كلمة ( لا أدري ) تدل أحيانا على دقة زائدة و على علم لا على عدم دقة وجهل , كما يتصور بعضهم " . يقولون لي " كيف يكون هذا ؟!" , فأقول لهم " بسبب أنني حريص على أن لا أشخص المرض إلا انطلاقا من يقين , وعندما لا أدري حقيقة المرض لا أستحي أبدا أن أقول ( لا أدري ) , قلتُ : بسبب من ذلك فأنا ومع أنني رقيتُ آلاف وآلاف الأشخاص وشفي على يدي ناس ولم يُف على يدي آخرون لأن الشفاء بيد الله وحده , ومع ذلك فأنا أشهد صادقا وأنا أعتز كثيرا بما أشهد عليه , أنا أشهد بأنني ما قلتُ في يوم من الأيام لشخص مريض ( بك سحر أو عين أو جن وأنت تحتاج إلى رقية شرعية لا إلى طبيب ) ثم ظهر فيما بعد بأن المريض مصابٌ بمرض عضوي أو نفسي أو عصبي . لم يحدث هذا أبدا . وكذلك أنا ما قلتُ أبدا لشخص مريض
( مشكلتك عضوية أو نفسية أو عصبية , وأنت لا تحتاج إلى رقية شرعية ) , ثم تبين فيما بعد بأنه مصاب بسحر أو عين أو جن . لم يحدث هذا أبدا , مع أنني رقيتُ الكثيرين ولأكثر من 23 سنة من عمري ". أقول هذا مع أنني أرى وأسمع في المقابل أن الكثير من الرقاة الجهلة والسارقين خاصة عندنا في الجزائر , بسبب جهلهم من جهة وبسبب حرصهم على سرقة أموال الغير من جهة ثانية , هم يُـشخصون غالبا وهم مخطئون أو كاذبون غالبا .
نسأل الله أن يرزقنا الصدق والإخلاص والتواضع , وأن يعيننا على قول " لا أدري " بسهولة ويسر , حين لا ندري بالفعل .
والله وحده أعلم بالصواب .

253- " لقد كفرتُ بالله فقط " !!! :

في يوم من الأيام من عام 2008 م أردت أن أعبئ رصيدي في الهاتف النقال في محل خاص , فدخلتُ إليه . وأثناء تعبئة الرصيد دخل شاب عمره بين العشرين والثلاثين وهو يتحدث في الهاتف النقال مع شخص آخر . وفجأة سمعتُ أنا وصاحب المحل وآخرون كانوا معنا في المحل , سمعنا هذا الداخل الجديد يسب الله ويكفر به أثناء حديثه مع الآخر بكلمات سيئة جدا وقبيحة جدا يمكن أن يهتز لها عرش الرحمان غضبا .
أردتُ أن أكلمَـه وأطلب منه السكوت و... ولكن صاحب المحل سبقني , وقال لذلك الشاب " يا هذا لمَ تكفر بالله وتقول ما قلتَ ؟ّ! . ماذا لو كانت معنا هنا نساء ؟! وماذا لو كانت مع الواحد منا هنا ( والآن ) أخته أو أمه أو زوجته أو ابنته أو ... هل تقبل أن يقالَ ما قلتَه أنت الآن أمامنا ونحن مع نساء ؟!" , فأجاب الشابُّ " أنا ما فعلتُ شيئا , أنا كفرتُ بالله فقط .أقلقني بعض الناس فكفرتُ بالله , ولم أفعل لكم ولا أمامكم شيئا خطيرا يمكن أن أقلقكم به "!!!.
قلتُ عندئذ لكل واحد منهما :
ا- أما لصاحب المحل فقلتُ له " يا أخي الكريم الكلام البذيئ الفاحش وكذا الكفر بالله وسب الله وما شابه ذلك و ... وكذلك سماع ما لا يجوز والنظر لما لا يجوز و ... كل ذلك حرام سواء ارتُـكِب كلُّ ذلك أمام الرجال أو أمام النساء أو أمام الأطفال , أو ارتكب كل ذلك أمام الأهل أو غيرهم , أو فُعل ذلك أمام الناس أجمعين أو بين الشخص وبين نفسه , أو ارتكبَ ذلك فقط في الغابة مع الحيوانات فقط أو ..." .
ب- وأما للشخص الذي سب الله وكفر به وقال ما لا يجوز أن يُقال , فقلتُ له " يا هـذا إذا كفرتَ أنتَ بالله فما هي المعصية التي أبقيتها ولم ترتكبها ؟! هل هان اللهُ عندك إلى هذا الحد حتى أصبح الكفرُ به بسيطا ويسيرا إلى الحد الذي قلتَ لنا معه ( أنا كفرتُ بالله فقط ) !؟ . ثم كيف تكفر بالله الذي هو عندنا أغلى من كل غال وتكفر أمامنا , ثم تقول لنا
( أنا ما فعلتُ شيئا أقلقكم به , أنا كفرتُ بالله فقط ) !؟ . سُـبنا إن شئتَ ولكن لا تسبَّ الله , أكفرْ بنا إن أردتَ ولكن لا تكفر بالله . ثم ما دخل الله في مشاكلك مع الغير ؟! . حلَّ مشاكلَـك مع الغير بالطريقة المناسبة ولو وصل الأمر بك إلى أن تضربَ الغير , ولكن لا يجوز لك أبدا وأبدا وأبدا أن تسب الله تعالى وتكفر به . هذا حرام ثم حرام ثم حرام عليك مليون مرة وما لا نهاية من المرات . إن الذي تطلبُ منه حل مشاكلك وإسعادك دنيا وآخرة هو الله , وإن الذي كفرتَ به وسببتَـه هو الله , فكيف تكفر بالله وتسبه وبيده الخير كله وهو وحده على كل شيء قدير وهو وحده القادر على أن يحقق لك سعادة الدارين أو شقاء الدارين ؟!.
اللهم اغفر لي ولهذا وذاك وارحمنا جميعا .
اللهم أصلح أمور المسلمين أجمعين , ووفقنا جميعا لما فيه عزتنا في الدارين.
الإسلام منتصر بنا أو بغيرنا , نسأل الله أن ينصره بنا , آمين .

254- هل تدخل الحيوانات معنا الجنة ؟ :

من النكت الحقيقية التي من الصعب أن أنساها سؤالٌ طرحته علي تلميذة من التلميذات بالثانوية منذ حوالي 10 سنوات . طرحت علي - وهي تبكي بكاء مرا - سؤالا مفاجئا " يا أستاذ هل تدخل الحيوانات معنا الجنة أم لا !؟ " , قلتُ لها " لماذا السؤال ؟!" , قالت " لأنه كانت عندنا في البيت قطة صغيرة , وكنت أحبها جدا جدا جدا . وهذه القطة ماتت منذ أيام قليلة , وأنا حزينة جدا لفراقها , ومنه فأنا أطرح عليك السؤال الذي طرحته , لأنني أتمنى – إن كنتُ من أهل الجنة يوم القيامة – أن تكون قطتنا معي في الجنة "!!!.
ابتسمتُ وقلتُ لها " لن أجيبك يا هذه جوابا مباشرا على سؤالك , ولكنني أنبهك إلى ما هو أهم مما سألتِ عنه :
ا- إن الله ينشئ الناسَ يوم القيامة إنشاء جديدا يختلف تماما عن إنشاء الدنيا , ومنه فإن ما تحبينه في الدنيا ليس شرطا أن تبقي تحبينه في الآخرة , وما تكرهينه في الدنيا ليس شرطا أن تبقي تكرهينه في الآخرة .
ب- ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا بأن في الجنة " ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر " , ومنه فكوني متأكدة يا ابنتي بأنك – إن كنتِ من أهل الجنة في الآخرة – لن تتمني في الجنة أبدا شيئا إلا ويعطيه الله لك , فارتاحي واهنئي , ثم فكري في المقابل فيما يقربك ( من الأقوال والأفعال ) من الله ومن الجنة أكثر مما تفكرين في القطة وما له علاقة بالقطة ".
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك . اللهم اجعلنا جميعا من أهل الجنة , آمين .

255- يا ليت كل زوجين يحرصان على هذا كل الحرص ! :

ا- مهما تعلمنا في هذه الحياة الدنيا سواء من بطون الكتب أو من أفواه الغير مباشرة أو من تجارب الحياة الطويلة والعريضة , فلا يجوز لنا أبدا أن نقول " اكتفينا " , بل يجب أن يكون شعارنا دوما هو " قل رب زدني علما " .
ب- ومهما كنا نعرف أشياء معينة معرفة نظرية فلا قيمة لها إلا إذا التزمنا بها وعملنا بمقتضاها , وعندئذ يكون علمنا مصدر سعادة لنا في الدنيا وحجة لنا عند الله يوم القيامة , وإلا فإن علمنا سيكون نقمة علينا في الدنيا وحجة علينا يوم القيامة . سهلٌ جدا أن نعلم ولكن الخير كل الخير والصعوبة كل الصعوبة والأجر كل الأجر في أن نعمل بما نعلم .
جـ- ومهما كنتُ خبيرا إلى حد ما - ومنذ كنت صغيرا - في الكثير مما له صلة بالمرأة في الإسلام , ومع ذلك فإنني – والحمد لله - أتعلم في كل يوم الجديدَ من الكون ومن الحياة ومن الإنسان .
وعند ما يُـعلِّـمك الله شيئا جديدا ومفيدا , فإنك قد تتعلمه ممن هو أعلم منك , وقد تتعلمه من أشخاص بسطاء وعاديين ومغمورين . ومن هنا فإنني أشهد أنني ومنذ شهر سمعتُ من أحد الرجال ( جاءني بزوجته التي كانت منذ سنوات تلميذة عندي بالثانوية , جاءني بها لأرقيها ) ما أعجبني وأفرحني وسرني وتمنيتُ أن أعمل به وأن يعمل به كل زوجين اليوم وغدا وإلى يوم القيامة . قال لي هذا الأخ الفاضل وهو يتحدث عن علاقته بزوجته " أنا يا أستاذ اتفقتُ مع زوجتي – التي تزوجتُ بها منذ سنوات - منذ ليلة الدخول على شيئ ما زلنا أنا وإياها ملتزمين به حرفيا وحتى اليوم " , قلتُ " وما هو يرحمك الله ؟! " , قال " اتفقنا على أن ننهي أي خلاف يمكن أن يكون بيننا في النهار , أن ننهيه قبل النوم من كل ليلة : إما أن ترجع هي إلي أو أرجع أنا إليها , سواء كان رجوع الواحد منا للآخر باعتذار صريح ومباشر أو باعتذار غير مباشر ". قلتُ له " وأنتما ملتزمان بهذا إلى اليوم ؟! " , قال " نعم وحرفيا ومنذ دخولي على زوجتي وإلى اليوم . لم يحدث أبدا – ولو في ليلة واحدة - أن نمنا أنا وإياها ونحن مختلفان أو متهاجران " .
قلتُ له ولنفسي في نفس الوقت " هذا أمر رائع جدا , كم أتمنى أن يلتزم به كل زوجين مسلمين " .
صحيح أن هناك عوامل مساعدة على تحقيق هذا الأمر قد تتوفر لزوجين وقد لا تتوفر لزوجين آخرين , ومع ذلك فإنني أرى أنه مطلوبٌ من كل زوجين في الدنيا أن يتمنيا وأن يدعوا الله وأن يسعيا لتحقيق هذا الهدف الغالي جدا والرائع جدا والجميل جدا والعزيز جدا , والذي يتمثل في أن الزوجين لا ينامان أبدا إلا على وفاق .
اللهم بارك لكل زوج في زوجته واجمع بينهما في خير , آمين .

256- قال لي " لماذا لا تذكر الأدلة الشرعية على ما تقول في مواضيعك ؟!" :

قال : أخانا الكريم عبد الحميد : لو اتسع صدرك بكلمة من أخيك الصغير أتمنى إن تتقبلها .الحقيقة تابعت بعضا من مواضيعك ووجدت أن معظهما يتحدث عن أحكام إما بحلال أو حرام أو كراهة .فهلا يكون خير وأبقى إن شاء الرحمن لو نقحت هذه المواضيع بذكر آيات وأحاديث صحيحة مؤيدة .فحري بنا التكلم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم . ثم أنا أخبرك بمحبتي لك في الله .تقبل فائق احترامي .بارك الله فيكم ".
فأجبته بما يلي :
" أنا أعتبر أخي الكريم أن الكتاب والسنة أدلة العلماء , وأما أدلة العامة أمثالي فهي أقوال العلماء " اسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون " .ثم أنا لا أذكر الأدلة الشرعية في الكثير من الأحيان , فقط من أجل الاختصار على القارئ , لا لأن الأدلة الشرعية غير موجودة .ثم فرق بين من ينشر في المنتدى موضوعا ومن ينشر عشرات أو مئات المواضيع كما هو حالي .إنني أنشر الكثير في المنتدى , ومنه فإن الذي يقرأ لي 5 أو 10 أو 20 أو ... موضوعا سيتكون عنده بإذن الله تعالى نصيب لا بأس به من الثقة تجعله يقبل ما أقول وأنشر حتى ولو لم أذكر الأدلة الشرعية , وذلك انطلاقا من ثقته في أنني لا يمكن أن أقول قولا في الدين إلا وأنا آخذ على الأقل من عالم أو فقيه معتبر ( إن فرضنا بأنني لـم آخذ من عدد كبير من العلماء أو الفقهاء القدامى أو المعاصرين . ولا يمكن أبدا أن أقول في الدين برأيي أنا ,
هذا مستحيل ثم مستحيل .
ومع ذلك شكرا جزيلا لك أخي الكريم والعزيز . نتفق ونحن إخوة ونختلف ونحن إخوة كذلك . وأحبك الله الذي أحببتني من أجله وفيه " .

257- من الحالات العسيرة التي مرت بي في مجال الرقية :

في مجال التعامل مع المرضى الذين يريدون رقية شرعية أو استشارة نفسية بعد أن يئسوا من الطبيب الاختصاصي حالة شابة عمرها عشرون سنة تقريبا جاءتني مع أهلها من مدينة .... من حوالي عشر سنوات . أخبرتني أمها وكذا أبوها بأنها مصابة بجن ( وهكذا بدا لي بعد ذلك من خلال الرقية ) وأنها تخرج من البيت متى شاءت وتدخل متى شاءت بغير وعي منها , وأنها تتكلم مع نفسها وتقول مع الغير ما يصلح وما لا يصلح , وتسمع ما لا يسمعه الغير , وترى ما لا يراه الغير ,كما تعاني من صداع دائم وقلق متواصل بدون سبب وعصبية مبالغ فيها لم تتعود عليها من قبل ومن أرق وأحلام مزعجة وثقل زائد في كامل أجزاء الجسد في كل صباح , و... خسر أهلها من أجل طلب شفائها أكثر من 20 مليون سنتيما خلال أكثر من سنة مع الأطباء والرقاة والمشعوذين في الكثير من ولايات الوطن , ولكن الفتـاة لم تُشفَ . رقيتها وحدي للمرة الأولى والثانية ثم استعنت في مرة ثالثة بأخ من الإخوة في ميلة ثم رقيتها مرة رابعة وحدي . وفي المرة الرابعة أرادت أن تضربني وأباها بزجاجة ماء كسرتها وبسكين أخذتهما من داخل المطبخ في بيتي . أخرجناها من البيت بالقوة وهي تقول كلاما بذيئا وفاحشا بصوت مرتفع أمام الجيران فاضطررت لضربها ضربا خفيفا فخدشتني وأحدثت في يدي جرحا لم يندمل إلا بعد أسابيع . وعندما أوصلناها إلى السيارة التي أتت فيها ربطناها هناك بالقوة وأرجعها أهلها إلى بيتها بمدينة ... . أرجعها أهلها إلي في مرة أظن أنها الخامسة حيث رقيتها ثم رجعت إلى ... حيث اتصلت بي أمها بعد أيام عن طريق الهاتف مخبرة إياي ( وهي فرحة جدا ) بشفاء ابنتها وقالت لي بأن ابنتها تريد أن تكلمني عن طريق الهاتف فأكدت لي ابنتها بأنها شفيت بالفعل وشكرتني واعتذرت إلي عما بدر منها من إرادة لاستعمال القوة في بيتي ومن كلام فاحش وهي غير واعية ولا مالكة للسلطة على نفسها , والحمد لله على الصحة والعافية والأمن والأمان والسلم والسلام .

258- لهذا كرهتُ تعدد الزوجات ( لنفسي لا كأمر شرعه الإسلام ) وكرهتُ جمال المرأة الزائد !!! :

الرجل مفطور على حب المرأة وعلى حب المرأة الجميلة , وإن كان الشرعُ يطلب منه أن يقدم الدين على الجمال حين يريد الزواج .
وأغلبية الرجال في الدنيا كلها ومنذ أن خلق الله آدم وإلى اليوم , عند الواحد منهم ميل إلى تعدد الزوجات .
الرجلُ يميل ويرغب في تعدد الزوجات , ولكنه لا يـعدد لأسباب كثيرة تمنعه من ذلك . وإلا فلو أن الإمكانيات المادية متوفرة عنده والسكن لكل زوجة متوفر عنده والقدرة على الإنفاق على كل زوجة متوفرة عنده والاستعداد للعدل متوفر عنده و ... ولو كانت العادات والتقاليد تسمح بذلك وكان للمرأة الاستعداد الكلي لذلك و ... لو توفر كل ذلك للرجل فإن أغلبية الرجال في كل زمان ومكان ( وأنا واحدٌ منهم ) سيُـعددون .
ومع هذا الذي قلتُ في هذه المقدمة فإنني أحكي الآن حكاية أو قصة واقعية لي صلة بها .
وقبل أن أحكي ما أريد أن أقصه , أنبه إلى أنه لن يفهم ما أقول في هذه الوقفة , لن يفهم ما أقول وكما ينبغي إلا امرأة وخاصة المرأة المتزوجة . وأما الرجل فحتى وإن فهم علي ما أقول , فإن فهمه لهذه المسألة التي أريد أن أؤكد عليها , يمكن جدا أن يكون فهما ناقصا .
كان يا مكان , لا في قديم الزمان ولا في سالف العصر والأوان , ولكن خلال السنوات الأولى من القرن ال
21 م , وفي ولاية من ولايات الوطن الكبير والغالي ( الجزائر ) استشارني رجل أعرفه من بعيد – مظهره متدين - من أجل أن أدله على زوجة المستقبل , فنصحته بالدين أولا , ولكنه قال لي بأنه متعلق زيادة بالجمال الأخاذ والخارق , مع أنه يدعي أنه يريد الزواج على كتاب الله وسنة ورسوله , ويريد أن يبني بزواجه أسرة مسلمة (!).
قلتُ له " الله خلق الرجلَ متعلقا فطرة بالجمال المتوسط , وهو الجمال المتوفر في أغلبية نساء الدنيا في كل زمان ومكان . وأما خارقة الجمال فإن الرجال عموما لا يطلبونها , ومنه فإن هذا الجمال الأخاذ لا يوجد إلا عند النادرات أو القليلات جدا من النساء . وخارقة الجمال فيها خير ولكن فيها شر أخافه جدا عليك يا هذا , لأنها قد تجلب لك الغيرة الزائدة ويمكن جدا أن تتكبر عليك بجمالها " .
وهذا الرجل ( كما حكى لي من يعرفه ) ينظر إلى المرأة بشكل عام على اعتبار أنها مخلوق من طينة سفلى ودنيا وأنها خلقت فقط لإمتاع الرجل ثم إمتاعه , وأن الرجل سيدها ومولاها . حاولتُ وحاولتُ أن أقنعه بأن هذا التفكير جاهلي وأنه مناقض لبديهيات ديننا ولما هو معلوم من الدين بالضرورة , ومع ذلك لم يقبل مني إلا حياء مني فقط .
والرجل كأنه اندفع – في الأيام المقبلة من بعد حديثي معه - تحت تأثير نصيحتي له ( التي لم يقتنع بها ) اندفع فطلب للزواج امرأة متدينة ومتوسطة الجمال وتزوجها خلال حوالي شهر فقط .
ولكن الذي خفتُ منه وقع , ومنه فإن الرجل ومنذ الأسابيع الأولى من زواجه يكلم زوجته عن الجميلات جدا ويتحسر أمامها لأنه لم يسعد بالزواج من خارقة جمال , والرجل يحكي لزوجته باستمرار عن فلانة الرائعة الجمال التي عرفها في يوم من الأيام ولم تتح له الفرصة للزواج منها , وكذلك هو يحكي لها دوما عن فلـتانة رائعة الجمال التي تمنت في يوم ما أن تتزوج به هو ولكن الظروف لم تسعفه على هذا الزواج . والرجل أصبح يردد على مسامع زوجته لسنوات عدة " خسارة لأنني تزوجتُ بكِ أنت وأنت غير جميلة . يا ليتني تزوجتُ بخارقة جمال تسعدني وأسعدها . يا ليت أمي لم تلدني حتى لا أتزوج بكِ أنتِ أو بأية امرأة مثلكِ . واضيعة العمر الذي يولي وأنا متزوج بغير جميلة الجميلات ورائعة من الرائعات. الدنيا لا تساوي شيئا بدون العيش مع جميلة و" باهية " و " زينة ". الدنيا لا طعم ولا لون ولا رائحة لها إلا مع بديعة الجمال التي تُـنسيني هموم الدنيا كلها . آه على شعـر المرأة الـ... والعينين ... والأنف ... والشفتين ... و ... آه ثم آه ثم آه !!! ".
المرأة – فطرة – كل امرأة تكره أن يقارنها الرجل بامرأة أخرى ليشير إلى أن الأخرى أفضل منها في أي شيء . المرأة تكره وتبغض ذلك حتى ولو لم يقل لها الرجل ذلك أو لم يفعل معها ذلك إلا مرة واحدة فقط .
فماذا نقول عن هذه المرأة المسكينة التي سمعت هذه المقارنة من زوجها وسمعت نقده لجمالها الناقص (في نظره هو) وتحسره على أنه لم يتزوج بخارقة جمال , سمعتْ منه هذا الكلام خلال سنوات قليلة مئات أو آلاف المرات. وأحيانا هو يعيد على مسامعها هذا الكلام في اليوم الواحد لمرات عديدة , وقد تُـفطر عليه هذه الزوجة وتتغذى عليه وتتعشى عليه , بل قد يكون هذا الكلام هو آخر كلام تسمعه من زوجها في الليل قبل أن تغمض عينها وتنام , ثم يكون هو أول كلام تسمعه منه عندما تستيقظ في صباح اليوم الموالي !!!.
الرجل يقارن زوجته بالغير ويهددها كذلك بالتزوج عليها بجميلة الجميلات على اعتبار أن الكثير من رائعات الجمال تتمنين الزواج منه هو . وأذكر أنني كلمـتُـه أكثر من مرة بأن الله لن يبارك له في زواج بثانية ما دام لم يعدل مع الأولى أو لم يحسن إلى الأولى ولم يؤد واجباته اتجاهها , ثم أكدتُ له بأن الرجل الذي يتزوج بثانية من أجل الجمال أولا لن يزيده الله إلا ذلا وهوانا . ولا يمكن أن يسعد الرجل بهذا الزواج بأي حال من الأحوال . كلمته أكثر من مرة ولكن لا حياة لمن تنادي .
نصحت المرأةُ زوجَـها واحتجت وأدخلت بعض الصالحين فيما بينها وبين زوجها , وأدخلتني لأنصح زوجها وأدخلت حكما من أهله وحكما من أهلها و ... فلم تفد كل هذه الوسائل في إرجاع الزوج إلى صوابه حتى يحسن معاملته لزوجته ويستغني بها عن غيرها من النساء ويكف عن مقارنتها بالغير ويرضى بما قسم الله له ويحبب نفسه في زوجته , ويعلم بأن دينَ الزوجة هو أفضلُ له دنيا وآخرة من الجمال , وأن الجمال المتوسط لزوجته هو أفضلُ وأطيب لهُ مليون مرة من الجمال الخارق و ...
وبكت الزوجة لزوجها وتوسلت إليه وتضرعت إليه ورجته من أجل أن يرحمها , ولكن قد يستجيب الحجر ولكن زوجها لم يستجب .
مرت سنوات على زواج الرجل من هذه المرأة : مرت على المرأة جحيما لا يطاق , ليس فيها أية مودة ولا رحمة ولا سكن ولا ... ثم طلقها أخيرا .
ولكن الحكاية لم تنته بالطلاق , لأن الرجل وبعد طلاقه لزوجته بمدة اتصل بها وطلب منها – مستغلا ضعفها وضعف أية امرأة لا تريد أن تكون مطلقة حتى لا تكون ثقيلة على أهلها وحتى لا ينظر إليها المجتمع نظرة خاصة تؤذيها وتسيء إليها – أن ترجع إليه بعقد ومهر جديدين , ولكن بشرطين لا بد منهما .
قالت له " وما هما الشرطان ؟! " .
ولأن الرجل رأى بأن مطلقته متدينة ولا تريد الطلاق وتريد أن ترجع إلى زوجها مهما كان ظالما لها وتريد أن تقابل السيئة منه بحسنات , وتريد أن ترجع إلى زوجها ولو بدون أن تشترط عليه أي شرط ( مع أنه من حقها أن تشترط عليه أو يشترط عليه أهلها , لأنه هو الظالم لزوجته وليست هي الظالمة ) .
قلتُ : لأن الرجل رأى ضعفَ زوجته وتدينها وطيبَ معدنها , قال لها بخبث واضح وتشفي :
* " الشرط الأول هو أن تدعيني – بعد أن أُرجعَـك إلي - أفعل ما أشاء من أجل أن أمتع نفسي بالنساء : أتتبع عورات النساء في الطريق أو في غيرها , وأتفرج من خلال التلفزيون والفيديو والأنترنت و ... على ما أشاء من الأفلام الإباحية ... وأحكي وأضحك مع النساء في كل مكان كما أشاء أنا , وليس من حقك أنتِ أبدا أن تعترضي علي لأنني مغرم جدا بجمال النساء الجميلات , وهذا أمر أنت تعرفينه عني جيدا "!!!.
* * " وأما الشرط الثاني فهو أن تذهبي أنتِ ( لا أنا ) لتطلبي لي امرأة جميلة جدا للزواج مني .
عليك أنت أن تقنعيها أولا حتى توافق على الزواج مني , ثم أذهب أنا لأخطبها من أهلها . " دَبْـرِي راسَـكْ
( أي عليك أن تبذلي المستحيل من أجل تحقيق ما طلبتُه منك ) : ابحثي أولا عن جميلة جدا ثم أقنعيها أنتِ حتى توافق على زواجها مني " .
ثم قال لها " تقبلين بالشرطين , أهلا وسهلا وسأرجعكِ عندئذ إلي بالزواج منك ثانية , وإلا فستبقين مطلقة بإذن الله إلى الأبد "!!!.
استشارتني المرأة في هذا الأمر فكلمـتُـها طويلا , وخلاصة ما قلـتُـه لها " لا ثم لا ثم لا . لا يليق أبدا أن تقبلي بأي شرط من شرطيه . هو الظالم وأنتِ التي يجوز لك أن تشترطي عليه . وحتى إن تنازلتِ فإن أقصى ما يمكن أن تتنازلي عنه هو " نرجع يا رجل إلى بعضنا البعض , ولا يشترط أحدنا شيئا على الآخر , أي نرجع بدون شروط مسبقة " .
" وأما أن يشترط عليكِ الشرط الأول الحرام , والشرط الثاني المذل والمهين والمخزي و ... فهذا الذي لا أقبله أبدا أبدا أبدا لابنتي أو لأختي أو لأية امرأة مسلمة في الدنيا كلها أحبُّ لها خير الدنيا والآخرة ".
بعد أن وقع ما وقع لهذه المرأة وبعد أن أعطيتها رأيي في مشكلتها , ونتيجة كل هذا التعلق الظالم من هذا الرجل بالجمال وبتعدد الزوجات , مضت علي أيام وأيام أحسستُ فيها ( ولقد أخبرتُ زوجتي بذلك ) بكراهية عجيبة لجمال المرأة ولتعدد الزوجات ( لنفسي لا كحكم شرعه الإسلام ) . من كثرة ما سمعتُ ورأيتُ من هذا الرجل ما يشبه العبادة للجمال الخارق ولتعدد الزوجات كرهتُ كلا من تعدد الزوجات ومن جمال المرأة الزائد والأخاذ . ولا داعي بطبيعة الحال إلى أن أذكر بأنها كانت كراهية مؤقتة بطبيعة الحال , لأنني بعد أيام رجعتُ إلى طبيعتي وطبيعة أغلبية الرجال : الطبيعة العادية المعتدلة , وأما ما عند هذا الرجل فأمرٌ غريبٌ وعجيبٌ لم أر مثله في حياتي قط , وأتمنى أن لا أراه أو أسمع بمثله أبدا في أي واحد من بني جنسي فيما تبقى لي من العمر .
ثم أقول : أنا رجل ولي مشاعر وأحاسيس الرجال وعواطف الرجال وعقل كسائر عقول الرجال وعندي خشونة الرجال و ... , ومنه فأنا يمكن أن أتعصب أحيانا للرجال بسبب أنني رجل يتعصب لبني جنسه .
ولكنني أؤكد على أن تعصبي هو بإذن الله للحق قبل أن يكون لبني جنسي . ومنه فإنني أقول " ما أكثر الذكور في دنيا الناس ولكن ما أقل الرجال . الإحسان الزائد والمبالغ فيه إلى المرأة إلى درجة أن يصبح الرجلُ مغلوبا من طرف زوجته تُسيِّـره كما تشاء كأنه خاتم في إصبعها , هذا أمر سيئ جدا وبشع للغاية , ولكن ظلمَ الرجل للمرأة والتعدي عليها والإساءة إليها وإهانتها وإذلالها أمر أسوأ وأقبح وأبشع خاصة إن صدر من طرف رجل يظلم المرأة ويهينها باسم الدين , يعتدي عليها ويذلها بسم الله .
- ما أسوأ أن يعتبر الرجلُ بأنه هو الأفضل عند الله والناس لا لشيء إلا لأنه رجل !!!.
- ما أبشع أن يتعلق الرجل بجمال المرأة الزائد إلى درجة يكاد معها يعبد الجمالَ ويسجد للمرأة خارقة الجمال من دون الله تعالى والعياذ بالله !!!.
- ما أقبح أن يطلبَ الرجلُ الاستمتاع بنساء أخريات بالحرام وزوجته الطيبة المباركة الحلال أمامه !!!.
- ما أسوأ أن يبحث الرجل عن الزواج بامرأة ثانية وهو لم يقدر أو لم يُـرِد أن يعطي للزوجة الواحدة حقوقها الكاملة عليه !!!.
- ما أبشع أن لا يترجل الرجل على الفساق والفجار والضالين والمنحرفين من الرجال ثم لا يترجل إلا على زوجته الضعيفة المسكينة التي أوصانا به الله والرسول عليه الصلاة والسلام خيرا !!!.
- ما أقبح أن يستغل الرجل قوته أو حاجة المرأة إليه ليهينها ويذلها ولا يتقي الله فيها !!!.
- ما أسوأ وأقبح وأبشع أن لا يجد الرجل من يظهر قوته معه إلا مع المرأة الضعيفة العاجزة والقاصرة !!!.
إذا كانت هذه هي الرجولة يا رجل ويا زوج فبئست الرجولة هي وبئس الزوج أنتَ .
والحمد لله على أن الرجال ليسوا كلهم من هذا النوع , بل إنني أتمنى على الله أن لا تكون الأغلبية الساحقة من الرجال من هذا النوع . الحمد لله ثم الحمد لله ثم الحمد لله رب العالمين .
أسأل الله الهداية لهذا الرجل وأمثاله , وأسأل الله الفرج لهذه المرأة والمخرج الحسن لها مما هي فيه .
اللهم اهدنا واهد نساءنا ورجالنا جميعا إلى صراطك المستقيم , آمين .

259- قال " لأول مرة أعرف أن قوي الإيمان يمكن أن يصاب بوسواس !" :

عندما تكلمتُ في يوم من الأيام مع مجموعة أشخاص عن الشك وعن الوسواس , حيث قلتُ من ضمن ما قلتُ أن الوسواس أو الشك لا يصيب فقط ضعيف الإيمان أو البعيد عن الله , بل يمكن أن يصيبَِ حتى قوي الإيمان والقريب من الله , بل يصيب حتى العالم المسلم أحيانا ".
قال لي أحدهم " لأول مرة في حياتي أسمع أن قوي الإيمان أو العالم يمكن أن يصاب بالمرض النفسي مثل الشك أو الوسواس "!.
فقلتُ له " أخي الفاضل : هذا الذي قلته أنتَ الآن هو نعمة من أعظم نعم الله علينا , سواء درينا أم لا وسواء علمنا واعترفنا بذلك وشكرنا الله على ذلك أم لم نعلم ولم نعترف ولم نشكر .
إن الله قال لنبيه محمد عليه الصلاة والسلام " قل رب زدني علما " , ومنه فـ:
1- مطلوب منا شرعا أن نتعلم دوما المزيد من شؤون الدنيا أو من مسائل الدين .
2- مطلوب منا أن نسعى باستمرار لأن يكون رصيدنا مما يعلمنا الله , أن يكون في زيادة في كل يوم , حتى يكون هذا الرصيد من العلم على الدوام : في الغد أفضل وأكبر وأعظم من الرصيد اليوم .
3- مطلوب منا دوما أن نتعلم المزيد والجديد لله أولا ثم من أجل أنفسنا ومن أجل غيرنا دنيا وآخرة .
4- مطلوب منا أن نحرص دوما على أن نتعلم في كل يوم المزيدَ مهما كان قليلا .
5- مطلوب منا أن نزداد علما ما حيينا , سواء بالتعلم من فم عالم أو داعية أو خبير أو ... من كتاب أو مجلة أو جريدة أو شريط أو قرص أو من الأنترنت أو التلفزيون أو الفيديو أو ... أو من تجارب الحياة ودروسها الطويلة والعريضة .
وما زال الإنسان المسلم بخير ما دام يتعلم في كل يوم المزيد , وعندئذ وعندئذ فقط , أي بالمزيد من العلم ( بعد الإيمان بالله تعالى ) يكون المؤمن حيا في الحياة الدنيا الحياة الحقيقية , وإلا – إذا لم يتعلم المزيد أو إذا نَـقُص علمُـه بطريقة أو بأخرى - فبطن الأرض عندئذ أولى له من ظهرها .
وأنتَ أخي الكريم ما زلتَ بخير ما دمتَ " في كل يوم تجد أشياء أو أمورا أو مسائل تسمع بها أو تراها أو تقرأها لأول مرة " , ونتمنى من الله أن يعلمنا وإياك المزيد المزيد مما فيه خيرنا وسعادتنا في الدارين , آمين .
ملاحظة : موضوع الشك والوسواس الذي يمكن أن يصيب قوي الإيمان أو حتى العالم المسلم , فإنني لم أرد توضيحه هنا لأنني أوضحته في بعض مواضيعي عن الرقية الشرعية المنشورة في المنتدى .ولكنني هنا في موضوعي هذا أردتُ فقط أن أعلق على قول القائل " لأول مرة أعرف ..." وأن أؤكد على أمر مهم وعلى مسألة مهمة , وهي أن من نعم الله علينا العظيمة في الحياة أن نتعلم في كل يوم الجديد الذي لم نكن نعلمه من قبل , فنفيد بذلك ونستفيد بإذن الله دنيا وآخرة , وكذا نسعد في حياتنا , ويكون لنا الأجر الأكبر عند الله تعالى , ونعيش على هذه الأرض أحياء بحق عقلا وقلبا وروحا وجسدا و ... وأما من لا يتعلم في كل يوم المزيد من شؤون دينه أو دنياه , فيمكن اعتباره ميتا في صورة حي .
أتمنى أن تكون الصورة قد اتضحت , وأن يكون غرضي من وراء موضوعي هذا قد استبان .
260- رفضتُـها في القسم بسبب لباسها الفاضح ! :

أيام قليلة قبل هذه الحادثة التي أريد أن أقصها هنا , قال لي السيد مدير الثانوية التي أعمل بها " والله يا أستاذ لو أطبق القانون المدرسي على تلميذات الثانوية لطردتُ نصفهن بسبب هيئاتهن ولباسهن المخالف للقانون , ولكنني لم أفعل ذلك فقط خوفا من أن أُتَّـهَم بأنني إرهابـي !!!.
منذ حوالي 10 سنوات ( حوالي سنة ... وفي شهر أفريل , أي قبل نهاية السنة الدراسية بحوالي شهر ) دخلتْ عندي إلى القسم تلميذة من التلميذات بالثانوية التي أُدرِّس بها مادة العلوم الفيزيائية منذ 1978 م , دخلتْ إلى القسم بلباس فاضح ( لباس يكشف كل الساقين , والجزء العلوي من الفستان القصير به شِـقٌّ يجعل جزء لا بأس به من فخذي التلميذة مكشوفا عندما تجلس التلميذة في مكانها على الكرسي ) .
عندما رأيتُ التلميذة داخلة بهذا اللباس الفاضح , قلتُ لنفسي" سأنبهها في نهاية الحصة , حتى لا ترجع إلى القسم بهذا اللباس مرة أخرى " , ولكن وقع أثناء الحصة أن التلميذة عندما جلستْ في مكانها وضعتْ رجلا على رجل , فأصبحت مساحةُ المكشوف من فخذيها أكبر وأكبر , ولاحظتُ أن بعضَ التلاميذ الذكور أصبح الواحدُ منهم بعين واحدة مع التلميذة وبالعين الأخرى مع الدرس في السبورة , أو أن بعض عقل الواحد منهم كان معي ولكن أكثر العقل كان مع التفرج على عورة التلميذة .
عندئذ عزمتُ على إخراج التلميذة من القسم فورا .
ملاحظة : لقد نبهتُ التلميذات من قبل مرات ومرات إلى اللباس الذي يحبه الله لهن وكذا الذي يسمحُ به القانون , واستجابت أغلبية التلميذات للبس الحجاب الشرعي , ولم تستجب الأقلية منهن ولكنهن كن مع ذلك يلبسن لباسا محتشما مقبولا قانونا حتى وإن كان مرفوضا شرعا , وأصرتْ هذه التلميذة بالذات ومن دون سائر التلميذات على العناد و " تخشان الراس" , بحيث لا تريد أن تلبس لباسا يوجبه الشرع ولا لباسا يفرضه القانون المدرسي .
طلبتُ من التلميذة أن تخرجَ من القسم في الحين وأن لا تعود إليه في حصة أخرى إلا وهي مرتدية للباس محتشم . حاولتْ أن تعترضَ ولكنني ألححتُ عليها أن تخرج . خرجت التلميذةُ غاضبة , وفي الغد رجعتْ إلى القسم بنفس اللباس , فطلبتُ منها أن تخرج للمرة الثانية من القسم , ولكنني قلتُ لها في هذه المرة " لن أقبلك في القسم في أي يوم من الأيام إلا وأنت بلباس محتشم . وإن تدخلتْ الإدارةُ لصالحك أنتِ فإنني سأتوقفُ عن تدريس القسم كله , وليكن ما سيكون حتى ولو توقفتُ عن التدريس نهائيا بسببك أنتِ . والله يا فلانة ( إن بقيتِ بلباس مثل هذا ) إما أنا الذي أبقى مع هذا القسم بدونك أنتِ , وإما أنتِ التي تبقين معه ولكن بدوني أنا . والله لن يظلنا - من اليوم فصاعدا - قسمٌ أكون فيه أنا وأنت سويا . هذا مستحيل بإذن الله تعالى " . أخرجتُ التلميذة من القسم , ولكنها وهي خارجة من الثانوية التقت بشخص من الإدارة (هو الوحيد في الثانوية الذي يكرهني , بسبب تديني ) فسألها عن سبب خروجها من القسم فأخبرته بالخبر . لو ذكرتْ له إسما لأي أستاذ آخر بالثانوية ما اعترض ولكنها لما ذكرتْ له " الأستاذ رميته " فرح وكأنه وقع على صيد ثمين .
جاء بها إلى القسم وناداني وطلب مني أن أُرجعها إلى القسم , فرفضتُ . قال لي " اتركها اليوم في القسم , وستغير لباسَـها في الغد " , قلتُ له " لقد حذرتها بالأمس فما استجابت بل إنها أصرت واستكبرت " . قال لي " سترجعُ إلى القسم الآن شئتَ أنتَ أم أبيتَ " قلتُ له " لن ترجع بإذن الله " . عندئذ قال لها " ادخلي إلى القسم ولا تلتفتي إلى ما يقوله لك الأستاذ رميته "!!! .
دخلت التلميذةُ إلى القسم ودخلتُ معها لآخذ أنا محفظتي وأودع التلاميذ قائلا لهم " من اليوم فصاعدا : إما أنا وإما زميلتكم " !. خرجتُ من القسم , وسمعتُ فيما بعد أن التلاميذ – وبعد خروجي مباشرة – قالوا لزميلتهم
" إما أنتِ وإما نحن . ستخلعين لباسَـك هذا خلال يوم أو يومين , وإلا سنـتركك في القسم وحدك " .
في الغد استدعاني السيد " الإداري الذي يكرهني , والذي أصر على إدخال التلميذة إلى القسم بدون إذني وبالرغم عني " إلى الإدارة , حيث وجدتُ عنده ولي التلميذة ( وهو الولي الوحيد الذي سبني من بين آلاف الأولياء الذين عرفـتُـهم خلال 30 سنة من التعليم , حيث أن جميعهم – والحمد لله - يعتبرونني أبا عزيزا ثانيا لولد أو بنت كل واحد منهم ) .
سألني الولي " لماذا أخرجتَ التلميذةَ من القسم ؟!" , فقلتُ له " السبب هو كذا " , وأضفتُ قائلا " يا فلان أنا فعلتُ ما فعلتُ مع التلميذة – مهما قسوتُ معها – كما يفعل الأبُ مع ابنته . أنا حريصٌ على شرفها وحيائها وأدبها وأخلاقها كما أحرص على ذلك عند ابنتي . أتساهلُ معها وأنا أحبها , وأتشددُ معها وأنا أحبها ذلك ".
ولكنني فوجئتُ بالولي يقول لي ما لم أسمعه من غيره من قبل " أنا ملحدٌ , وأنت لا يجوز لك أن تتدخل في دين التلميذة ولا في لباسها !!!. إذا أرادت التلميذةُ أن تلبس " الميني جيبmini-jupe " , فلا دخل لكَ أنتَ في لباسها أبدا . أنت أستاذ علوم فيزيائية , فما دخلُـك أنتَ في الدين وفي لباس التلميذات ؟!. وإذا أرادت التلميذةُ أن تدخل إلى القسم عارية تماما وكيوم ولدتها أمها , ما دخلك أنتَ ... "!!!. تحدثَ وتكلمَ بكلام مثل هذا لمدة حوالي 10 دقائق , تكلم بكلام لا يقوله حتى أولاد الشارع , وحتى الفساق والفجار والضالون والمنحرفون , بل لا يقوله حتى الكافر الحر الذي له بعض الضمير وبعض " النيف " . وكعادتي مع من يسيء إلي ضبطتُ أعصابي وتركـته حتى انتهى من كلامه , ثم قلتُ له " سامحك الله وهداك إلى صراطه المستقيم , ولكنني أقول لك فقط كلمة واحدة ثقيلة ولكنها حقيقية : لا يقول الذي قلته أنتَ لي الآن , لا يقوله أي رجل حر سواء كان مسلما أو كافرا . الرجل الحر مهما لم يغر على نساء الغير ولكنه يغار على نساء أهله هو . ثم أنا مُـرَب قبل أن أكون مُـعلما , وأنا والله أحببتُ وما زلتُ أحبُّ لابنتك خير الدنيا والآخرة مهما غضبتَ أنتَ مني وقلتَ لي ما لا يجوز أن يقول واحد من البشر". والغريب أن التلميذة كانت أمام وليها وهو يسبني ويشتمني , ولم تحرك ساكنا , وكان الأولى بها أن تقول لوليها " هذا يبقى أستاذي , وهو عوض أبي . أنت أبي الأول وأستاذي هو أبي الثاني. قسا معي الأستاذُ , ولكنه مع ذلك يبقى عوض أبي , ومنه فأنا لا أقبل أبدا أن يُسب ولو من طرف أبي خاصة إن حدث ذلك أمامي ". بقيت التلميذةُ تتفرج على أبيها وهو يسب ويشتم وكأنها تتشفي في !!!.
بعدما قال لي الولي ما قال , وبعد وقوف التلاميذ أمام ذلك موقف المتفرج , أخبرتُ الإدارةَ بأنني لن أقبلَ بعد اليوم , لن أقبل تلك التلميذة في قسمي حتى تنتهي السنة الدراسية . حاولت التلميذةُ ووليها – بعد كل الذي وقع - أن تبقى التلميذةُ في قسمي , ولكنني رفضتُ وأصررتُ على الرفضِ .
اضطرت الإدارةُ لأن تعقد اجتماعا خاصا بهذه التلميذة , وتم الاتفاقُ في نهاية الاجتماع على أن تُـحوَّل التلميذةُ إلى قسم آخر تكمل من خلاله السنة الدراسية.
وفي العام المقبل حاولت التلميذةُ ووليها من أجل أن تدرسَ التلميذة عندي , ولكن الإدارة رفضت ذلك , لأنني أخبرتُ الإدارةَ – مسبقا - بأنني لن أقبلَ أبدا تدريس أي قسم تدرسُ فيه هذه التلميذة .
-------
وبعد سنوات من هذه الحادثة سمعتُ أن تلك التلميذة هداها الله إلى لبس الحجاب وتابت إلى الله واستقام مرها والحمد لله رب العالمين , أسأل الله لها خير الدنيا والآخرة وسامح الله وليها وهداه إلى السبيل الحق , آمين .
قال لي أخ كريم تعليقا على قصتي مع هذه التلميذة " لست أرى في الطرد حلا ...إذا اعتبرنا أن ما فعلته الفتاة مشكلة . لقد تغيير الجيل وتغيرت مفاهيم كثيرة وأصبحت حرية اللباس من الأمور التي تسعى إليها الفتاة العصرية في مفهوم البعض . ..هي ترى أنها تملك الحرية الكاملة في ارتداء ما يحلو لها وأنها ليست مسؤولة عن نظرة الآخرين لها , وأن هذا يدخل في مفهوم الحرية الشخصية التي كفلها لها الدستور (!!!)... هي لديها قناعة تامة فيما تفعله , وعندما تعامل بأسلوب الطرد والنفي , فهي سوف ترى في هذا دكتاتورية ورجعية وتخلفا (!!!) . وسوف تتحول عندئذ من متهمة إلى شهيدة , وسوف تحارِبُ وتصم الأذنَ عن السماع لأنه قد تم مصادرة حريتها حتى وان كانت في ثوب قصير (!!!) ...الحوار والنقاش معها كان أفضل , واللين في التعامل كان هو المطلوب , والصبر ثم الصبر . أين نحن من نبي الله نوح عليه السلام : أخذ يدعو قومه 950 سنة إلى التوحيد.لا بد من تغيير طرق الدعوة والنصح , وذلك لأن الأساليب القديمة لم تعد تنفع في الوقت الحالي(!)".
فأجبته بقولي :
بارك الله فيك وجزاك الله خيرا ونفع الله بك . نتفق ونحن إخوة ونختلف ونحن إخوة كذلك .أولا : قلت " فهي سوف ترى في تشددك معها هذا دكتاتورية ورجعية وتخلف" .والجواب : ا- نحن نحاول أن نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر ونطبق حدود الله في حدود ما يسمح به القانون وفي حدود استطاعتنا , ثم لا علينا بعد ذلك مما يقوله الناس عنا . رضا الله هو الغاية والأساس , وأما رضا الناس فغاية لا تدرك كما هو معلوم . ب - ثم إن التلميذة لم تقل بأنني كنتُ معها رجعيا ومتخلفا ودكتاتوريا , بدليل أنها اليوم بعد أن تابت ولبست الحجاب وتزوجت , هي - والحمد لله - لا تذكرني إلا بالخير , وهي نفسها تقول بأنني كنتُ محقا فيما فعلتُه معها , وأن ذلك الموقف مني أثر فيما بعد تأثيرا طيبا على مجريات حياتها .ثانيا : قلت " وسوف تتحول - بسبب تشددك معها - من متهمة إلى شهيدة " .وأنا أقول لك بأنها لم تتحول أبدا من متهمة إلى شهيدة , بل حتى أهلها أنكروا وبشدة عليها عنادها كما أنكروا على وليها دفاعه عنها وسبه لأستاذها . لم تتحول التلميذةُ إلى بطلة حتى عند أقرب الناس إليها , وأما البعيدون عنها فإنهم أنكروا عليها بقوة وبشدة عنادها واستهتارها وقلة حيائها .ثالثا : قلت " الحوار والنقاش معها كان أفضل , وكذا اللين في التعامل معها والصبر ثم الصبر" .وأنا أقول لك : ا- لقد نصحتُ ووجهتُ طويلا , وصبرتُ طويلا قبل تلك الحادثة , ولا ننسى أن آخر الدواء الكي , وإن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن . ومن لم تنفعها النصيحة والتوجيه والصبر لم يبق صالحا لها إلا القوة والشدة والعنف . ب- هذا مع ملاحظة أن كل تساهل معها كان يمكن جدا أن يشجع غيرها على السير في طريقها المائع المنحل .
رابعا : قلت " أين نحن من نبي الله نوح عليه السلام : أخذ يدعو قومه 950 سنة إلى التوحيد ؟! " .
وأنا أقول لك بأن سيدنا نوحا عليه وعلى رسولنا محمد الصلاة والسلام كان يدعو بالدرجة الأولى كفارا ليدخلوا في دين الله : الإسلام . وأما هذه التلميذة فإنها مسلمة مؤمنة , ومع ذلك هي متمردة على شرع الله وأحكامه وحدوده وآدابه وأخلاقه . ولو كانت تاركة للصلاة ربما قال قائل بأنها تسيء إلى نفسها فقط بترك الصلاة , ولكنها بتبرجها وعريها هي لا تسيء إلى نفسها فقط بل هي تسيء وتعتدي وتظلم كلَّ رجل يقع بصرُه عليها , ومنه فإن الاستشهادَ بدعوة سيدنا نوح عليه الصلاة والسلام هو – في رأيي- استشهاد هنا في غير محله . خامسا : قلت " لابد من تغيير طرق الدعوة والنصح . الأساليب القديمة لم تعد تنفع في الوقت الحالي " .وأنا أقول لك بأن هذه هي أساليب قديمة وجديدة في نفس الوقت , ولقد نفعت والحمد لله وستبقى تنفع , بدليل أن الأغلبية الساحقة من أهل الثانوية وافقوني في موقفي من التلميذة وتشددي معها , ثم إن التلميذة ذهب زمان وجاء زمان ثم تابت وأنابت , وعرفت أنها كانت مندفعة وراء مراهقة قوية , وأنها كانت عنيدة في الباطل , وأنها الآن نادمة تماما على كل ما صدر منها اتجاه أستاذها أستاذ العلوم الفيزيائية الذي طردها من القسم في يوم من الأيام بسبب لباسها الفاضح .والله وحده أعلم بالصواب .
وفي النهاية أنا أذكر هنا بعض العبر والدروس البسيطة التي يمكن أن تستنبط مما حكيتُ :
1- الأستاذ يجب أن يكون مربيا قبل أن يكون معلما , ولا قيمة كبيرة لتعليم بدون تربية .
2- ما أبعد الفرق بين من يتعامل مع التلميذ على اعتبار أنه ابنه , ومن يتعامل مع التدريس فقط على اعتبار أنه وسيلة لكسب ربح وأجر دنيوي أكبر .
3- حجاب التلميذة أو على الأقل لباسها المحتشم مهم جدا للتلميذة ولمجموع التلاميذ وللتعليم والتربية ولكل المنظومة التربوية . ولا يجوز أبدا أن يعتبر لباس التلميذة أمرا ثانويا لا قيمة له .
4- من أراد أن يدعو إلى الله تعالى وأن يجاهد في سبيل الله لا بد أن يكون مستعدا لأن يصاب بالكثير من الأذى يناله من أصدقاء أو من خصوم . وأما أن يطلبَ المؤمنُ البطولةَ والشرف والعظمة والأجرَ الكبير من الله وسعادةَ الدارين وهو يرفض أن يؤذى في سبيل ذلك , فهو بذلك كمن يزرع في واد أو ينفخ في رماد .
5- عندما تحرص على إرضاء الله فإن البعض من الناس قد يغضبون عليك في وقت من الأوقات ولكنهم سيحترمونك حتما في أعماق أنفسهم , وسيرضون عنك بإذن الله ولو بعد حين . ومنه فإنني أقول بأن تلك التلميذة هي الآن واليوم لا تُكِـنُّ لي إلا كلَّ احترام وتقدير , وأما وليها فإنه إذا صادفني في طريق فإنه يطأطئ رأسه – والحمد لله - خجلا وحياء من سوء ما فعل معي في يوم من الأيام ومنذ حوالي 10 سنوات .
والله وحده الموفق والهادي لما فيه الخير .

وقـفـات مع ذكريات من 311 إلى 315

بسم الله
عبد الحميد رميته , الجزائر

311- ظن أنني رقيته في مقابل ماء يشتريه لي ! :
منذ حوالي 20 سنة تقريبا قبل اليوم , رقيتُ شخصا , وعندما انتهيتُ من الرقية أراد أن يعطيني أجرا ( مال ) فرفضتُ بقوة على اعتبار أنني لم آخذ ولن آخذ بإذن الله أي أجر على الرقية الشرعية في أي يوم من الأيام , سواء سمي ذلك أجرا أم سمي هدية أم ...
ألح علي من أجل أن أقبض الأجر , فرفضتُ وأصررتُ على الرفض .
وبعد أيام من هذه الرقية الشرعية كان هذا الشخص ذاهبا إلى مدينة معينة عبر سيارته الخاصة , فطلبتُ منه أن يأتيني بكمية من الماء المعدني ( حوالي 20 لترا ) . غاب الرجل يومين أو ثلاثة , ولما رجع استقبلته وطلبتُ منه أن يعطيني الماء الذي طلبته منه .
وهذا الرجل يكمل الحكاية بنفسه , لأنه هو الذي حكاها لبعض الناس ( كان من ضمنهم أحد إخوتي ) , وأنا لم أكن منتبها إلى أشياء هو انتبه إليها , ولم أعرف تفاصيل القصة إلا عن طريق أخي وآخرين معه .
قال الرجل لمن حكى لهم هذه القصة " أنا فهمتُ من الشيخ عبد الحميد أنه طلب مني الماء كأجر غير مباشر على الرقية الشرعية , فقلت في نفسي : كيف يقبل الشيخ عبد الحميد أن ينزل إلى هذا المستوى , حيث يرفض الأجرَ اليوم ويقبله غدا , أو يرفضُ الأجرَ المباشر ويقبل الأجرَ غيرَ المباشر , أو يرفضُ الأجرَ باليد اليمنى ثم يقبضه بعـد ذلك وببرودة باليد اليسرى أو ؟؟؟! ... ولكنني عندما أردت أن أُنـزل الماء من السيارة لأعطيه للشيخ عبد الحميد استوقفني وقال لي :
- لا تعطني الماء حتى تقبض الأجر . ما هو ثمن كمية الماء ؟!.
- لا داعي لأن تعطيني شيئا .
- لا بل أعطيك أجرك كاملا غير منقوص , ولن آخذ قطرة ماء حتى تقبض أجرك قبل ذلك .
حاولتُ وحاولتُ مع الشيخ عبد الحميد لأثنيه عن عزمه ولكنه أصر على أنه لن يأخذ مني شيئا ما لم أقبض أنا الأجر كاملا على كمية الماء , وقال لي في النهاية " لو لم أرقك منذ أيام كان يمكن أن أقبل هديتك , ولكن بعد أن رقيتك فإنني لن أقبل منك هدية لأنني أخاف أن تكون الهدية أجرا غيرَ مباشر على الرقية , وأنا لا أريد أن أقبض أي أجر على الرقية ما حييتُ بإذن الله ".
وختم الرجل حكايته لمن حكاها لهم , بقوله " قبضتُ من الشيخ المبلغ المالي وأعطيته كمية الماء ... وعندئذ عرفتُ بأنني أسأتُ الظن بالشيخ , حين دخلني شك بأنه يأخذ أجرا غير مباشر على الرقية الشرعية ".
والحمد لله رب العالمين.

312 - من مظاهر إيذاء الجار للجار :

وظلمه والتعدي عليه والإساءة إليه : دق الباب عليه بقوة وعنف . وأذكر بالمناسبة أن رجلا – من حوالي 15 سنة – جاءني ( أثناء غيابي عن داري ) إلى بيتي من أجل رقية شرعية فدق الباب الخارجي لداري بعنف حتى كاد يكسرها . كلمته زوجتي من وراء الباب " الشيخ عبد الحميد ليس بالبيت ", فزاد دقه وعنفه ضد الباب , وقال عندئذ ما اعتبرته فيما بعد نكتة , ولكنها مؤلمة للأسف الشديد , قال " لماذا لا يكون الشيخ في البيت ؟!. لا بد أن يبقى في البيت باستمرار حتى يجده من يطلبه متى طلبه "!!!. يقول هذا الكلام وكأن الرقية هي شغلي الوحيد , وكأنها هي مصدر رزقي مع أنني لا آخذ على الرقية أي مال أبدا , وكأنه ممنوع علي أن أخرج من بيتي أبدا , ولله في خلقه شؤون والناس هم دوما أشكال وألوان .

313- " ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه , وإنهم لكاذبون ":
قال لي أخ فاضل وكريم من الإخوة , قال لي في الأيام الماضية , ونحن راجعون من بيت أستاذ زميل لنا مات منذ أيام قبل ذلك اليوم . قال لي " أنا أجد صعوبة في فهم كيف يمكن أن يوجد عباد في الدنيا كلها ينطبق عليهم قول الله تعالى " ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه , وإنهم لكاذبون " . كيف يمكن أن يرى أشخاصٌ عذابَ الله تعالى أمامهم يوم القيامة , يرونهم جزاء معدا لمن كفر أو عصى أو تكبر وتجبر , ومع ذلك إن أعادهم الله إلى الدنيا فإنهم سيعودون إلى ما كانوا عليه من قبل , أي يعودون إلى بطر الحق وغمط الناس , أو إلى الكفر أو الشرك أو النفاق , أو إلى التعدي والظلم والإساءة أو ... كيف يمكن أن يكون ذلك ؟!".
فرددتُ عليه بكلام طويل منه ما يلي :
1- هناك صعوبة في فهم هذا من جهة ولكن هناك سهولة في فهمه من جهة أخرى .
2- الآيات الواردة في هذا الموضوع هي " ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المومنين . بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل , ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون " .
3- ما قاله الله وما قاله رسول الله لا يمكن أن يتناقض مع علم صحيح أو مع عقل سليم , ولكن قد لا يدرك العقلُ بعضَـه , وذلك لأن هناك فرقا واضحا وكبيرا بين ما يتناقض مع العقل وما لا يدركه العقل .
4- حلاوة الدنيا ومتاعها الزائل تعمي الناس أحيانا وتصدهم عن معرفة الحق أو اتباعه .
5- يجب أن نسلم بأن كل ما قاله الله صحيح وبأن كل ما قاله رسول الله عليه الصلاة والسلام سليم , ثم بعد ذلك لا بأس أن نحاول أن نفهم ما قال الله ورسوله أو نفهم العلل والحكم والأسباب و ... وأما أن يقول الواحد منا " لا أسلم بشيء من الدين إلا بعد اقتناعي به " , فهذا شأن الكفار وليس شأن المسلمين المؤمنين .
6- سهل جدا أن نفهم كيف أن الإنسان يمكن أن يعود إلى معصية الله من جديد إن أتيحت له الفرصة للعودة إلى الحياة الدنيا مرة أخرى , بدليل أن الناس يرون الموت أمامهم في كل يوم , وبعضهم يرى أباه وأمه وأخاه وأخته وابنه وابنته و ... يموتون أمامه , ومع ذلك هو بعد الدفن ( أو قبله ) مباشرة , هو راجع إلى الدنيا وإلى مبارزة الله بالمعاصي والذنوب والآثام وكأنه لم ير الموت أمامه قبل قليل فقط .
وهذا أمر ملاحظ ومشاهد في كل حين وآن .
7- سهل جدا أن نفهم كيف أن الإنسان يمكن أن يعود إلى معصية الله سبحانه من جديد إن أتيحت له الفرصة للعودة إلى الحياة الدنيا مرة أخرى , كما قال الله تعالى " ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه , وإنهم لكاذبون " , بدليل أن هناك الكثيرين من الناس يبلغ الواحد منهم ال 70 أو ال 80 أو ال 90 من عمره وهو ما زال مصرا على مبارزة الله بالكبائر بالليل والنهار ومع سبق الإصرار والترصد .
وأذكر هنا وبهذه المناسبة رجلا ( نفرض أن اسمه خالد ) عمره حوالي 50 سنة له زوجة وأولاد , جاءني منذ حوالي عامين مع أبيه ( عمره حوالي 85 سنة ) . جاءني خالد من أجل أبيه الذي يقضي في كل أسبوع حوالي 3 أيام في دار امرأة مطلقة يزني بها وكأنها زوجته , وبقية ال 4 أيـام يقضيها أبو خالد مع أهله وكأن شيئا لم يحدث .
طلب مني خالد أن أرقي أباه لعله مسحور من طرف هذه العاهرة , ولكن وبعد أن حكيتُ مع أبيه وسمعت منه ثم رقيته عرفتُ أن أمره لا علاقة له بالسحر لا من قريب ولا من بعيد , وإنما هي شهواته وأهواؤه وشيطانه التي تركها تستولي عليه إلى درجة أنه أصبح كالمجنون – والعياذ بالله - وهو ليس مجنونا .
أفهمتُ خالدا بأن أباه يحتاج لمن ينصحه لا لمن يرقيه , وأنه هو محتاج إلى إرادة قوية وإلى عزيمة جبارة من طرفه هو من أجل التغلب على نفسه والتوقف في الحين عن الزنا . نصحتُ الأبَ بما يناسب خلال حوالي 45 دقيقة , ثم أوصيتُ خالدا بجملة نصائح يمكن أن يتبعها مع أبيه لإعانته على الشيطان والنفس والهوى .
ولكن وللأسف : بعد بضعة أسابيع اتصل بي خالد عن طريق الهاتف وأخبرني بأن أباه ما زال على حاله من الفسق والفجور والعصيان , وما زال على الزنا بالمرأة المطلـقـة لأيام عدة في كل أسبوع يسافر من أجلها حوالي 75 كيلومترا , وما زال الرجل الهرم يبارز الله بالمعاصي وهو شيخ اقترب عمره من ال 90 سنة , وهو شيخ أصبح قاب قوسين أو أدنى من القبر والموت .
أسأل الله لي ولأهل المنتدى جميعا حسن الخاتمة .
اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين , آمين .

314- عندما هددني تلميذ بالضرب بسبب أنني منعته من الغش !:

أول أمس مساء ( 10 جوان 2009 م ) كنتُ أحرس تلاميذ قسم من الأقسام في امتحان البكالوريا . وكما قلتُ من قبل وفي الشهور الماضية فإن مستوى التعليم في بلادنا ( سلوكا واجتهادا ) هو في انحدار رهيب , والأسباب متعددة ومتنوعة , والمسؤوليات كثيرة ومتداخلة .
وهذا الذي وقع لي يوم الأربعاء الماضي مع تلميذ من التلاميذ هو مثال بسيط ضمن آلاف الأمثلة على هذا الانحطاط في مستوى التعليم في بلادنا الجزائر خاصة .
وأنا أراقب تلاميذ القسم ( من الثالثة مساء إلى السادسة مساء ) لاحظتُ بأن تلميذا ينظر من طاولته القريبة من طاولة من هو أمامه , كان ينظر إلى ورقة زميله الذي يجلس أمامه وينقل منها ما يريد أو يتيسر له أن ينقل . طلبتُ من التلميذ برفق أن يؤخر طاولته قليلا إلى الوراء , وقد كان بإمكاني – قانونيا - أن آخذ منه أوراق الإجابة وأكتب به تقريرا بتهمة الغش , وسيحرم عندئذ من المشاركة في امتحان البكالوريا لمدة خمس سنوات مقبلة .
سألني " لماذا أؤخر طاولتي ؟!" .
قلتُ له " هكذا ... أو حتى لا يُـقلق أحدُكما – أنت وزميلك – الآخرَ ".
قال " لن أتأخر إلى الوراء ".
قلت له " بل ستفعل " .
غضب وأخذ أوراق إجابته وأرجعها إلى الحراس الخمسة وأراد أن ينصرف مع أنه في الساعة الأولى من وقت الامتحان . قلتُ له " أنا لم أطلب منك مغادرة القاعة ولكنني فقط طلبتُ منك سحب طاولتك قليلا إلى الخلف ".
بدأ يرفع صوته بالكلام والاحتجاج حتى شوش على زملائه داخل القاعة وفي القاعات المجاورة .
قلت له " يا هذا ارجع إلى الوراء وأكمل امتحانك ... ثم لا بأس أن نكمل المناقشة أنا وإياك بعد الامتحان وأمام القاعة في هدوء وراحة واطمئنان ".
قال لي عندئذ بلهجة وقحة جدا فيها من سوء الأدب وقلة التربية ما فيها " لا حديث لي معك داخل المؤسسة , وإنما سأنتظرك على الساعة السادسة أمام المؤسسة , وسترى ما سأفعل بك "!!!.
قلت له " ما دامت الأمور وصلت إلى هذا الحد , انتظر هنا ولا تخرج حتى أنادي السيد رئيس المركز ليكمل حديثه معك ".
ناديتُ رئيس المركز وأخبرته بما حدث وشهد على ذلك كثيرون كانوا حاضرين هناك .
قال له السيد رئيس المركز عندئذ كلاما طويلا لمدة حوالي 5 دقائق , وكان مما قاله له ما يلي :
1- كلامك مع الأستاذ رميته وقاحة وليس جرأة ولا شجاعة أبدا .
2- إذا أردت أن تكون جريئا وشجاعا فكن في أدبك وسلوكك واجتهادك في الدراسة لا في التعدي على أبيك وأستاذك ومن هو أكبر منك .
3- الأستاذ رميته عبد الحميد الذي كنت تهدده هو أستاذنا وشيخنا وإمامنا , وقد أقبل منك أن تسبني أنا ولكنني لا أقبل منك أبدا أن تسبه هو .
4- الأستاذ رميته الذي كنت تهدده بالضرب هو سيدك وأستاذك وأبوك في نفس الوقت , وأنت بتهديدك له كأنك تهدد أباك أو أمك . لا أدري إن كنت تفهم ما أقوله لك الآن أم لا " ؟!.
أراد التلميذ أن يقول شيئا ليبرر به وقاحته فقاطعه السيد رئيس المركز " لا كلام لك معي الآن . اغرب عن وجهي , وإلا إذا عدت لما قلته للأستاذ مرة أخرى سأطردك من الامتحان نهائيا , ولن تجني في النهاية إلا على نفسك ".
وعندما أراد الانصراف من مركز الامتحان كلمه أحد الإخوة الزملاء من أمانة البكالوريا قائلا " والله يا ولدي لو أردت أن تمس الأستاذ بأي سوء , فإنني أؤكد لك بأنك لن تصل إليه إلا بعد أن تضربَ أو يضربَـكَ حوالي 100 شخصا : حوالي 75 أستاذا حارسا وحوالي 10 أشخاص من الأمانة وحوالي 15 شخصا من الشرطة ورجال الأمن . كل هؤلاء سيقفون لك بالمرصاد بينك وبين الأستاذ رميته , ولن تصل إلى الأستاذ إلا بعد أن تقضي عليهم جميعا أو بعد أن يقضوا عليك أنتَ . إذا فكرتَ في أن تضرب أي أستاذ وبالأخص الأستاذ رميته فاحسب لما قلتُ لك حسابه . ومنه فإذا اعتبرتَ نفسك قادرا على أن تؤذي الأستاذ فأنت واهم ثم واهم .
ثم يا ليتك تكن شجاعا في أدبك وأخلاقك ودراستك عوض أن تكون وقحا . سوء الأدب يقدر عليه كل الناس , وأما حسن الأدب والخلق والحياء والدين فلا يقدر عليه إلا القليل من الناس" .
ثم في النهاية أقول :
1- من أراد العظمة في الدنيا قبل الآخرة لا بد أن يكون مستعدا للتضحية بماله وجهده ووقته و ... وحياته .
ولا ننسى أن بعض التلاميذ قتلوا أساتذتَـهم أخيرا في الجزائر لا لشيء إلا لأن الأستاذ منع التلميذ من الغش .
2- من أراد أن يحبه الناسُ لا بد أن يحب هو الناسَ أولا .
3- التلميذ الذي يهدد أستاذا بالضرب لا يحترمه أحد ولو كانوا أهله وعشيرته . قد يدافع أهله عنه حمية ولكنهم لن يحترموه أبدا , بل هو نفسه لا يمكن أن يحترم نفسه أبدا أبدا أبدا .
والله وحده أعلم بالصواب , وهو وحده الموفق والهادي لما فيه الخير .

315- من أجل خروج سافر لنساء مع عروس تزوج بها أحد أقاربي :

أنا مقتنع كل الاقتناع بجملة مسائل أعتبرها كأنها بديهيات منها :
1- أن أغلب بدع ومحرمات الأعراس سببها نساء , ومعهن رجال تخلوا عن قوامتهم على نسائهم .
2- أن المرأة كما تحترم المحسن إليها هي تحترم كذلك وربما أكثر الحازم والجاد معها , وأما الضعيف مع المرأة فلن تحترمه امرأة أبدا .
3- رضا الناس غاية لا تدرك , والله وحده أحق أن يُـرضى .
4- كن صاحب مبدأ أنت مستعد للتضحية من أجله بالغالي والرخيص من وقتك وجهدك ومالك , يحبك الله ثم الناس . وأما إن لم تكن صاحبَ مبدأ وكانت الدنيا أكبرَ همك ومبلغَ علمك ثم طلبتَ بعد ذلك محبةَ الله ثم الناس فاعلم أنك واهم وكن على يقين من ذلك .
وأذكر بالمناسبة أنني دعيتُ ( منذ حوالي 20 سنة ) أنا وزوجتي للحضور في عرس لأحد أقاربي . وكما كان يحصل في بعض الأعراس كلفني قريبي المتزوج ( صاحب العرس ) بمراعاة الشرع والحلال والسنة خلال العرس وسط الرجال , وطلب مني أن أكلف زوجتي بنفس المهمة وسط النساء . وكان هذا التكليف لي ولزوجتي يتم في بعض الأعراس . وبسبب من ذلك وقبل ذلك وبعد ذلك بتوفيق من الله تعالى وحده , كان العرس يمر والحمد لله على أحسن حال وكما يحب الله ورسوله إلى حد كبير وبعيد . يتم العرس على أحسن حال إذا قبلَ الحاضرون إلى العرس بمسؤوليتنا أنا وزوجتي على مسائل الحلال والحرام والبدعة والسنة و.... وهذا هو الذي كان يحصل دوما وباستمرار , إلا في هذا العرس الذي أردتُ أن أذكر الآن حكايتَـه وخبره . في هذا العرس أوصى الزوجُ أهلَـه بالسمع والطاعة لي ولزوجتي ولكنـهم في آخر المطاف غلبتهم نفوسهم وأهواؤهم وتحكيم العادات والتقاليد البالية فرفضوا في وقت من الأوقات – ولو بأدب – رفضوا الانصياع لأوامري .
أنا مع الرجال وزوجتي مع النساء , أوصينا أهل العرس بجملة وصايا منها وجوب التخلص من بعض المحرمات والبدع التي تقع كثيرا في مناسبات الأفراح والأعراس . ومن هذه المحرمات تبرج النساء اللواتي يصاحبن العروسَ عند خروجها من دار أهلها وهي متوجهة إلى دار زوجها . أكدت لأهل العرس مرات عدة بأنني لن أقبل مع العروس عندما تخرج من بيت أهلها وحتى تصل إلى بيت أهلها , لن أقبل إلا بنساء محتشمات ( بحجاب أو ملاية أو ... ) , وأما المتبرجة فلن أسمح لها أبدا أن تخرج مع العروس .
ذهبتُ يوم الخميس مساء مع زوجتي ومع حوالي 50 شخصا ( نساء ورجالا ) إلى دار العروس حيث مكثـنا هناك حوالي ساعتين , ثم أمرتُ أهلَ العروس بإخراج العروس .
وبعد حوالي ربع ساعة نادتني زوجتي وفالت لي " هناك متبرجات من أهل العروس تردن الخروج مع العروس . ومع أنني أخبرتهن بأن هذا أمر مرفوض وبأن زوجي سيعترض عليكن حتما , ومع ذلك هن مصرات على الخروج متبرجات". طلبتُ عندئذ من صاحب السيارة الأولى ( ضمن حوالي 25 سيارة ) أن يتوقف وأن لا يتحرك حتى أرجع المتبرجات من أهل العروس إلى بيت العروس , إما من أجل أن يغيرن لباسهن أو يُـغـيَّـرن بنساء أخريات ملتزمات باللباس الإسلامي وبالحجاب أو الملاية أو ...
دار حوار طويل وعريض في دار العروس ثم كلموا البعضَ من أهل العريس الذين اتصلوا بي وقالوا لي " يا شيخ عبد الحميد , رجاء لا تعمل لنا مشكلة مع أهل العروس . معك حق 100 % , ولكن الأفضل أن لا نحدث مشكلة وأن لا نغضب أهل العروس " .
قلت لهم " لقد أوصاكم العريسُ بالسمع والطاعة وبالتزام الحلال والسنة في كامل العرس ... والله أحق أن يُـرضى ... تأكدوا أن العروس وأهلها لن يحترموا في النهاية إلا من أطاع الله وحاول إرضاءه , وأما من أرضاهم في سخط الله فلن يحترموه أبدا ... " .
ولكنهم أجابوا " كلُّ ما قلته يا عبد الحميد صحيح وصواب , وأنت عندنا عزيز جدا , ونحن نعلم بأن العريس أوصانا بالسمع والطاعة لك , ولكن رجاء سلم لأهل العروس في هذا المرة فقط ... " .
ابتسمتُ وقلت لهم " هذه نكتة ... أنتم تحترموني ولكنكم لا تسمعون كلامي , هذا أمر مضحك للغاية ".
أعطيتهم مهـلة لحوالي 5 دقائق , ولما أصروا على الخضوع لأهل العروس وللمتبرجات , ناديتُ زوجتي أمام أكثر من 200 شخصا من أهل العروس والعريس , وتحركتُ معها على أرجلنا لحوالي 1 كيلومتر حيث أخذنا سيارة أجرة واتجهنا لوحدنا من خلال طريق آخر نحو دار العريس التي تبعد عن دار العروس بحوالي 7 كيلومترا .
وبعد وصول موكب العرس الماجن والمائع والمنحل والسافر , وبعد أن سمع العريسُ بخبر ما وقع لام ووبخ وعاتب أهلَـه الرجال بشدة , ثم جاء واعتذر إلي بسبب خذلان أهله لي , ثم جاء أهله واعتذروا إلي .
قلتُ لهم " هذا هو الذي يقع في كثير من الأحيان المشابهة : ترضون المخلوق ثم تندمون بسرعة , تعصون الخالق ثم تندمون بسرعة وهكذا ... ما قيمة اعتذاركم إلي الآن ؟!. الله أحق أن تتوبوا إليه ... ما الذي بقي لكم من معصيتكم لله ؟!. ألم تعلموا أن كل معصية لذيذة ولكن لذتها تزول ويبقى عقابها , وأن كل طاعة متعبة ولكن تعبها يزول ويبقى ثوابها ... ثم أتظنون بأن المتبرجات اللواتي حاولتم إرضاءهن سيحترمنكم , إن هذا مستحيل . ثم أتظنون بأن أهل العروس يحترمونكم بسبب ما فعلتم , هذا مستحيل ... يا ليتكم تعلمون بأن الراحة والهناء والساعة لن تحصلوا عليها إلا بطاعة الله وحده , ولن يحبكم الناس الحب الحقيقي إلا إذا أطعتم الله فيهم ..." . فسكتوا وطأطأوا رؤوسهم معترفين ضمنيا بسوء ما فعلوا .
اللهم أصلح أحوالنا وغلبنا على أنفسنا وعلى الشيطان .

وقفات مع ذكريات من 301 إلى 310

بسم الله
عبد الحميد رميته , الجزائر
:
301- قال لي " لا يجوز الدعاء لبوش وأوباما ونتنياهو وأمثالهم بالهداية " :
وقال كذلك " لا يجوز الدعاء بالهداية لحكام المسلمين الظلمة والمعتدين والفاسقين و ( الكافرين ) . هم في النار حتما , وإن فرضنا بأن واحدا منهم دخل الجنة فأنا أتمنى لنفسي النار عندئذ " .
فقلتُ له :
1- كفار مكة حاربوا رسول الله عليه الصلاة والسلام : حربا شعواء طويلة وعريضة , انطلاقا من بغضهم له ولله وللدين وللحق وللعدل و ... وأتيحت له الفرص الكثيرة ليدعو عليهم فيستجيب الله له بإذنه تعالى , وعرض عليه الملَـك أن يُـطبق عليهم الجبلين فرفض رسولُ الله صلى الله عليه وسلم واختار الدعاء لهم , وأتيحت له الفرصة في فـتح مكة أن يقـتلهم عن آخرهم , ومع ذلك فإنه لم يفعل بـل قال " اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون " و " إذهبوا فأنتم الطلقاء " و قال الله له " فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك , فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر " وقال الله عنه " لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عندتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم، فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم".
2- عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان جبارا في الجاهلية : ومع ذلك ما قال رسول الله بأنه لا يصلح له إلا انتقام الله منه , بل كان يدعو الله بأن ينصر الإسلام ويُـعزه بأحد العمرين ( اللهم أعز الإسلام بأحد العُمرين ) , و هما عمر بن الخطاب أو عمرو بن هشام . إن عمر بن الخطاب كان جبارا في الجاهلية , ومع ذلك دعا رسولُ الله اللهَ عزوجل بأن يهديه ويُعز الإسلامَ والمسلمين به . والله استجاب لدعائه فهدى عمر الذي أصبح عظيما من عظماء الإسلام . وعندما أسلم عمر فرح رسول الله والمسلمون بذلك فرحا شديدا مع أن بأسه كان شديدا على المسلمين قبل إسلامه رضي الله عنه .
وأما الرجل الثاني " عمرو بن هشام " الذي هو أبو جهل , والذي هو من هو في عداوته للإسلام والمسلمين , والذي كان فرعونا من الفراعنة الكبار الظالمين الفاسدين في عصره , ومع ذلك دعا رسول الله اللهَ عزوجل أن يهدي ويُعز الإسلامَ بأحد رجلين : هو أو عمر بن الخطاب . وعندما دعا رسولُ الله اللهَ عزوجل أن يهدي أحدهما وأن يُعـز الإسلام به كان كل من الرجلين كافرا , بل كان جبارا في الكفر .
3- خالد بن الوليد رضي الله عنه حارب الإسلام والمسلمين لسنين طويلة : وكان بأسه على المسلمين شديدا جدا , ومع ذلك لم يتمن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبدا أن ينتقم الله منه بل كان يتمنى باستمرار له الهداية والإسلام والحق والخير , وعندما هداه الله إلى الإسلام فرح بإسلامه فرحا شديدا , وسماه " سيف الله " . عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : " نزلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلاً فجعل الناس يمرون فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا ؟ , فأقول : فلان , حتى مر خالد , فقال : من هذا ؟ , قلت : خالد بن الوليد , فقال : نِعْمَ عبد الله , هذا سيفٌ من سيوف الله " رواه الطبراني في الكبير وابن سعد في الطبقات والحاكم في المستدرك .
4- " وحشي بن حرب " قـتل عم النبي محمد صلى الله عليه وسلم حمزة بن عبد المطلب : ومع ذلك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقل بأن وحشيا لا يستحق إلا انتقام الله منه , بل فرح كثيرا بإسلام " وحشي " فيما بعد ( أي عندما أسلمَ ) مع أنه كان قاتلا لحبيبه وعمه حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه .
5- رسول الله محمد صلى عليه وسلم كان يحرص على إسلام عمه أبي طالب حتى مات : وكان يقول له قبيل وفاته " يا عم ! قل لا إله إلا الله أشفع لك بها عند ربي " , أي حتى وإن لم تفعل خيرا , أي حتى ولو قلـتَـها ثم مِـتَّ على الإسلام بعد ذلك . أليس هذا قمة الأدلة على جواز الدعاء للكافر . إن رسول الله كان يتمنى إسلام عمه أبي طالب من أعماق قلبه , ثم حزن حزنا شديدا على عمه لأنه مات على الكفر
( وكذا لأنه فقد بموته ناصرا ومعينا ) . حزن رسول الله لأن الله لم يهد عمه أبا طالب فأنزل الله عليه " إنك لا تهدي من أحببت , ولكن الله يهدي من يشاء " .
6- لا خلاف بين عالمين مسلمين من علماء الدنيا كلها : من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى اليوم , على أنه يجوز الدعاء للكافر بالإسلام ( مادام لم يمت بعد ) . وإذا أراد شخصٌ أن يبحث عن عالم واحد من علماء الدنيا كلها يقول بأن الدعاء للكافر – مهما كان محاربا للإسلام - بالهداية للإسلام , أمر لا يجوز وأنه حرام , فأنا أدعوه من البداية وأقول له " لا تُـتعب نفسك . لن تجد عالما أو نصف عالم أو ربع عالم أو عشر عالم أو شبه عالم أو ... يقول بأن هذا الدعاء للكافر حرام ". هذا مستحيل ثم مستحيل ثم مستحيل .
إن الله حين قال " قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله . إن الله يغفر الذنوب جميعا , إنه هو الغفور الرحيم " , الله لم يستثن أبدا من باب التوبة المفتوح عبدا من عباد الله , سواء كان " فرعون " مع سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام أو كان " بوش " أو " أوباما " معنا نحن مسلمي اليوم أو ...
هذا والله ورسوله أعلم بالصواب . اللهم ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة آمين .

302- فرق كبير جدا بين موقف وموقف ( مع علامة الرياضة لتلميذ ) :
دخل ابني الأصغر ( عمره 15 سنة ) إلى المستشفى في بداية أفريل 2009 م من أجل عملية جراحية , وخرج من المستشفى يوم 4/4/2009 م مع عطلة مرضية لمدة 20 يوما , ثم التحق بعدها ( 24/4/2009 م ) بالدراسة في المتوسطة , وهو اليوم بخير والحمد لله . ولأن أمامه امتحان شهادة التعليم المتوسط الذي بعد النجاح فيه ينتقل من التعليم المتوسط إلى التعليم الثانوي , كان عليه أن يبذل جهدا أكبر من أجل مراجعة دروسه واستدراك ما فاته في القسم خلال ال 23 يوما التي غاب فيها عن المتوسطة . ومعروف أن الرياضة البدنية هي من المواد التي يُـمتحن فيها التلميذ قبل الامتحان الكتابي الرسمي بحوالي شهر ( تم يوم الإثنين 27/4/2009 م ) . ولأن ابني مريض لا يستطيع أن يؤدي مهام وواجبات هذا الامتحان فقد استخرجتُ له شهادة إعفاء من امتحان الرياضة وقدمتها للمسؤولين بصفة رسمية يوم الأحد 26/4/2009 م , ومنه كان المتوقع أن يُـعفى من الرياضة وأن يُـحسب له عدد المواد وهو ... ويستثنى من هذا العدد مادة الرياضة البدنية .
ولكن بعض أساتذة الرياضة أرادوا – وبنية حسنة - أن يخدموني ويخدموا ابني بأن يعطوا إبني نقطة ( 16 أو 17 أو 18 على 20 ) حتى وإن لم يُمتحن وحتى وإن كان معفى من امتحان الرياضة . ومنه فإنهم طلبوا مني يوم الإثنين أي يوم الامتحان أن أذهب بابني إلى مركز الامتحان فقط من أجل حضور شكلي وهم يتكفلون بعد ذلك بإعطائه علامة عالية , ولكنني رفضتُ وبقوة . رفضتُ ولم أستطع أن أقول صراحة بأن العلامة التي تريدون إعطاءها لابني هي حرام لأنه لم يمتحن , فكيف تعطونه 16 أو 17 أو 18 على 20 , وبأي حق يأخذ هذه النقطة أو العلامة وهو لم يُمتحن أصلا ؟!. لم أستطع أن أقول بأن ذلك " حرام " لأنني لست مفتيا ولا فقيها , ولكنني مع ذلك وجدتُ حرجا شرعيا كبيرا في ذلك ورأيتُ أن الأسلمَ والأحوطَ لي ولابني هو أن أترك ابني معفى شكلا ومضمونا , ومنه فإنني رفضتُ أن آخذ ابني إلى المؤسسة يوم الامتحان وأصررت على الرفضِ حتى لا يأخذ نقطة أو علامة أنا أرى بأنه لا يستحقها . صحيحٌ أن حجة الأساتذة هو أن ابني كان جيدا في مادة الرياضة البدنية قبل العملية الجراحية وأن المرض ليس بيده هو , ومنه فإنه يستحق العلامة التي يريدون إعطاءه إياها , وهم لا يجدون أي حرج في ذلك مهما تحرجتُ أنا , ومع ذلك فإنني لم أقبل ولم أستسغ بيني وبين نفسي أن يأخذ ابني علامة على امتحان هو لم يتحرك فيه ولو خطوة واحدة , ورأيتُ أن الإعفاء نتيجته الطبيعية هي حذف مادة الرياضة البدنية أصلا من مواد الامتحان .
... وفي اليوم الموالي من الامتحان , أي يوم الثلثاء 28/4/2009 م التقيتُ ببعض أساتذة الرياضة فأفهمتهم لماذا رفضتُ فقالوا لي " إننا نتفهم جيدا موقـفـك يا أستاذ ونقدره ونحسبه لك , ولكننا نحن اجتهدنا كذلك وأعطينا لابنك نقطة ولو لم تأتِ أنت إلى مركز الامتحان بابنك ... تشاورنا وأعطينا ابنك نقطة لا يمكن الآن أن تحذف ... ", فسكتُّ ولم أعرف ما أقول لهم .
ولكن الذي أردتُ أن ألفت الانتباه إليه هنا من خلال هذه الوقفة مع ذكرياتي الحسنة أو السيئة , هو أن الأساتذة قالوا لي بعد ذلك " يا أستاذ رميته ... من أعاجيب هذا الزمان وغرائبه أنه في مقابل موقفك الرافض لأن يأخذ ابنك نقطة على امتحان رياضة هو لم يقم به , لقد جاءنا يوم الامتحان ولي تلميذ آخر أجريت له عملية جراحية مثل التي أجريت لابنك أنتَ , جاءنا في الاتجاه المعاكس لاتجاهك أنت " , قلتُ " كيف ؟!" , قالوا " لقد جاء يلح علينا ويتخاصم معنا ويكاد يضرب ويسب من أجل أن نعطي لابنه علامة قريبة من ال 20 , على اعتبار أن الابن مريض ولا يجوز أن يحرم من علامة الرياضة البدنية بسبب مرض هو ليس مسؤولا عنه , ولله في خلقه شؤون ...".
وكم أعجبني قول قائل كريم لي " شعرتُ بالغبطة التي يشعر بها أي بن يرى اهتمام أبيه به ... فما أجمل أن يسعى الأب من أجل أبنائه و يعلمهم السعي بخطوات حلال ... يكون لهم أبا حنونا يخاف عليهم وفي آن واحد يدربهم على الكسب الحلال سواء كان رزقا أو نقطة أو غير ذلك ... فكرتُـك وصلت يا أستاذ , وأنا أسأل الله أن يكون قد فهمها إبنك وكذا الأساتذة الكرام ...واسأل الله لك ولنا جميعا الإخلاص في القول والعمل ".
وأنا في النهاية أسأل كلَّ منصف وعادل " أي الموقفين تحبه لنفسك أخي الكريم :
ا- الموقف الأول سواء كان لـي أنا أو لغيري , المهم موقف الأب المتحفظ من أن تعطى لابنه علامة ربما هو لا يستحقها شرعا , وربما كانت مكروهة أو حراما , أو هي شبهة على الأقل .
ب- أو الموقف الثاني سواء كان لولي هذا التلميذ أو لولي آخر , المهم أنه موقف الأب الأناني الذي يريد لابنه أن ينجح بكل الطرق والذي يريد أن يضيف لابنه نقاطا إضافية في الامتحان بكل الوسائل الممكنة بغض النظر عن كونها مستقيمة أو معوجة , شرعية أم غير شرعية , مكروهة أو حراما , مقبولة أم غير مقبولة ؟!.
وأنا أترك الجواب لكل قارئ يجيب به عن السؤال بينه وبين نفسه .
نسأل الله أن يغلبنا على أنفسنا وعلى الشيطان , وأن يثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة , آمين.
303- " أنا لست مجنونا يا شيخ " !!! :
صحيح أن الناس يبالغون في طلب الرقية من أجل لا شيء أو من أجل علاج أمراض عضوية أو نفسية أو عصبية أو من أجل التخلص من قضاء وقدر أو ... ولكن صحيح كذلك أن الرقية الشرعية إذا لم تنفع لن تضر صاحبها أبدا , بمعنى أن الشخص يمكن أن لا يكون به شيء من السحر أو العين أو الجن , ومع ذلك يمكن أن يرقي نفسه أو يرقيه غيره , وهذه الرقية الشرعية إذا لم تنفعه فإنها لن تضره أبدا بإذن الله تعالى .
ومع ذلك ونتيجة جهل الناس بالدين عموما وبالرقية الشرعية خصوصا أصبح بعضهم – مهما كانوا قلة – يظنون أن الرقية الشرعية لا تطلب إلا لمجنون فاقد لعقله .
وأذكر بالمناسبة أن تلميذا جاءني في يوم من الأيام وقال لي " أمي طلبت مني أن آتيك من أجل أن ترقيني " , وقبل أن أسأله أنا " من أجل ماذا ؟! " , استدرك التلميذ وبسرعة وقال لي " إياك أن تظن بأنني مجنون ... أنا يا شيخ رميته لست مجنونا أبدا , وإنما أمي هي التي فرضت علي أن أرقي ... أنا والله لست مجنونا أبدا " !!!. وشر البلية ما يضحك أو يبكي ...
304- عبيد التدخين في السجن : ما أبعد الفرق بين من دخل السجن لأنه سرق أو كذب أو خان أو زنى أو قتل أو ... وبين من دخله لأنه دعا إلى الله وطالب بتطبيق شريعة الله تعالى على عباد الله . الفرق بين هذا وذاك كالفرق بين الأرض والسماء .
وأنا أذكر هنا بالمناسبة أنني أنا والبعض من إخواني عندما كنا في المعتقل في ضواحي العاصمة الجزائرية نهاية عام 1985 م , وذلك عندما اعـتُـقلتُ واتهمتُ بأن لي صلة بالشيخ مصطفي بويعلي رحمه الله الذي يُـعتبر أول من خرج من الإسلاميين بقوة الساعد والسلاح على النظام الجزائري في ذلك الوقت .
أدخلتْ السلطةُ معنا إلى نفس المعتقل أشخاصا آخرين من أجل سرقة أو زنا أو قـتل أو ما شابه ذلك من الجرائم . وكنا ( الإسلاميون ) في زنازن انفرادية , وكذلك الآخرون كانوا في زنازن انفرادية أخرى .
وأذكر أننا عرفنا الآخرين من خلال ما كنا نسمعه من توسلاتهم إلى السجانين الغلاظ الشداد , حين كان الواحد منهم يرجو من السجان أن يعطيه ولو جزء من سيجارة يدخنها ويخفف بها من وطأة الإدمان على التدخين عنده . كان السجين يتوسل , وكان السجان يسب ويشتم ويكفر بالله ويقول الكلام البذيء الفاحش . كان السجين يتوسل والسجان يستجيب مرة واحدة ويرفض الاستجابة 9 مرات .
وفي المقابل نحن كنا نتوسل إلى السجانين من أجل الماء للوضوء أو الحجر للتيمم أو ... وهم كانوا يتوسلون إليهم من أجل قهوة أو سيجارة ...
وأذكر أنني أشفقتُ على البعض منهم وعلى إدمانهم على التدخين وهم في السجن , أي في مكان هم أحوج ما يكونون فيه إلى التوبة والاستغفار والإقلاع عن التدخين وما يمكن أن يكون معه أو ملازما له من شرب خمر أو زنا أو ... وعندئذ عمدتُ إلى الفتحة البسيطة تحت باب زنزانتي لأضع فمي عندها وأكلمَ أحدَ السجناء
( وزملاؤه يسمعون ) وأنصحه بجملة نصائح لا أدري إن كان قد قبلها أم لم يقبلها . وكان من جملة ما نصحـتُـه به ما يلي :
1- الإنسان لا بد له أن يكون عبدا : إما لله , وإما للهوى والشهوات والشيطان والتدخين والمعاصي والذنوب والآثام و ... فاختر أيهما أفضل لك .
2- قد يُـقبل منك أن تُذل نـفسك لعبد مثلك من أجل ضروريات الحياة مثل الأكل والشرب أو ما شابه ذلك , ولكن لا يجوز أبدا أن تُـذل نفسك من أجل أمور فيها شقاء الدنيا والآخرة .
3- السجن فرصة لك من أجل أن تتوب إلى الله وتصلي وتقلع عن التدخين و ...
4- أنت تحتاج إلى إرادة قوية وعزيمة فولاذية ولفترة قصيرة بإذن الله , من أجل أن تتخلص نهائيا من التدخين . وأما إن بقيتَ عبدا للتدخين فيمكن جدا أن تَـجُـرَّك الحاجةُ إلى التدخين إلى ارتكاب ذنوب ومعاصي أخرى ربما كانت أسوأ بكثير من التدخين .
5- إن أردت أن تخفَّ عليك وطأةُ السجن لا بد من الرجوع إلى الله ومن الإكثار من الصلاة والذكر والدعاء وتلاوة القرآن و ... وأما إن بقيتَ بعيدا عن الله فإن السجنَ يصبحُ من أثقل الأمور عليك .
وكنتُ وأنا أنصح السجينَ من تحت فتحة الباب كنت أتمنى من الله أن لا يسمعني السجَّـان حتى لا يعاقبني , وبالفعل ستر علي الله ولم يكتشف السجانُ أمر حديثي مع المسجونين الآخرين , والحمد لله رب العالمين .
305- من الأمثلةِ عن العادات التي أحترمُـها في حياتي (بقاءُ الرجلِ بعيدا عن زوجته) : ولو بعد العقدِ الشرعي عليها , وبقاؤه بعيدا عنـها حتى في يومِ العرسِ , حيث تَـعـوَّد الناسُ أيامَ زمان أن تَـقودَ العروسَ في يومِ عرسِها امرأتان حتى توصلاها من بيتِ أهلِـها إلى حجرتِـها في بيتِ زوجِـها . وأما خلالَ السنواتِ الأخيرة ( وأنا أتحدثُ عن الجزائر , وأما في دول أخرى فأنا لا أدري ما هي العادةُ السائدة هناك حاليا ) فإن كثيرا من الأزواجِ أصبح الواحدُ منهم هو الذي يركَـبُ في السيارة مع عروسه من بيتها إلى بيته هو . يجلسُ معها في السيارة ثم ينزلان من السيارة معا ويتجهان معا من السيارة إلى بيته هو , حيث يتركُـها هناك ويخرجُ هو بعد ذلك . أنا هنا أرى أن عاداتِ الناس أيامَ زمان أفضلُ ألفَ مرة من عادة الكثير من الناس اليوم . إن في الأولى مراعاة للحياء ولكنني أرى أن في الثانية دوسا على مقتضيات الحياء . وكمظهر من مظاهرِ احترامي لعاداتِ الناسِ أيامَ زمان في علاقةِ العريسِ بعروسِه يومَ العرسِ أنني عندما تزوجتُ يوم 13 جويلية 1984 م , وكنتُ في ذلك الوقتِ - وما زلتُ حتى الآن – أرفضُ رفضا باتا أن أركبَ مع زوجتي يوم العرسِ أمام الناسِ في سيارة واحدة , أنا أرفضُ ذلك ولا أقبله ولا أستسيغهُ بأي حال من الأحوال .
قلتُ : كنتُ واقفا ( في مسقط رأسي ) أمامَ بيتِ قريب لي بتُّ عندهُ قبلَ العرسِ بيوم , وذلك يومَ الجمعة
13 /7 حوالي الساعة العاشرة صباحا , كنتُ واقفا على قارعة الطريقِ أنتظرُ وصولَ العروسِ ( زوجتي ) التي ستصلُ بعدَ قليل من مدينة ميلة التي تبعدُ عن مسقطِ رأسي بحوالي 160 كلم . وبمجردِ أن سمعتُ منبهاتِ السياراتِ الآتية بزوجتي والتي بدأتْ تدخلُ إلى القريةِ التي كنتُ أسكنُ فيها مع أهلي (بدائرة القل , ولاية سكيكدة ) , بمجردِ أن سمعتُ المنبهاتِ , والسياراتُ الحاملةُ لزوجتي ومن معها , مازال بينها وبيني حوالي 500 مترا , استحيـيـتُ ودخلتُ إلى البيتِ الذي بتُّ فيه , ولم أخرجْ منه إلا بعد أن تأكدتُ 100 % من أن زوجتي قد وصلتْ إلى بيتي وأنها دخلتْ إلى حجرتها . تمنيتُ أن أرى زوجتي وهي تمر أمامي في السيارة مع امرأتين معها وفي موكبِ عرسِي أنا , ولكن الحياءَ منعني من ذلك , وهو حياءٌ أنا كنتُ ومازلتُ أعتزُّ به إلى اليوم أنا لا أقولُ بأن ما فعلتهُ هو الواجبُ ولكنني أقولُ بأنني أرى أنه الأفضلُ والأحسنُ والأجودُ والأطيبُ , والله وحده أعلمُ بالصواب .
306- يقضي أسبوعا كاملا بعد العرسِ مباشرة وهو بعيدٌ تماما عن أهلِـه في النهارِ !:
من الأمثلةِ عن العاداتِ التي لا أحترمُـها أن العريسَ كان أيامَ زمان – ومبالغة في الحياءِ الذي يصبحُ مع المبالغة خجلا لا حياء – يقضي أسبوعا كاملا بعد العرسِ مباشرة وهو بعيدٌ تماما عن أهلِـه في النهارِ ولا يدخل بيتَهُ إلا من الليلِ إلى الليلِ . هذه عادة أنـا لم أحترمْها عندما تزوجتُ لأنني اعتبرتها علامةَ خجل لا حياء , ومنه فإنني ومن اليومِ الأولِ بعد زواجي كنتُ أدخلُ إلى بيتي وأخرجُ بالليل وبالنهار بشكل عادي وعفوي وطبيعي . تعجَّب مني البعضُ في اليومِ الأولِ ثم علِمَ الناسُ وأهلي بعد ذلك بأن العيبَ هو في هذه العادة القبيحة وليسَ العيبُ في سلوكي أنا , والله وحدهُ أعلمُ بالصوابِ .
307- " ارقني ولا تسألني ولا تنصحني "!:
ممارسة الرقية الشرعية تفيد الراقي الشرعي من جهات عدة منها أنه يتعرف من خلال ذلك على أشكال الناس وألوانهم المختلفة . ومنه فإنني وخلال كل ال 23 سنة الماضية التي رقيتُ خلالها حوالي 15 ألفا من الأشخاص , تعرفتُ تقريبا على كل أصناف الناس الموجودة في المجتمع : الحسن منها والسيئ , المثقف والأمي , القوي والضعيف , الغني والفقير , الهادئ والعنيف , الكبير والصغير , الرجل والمرأة , المريض بالفعل والموسوس فقط , الذي يحتاج إلى راقي شرعي والذي لا يلزمه إلا طبيب , والذكي والغبي , والمنطقي والبعيد جدا عن المنطق , وقوي الإيمان والفاسق الفاجر , ...الخ ...
وممن زارني من أجل رقية رجل جاءت به زوجته إلي منذ حوالي 20 سنة قبل الآن .
وقفت معي هي البداية مع أحد أولادها , فكلمتني بضع دقائق ثم تقدم زوجها إلي حيث أدخلـتُـه ( مع زوجته وولده ) إلى بيتي من أجل أن أسأله وأسمع منه وأنصحه ثم أرقيه . كان الرجل موسوسا في نظرته إلى زوجته ( التي تزوج بها قبل ذلك بحوالي 25 سنة والتي كان له معها مجموعة أولاد ) , حيث كان ولشهور مضت يتهمها بأن لها علاقة برجال أجانب عنها مع أن كل من يحيط بالمرأة من الناس – رجالا ونساء من أهل وأقارب وجيران و...- يشهدون على حسن سيرتها , وكذلك أولاد المرأة وبناتها مجمعون على أنه لا يمكن لأمهم أن تكون خائنة بأي حال من الأحوال , ويؤكدون على أن أباهم فقط موسوس وسواسا زائدا . ومن نتائج وسواسه أنه أصبح يُـضيق الخناقَ على زوجته في دخولها وخروجها من البيت , وفي كل يوم كان يتهمها بأن فلانا اتصل بها أو بأنها هي اتصلت بفلان من الأجانب من الرجال . وفي أغلب الأحيان عندما يخرج هذا الرجل من البيت كان يُـغلق أبوابَ داره ونوافذها , فأصبح الأولاد ( خاصة البنات ) مسجونين في كثير من الأحيان بسبب التهمة الموجهة باطلا إلى أمهم المسكينة .
أردتُ كعادتي أن أتحدث في البداية مع الرجل وأسمع منه قبل أن أرقيه إن رأيتُ أن الرقيةَ الشرعيةَ تلزمه .
أردتُ أن أتحدث معه وأسمع منه من أجل :
1-أن أتأكد من أنه موسوس بالفعل , وأن الزوجة بريئة مما هي متهمة به من طرف زوجها , أو أن الزوجة خائنة بالفعل .
2- أن أعرف إن كان الوسواس عنده مشكلة نفسية تتطلب فقط نصيحة وتوجيها مني له , ثم إرادة وعزيمة منه من أجل تطبيق ما أنصحه به . إذا نفع ذلك نفع , وإذا لم ينفع لزمته استشارة طبيب عندئذ .
3-أن أعرف إن كان الوسواس عند الرجل أصيب به نتيجة سحر أو عين أو جن , وعندئذ فإنني سأرقيه لأن الرقية الشرعية ستصبح هي الحل بإذن الله .
ولكنني فوجئتُ بالرجل يرفض أي حديث معي سؤالا أو إجابة , بل قال لي " أنا ما جئتك لتحكي معي أو لتسألني أو تنصحني . أنا أتيتك فقط من أجل رقية شرعية . ارقني يا شيخ , أو أنصرفُ أنا الآن وفي الحين " .
وكان يمكنني هنا أن لا أرقيه وأن أتشدد معه كما تشدد هو معي , ولكنني وسعتُ صدري معه فرقيته ضد قناعتي وانصرف عني مع زوجته وولده . انصرفوا جميعا وأنا أتوقع أنه لن يشفى بهذه الرقية الشرعية لأنه غلب على ظني من خلال حديث الزوجة والإبن أن مشكلة الرجل نفسية فقط , وأنه يحتاج إلى من ينصحه أكثر مما يحتاج إلى من يرقيه , والله وحده أعلم بالصواب .
اللهم اشفنا وعافنا , آمين .
308- " ارفع يديك إلى الأعلى يا أبا لحية " ! :
1- يجب على المسؤول السياسي أو العسكري وهو يحارب الدين والمتدينين باسم تطبيق القانون وباسم محاربة الإرهاب وكذا بدعوى أنه مأمور من طرف من هم فوقه , يجب أن ينتبه إلى هذه الحرب غير جائزة شرعا لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق .
2- يجب أن ينتبه مسؤولونا إلى الفرق الذي يجب أن يكون واضحا بين محاربة الفوضى والظلم والتعدي وما شابه ذلك , ومحاربة الدين والمتدينين تحت غلاف محاربة الإرهاب . أما الحرب الأولى فهي من واجبات الحاكم , أي حاكم , وأما الثانية فهي حرب على الله ورسوله .
3- المسؤول الذي يطبق القانون ويطيع الأوامر فقط هو أفضل مليون مرة من المسؤول الذي يطبق القانون ويزيد عليه من عنده , أي أنه يستغل سلطته من أجل إذلال أكبر للمتدينين ومن أجل الدوس على الكثير من المقدسات الإسلامية .
4- نهب حكامنا لخيرات البلاد والعباد , وظلمهم للمتدينين , ومحاربتهم للشعائر الإسلامية , والتساهل مع من سب الله والرسول والتشدد مع من سب رئيس الدولة , وكذا التعذيب في التحقيق والتضييق في السجون والمعتقلات و ... كل ذلك وغيره هو سبب أساسي من أسباب خروج الكثير من المتدينين ضد الأنظمة العربية والإسلامية . ومنه إذا أراد الحكام محاربة ما يسمى بالإرهاب الإسلامي يجب أن يطبقوا شرع الله وأن يحكموا بين الناس بالعدل , وإلا فإنهم خاسرون وخاسئون من البداية .
وأتذكر بالمناسبة أياما من سنة 1994 م , حيث كنتُ أنا و3 من زملائي الأساتذة والجيران ( بمدينة ميلة ) نصحح امتحان البكالوريا بمدينة قسنطية التي تبعد عن مدينة ميلة بحوالي 45 كلم . وكنا نذهب إلى قسنطينة في كل يوم قبل السابعة صباحا ونرجع إلى مدينة ميلة في المساء بعد الساعة الخامسة . وفي يوم من الأيام ونحن راجعون في المساء بعد الخامسة إلى ميلة اعترضنا حاجز للدرك الوطني يشرف عليه 3 أشخاص . بقي أحدهم في الطريق واتجه نحو سيارتنا إثنان منهم . طلبا منا التوقف وقال لي أحدهما بصوت عال وعنيف " يا أبا لحية ارفع يديك إلى الأعلى "! .
ملاحظة : و" أبو لحية " تقال عندنا في الجزائر مرة من طرف شخص يمزح معك , وتقال 10 مرات من طرف أشخاص يسخرون ويستهزئون منك ومن لحيتك .
نزلنا الأربعة , أنا وال 3 من زملائي , ونزلت أنا رافعا يدي لأنني كنت الملتحي الوحيد . طلب الإثنان منا بطاقات التعريف وسألانا " أين كنتم " , فأخبرناهما بأننا نصحح البكالوريا وأعطيناهما بطاقات التصحيح . أما أحد الدركيين فبمجرد أن أظهرنا بطاقات التصحيح غادرنا واتجه عند صاحبه الواقف وسط الطريق , وأما الآخر فكان للأسف الشديد ممن يزيدون على تطبيق القانون من عندياتهم . أوقفنا حوالي ربع ساعة أو 20 دقيقة وهو يخوفني بأنني ربما كنت مبحوثا عني من طرف المخابرات أو الشرطة أو الدرك ... وكان يتكلم معي بطريقة فظة وغليظة وعنيفة . قلت له " اتصل إن شئت الآن برجال الأمن في مدينة ميلة واسألهم إن كانوا يبحثون عني أم لا ؟!... هيا إن شئت معي الآن إلى ميلة لأوصلك أنا بنفسي إلى من تشاء من المسؤولين في مدينة ميلة ... هيا إن شئت معي إلى ميلة واسأل عني أهل ميلة عامة ومسؤولين , مثقفين وأميين و... واسأل عني التلاميذ وأوليائهم و... وستتأكد بسهولة من أنا وهل أنا مبحوث عني أم لا وهل أنا طيب أم خبيث وهل أنا ظالم أو مظلوم وهل ...؟!".
ولكن الرجل لم يكن يسمع ولا يفهم ... وبعد استجواب دام حوالي 15 أو 20 دقيقة , انزعج منه زملائي كثيرا وقالوا له " هذه بطاقاتنا نحن الثلاثة ابقها عندك إن شئت , واتركنا – رجاء - نواصل الطريق , واسأل على راحتك عن الأستاذ رميته عبد الحميد , فإن وجدته مبحوثا عنه فتعال إلى مدينة ميلة وستجده في سكن مجاور لثانوية عبد الحفيظ بوالصوف ... فإن لم تجده هناك فتعال واعتقلنا نحن الثلاثة مكانه "!!!.
عندئذ وعندئذ فقط أرجع إلينا وثائقنا وتركنا نواصل طريقنا إلى مدينة ميلة .
وكم في هذه الدنيا من مضحكات ومبكيات , ولله في خلقه شؤون .
نسأل الله الهداية لنا ولجميع حكامنا , آمين .
309- يا ليتنا اتخذناهن صديقات : اهتمامنا – نحن الرجال – بالذكور من أهلنا وأقاربنا هو اهتمام فطري قبل أن يكون واجبا شرعيا , وذلك لأننا ذكور وهم ذكور , أي لأننا وإياهم من جنس واحد . ومنه فإن اهتمام الواحد منا بأولاده الذكور وبأولاد إخوته وأخواته و... هو اهتمام طبيعي جدا وللغاية ... هو عبادة لنا عليها أجر ... وهو عبادة فيها ما فيها من خير مادي ومعنوي , دنيوي وأخروي .
ولكن الذي نحن مقصرون فيه أكثر وعادة هو اهتمامنا بالإناث من بناتنا ومن محارمنا الأخريات من النساء مثل بنات الإخوة وبنات الأخوات . يا ليت الواحد منا – معاشر الرجال – يولي اهتماما خاصا ببناته وببنات الإخوة وبنات الأخوات ... يا ليت الواحد منا يتخذهن صديقات , فيستفيد من جهات عدة :
1- أجر زائد عند الله .
2- توثيق الصلة بهن .
3- ينفعهن وينتفع بهن .
4- يُـروح عن نفسه وعنهن .
5- كما تهتم أنت بهن سيهـتم أبُ الواحد منهن بإذن الله ببناتك أنت.
وهكذا ...
ثم إذا أردنا لهن أن يُـحببننا يجب أن نحبهن نحن أولا , وهذه قاعدة عامة في الحياة كلها : إذا أردتَ أن تُـحَـبَّ يجب أن تُحِـبَّ أنت أولا , وكذلك مع الله جل وعلا " إن أردت أن يحبك هو سبحانه يجب أن تحبه أنت أولا " , وهكذا ...
وبالمناسبة أقول :
كنتُ منذ عام قبل اليوم عند أخت لي ( ضمن 4 أخوات كلهن متزوجات ولهن أولاد وبنات ) . وكانت عند أختي ضيفة هي بنت أخت أخرى كانت تدرس في الجامعة , وجاءت في ذلك اليوم عند أختي أي عند خالتها عندما سمعت بأنني سأزور أختي وأبيتُ عندها , فجاءت هي لكي تزور خالتها ولتلـتقي بي أنا ( خالها ) .
وأنا والحمد لله تعودتُ من زمان على أن أتعامل مع بناتي وبنات الإخوة والأخوات وكأنهن صديقات , ومنه فإنهن يحببنني كثيرا وأنا أحبهن كثيرا .
وفي ذلك اليوم كنا ساهرين مع بعضنا البعض بعد العِـشاء مع الحديث عن بعض المسائل الدينية ومع السؤال عن الأحوال ومع بعض الترفيه الحلال و ... وفي لحظة من اللحظات طلبتُ أكلا بسيطا من أختي , فطلبت بدورها من ابنتها وابنة أختها ( طالبتان جامعيتان ) أن يأتياني من المطبخ بما طلبتُ . ذهبتا إلى المطبخ وبعد دقيقة أو دقيقتين سمعتُ أنا وأختي ومن كان معنا من أهل أختي ضجيجا بسيطا وأصوات حركات غير عادية , فذهبت أختي مهرولة إلى المطبخ لتستطلع الخبر ثم رجعت مبتسمة . قلتُ لها " ما الأمر ؟! ", قالت " ابنتي وابنة أختنا يتعاركان كلاميا – طبعا في إطار الود والمحبة والأخوة – عن محبتك أنت أخي عبد الحميد لهما : أيهما تحبها أنت أكثر ؟! . كل واحدة منهما تدعي للأخرى بأن خالها عبد الحميد يحبها هي أكثر "!.
جاءت الفـتاتان وهما تضحكان , فقلتُ لهما " أنا أحبكما بإذن الله بنفس القدر" .
نسأل الله أن يقوي من صلتنا ببعضنا البعض , وأن يزيد من محبتنا لبعضنا البعض , وأن يجعلنا جميعا من أهل الخير , آمين ".
310- أراد أن يوسط زوجته فيما بيني وبينه ! :
اتصل بي رجل منذ حوالي 15 سنة من أجل رقية شرعية لزوجته , لأنها تشتكي من كذا وكذا من الأعراض التي بدا له من خلالها بأنها تحتاج معها إلى رقية شرعية لا إلى طبيب .
قلت له " أنا مشغول خلال يوم أو يومين , ومنه فحتى لا تبقى زوجتك في الانتظار , أتمنى منك أن تتصل بالراقي فلان ( ...) ليرقي زوجتك , فإذا لم تجده في داره أو وجدته مشغولا فأعد الاتصال بي مرة ثانية لأعطيك موعدا من أجل رقية شرعية لزوجتك ".
قال لي " يا أستاذ , ولكننا أنا وزوجتي نريدك أنت لترقيها لا غيرك ".
قلت له " الذي يهمنا هو شفاء زوجتك , وأما إسم الراقي وشخصه فغير مهم , ولا ننسى أن الشفاء بيد الله وحده سبحانه وتعالى".
قال " نعم هذا صحيح يا أستاذ , ولكننا مع ذلك نريدك أنت , فرجاء لا تردني ولا ترسلني عند غيرك "!!!.
قلت له " لو كنت أنت فقط الذي طلبت مني هذا ربما لم أردك , ولكن كثيرين يقولون لي نفس هذا الكلام وفي اليوم الواحد مرات ومرات , والنتيجة هي أن حوالي 7 أشخاص رقاة هنا في مدينة ميلة الواحد منهم يرقي شخصا واحدا تقريبا في اليوم الواحد , وأما أنا فوحدي أرقي حوالي 7 أشخاص في اليوم الواحد . هذا أمر يتعبني يا هذا ... وهو ليس من العدل في شيء ".
قال لي متأسفا " لا بأس يا أستاذ ... شكرا جزيلا لك ... السلام عليكم ".
قلت " وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ... أسأل الله أن يعجل بشفاء زوجتك وأن يخفف عنها الآلام وأن يغفر لها ذنوبها , آمين " .
كان ها بعد صلاة العصر من يوم من الأيام .
وبعد العشاء من نفس اليوم اتصل بي شخص عن طريق الهاتف وقال " هذه زوجتي تحكي لك أعراضا تشتكي منها وتطلبك من أجل أن ترقيها ". سمعتُ من المرأة لدقيقتين أو ثلاثة , ووجدت أن الأعراض التي تشتكي منها هي نفس الأعراض التي حكاها لي الرجل في النهار .
قالت لي المرأة " رجاء اعطنا موعدا من أجل رقية ... حدد لنا موعدا ليأتي بي زوجي عندك من أجل أن ترقيني ... رجاء لا ترسلنا عند غيرك ".
قلت لها " كأن زوجك اتصل بي بعد العصر من أجل نفس مشكلتك ؟!".
قالت " نعم " . قلت لها " ولكنني أجبته عما سألتِ وطلبت منه أن يأخذك عند راق جار لكم , فإذا لم تجدوه أو وجدتموه مشغولا , عندئذ يمكنكم أن تتصلوا بي ".
قالت " ولكننا نريدك أنت لترقيني ".
قلتُ لها " أختي الفاضلة ... لا يمكن أن أقبل ما تطلبينه أنت مني الآن بعد أن قلتُ لزوجكِ ما قلتُ ".
قالت " لم ؟!".
قلت لها " كيف تريدينني أن أقول لزوجك كلاما , ثم أقول لك أنت كلاما آخر ؟!".
قالت " ما فهمتُ عليك !؟".
قـلتُ لها " يمكنك أن تفهمي عني بسهولة ... كيف أرفض شيئا مع زوجك الذي هو رجل مثلي , ثم أقبله في نفس اليوم عندما تكلمني عنه امرأة , وهي زوجنه .أفهمت علي الآن ؟!.
سكتت ولم تجب ...
قلتُ لها " هذا أمر لا أسمح به لنفسي أبدا ... لو قبلتُ لزوجك من الأول ما طلبه مني لكان الأمرُ عاديا , وكذلك كان يمكن أن يكون الأمر عاديا لو أنني رفضتُ لامرأة شيئا ثم قبلته من رجل . وأما العكس , أي أن أرفض لزوجك ثم أقبل لك أنتِ , فهذا ما لا أسمح به لنفسي أبدا . شرفي وكرامتي وحيائي وأدبي وأخلاقي و... كل ذلك لا يسمح لي بذلك أبدا ... أليس كذلك يا أختي ... ؟!" .
قالت " صدقت يا أستاذ ... عندك حق ... نحن نعتذر إليك كل مني أنا ومن زوجي الواقف بجانبي الآن , وهو يسمع كل كلمة أنت قلتها لي الآن ".
أضفتُ قائلا " قبل أن أنتهي ... أنا أسألك وأسأل زوجك ... لو كنت أخا لأي منكما هل تقبلان لي أن أرفض شيئا من رجل ثم أقبله من امرأة أجنبية عني مهما كانت نيتي ونية الرجل والمرأة طيبة ؟!. لا أظن أن الله يقبل مني هذا , وأما الناس فأنا على يقين من أن أغلبيتهم الساحقة لا يقبلون لي هذا , وأنت وزوجك لا تقبلان لي هذا , وأنا مع نفسي لا أقبل لها هذا أبدا ...".
قالت " صدقت يا أستاذ ... حفظك الله وبارك الله فيك وجزاك الله خيرا كثيرا ".
ثم كلمني الزوج بعد ذلك واعتذر إلي وقال " حصل خير إن شاء الله يا أستاذ ".
وبعد يومين أو ثلاثة اتصل بي الزوج على اعتبار أن الراقي الذي أرسلته إليه كان مريضا أو متعبا أو مشغولا أو ... فأعطيته عندئذ موعدا من أجل أن أرقي زوجته ...
رقيتها وشفيت بعد أيام قليلة ومعدودة , والحمد لله رب العالمين .
وفقني الله وأهل المنتدى جميعا لكل خير , آمين .

وقفات مع ضطريات

بسم الله
عبد الحميد رميته , الجزائر

الاثنين، 15 يونيو 2009

وقفات مع ذكريات من 291 إلى 300 :

بسم الله
عبد الحميد رميته , الجزائر

291- قيل لنا " أنت غائب " , إذن أنت غائب !!! :
هذه حادثة وقعت لي اليوم على الساعة 3.55 مساء من يوم الأربعاء 15/04/2009 م بالثانوية التي أدرس بها منذ 1984 م . لي ولد عمره 15 سنة يدرس في السنة 4 متوسط , أدخلته إلى المستشفى ( بمدينة ... ) يوم الأحد 12/4/2009 م من أجل إجراء عملية جراحية تمت والحمد لله بنجاح , واحتجتُ اليوم ( الأربعاء ) إلى أن أذهب إلى المستشفى بمدينة ... من أجل إخراج الإبن والإتيان به إلى البيت ليرتاح فيه حوالي أسبوعين قبل أن يشفى من مرضه تماما بإذن الله تعالى . استأذنتُ من السيد مدير الثانوية من أجل أن أغيب أمسية اليوم , أي أغيب عن التدريس لمدة 3 ساعات ( من الساعة 2 إلى الساعة 5 مساء ) , فأذن لي السيد مدير الثانوية ودعا للولد بالشفاء وقال لي " نلتقي غدا صباح الخميس بإذن الله تعالى " . ولكن نظرا لأنني أخرجتُ ابني من المستشفى وأوصلته إلى بيتي على الساعة 3.30 مساء , فإنني عزمت على أن أدرس تلاميذ قسم من الأقسام من الساعة الرابعة إلى الخامسة . ذهبت إلى الثانوية حوالي الساعة 3.55 فوجدت التلاميذ يهمون بالخروج من القسم لينصرفوا إلى بيوتهم على اعتبار أن إدارة الثانوية أخبرتهم بأن
" الأستاذ رميته " غائب اليوم عنكم من ال 4 إلى ال 5 مساء .
فوجئ التلاميذ بي أمامهم فقالوا لي " يا أستاذ أنت غائب هذا المساء "! .
قلتُ لهم " لكنني الآن أمامكم " .
- ولكن الإدارة أخبرتنا بأنك غائب !.
- ولكنني حضرتُ .
- وبقينا حوالي دقيقتين مع " أنا حاضر " , " بل أنت غائب "!!! .
وكأن لسان حال التلاميذ يقول ( قالت لنا الإدارة " أنت غائب " , إذن أنت غائب . نحن لا نعرف إلا هذا , نحن نصدق الإدارة ونكذب أعيننا ) !!!.
وفي النهاية دخل نصف تلاميذ القسم إلى القاعة حيث قدمت لهم الدرس وغاب النصف الآخر على اعتبار أن
" الإدارة قالت لنا بأن الأستاذ غائب إذن هو غائب " !!!.
ثم أقول كما قلتُ منذ أيام " إلى أين يتجه التعليم في بلادنا ؟! . لا أدري ثم لا أدري " .
292- بين الشجاعة والانتحار : أنا أتذكر أنني عندما سجنتُ مرتين ( مرة لمدة عام ونصف ومرة لمدة 3 أشهر ونصف ) من طرف المخابرات الجزائرية كنتُ باستمرار أقول للجلادين " هذه عنقي إن أردتم قتلي , وهذه يدي ورجلي إن أردتم تقييدي , وهذا جسدي إن أردتم تعذيبي , ولكن ثقوا بأنكم لا تملكون إلا جسدي وأما روحي فهي لله وحده ولن تنالوا منها شيئا " . وكان جميع الجلادين يفهمون من كلامي هذا بأنه شجاعة وجرأة مني , ولذلك فإنني كلما تعاملتُ معهم بهذه الطريقة وضُح عندهم أكثر بأنني أكبرُ منهم بكثير , ومنه فإنهم يلجأون من أجل الانتقام إلى زيادة سبي وشتمي وتعذيبي وسب الله والرسول والإسلام والمسلمين و...أمامي . وأنا أقسم بالله أنه لا أحد من الجلادين كان يفهم من تسليم جسدي لهم وأنا مرفوع الرأس ومبتسم , ما كان أحدٌ منهم يفهم أبدا بأن ذلك ضعف مني أو محاولة انتحار !!!. وكل الجلادين الذين يلتقون بي اليوم
( خارج السجن ) يحترمونني كثيرا ويستحون حتى أن يرفعوا رؤوسهم أمامي , لأنهم عرفوني شجاعا لا محاولا أن أنتحر .!!! وكذلك فإن كل الناس الذي حكيتُ لهم بالتفصيل ما وقع لي في السجن , كلهم فهموا جميعا وبلا استثناء أنني كنت شجاعا وجريئا ومقداما وعزيزا ( بالله بطبيعة الحال ) وبأنني كنتُ كبيرا وأما الجلادون فكانوا صغارا جدا . وأنا أحلف مليون مرة أنه ما فهم واحدٌ من الناس مهما كان جاهلا أو حاقدا أو بنصف عقل أو بعُشر عقل أو ... ما فهم أبدا ولو لثانية واحدة من الزمان ما فهمه الأخ ... عندما اتهم سيد قطب بأنه انتحر وهو يسلم نفسه لجلاديه !!! .
293 – إذا كان أقـرب الناس إليك لا يحترمك !:
اتصل بي في يوم من الأيام ( منذ حوالي 15 سنة ) , اتصل بي مسؤول على مؤسسة تعليمية معينة من أجل التوسط لدى واحد من أعز أصدقائه ( كما قال عنه هو ) وذلك لأرقي ابنته , أي ابنة هذا الصديق . طلبتُ من هذا المسؤول ( ولنفرض بأن اسمه صالح ) , بأن يترك التوسط لأنني لا أحب أية وساطة من أجل الرقية , وقلتُ له " أنا أريد إزالة الحواجز بيني وبين الناس من أجل الرقية . دع صاحبك يتصل بي , وإذا كانت الرقية تلزم ابنـته فسأعطيه موعدا بإذن الله تعالى , سواء كنتُ أعرفه أم لم أكن أعرفه ". حاول معي صالحٌ من أجل أن أعطيه هو الموعد لصاحبـِـه , ولكنني رفضتُ وأصررتُ على الرفض . اتصل بي صاحبه ( العزيز أو الأعز ) بعد أيام قليلة , وبعد أن سمعتُ منه حكاية ابنته أعطيته موعدا حتى أرقي ابنـته في اليوم ( كذا ) بعد العصر وعلى الساعة ...
ذهبتُ إلى دار هذا الشخص في الموعد المحدد وسمعتُ من ابـنـته ثم رقيتها . وقبل أن أخرج من داره أذن المؤذن لصلاة المغرب . استأذنتُ من أهل البيت في أداء صلاة المغرب في البيت , " ثم أقدم بعض النصائح للمرأة التي رقيتها ثم أخرج ".
صليتُ المغرب ثم جلست مع المرأة التي رقيتها ومع أمها وأبيها , ووجهتُ المرأة إلى جملة أشياء من شأنها أن تساعدها على سرعة الشفاء بإذن الله تعالى .
وعندما هممتُ بالخروج من دار الرجل ( أبي المرأة التي رقـيـتُـها ) استوقفني الرجل وزوجته على اعتبار أن العَـشاءَ جاهزٌ ( وكان واضحا أنهم جهزوا عشاء من أجلي أنا بالذات ) . قلتُ لهم " جزاكم الله خيرا كثيرا , ونيتكم طيبة , و ... ولكن يستحيل علي أن أتعشى في دار رقيتُ واحدا من أهلها . لن أفعل هذا أبدا , لأنني أرى أن هذا قد يكون مقدمة لأن آخذ في يوم من الأيام أجرا على الرقية , وأنا عاهدت نفسي على أن لا آخذ أجرا على رقية أبدا . لا داعي لأن تتعبوا أنفسكم , ولا داعي لأن تلحوا علي , لأنني لن آكل شيئا عندكم مهما ألححتم ".
نظر إلي الرجل عندئذ وابتسم قائلا " ما زال الخير في هذه الدنيا يا أستاذ عبد الحميد ".
ثم أضاف مبتسما أو ضاحكا ضحكة فيها تعجب من شيء وإعجاب بشيء آخر " آه يا شيخ ... لو حضر معك صالحٌ , لفرح كثيرا بسبب أنك لن تأكل شيئا , لأنه هو الذي سيتولى أكل نصيبك أنتَ ونصيبه هو , ولا أدري إذا كان ذلك سيكفيه أم لا . صالحٌ يقول عن نفسه دوما [ على كَـرشي نخلي عرشي ] , أي من أجل بطني , أنا مستعد لأن أدمر عرشي أو ملكي أو سلطاني "!!!.
قلتُ لنفسي عندئذ " بغض النظر عن الغيبة التي وقع فيها هذا الرجل اتجاه صاحبه " , " ما أسوأ حال الواحد منا إذا كان أقربُ الناس إليه وأعزُّ الناس عنده لا يحترمه , بل يسخر منه ويستهزئ به بمناسبة وبدون مناسبة ".
وصدق من قال " إذا أردت أن يحبك الله ثم يحبك الناس فازهد فيما في أيدي الناس " . وأما إن كنتَ متكالبا على ما في أيدي الناس , فلا داعي لأن تتعب نفسك وتتمنى محبة الناس لك واحترامهم إياك . إن ذلك مستحيلٌ مليون مرة , وإنك بذلك تكون كمن يصرخ في واد أو يزرع في رماد .
والله أعلم بالصواب .
294 – بسبب رفضي للجلوس في سيارة إلى جانب امرأة ! :
منذ أكثر من 25 سنة , ومع بداية اشتغالي بالتعليم في ثانوية حيث كنتُ أعزبا لم أتزوج بعدُ , كنتُ متجها من مدينة قسنطينة – عبر سيارة الأجرة - إلى مدينة ميلة ( المسافة بينهما 45 كلم ) . والسيارة فيها 6 أماكن بدون حساب مكان السائق . ركبنا في السيارة نحن 5 أشخاص : إثنان في الخلف وواحد في الأمام إلى جانب السائق وإثنان في الوسط . إذن بقي مكان شاغرٌ في وسط السيارة , لأن الوسط يسع 3 أشخاص . جلستُ أنا في الوسط إلى جانب شاب آخر لم يعجبني من البداية , لأنه ظهر لي بأن شكلي أنا المتدين ( بلحية ) لم يستسغـه هو , خاصة وأن أنظار الكثير من الناس – سلطة وشعبا - في ذلك الوقت كانت متجهة إلى الشباب المتدين ( الذكور بلحاهم والإناث بحجابهن ) .
وفي وسط المسافة بين المدينتين أوقفتنا شابة متبرجة جدا جدا في الطريق لتركب معنا من ذلك المكان وحتى مدينة ميلة . أردتُ أن ألجئها إلى الجهة الأخرى حتى تجلس بجانب الشاب الآخر ولا تجلس بجانبي أنا . ولكن الشاب بدا لي ( وأنا لستُ متأكدا من ذلك بطبيعة الحال ) بأنه يريد أن يُـحرجني , فأصر هو على أن الشابة تجلس بجانبي أنا . اتجهت المرأةُ إلى جهتي أنا فرفضتُ أن تجلس إلى جانبي كما رفضتُ أن تجلس بيني وبين الشاب , وأصررتُ على أن تجلس بعيدا عني , وفي الجهة الأخرى من السيارة , ويبقى الشاب بيني وبينها .
انزعج السائق ( الذي لم أكن أعرفه ) من ترددنا , فقال للشابة غاضبا " ادخلي إلى السيارة بسرعة واجلسي على يمين السيد ... ( وكان يقصدني ) , وإلا فإنني أواصل سيري ولا أنتظرك أكثر مما انتظرتكِ " . أرادت الشابة الدخولَ فعزمتُ أنا عندئذ على النزول من السيارة حيثُ أعطيتُ تكلفة السفر للسائق أمام اندهاشه هو واندهاش بقية الركاب ومعهم الشابة المتبرجة . وقلت للسابق " سألحق أنا بإذن الله على رجلي أو في سيارة أخرى .
لا تقلقوا من أجلي . رافقتكم السلامة . السلام عليكم ورحمة الله وبركاته " !.
انتظرتُ على قارعة الطريق لحوالي نصف ساعة , ثم مرت بي سيارةٌ أخرى ركبتُ فيها حيثُ أوصلتني إلى مدينة ميلة , والحمد لله رب العالمين .
ملاحظـتـان :
1- السائق وكذا بقية الركاب ومنذ تلك الحادثة أصبحوا كلما رأوني جروا إلي وأحسنوا استقبالي و... , وهم لا ينادونني حتى الآن إلا ب " يا شيخ ... يا أستاذ ..." , وهذا دليل على أنهم علموا بأن موقفي مع الشابة هو موقف شجاع وعفيف وشريف و ...2- الموقف المذكور هنا فيه احترام للمرأة وليس فيه أي ازدراء أو احتقار لها . أنا تصرفتُ معها كما تصرفتُ , لأنني أحترم المرأة وأحب لها ما أحب لبناتي ولنساء أهلي . أنا لم أجلس بجانبها ولم أحتك بها , تماما كما لا أحب لأجنبي أن يجلس بجانب ابنتي ويحتك بها .
وقبل أن أختم أعلق على القصة القصيرة ببعض التعليقات البسيطة :
1-حجابُ المرأة يًـجمِّـلها جمالا يجعل الرجلَ يحترمها ويقدرها , وأما تبرجها فيُـجمِّـلها جمالا يجعل الرجلَ يطمع فيها ويشتهيها .
2- جلوسُ رجل بجانب امرأة وهو ملتصق بها فخذا إلى فخذ , جلوس حرام بكل تأكيد , والسبب واضح لا يحتاج إلى بيان , ومن قال " ليس في ذلك شيء " هو إما جاهل أو مخادع .
3- من يحرم نفسه من لذة معصية , يعوضه الله غالبا بلذة طاعة هي أكبر وأعظم بكثير من اللذة الأولى .
4- السير الحلال راجلا ولو لعشرت الكيلومترات , هو خير وأفضل بكثير من الركوب الحرام ولو لدقائق معدودات .
5- يجب أن يكون المؤمن معتزا كل الاعتزاز بدينه " ولله العزة ولرسوله وللمومنين " . وأما إن سخر منه ساخرٌ فليقل له تلميحا أو تصريحا " إن تسخروا منا , فإنا نسخر منكم كما تسخرون " .
والله وحده الموفق والهادي لما فيه الخير .
295- آه كم كانت قيمة فنجان الحليب عظيمة ! :
خلال فترة السجن التي قضيتُـها فيما بين سبتمبر 85 وجانفي 86 م في 4 سجون جزائرية عُـذِّبت خلالها أكثر بكثير مما عُـذبت خلال فترة السجن الأولى التي استمرت معي لمدة عام ونصف , أي من نوفمبر 82 إلى ماي 84 م , مرت بي أحداث جسام بعضها حلو وبعضها مر , ولكن الكل فيه عبرة وعظة بإذن الله تعالى .
ظروف المعتقل الانفرادي في زنزانة خاصة بي كانت سيئة جدا , من حيث الأكل والشرب والفراش والغطاء واللباس , والحاجة إلى الوضوء والغسل والتيمم , وكذا إلى الضوء والهواء , وإلى النوم , وإلى الراحة والهدوء , وكذا الرغبة في البقاء ولو ليوم واحد بدون تعذيب جسدي ونفسي و ...
ومن مظاهر معاناتنا في الزنزانة الأكل القليل وغير الصحي والوسخ والأكل بدون ملعقة و ...
ومما مر بي خلال تلك الفترة من أحداث صغيرة ولكن فيها عبرة : فنجان الحليب الذي كنت أشربه كل صباح حوالي الساعة 6.00 صباحا .
كان الحارس الجلاد القاسي الغليظ العنيف الفظ ... يأتينا في كل يوم على الساعة السادسة صباحا بفنجان حليب ساجن , فنجان وليس كأسا , أي أن كميته قليلة بالمقارنة مع كمية الحليب العادية التي يشربها أغلبية الناس في بيوتهم في اليوم مرة أو مرتين , سواء كانوا صغارا أو كبارا , رجالا أو نساء . وكان الجو البارد من جهة والجوع والعطش من جهة ثانية , وكذا المعاملة الفظة الغليظة التي كنا نُـعامَـل بها في المعتقل من جهة ثالثة , كل ذلك كان يجعل فنجان الحليب يتحول في نظري إلى كنز من الكنوز الـثميـنـة للغاية والغالية جدا . كنتُ أمسكُ بفنجان الحليب بقوة وأحيطه بيدي الاثنـتين من أجل التدفئة من جهة , ومن جهة أخرى كأنني أخاف أن يطير أو يتبخر الحليب من بين يدي . أشرب الجرعة الصغيرة الواحدة في كل دقيقة تقريبا , وأقسِّم الفنجان إلى حوالي 30 جرعة خلال 30 دقيقة تقريبا . أشرب الجرعة الواحدة وأستمتع بهذا الشرب كل الاستمتاع وكأنني آكل اللحم أو الكبد أو كأنني أشرب العسل المصفى أو ... كنت أشرب الجرعة الواحدة من الحليب الدافئ وكأنني ملِك أو سلطان أو رئيس دولة أو ... كنت أشرب فنجانَ الحليب وأقول في نفسي " أنا في نعمة لو علم بها من سجنني لقاتلني عليها بالسيف " .
كنتُ أستمتع وأتلذذ كثيرا بشرب الحليب من هذا الفنجان الصغير , وأتمنى لو يبقى فنجان الحليب عندي لأقسَِمه إلى ألف قسم أو ألف جزء , ولأسـتمتع بالشرب لأطول مدة ممكنة , ولو استمر شربي للحليب ليوم كامل . ولكن ليس كل ما يتمنى المرء يدركه , ومنه فعندما تصل السادسة والنصف ( أي بعد نصف ساعة من بدء شربي للحليب ) يفتح الحارسُ الجلاد نافذة زنزانتي الصغيرة ليطلب مني فنجان الحليب الفارغ , ويا ويلي إن رفضتُ إعطاءه الفنجان أو طلبتُ وقتا إضافيا لزيادة الاستمتاع بشرب الحليب .
وعندئذ وعندئذ فقط انتبهتُ إلى أن شربَ الحليب نعمة عظيمة , وإلى أن الأكل والشرب نعمة عظيمة , وإلى أن الحرية نعمة عظيمة , وإلى أن الإسلامَ أعظمُ النعم وأجلُّـها على الإطلاق , وإلى أن نعم الله علينا لا تعد ولا تحصى , ولكن قل من يشكر الله عليها .
يا رب إذا أنعمت علينا فاجعلنا من الشاكرين , وإذا ابتليتنا فاجعلنا من الصابرين , آمين .
296- أنا أخاف على نفسي من تدريس متبرجات تبالغن في التبرج ! :
كان يا مكان في سنة من السنوات حيث كان عمري 23 سنة ( ما زلتُ أعزبا ) , وحيث كنتُ أُدرِّسُ تلاميذَ ثانوية من ثانويات الجزائر الطويلة والعريضة . ولأنني كنتُ صغيرا في ذلك الوقت فإن سني أكبر من سن التلميذ أو التلميذة في الثانوية ب 3 أو 4 أو 5 سنوات فقط , ومنه يمكن أن أعتبر نفسي فقط أخا أكبر قليلا لأي تلميذ , لا كشأني اليوم ( 2009 م ) حيث سني أكبر من سن التلميذ بالثانوية بأكثر من 3 مرات , ومنه فأنا في مرتبة الأب لأي تلميذ .
في تلك السنة وعندما اقتربت نهاية السنة الدراسية واقتربت معها أيامُ الصيف الساخنة , أي في الأيام الأولى من شهر ماي قلتُ للتلميذات " رجاء ثم رجاء ليست لي سلطة أقدر من خلالها على أن أفرض عليكن الحجاب الشرعي , ولكنني أتمنى أن تلتزم كل واحدة منكن على الأقل بلباس محتشم , وإلا فإن اللباس المتبرج جدا والفاضح للغاية هو فضلا عن كونه حرام بكل تأكيد هو كذلك مخالف للقوانين الداخلية للمؤسسة . رجاء احترمننا يا تلميذات نحن معاشر الرجال , سواء كنا أساتذة أم تلاميذ أم مراقبين أم عمالا أم إداريين أم ...".
وبعد يومين أو ثلاثة دخلت إحدى تلميذاتي في قسم من الأقسام , دخلت عندي إلى القسم بلباس فهمَ منه كل التلاميذ حينذاك بأن التلميذة تقصد إثارتي واستفزازي وتحدي توجهي الديني .
ملاحظتان : 1- كثير من تلاميذ المؤسسة أصبحوا من خلال الدعوة إلى الله التي كنتُ أمارسها داخل المؤسسة وخارجها في ذلك العام , أصبحوا يصلون والكثيرات من تلميذات المؤسسة بدأن ولأول مرة يلتزمن باللباس المحتشم قبل أن تلبسن الحجاب الشرعي بعد ذلك بعام . وكان هؤلاء التلاميذ المتدينون وأولئك التلميذات المتدينات كانوا هم الأوائل في المؤسسة من حيث مستواهم العلمي وكذا الأدبي والأخلاقي .
2-وبسبب من ذلك وجه إلي السيد مدير المؤسسة إنذارا على اعتبار أنني أفسدُ تلاميذَ المؤسسة لأنني أُعلمهم الدينَ الإسلامي !!!. وبسبب من ذلك كذلك قال السيد المدير لبعض المقربين إليه " أكبر خطإ ارتكبته في حياتي هو أنني قبلتُ في بداية هذا العام الدراسي , قبلتُ الأستاذ ( رميته عبد الحميد ) مدرسا وأستاذا في المؤسسة التي أديرها أنا "!!!.
ثم أكمل القصة : عندما دخلتْ التلميذة بذلك اللباس المتبرج جدا والفاضح جدا , لأنه وبكل تأكيد يكشف من جسدها أكثر مما يستر , عندما دخلتْ على تلك الهيأة قلتُ لها في الحين " اخرجي " .
خرجت التلميذةُ من القسم وذهبت إلى السيد مدير المؤسسة لتشتكي أستاذها , وبعد قليل جاءني مستشار تربوي ( مراقب ) وقال لي " المدير يطلبك في مكتبه يا شيخ عبد الحميد ". ذهبتُ إليه , وعندما سألني عن سبب إخراجي للتلميذة أخبرته بالقصة , وأكدتُ له بأن لباس التلميذة ليس مخالفا للشرع الإسلامي فقط بل هو كذلك مخالف لقوانين المؤسسة , و " لو كنتم تطبقون القانون لطردتم التلميذةَ من أمام المؤسسة وقبل أن تصل إلي أنا , أي إلى القسم ". قال لي " أنا أعرف , ولكن ... " . وخلال نقاش استمر حوالي 15 دقيقة بيني وبين المدير , هو هددني بأنه سيتخذ إجراءات صارمة ضدي , وأنا أكدتُ له بأنني لن أقبل هذه التلميذة وبلباسها هذا في قسمي حتى ولو طُـردتُ نهائيا من عملي بالمؤسسة أو من كل التعليم لأن الرزق على الله وحده . وبالفعل كان لي ما أردتُ أنا – والحمد لله - لأن المدير اضطر ليطلبَ خلال بقية اليوم من التلميذة أن تتخلى عن لباسها هذا , ودخلتْ إلى قسمي بعد ذلك – في اليوم الموالي - بلباس عادي كما كانت تلبسُ من قبل وكما تلبس زميلاتُـها في القسم .
ملاحظة : التلميذة المذكورة في حكايتي هذه هي الآن متزوجة بمسؤول كبير وعندها أولاد وبنات , وزوجها يعرفني جيدا ويحترمني كثيرا ويقول لي بأن زوجته تقول له باستمرار " بلغ للأستاذ رميته ما يلي : أعتذر أولا عما سببته له في يوم ما من حرج ومن مشاكل مع إدارة الثانوية ومن ... ثم ما كان مني أنا في يوم من الأيام هو مجرد طيش أولاد وبنات ... ثم ما فعله معي الأستاذ في ذلك اليوم هو عين الحكمة ولو كان مؤلما جدا في حينه ... ولو أخطأتْ ابنتي اليوم مع أستاذها كما أخطأتُ أنا في يوم ما مع الأستاذ رميته , فإنني أتـمنى لأستاذها أن يتصرف معها كما تصرف الأستاذُ رميته معي , مهما كان تصرفه قاسيا علي ومهما تمت هذه القسوة مع ابنتي التي هي أغلى شيء عندي ".
ثم أواصل : ومن الكلمات التي قلـتُـها أنا خلال نقاشي مع المدير كلمة معينة أثارت استغرابَـه الشديد وتعجبَـه الكبير , وذلك عندما قلتُ له من ضمن ما قلتُ " أنا شاب صغير وغير متزوج وأُدرس تلميذات في مثل سني أنا تقريبا , ومنه فأنا أخاف على نفسي من الفتنة وأنا أدرس تلميذة بهذا التبرج المثير والفاتن !". بقي المدير لشهور عدة وهو يردد كلامي هذا على أساتذة الثانوية أحيانا متعجبا وأحيانا أخرى ساخرا " أنظروا إلى الأستاذ رميته المتدين والشيخ والذي يؤم الناس أحيانا في الصلوات و ... هو يخاف على نفسه من فتنة النساء أو من فتنة البنات . ما أعجب أمر الأستاذ وما أغربه . إنه أمر لا يُصدَّق !!! ".
والحقيقة هي أنني لست غريبا ولا عجيبا وكلامي ليس غريبا ولا عجيبا ولا شاذا , وإنما هو طبيعي جدا وللغاية.
1- القول بأن التلميذة التي عمرها 16 أو 17 أو 18 سنة هي بنتي أو عوض بنتي (مهما كانت متبرجة ) , ومنه فلا بأس أن أنظر إلى عورتها كما أشاء وأن أمسها كما أشاء وأن أختلي بها كما أشاء و ... لأنها في مرتبة ابنتي , هذا كله كلام فارغ لا قيمة له شرعا ومنطقا وعرفا وعادة و ... ووالله إن الذي يقوله إما مريض أو أنه يكذب على نفسه . هي ليست بنتي وأنا أنظر إليها حين أنظر إليها على اعتبار أنها أجنبية لأنها أجنبية بالفعل وهي في السن الذي يجعلها مرغوبا فيها من طرف أي رجل . ولو نظرتُ إلى تلميذة عمرها 17 سنة مثلا وهي في كامل زينتها ثم قلتُ " وماذا في ذلك ؟! إنها ابنتي !" , والله أنا أكذب عندئذ مليون مرة . وأما إن أردتُ أن أتعامل مع التلميذة على اعتبار أنها ابنتي , تعاملا يحبه الله لي ويرضاه الله لي , فيجب علي أن أنصحها وأوجهها وأتمنى لها الخير والعفاف والشرف والطهر والأدب والأخلاق والدين و ... الذي أحبه أنا لابنتي أو لنساء أهلي . ثم بعد ذلك يجب علي أن لا أمسها ولا أنظر إلى عورتها ولا أقـبلها ولا أداعبها ولا أختلي بها ولا ... لأنها حقيقة وشرعا أجنبيةٌ عني وليست أبدا محرما من محارمي .
هكذا يجب أن يتعامل الواحدُ منا مع أجنبية عنه , وإلا بلاش .
2-رغبة الرجل في المرأة رغبة فطرية وغريزية كالرغبة في الأكل والشرب , ولا علاقة لها أبدا بكون الرجل متدين أم لا , قوي الإيمان أو ضعيف الإيمان , قريب من الله أم بعيد عن الله . نعم قوي الإيمان يمنع نفسه من الحرام وأما ضعيف الإيمان فقد يطلبُ المرأة بالحلال والحرام , ولكن الرغبةَ في حد ذاتها في المرأة موجودةٌ عند الرجل كل رجل , مهما كان أتقى الناس أو كان أفسقَـهم .
3- خوفي على نفسي من فتنة النساء أو من فتنة تلميذات دليلٌ على صحة إيمان وإسلام , أي أنني أخافُ على نفسي أن أعصي الله تبارك وتعالى . ومنه فأنا أُبعدُ عن نفسي الفتنة حتى أُدرِّسُ التلاميذ وأنا طائع لله , وأُدرسُ التلميذات وأنا بعيدٌ عن ارتكاب أي حرام مع تلميذة ولو من خلال النظرة الحرام ... وبذلك أنا أضربُ عصفورين بحجر واحد كما يُقال .
4- خوفي على نفسي من فتنة النساء أو من فتنة التلميذات دليل على صحتي البدنية والعضوية وعلى أنني رجل سليم وصحيح ومعافى . وأما لو قلتُ " أنا ليست لي أية رغبة في النساء بشكل عام , والمرأة عندي هي مثل الطاولة أو الكرسي أو القلم أو الطباشير أو ... هي لا تعني بالنسبة إلي أي شيء " , فإنني بذلك أقدم الدليلَ القطعي على أنني مريضٌ ويلزمني طبيبٌ . وكل رجل يقول بأنه لا يرغب في المرأة أصلا , هو إما كاذب وإما مريض , وليس هناك احتمال ثالث .
وفقني الله وأهل المنتدى جميعا لكل خير , آمين .
297- قالت لي " رأس ابني ( خشين) " !!! : ليس كل ما يبدو للشخص بأنه يراه هو يراه بالفعل لأنه ربما يبدو له فقط بأنه يرى كذا , وهو في الحقيقة لم ير شيئا . وليس كل ما يبدو للشخص بأنه يسمعه هو يسمعه بالفعل لأنه ربما يبدو له فقط بأنه يسمع كذا , وهو في الواقع لم يسمع شيئا . وما أكثر ما قال لنا قائل
" في الطريق يبدو لي بأنني أسمع شخصا يناديني باسمي , ولكنني عندما أستدير إلى الخلف لا أجد أحدا " !.
وهذا أمر يمكن أن يقع شيء منه لكل الناس أو لأغلبيتهم , ولا يجوز أن يقلقنا لا من قريب ولا من بعيد .
ولا يُـعتبر هذا النوع من الوسواس – إن صح التعبير - مرضا يحتاج إلى رقية أو إلى طبيب إلا حين تزداد حِـدته ويكـثـرُ جدا ويستمر لمدة طويلة حتى يصبحَ مع الوقت مشكلة لا بدَّ لها من حل .
وهذا الوسواس البسيط الذي يمكن اعتباره عاديا والذي يمكن أن يقع لأغلبية الناس , هو وسواس عادي وطبيعي أحيانا لا يُـضحك أحدا ولا يلفتُ انتباهَ أحد إليه , ولكنه في أحيان أخرى هو مضحكٌ وقد يُـلفتُ انتباهَ بعضِ أو الكثيرِ من الناس إليه .
ومن أمثلة ذلك : التقيتُ – منذ حوالي 20 سنة – بامرأة داخلة إلى المستشفى مع ابن لها عمره حوالي 7 سنوات . سألتها عن أحوالها وعن حال الطفل الذي معها , فقالت لي " أنا آتية به إلى المستشفى لأبحث له عن علاج " .
- ما الذي يشتكي منه ؟
- هو لا يشتكي من شيء !
- إذن لماذا أتيتِ به إلى المستشفى ؟
- لأن رأسه " خشين " !!!.
و"خشين" بلهجة الجزائريين تعني معنيين : إما أن الرأس خشين , أي أن صاحبه عنيد , وإما أن الرأس خشين بمعنى أن حجمه كبير عضويا !.
وأنا فهمتُ في البداية المعنى الأول , فقلتُ لها " وهل هناك طبيب يعالج الرأسَ الخشين ؟! . عناد الطفل تلزمه تربية وطول بال ونفس طويل وصبر ومصابرة ونصيحة وتوجيه ودعاء لله ورجاء ... ولا يحتاج إلى طبيب " .
قالت " لا ! . أنا أشتكي من كبر حجم رأس ابني , ومنه فأنا أبحث له عن دواء أو عملية جراحية للإنقاص من حجم رأسه حتى يصبح متناسبا مع حجم الجسم عموما !" , ولكن الطفل في الحقيقة كان طبيعيا جدا وكان رأسه عاديا تماما . حاولتُ أن أقنع الأم بأن ابنها طبيعي حتى تُـرجعه إلى البيت ولا تكمل طريقها إلى المستشفى , ولكنها أصرت على أن رأسه " خشين " ولا بد له من طبيب يعالجه بأدوية أو يُجري له عملية جراحية تنقص من حجم رأسه !!!.
تركتها تذهب عند الطبيب , وبعد حوالي 3 أيام وجدتُـها في مكان ما مرة أخرى , فسألتها " ماذا صنع الأطباء لولدك ؟!" , ابتسمت وقالت " حاولتُ إقناعهم ولكنهم أحاطوا بي : أطباء وممرضون , وضحكوا معي كثيرا وطويلا لأنهم كانوا – في أغلبيتهم - يعرفونني , ثم أفهموني وأقنعوني بصعوبة بـأن ابني سليمٌ كما قلتَ أنت لي يا شيخ عبد الحميد ". قلتُ لها " الحمد لله , وأتمنى أن لا تترك هذه الحكاية آثارا سيئة على نفسية ولدك في الحاضر أو في المستقبل " , قالت " يبدو أنه بألف خير , والحمد لله رب العالمين ".
298 – لغو ثم لغو باسم البحث عن الزوجة الحلال : اللغو هو الباطل أو هو ما لا يفيد أو ... على خلاف بين العلماء والفقهاء والمفسرين و... وقد يكون اللغو في الكلام وقد يكون في الفعل .
وأنا أعرف معنى اللغو من أيام زمان , ولكنني أظن أنني ما عرفتٌ معنى اللغو في الكلام كما ينبغي أو أنني عرفتُ معنى اللغو أكثر وأكثر يوم الإثنين 4/5/2009 م مساء .
كنتُ راجعا من مدينة قالمة إلى قسنطينة , ثم من قسنطينة كنتُ راجعا عبر سيارة أجرة إلى مدينة ميلة . دخلتُ السيارة على الساعة الخامسة و 40 دقيقة , وبعد 5 دقائق تحركت السيارة متجهة إلى ميلة . دخلتُ السيارة على الساعة 5.40 دقيقة حيث وجدتُ فيها شابا عمره 25 سنة يتحدث عن طريق الجوال مع نساء ... بقي الشاب يتحدثُ بصوت مرتفع يسمعه جميعنا ( ركاب السيارة : أنا و 4 آخرون والسائق ) . بقي يتحدث حتى الساعة السادسة والربع حيث انقطع الاتصال ربما بسبب أننا مررنا بمكان كان خارج التغطية .
وكان حديث الشاب مع النساء أو مع البنات , كان في نظري لغوا في لغو , وكان جلـه حراما وفيه من سوء الأدب وقلة الحياء والوقاحة وانتهاك محارم الله ما فيه , والقليل منه كان كلاما لا فائدة منه وإنما هو قتل للوقت و... ليس إلا .
وعندما سألتُ الشاب أخبرني بأنه يتحدث مع هذه الشابة وأخواتها منذ الساعة الثالثة والنصف لا منذ الساعة الخامسة و40 دقيقة ( أي منذ حوالي 3 ساعات إلا ربع ) وأنه يتحدث كل شهرين أو ثلاثة مع مجموعة من البنات بقصد التعرف ثم إذا أعجبته واحدة , عندئذ ربما اتجه إلى أهلها ليطلبها للزواج .
وإن لم تعجبه أية واحدة منهن بحث عن أخريات ليحاول معهن لشهور عدة ومرة أخرى , فإن لم يجد من تصلح له زوجة بحث عن مجموعة ثالثة وهكذا ... وقال لي بأن هذا شأنه مع النساء والبنات منذ حوالي 3 سنوات , وأنه يقضي في كل يوم حوالي 5 أو 6 ساعات في الحديث الطويل مع البنات ... تارة مباشرة هنا وهناك وأحيانا أخرى عن طريق الهاتف النقال , وتارة بإذن أهل الفتاة وأحيانا أخرى بغير إذن الولي ...
ترددتُ في البداية هل أنصحه أم لا , ثم عزمتُ على أن أكلِّـمه وأنصحه وأوجهه بطريقة لينة لعله يسمع ويستفيد , إن لم يكن اليوم فعلى الأقل في يوم من الأيام , وإن لم يستـفـد هو فقد يستفيد بقية الركاب أو السائق مما سأنصحه به . والحمد لله أن الشاب سمع مني وقبل مني ( مع أنه لا يعرفني ) ما نصحته به , على الأقل في الظاهر سواء عمل بما نصحته أم لم يعمل به , بدليل أنه كان طيلة الحديث يكلمني ب " يا شيخ " أو " يا أستاذ " " بارك الله فيك ... " " عندك حق ..." " سل الله لي الهداية يا شيخ " ... ثم في النهاية طلب مني رقم هاتفي حتى يتصل بي متى احتاج إلى مساعدتي أو إلى نصائحي .
وكان من ضمن ما قلـتُه له خلال حوالي 45 دقيقة , ما يلي :
1-الذي يبحث عن زوجة يبارك الله له فيها , يحب أن يتبع الطريق الشرعي في سبيل ذلك ولا يتبع هذا الطريق الملتوي الذي أنت تسلكه منذ سنوات . والطريق الطبيعي هو أن تسأل عن الفتاة من بعيد أو من قريب . ثم إذا اطمأن قلبك إليها اتصل مباشرة بأهلها واطلبها منهم . إذا وافقوا فاستكمل بقية الخطوات الشرعية وإلا فاذهب أنت في حال سبيلك , وليفتح الله على كل منكما بالخير .
2- حكاية التعارف بين الشاب والفتاة قبل الخطبة أو بعدها , وقبل العقد أو بعده هو كذب في كذب , ووالله لن يعرف أحدهـمـا الآخر كما ينبغي وعلى حقيقته إلا بعد الزواج .
3- كل هذا الوقت الذي أنت تقضيه في التحدث مع فتيات أجنبيات مازالت الواحدة منهن ليست خطيبة لك ولا زوجة , ستُـسأل عنه يوم القيامة , واسأل نفسك من الآن : هل سيكون هذا الوقت في ميزان حسناتك أم سيئاتك ؟!.
4- كل هذا الكلام الذي سمعـتُـه أنا منك خلال 25 دقيقة تقريبا هو لغو في لغو , وأغلبه - إن لم أقل كله - باطل وحرام . ومع ذلك أنا أعرف أن ما تقوله لهؤلاء الشابات بعيدا عن سمع الغير وكذا ما تقوله لهن في الليل هو أسوأ بكثير مما يقال أمام أمثالي وفي النهار . وهذا أمر مفهوم وبديهي ولا يحتاج إلى شرح أو دليل أو حجة أو برهان .
5- أنت لا تقبل حتما أن يتحدث شاب مع أختك أو إحدى نساء أهلك بمثل ما سمعتك أنت تتحدث به قبل قليل مع بعض الشابات . إذن كيف تقبل لبنات الغير ما لا تقبله أنت لنساء أهلك , وكيف لا تقبل من غيرك من الشباب ما تقبلك أنت من نفسك ؟! . أليست هذه قمة في الأنانية يا هذا ؟!.
6- لن يبارك الله لك في زواج أنت تريد أن تبدأه بالحرام من أول يوم . وكذلك لن تحترمك امرأة في الدنيا ولن تُـقدرك إلا إذا كنتَ معها وقافا عند حدود الله تعالى . وأما وأنتَ تتحدث مع شابة أجنبية عنك باللغو الذي كنت أسمعه منك قبل قليل , فيستحيل أن تحترمك وتقدرك . كن على يقين من هذا يا ولدي ...
هداني الله وإياك وجميع شباب وشابات أمة الإسلام وجميع أبناء أمة محمد عليه الصلاة والسلام إلى ما فيه الخير والهدى والرشاد والتوفيق , آمين .
299- كثرة الاهتمام بهذه الدراسات تُـقـسي القلب مع الوقت :
أنا أعتقد أن كثرةَ الاهتمام – وأؤكد على كلمة كثرة - بالدراسات المتعلقة بمسائل غيبية , ( فضلا عن أنها غالبا خلافية ولا نعرفُ الصوابَ فيها , وفضلا عن أنه ليست لها فائدة عملية ) تُقَسي القلبَ مع الوقتِ , خاصة إن لم يُصاحبها اهتمامٌ كافي بالتربية الروحية مثل النوافل من الصلاة والصيام ومثل الذكر والدعاء ومثل قراءة القرآن ومثل زيارة المقبرة ومثل محاسبة النفس ومثل ... وأنا أعرف شبابا عندنا في بعض المناطق في الجزائر , هم أبطالٌ في نقل أقوال العلماء في النفس والروح والقلب والعقل و...مما ليست لهُ أية فائدة عملية , ثم تجدهم جاهلين لأبسط مسائل الفقه في الصلاة والصيام , وتجدهم ضعافا جدا في مجال تخصصهم الدراسي , وتجدهم بعيدين كلَّ البعد عن التعامل مع الناس بما يمليه عليهم الأدبُ والخلق الإسلامي , وتجدهم قساة في التعامل مع أقرب الناس إليهم من إخوة وأخوات وأب وأم , وتجدهم يعانون ( بشهادة أهاليهم ) في الكثير من الأحيان من القلق والوسواس والخوف والخلعة و... وكلُّ هذا نتجَ في نظري عن اهتمامهم الزائد بدراسة علم ظني - ليست فيه فائدة عملية ويُقسي القلب - على حساب علوم أخرى تُعرِّفُ بالدين وتُـقرِّب من الله وتزيدُ من الأجر وتُسعد الإنسانَ وتُرقِّـق القلبَ وترفعُ المعنوياتِ وتُـقوي الإيمانَ و...
تم منذ حوالي 3 شهور بين أخوين كريمين هنا في الجزائر. أحدُهما يؤكد على أن عدوه الأساسي هو النفس الأمارة بالسوء , وكان يُـقدمُ على صحة دعواه أدلة من أقوال بعض العلماء , وأما الآخر فكان يؤكد على أن عدوه الأكبر هو الشيطان وكان هو الآخر يستدل على صحة ما يقول بأقوال علماء آخرين . واحتد النقاشُ بينهما فقلتُ لهما مهدئا " على رسلكما لن يستفيد الدينُ ولن يستفيد أيُّ مسلم من حدة النقاش بينكما , ولن يُـقدم أحدكما دليلا قطعيا على صحة ما يقول , ولن يستطيعَ أيٌّ منكما أن يُـقدم لنا ولو فائدة عملية بسيطة يمكن أن نأخذها من هذا الحوار. على رسلكما ! إن المطلوبَ من كلِّ واحد منا حتى يحبَّـه اللهُ ويرضى عنه أن يتخذَ الشيطانَ عدوا وأن يتغلبَ على هواه وأن يرفعَ نفسه على درجة الرضى والاطمئنان أو على الأقل إلى درجة النفس اللوامة , ثم لا علينا بعد ذلك من بقية النقاش والحوار. قولا لي بالله عليكما ما الذي يستفيدُ منه أيُّ واحد منا إن عرفنا أين موضع النفس من البدن أو لم نعرف ذلك ؟ ما علاقة النفس بالروح ؟ أيهما أهم ؟ ما علاقة النفس بالهوى والشيطان ؟ ما علاقة النفس بالعقل ؟ ما علاقة النفس بالقلب ؟ إلى آخر هذه الأسئلة . قولا لي بالله عليكما أية فائدة سيجنيها المؤمنُ من خلال هذه الدراسات أو البحوث أو من وراء أي نقاش في هذه المسائل أو من هذه الخصومة بينكما ؟ . هداني الله وإياكما لكل خير آمين ".
300-الله عادل وحكيم ورحيم : قال لي أخ متعصب في يوم من الأيام ( عام 1991 م ) عندما ذكرتُ أمامه حاكما ظالما من حكام الجزائر , وقلتُ عنه أمامه " رحمة الله " , قال لي عندئذ " أسأل الله أن لا يرحمه . وإن دخل هو إلى الجنة فأنا لا أريد أن أدخلها , بل إنني أسأل الله عندئذ أن يدخلني إلى النار "!!! .وهذا عندي قمة في التعصب الذي لا يأتي إلا من جهل .1- هل مثلا لو أتيحت لي الفرصة للتحدث مع الرئيس " أوباما " مثلا عن الإسلام ودعوته إلى الإسلام و ... هل أُغلق هذا الباب أمام نفسي وأمامه هو وأقول له " باب التوبة مغلق أمامك أنت يا ... لأنك حاربت الله ورسوله والمسلمين كثيرا , وأنت لذلك لا يصلحُ لك إلا انتقام الله منك "!!! .أنا أرى أن هذا موقفٌ لا يصلح أبدا من الناحية الشرعية , لأن باب التوبة في الحقيقة مفتوحٌ أمام العباد ( كل العباد ) ما لم يغرغر أحدهُم , أي ما لم يصل إلى لحظات الاحتضار قبيل وفاته . ثم هذا موقفٌ لا يصلح شرعا لأن الله وحده أعلم بمن ينـتقم منه ومن يعفو عنه , وهو وحده أعلم كذلك بمن يخـتم له بالخير ومن يخـتم عليه بالشر , وهو وحده أعلم بمن يستحق رحمته ومن لا يستحق إلا عذابه .2 - ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم " أو " خير لك مما طلعت عليه الشمس " ولم يستـثن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا مهما كان فاسقا أو فاجرا أو كافرا أو مشركا أو منافقا أو عدوا لله ولرسوله وللمؤمنين والمسلمين .3 - ثم إن مات شخصٌ على الكفر ثم أدخله الله يوم القيامة النار , فإننا لا نشك أبدا ولا يجوز لنا أن نشك أبدا في عدل الله ثم في رحمته سبحانه وتعالى , حتى ولو عاش هذا الشخصُ ألفَ سنة والناس لا يعرفون عنه إلا أنه عابد لله تقي نقي ورع زاهد و ... يجب أن نكون على يقين ما دمنا مسلمين مؤمنين أن الله ما أدخله النار إلا لأنه يستحق النارَ , ولأنه يعلم منه ما لا يعلمه الناس منه , ولأنه يعلم الظاهر والخفي وأما الناس فلا يعرفون إلا الظاهر فقط , , ولأن الله هو العدل " ولا يظلم ربك أحدا " . وفي المقابل : إن مات شخصٌ على الإسلام ثم أدخله الله الجنة يوم القيامة , فإننا لا نشك أبدا ولا يجوز لنا أن نشك ولو للحظة من الزمان في عدل الله ثم في رحمته سبحانه عزوجل , حتى ولو عاش هذا الشخص ( مثل بوش وأكثر من بوش , وفرعون وأكثر من فرعون ) ألف سنة والناس لا يعرفون عنه إلا أنه كافر ومشرك وعدو للإسلام والمسلمين , ولا يعرفون عنه إلا أنه عاش أغلب حياته يحارب الأرض والسماء بالليل والنهار بالقول والفعل , ولا يعرفون عنه إلا أن فيه وعنده " العيوب السبعة " كما يقول الناس في مَـثَـلهم المشهور , ولا يعرفون عنه إلا أنه لم يفعل في حياته خيرا قط . يجب أن نكون على يقين ما دمنا مسلمين مؤمنين أن الله ما أدخله الجنة إلا لأنه يستحقها ( بعد رحمة الله طبعا ) , ولأنه يعلم منه ما لا يعلمه الناس منه , ولأنه يعلم الظاهر والخفي وأما الناس فلا يعرفون إلا الظاهر فقط , , ولأن الله هو العدل " ولا يظلم ربك أحدا " , ولأن الله أحكمُ الحاكمين " إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ " .
وهذا الكلام – كما هو واضحٌ - يتضمن رد المشيئة إلى الله عز وجل ، فإنه هو وحده الفعال لما يشاء " لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ". والله وحده أعلم بالصواب .
انتهت ال 300 وقفة , ثم تأتي بعدها بإذن الله تعالى ال 100 وقفة الرابعة مع ذكريات حسنة أو سيئة