الاثنين، 15 يونيو 2009

وقفات مع ذكريات من 291 إلى 300 :

بسم الله
عبد الحميد رميته , الجزائر

291- قيل لنا " أنت غائب " , إذن أنت غائب !!! :
هذه حادثة وقعت لي اليوم على الساعة 3.55 مساء من يوم الأربعاء 15/04/2009 م بالثانوية التي أدرس بها منذ 1984 م . لي ولد عمره 15 سنة يدرس في السنة 4 متوسط , أدخلته إلى المستشفى ( بمدينة ... ) يوم الأحد 12/4/2009 م من أجل إجراء عملية جراحية تمت والحمد لله بنجاح , واحتجتُ اليوم ( الأربعاء ) إلى أن أذهب إلى المستشفى بمدينة ... من أجل إخراج الإبن والإتيان به إلى البيت ليرتاح فيه حوالي أسبوعين قبل أن يشفى من مرضه تماما بإذن الله تعالى . استأذنتُ من السيد مدير الثانوية من أجل أن أغيب أمسية اليوم , أي أغيب عن التدريس لمدة 3 ساعات ( من الساعة 2 إلى الساعة 5 مساء ) , فأذن لي السيد مدير الثانوية ودعا للولد بالشفاء وقال لي " نلتقي غدا صباح الخميس بإذن الله تعالى " . ولكن نظرا لأنني أخرجتُ ابني من المستشفى وأوصلته إلى بيتي على الساعة 3.30 مساء , فإنني عزمت على أن أدرس تلاميذ قسم من الأقسام من الساعة الرابعة إلى الخامسة . ذهبت إلى الثانوية حوالي الساعة 3.55 فوجدت التلاميذ يهمون بالخروج من القسم لينصرفوا إلى بيوتهم على اعتبار أن إدارة الثانوية أخبرتهم بأن
" الأستاذ رميته " غائب اليوم عنكم من ال 4 إلى ال 5 مساء .
فوجئ التلاميذ بي أمامهم فقالوا لي " يا أستاذ أنت غائب هذا المساء "! .
قلتُ لهم " لكنني الآن أمامكم " .
- ولكن الإدارة أخبرتنا بأنك غائب !.
- ولكنني حضرتُ .
- وبقينا حوالي دقيقتين مع " أنا حاضر " , " بل أنت غائب "!!! .
وكأن لسان حال التلاميذ يقول ( قالت لنا الإدارة " أنت غائب " , إذن أنت غائب . نحن لا نعرف إلا هذا , نحن نصدق الإدارة ونكذب أعيننا ) !!!.
وفي النهاية دخل نصف تلاميذ القسم إلى القاعة حيث قدمت لهم الدرس وغاب النصف الآخر على اعتبار أن
" الإدارة قالت لنا بأن الأستاذ غائب إذن هو غائب " !!!.
ثم أقول كما قلتُ منذ أيام " إلى أين يتجه التعليم في بلادنا ؟! . لا أدري ثم لا أدري " .
292- بين الشجاعة والانتحار : أنا أتذكر أنني عندما سجنتُ مرتين ( مرة لمدة عام ونصف ومرة لمدة 3 أشهر ونصف ) من طرف المخابرات الجزائرية كنتُ باستمرار أقول للجلادين " هذه عنقي إن أردتم قتلي , وهذه يدي ورجلي إن أردتم تقييدي , وهذا جسدي إن أردتم تعذيبي , ولكن ثقوا بأنكم لا تملكون إلا جسدي وأما روحي فهي لله وحده ولن تنالوا منها شيئا " . وكان جميع الجلادين يفهمون من كلامي هذا بأنه شجاعة وجرأة مني , ولذلك فإنني كلما تعاملتُ معهم بهذه الطريقة وضُح عندهم أكثر بأنني أكبرُ منهم بكثير , ومنه فإنهم يلجأون من أجل الانتقام إلى زيادة سبي وشتمي وتعذيبي وسب الله والرسول والإسلام والمسلمين و...أمامي . وأنا أقسم بالله أنه لا أحد من الجلادين كان يفهم من تسليم جسدي لهم وأنا مرفوع الرأس ومبتسم , ما كان أحدٌ منهم يفهم أبدا بأن ذلك ضعف مني أو محاولة انتحار !!!. وكل الجلادين الذين يلتقون بي اليوم
( خارج السجن ) يحترمونني كثيرا ويستحون حتى أن يرفعوا رؤوسهم أمامي , لأنهم عرفوني شجاعا لا محاولا أن أنتحر .!!! وكذلك فإن كل الناس الذي حكيتُ لهم بالتفصيل ما وقع لي في السجن , كلهم فهموا جميعا وبلا استثناء أنني كنت شجاعا وجريئا ومقداما وعزيزا ( بالله بطبيعة الحال ) وبأنني كنتُ كبيرا وأما الجلادون فكانوا صغارا جدا . وأنا أحلف مليون مرة أنه ما فهم واحدٌ من الناس مهما كان جاهلا أو حاقدا أو بنصف عقل أو بعُشر عقل أو ... ما فهم أبدا ولو لثانية واحدة من الزمان ما فهمه الأخ ... عندما اتهم سيد قطب بأنه انتحر وهو يسلم نفسه لجلاديه !!! .
293 – إذا كان أقـرب الناس إليك لا يحترمك !:
اتصل بي في يوم من الأيام ( منذ حوالي 15 سنة ) , اتصل بي مسؤول على مؤسسة تعليمية معينة من أجل التوسط لدى واحد من أعز أصدقائه ( كما قال عنه هو ) وذلك لأرقي ابنته , أي ابنة هذا الصديق . طلبتُ من هذا المسؤول ( ولنفرض بأن اسمه صالح ) , بأن يترك التوسط لأنني لا أحب أية وساطة من أجل الرقية , وقلتُ له " أنا أريد إزالة الحواجز بيني وبين الناس من أجل الرقية . دع صاحبك يتصل بي , وإذا كانت الرقية تلزم ابنـته فسأعطيه موعدا بإذن الله تعالى , سواء كنتُ أعرفه أم لم أكن أعرفه ". حاول معي صالحٌ من أجل أن أعطيه هو الموعد لصاحبـِـه , ولكنني رفضتُ وأصررتُ على الرفض . اتصل بي صاحبه ( العزيز أو الأعز ) بعد أيام قليلة , وبعد أن سمعتُ منه حكاية ابنته أعطيته موعدا حتى أرقي ابنـته في اليوم ( كذا ) بعد العصر وعلى الساعة ...
ذهبتُ إلى دار هذا الشخص في الموعد المحدد وسمعتُ من ابـنـته ثم رقيتها . وقبل أن أخرج من داره أذن المؤذن لصلاة المغرب . استأذنتُ من أهل البيت في أداء صلاة المغرب في البيت , " ثم أقدم بعض النصائح للمرأة التي رقيتها ثم أخرج ".
صليتُ المغرب ثم جلست مع المرأة التي رقيتها ومع أمها وأبيها , ووجهتُ المرأة إلى جملة أشياء من شأنها أن تساعدها على سرعة الشفاء بإذن الله تعالى .
وعندما هممتُ بالخروج من دار الرجل ( أبي المرأة التي رقـيـتُـها ) استوقفني الرجل وزوجته على اعتبار أن العَـشاءَ جاهزٌ ( وكان واضحا أنهم جهزوا عشاء من أجلي أنا بالذات ) . قلتُ لهم " جزاكم الله خيرا كثيرا , ونيتكم طيبة , و ... ولكن يستحيل علي أن أتعشى في دار رقيتُ واحدا من أهلها . لن أفعل هذا أبدا , لأنني أرى أن هذا قد يكون مقدمة لأن آخذ في يوم من الأيام أجرا على الرقية , وأنا عاهدت نفسي على أن لا آخذ أجرا على رقية أبدا . لا داعي لأن تتعبوا أنفسكم , ولا داعي لأن تلحوا علي , لأنني لن آكل شيئا عندكم مهما ألححتم ".
نظر إلي الرجل عندئذ وابتسم قائلا " ما زال الخير في هذه الدنيا يا أستاذ عبد الحميد ".
ثم أضاف مبتسما أو ضاحكا ضحكة فيها تعجب من شيء وإعجاب بشيء آخر " آه يا شيخ ... لو حضر معك صالحٌ , لفرح كثيرا بسبب أنك لن تأكل شيئا , لأنه هو الذي سيتولى أكل نصيبك أنتَ ونصيبه هو , ولا أدري إذا كان ذلك سيكفيه أم لا . صالحٌ يقول عن نفسه دوما [ على كَـرشي نخلي عرشي ] , أي من أجل بطني , أنا مستعد لأن أدمر عرشي أو ملكي أو سلطاني "!!!.
قلتُ لنفسي عندئذ " بغض النظر عن الغيبة التي وقع فيها هذا الرجل اتجاه صاحبه " , " ما أسوأ حال الواحد منا إذا كان أقربُ الناس إليه وأعزُّ الناس عنده لا يحترمه , بل يسخر منه ويستهزئ به بمناسبة وبدون مناسبة ".
وصدق من قال " إذا أردت أن يحبك الله ثم يحبك الناس فازهد فيما في أيدي الناس " . وأما إن كنتَ متكالبا على ما في أيدي الناس , فلا داعي لأن تتعب نفسك وتتمنى محبة الناس لك واحترامهم إياك . إن ذلك مستحيلٌ مليون مرة , وإنك بذلك تكون كمن يصرخ في واد أو يزرع في رماد .
والله أعلم بالصواب .
294 – بسبب رفضي للجلوس في سيارة إلى جانب امرأة ! :
منذ أكثر من 25 سنة , ومع بداية اشتغالي بالتعليم في ثانوية حيث كنتُ أعزبا لم أتزوج بعدُ , كنتُ متجها من مدينة قسنطينة – عبر سيارة الأجرة - إلى مدينة ميلة ( المسافة بينهما 45 كلم ) . والسيارة فيها 6 أماكن بدون حساب مكان السائق . ركبنا في السيارة نحن 5 أشخاص : إثنان في الخلف وواحد في الأمام إلى جانب السائق وإثنان في الوسط . إذن بقي مكان شاغرٌ في وسط السيارة , لأن الوسط يسع 3 أشخاص . جلستُ أنا في الوسط إلى جانب شاب آخر لم يعجبني من البداية , لأنه ظهر لي بأن شكلي أنا المتدين ( بلحية ) لم يستسغـه هو , خاصة وأن أنظار الكثير من الناس – سلطة وشعبا - في ذلك الوقت كانت متجهة إلى الشباب المتدين ( الذكور بلحاهم والإناث بحجابهن ) .
وفي وسط المسافة بين المدينتين أوقفتنا شابة متبرجة جدا جدا في الطريق لتركب معنا من ذلك المكان وحتى مدينة ميلة . أردتُ أن ألجئها إلى الجهة الأخرى حتى تجلس بجانب الشاب الآخر ولا تجلس بجانبي أنا . ولكن الشاب بدا لي ( وأنا لستُ متأكدا من ذلك بطبيعة الحال ) بأنه يريد أن يُـحرجني , فأصر هو على أن الشابة تجلس بجانبي أنا . اتجهت المرأةُ إلى جهتي أنا فرفضتُ أن تجلس إلى جانبي كما رفضتُ أن تجلس بيني وبين الشاب , وأصررتُ على أن تجلس بعيدا عني , وفي الجهة الأخرى من السيارة , ويبقى الشاب بيني وبينها .
انزعج السائق ( الذي لم أكن أعرفه ) من ترددنا , فقال للشابة غاضبا " ادخلي إلى السيارة بسرعة واجلسي على يمين السيد ... ( وكان يقصدني ) , وإلا فإنني أواصل سيري ولا أنتظرك أكثر مما انتظرتكِ " . أرادت الشابة الدخولَ فعزمتُ أنا عندئذ على النزول من السيارة حيثُ أعطيتُ تكلفة السفر للسائق أمام اندهاشه هو واندهاش بقية الركاب ومعهم الشابة المتبرجة . وقلت للسابق " سألحق أنا بإذن الله على رجلي أو في سيارة أخرى .
لا تقلقوا من أجلي . رافقتكم السلامة . السلام عليكم ورحمة الله وبركاته " !.
انتظرتُ على قارعة الطريق لحوالي نصف ساعة , ثم مرت بي سيارةٌ أخرى ركبتُ فيها حيثُ أوصلتني إلى مدينة ميلة , والحمد لله رب العالمين .
ملاحظـتـان :
1- السائق وكذا بقية الركاب ومنذ تلك الحادثة أصبحوا كلما رأوني جروا إلي وأحسنوا استقبالي و... , وهم لا ينادونني حتى الآن إلا ب " يا شيخ ... يا أستاذ ..." , وهذا دليل على أنهم علموا بأن موقفي مع الشابة هو موقف شجاع وعفيف وشريف و ...2- الموقف المذكور هنا فيه احترام للمرأة وليس فيه أي ازدراء أو احتقار لها . أنا تصرفتُ معها كما تصرفتُ , لأنني أحترم المرأة وأحب لها ما أحب لبناتي ولنساء أهلي . أنا لم أجلس بجانبها ولم أحتك بها , تماما كما لا أحب لأجنبي أن يجلس بجانب ابنتي ويحتك بها .
وقبل أن أختم أعلق على القصة القصيرة ببعض التعليقات البسيطة :
1-حجابُ المرأة يًـجمِّـلها جمالا يجعل الرجلَ يحترمها ويقدرها , وأما تبرجها فيُـجمِّـلها جمالا يجعل الرجلَ يطمع فيها ويشتهيها .
2- جلوسُ رجل بجانب امرأة وهو ملتصق بها فخذا إلى فخذ , جلوس حرام بكل تأكيد , والسبب واضح لا يحتاج إلى بيان , ومن قال " ليس في ذلك شيء " هو إما جاهل أو مخادع .
3- من يحرم نفسه من لذة معصية , يعوضه الله غالبا بلذة طاعة هي أكبر وأعظم بكثير من اللذة الأولى .
4- السير الحلال راجلا ولو لعشرت الكيلومترات , هو خير وأفضل بكثير من الركوب الحرام ولو لدقائق معدودات .
5- يجب أن يكون المؤمن معتزا كل الاعتزاز بدينه " ولله العزة ولرسوله وللمومنين " . وأما إن سخر منه ساخرٌ فليقل له تلميحا أو تصريحا " إن تسخروا منا , فإنا نسخر منكم كما تسخرون " .
والله وحده الموفق والهادي لما فيه الخير .
295- آه كم كانت قيمة فنجان الحليب عظيمة ! :
خلال فترة السجن التي قضيتُـها فيما بين سبتمبر 85 وجانفي 86 م في 4 سجون جزائرية عُـذِّبت خلالها أكثر بكثير مما عُـذبت خلال فترة السجن الأولى التي استمرت معي لمدة عام ونصف , أي من نوفمبر 82 إلى ماي 84 م , مرت بي أحداث جسام بعضها حلو وبعضها مر , ولكن الكل فيه عبرة وعظة بإذن الله تعالى .
ظروف المعتقل الانفرادي في زنزانة خاصة بي كانت سيئة جدا , من حيث الأكل والشرب والفراش والغطاء واللباس , والحاجة إلى الوضوء والغسل والتيمم , وكذا إلى الضوء والهواء , وإلى النوم , وإلى الراحة والهدوء , وكذا الرغبة في البقاء ولو ليوم واحد بدون تعذيب جسدي ونفسي و ...
ومن مظاهر معاناتنا في الزنزانة الأكل القليل وغير الصحي والوسخ والأكل بدون ملعقة و ...
ومما مر بي خلال تلك الفترة من أحداث صغيرة ولكن فيها عبرة : فنجان الحليب الذي كنت أشربه كل صباح حوالي الساعة 6.00 صباحا .
كان الحارس الجلاد القاسي الغليظ العنيف الفظ ... يأتينا في كل يوم على الساعة السادسة صباحا بفنجان حليب ساجن , فنجان وليس كأسا , أي أن كميته قليلة بالمقارنة مع كمية الحليب العادية التي يشربها أغلبية الناس في بيوتهم في اليوم مرة أو مرتين , سواء كانوا صغارا أو كبارا , رجالا أو نساء . وكان الجو البارد من جهة والجوع والعطش من جهة ثانية , وكذا المعاملة الفظة الغليظة التي كنا نُـعامَـل بها في المعتقل من جهة ثالثة , كل ذلك كان يجعل فنجان الحليب يتحول في نظري إلى كنز من الكنوز الـثميـنـة للغاية والغالية جدا . كنتُ أمسكُ بفنجان الحليب بقوة وأحيطه بيدي الاثنـتين من أجل التدفئة من جهة , ومن جهة أخرى كأنني أخاف أن يطير أو يتبخر الحليب من بين يدي . أشرب الجرعة الصغيرة الواحدة في كل دقيقة تقريبا , وأقسِّم الفنجان إلى حوالي 30 جرعة خلال 30 دقيقة تقريبا . أشرب الجرعة الواحدة وأستمتع بهذا الشرب كل الاستمتاع وكأنني آكل اللحم أو الكبد أو كأنني أشرب العسل المصفى أو ... كنت أشرب الجرعة الواحدة من الحليب الدافئ وكأنني ملِك أو سلطان أو رئيس دولة أو ... كنت أشرب فنجانَ الحليب وأقول في نفسي " أنا في نعمة لو علم بها من سجنني لقاتلني عليها بالسيف " .
كنتُ أستمتع وأتلذذ كثيرا بشرب الحليب من هذا الفنجان الصغير , وأتمنى لو يبقى فنجان الحليب عندي لأقسَِمه إلى ألف قسم أو ألف جزء , ولأسـتمتع بالشرب لأطول مدة ممكنة , ولو استمر شربي للحليب ليوم كامل . ولكن ليس كل ما يتمنى المرء يدركه , ومنه فعندما تصل السادسة والنصف ( أي بعد نصف ساعة من بدء شربي للحليب ) يفتح الحارسُ الجلاد نافذة زنزانتي الصغيرة ليطلب مني فنجان الحليب الفارغ , ويا ويلي إن رفضتُ إعطاءه الفنجان أو طلبتُ وقتا إضافيا لزيادة الاستمتاع بشرب الحليب .
وعندئذ وعندئذ فقط انتبهتُ إلى أن شربَ الحليب نعمة عظيمة , وإلى أن الأكل والشرب نعمة عظيمة , وإلى أن الحرية نعمة عظيمة , وإلى أن الإسلامَ أعظمُ النعم وأجلُّـها على الإطلاق , وإلى أن نعم الله علينا لا تعد ولا تحصى , ولكن قل من يشكر الله عليها .
يا رب إذا أنعمت علينا فاجعلنا من الشاكرين , وإذا ابتليتنا فاجعلنا من الصابرين , آمين .
296- أنا أخاف على نفسي من تدريس متبرجات تبالغن في التبرج ! :
كان يا مكان في سنة من السنوات حيث كان عمري 23 سنة ( ما زلتُ أعزبا ) , وحيث كنتُ أُدرِّسُ تلاميذَ ثانوية من ثانويات الجزائر الطويلة والعريضة . ولأنني كنتُ صغيرا في ذلك الوقت فإن سني أكبر من سن التلميذ أو التلميذة في الثانوية ب 3 أو 4 أو 5 سنوات فقط , ومنه يمكن أن أعتبر نفسي فقط أخا أكبر قليلا لأي تلميذ , لا كشأني اليوم ( 2009 م ) حيث سني أكبر من سن التلميذ بالثانوية بأكثر من 3 مرات , ومنه فأنا في مرتبة الأب لأي تلميذ .
في تلك السنة وعندما اقتربت نهاية السنة الدراسية واقتربت معها أيامُ الصيف الساخنة , أي في الأيام الأولى من شهر ماي قلتُ للتلميذات " رجاء ثم رجاء ليست لي سلطة أقدر من خلالها على أن أفرض عليكن الحجاب الشرعي , ولكنني أتمنى أن تلتزم كل واحدة منكن على الأقل بلباس محتشم , وإلا فإن اللباس المتبرج جدا والفاضح للغاية هو فضلا عن كونه حرام بكل تأكيد هو كذلك مخالف للقوانين الداخلية للمؤسسة . رجاء احترمننا يا تلميذات نحن معاشر الرجال , سواء كنا أساتذة أم تلاميذ أم مراقبين أم عمالا أم إداريين أم ...".
وبعد يومين أو ثلاثة دخلت إحدى تلميذاتي في قسم من الأقسام , دخلت عندي إلى القسم بلباس فهمَ منه كل التلاميذ حينذاك بأن التلميذة تقصد إثارتي واستفزازي وتحدي توجهي الديني .
ملاحظتان : 1- كثير من تلاميذ المؤسسة أصبحوا من خلال الدعوة إلى الله التي كنتُ أمارسها داخل المؤسسة وخارجها في ذلك العام , أصبحوا يصلون والكثيرات من تلميذات المؤسسة بدأن ولأول مرة يلتزمن باللباس المحتشم قبل أن تلبسن الحجاب الشرعي بعد ذلك بعام . وكان هؤلاء التلاميذ المتدينون وأولئك التلميذات المتدينات كانوا هم الأوائل في المؤسسة من حيث مستواهم العلمي وكذا الأدبي والأخلاقي .
2-وبسبب من ذلك وجه إلي السيد مدير المؤسسة إنذارا على اعتبار أنني أفسدُ تلاميذَ المؤسسة لأنني أُعلمهم الدينَ الإسلامي !!!. وبسبب من ذلك كذلك قال السيد المدير لبعض المقربين إليه " أكبر خطإ ارتكبته في حياتي هو أنني قبلتُ في بداية هذا العام الدراسي , قبلتُ الأستاذ ( رميته عبد الحميد ) مدرسا وأستاذا في المؤسسة التي أديرها أنا "!!!.
ثم أكمل القصة : عندما دخلتْ التلميذة بذلك اللباس المتبرج جدا والفاضح جدا , لأنه وبكل تأكيد يكشف من جسدها أكثر مما يستر , عندما دخلتْ على تلك الهيأة قلتُ لها في الحين " اخرجي " .
خرجت التلميذةُ من القسم وذهبت إلى السيد مدير المؤسسة لتشتكي أستاذها , وبعد قليل جاءني مستشار تربوي ( مراقب ) وقال لي " المدير يطلبك في مكتبه يا شيخ عبد الحميد ". ذهبتُ إليه , وعندما سألني عن سبب إخراجي للتلميذة أخبرته بالقصة , وأكدتُ له بأن لباس التلميذة ليس مخالفا للشرع الإسلامي فقط بل هو كذلك مخالف لقوانين المؤسسة , و " لو كنتم تطبقون القانون لطردتم التلميذةَ من أمام المؤسسة وقبل أن تصل إلي أنا , أي إلى القسم ". قال لي " أنا أعرف , ولكن ... " . وخلال نقاش استمر حوالي 15 دقيقة بيني وبين المدير , هو هددني بأنه سيتخذ إجراءات صارمة ضدي , وأنا أكدتُ له بأنني لن أقبل هذه التلميذة وبلباسها هذا في قسمي حتى ولو طُـردتُ نهائيا من عملي بالمؤسسة أو من كل التعليم لأن الرزق على الله وحده . وبالفعل كان لي ما أردتُ أنا – والحمد لله - لأن المدير اضطر ليطلبَ خلال بقية اليوم من التلميذة أن تتخلى عن لباسها هذا , ودخلتْ إلى قسمي بعد ذلك – في اليوم الموالي - بلباس عادي كما كانت تلبسُ من قبل وكما تلبس زميلاتُـها في القسم .
ملاحظة : التلميذة المذكورة في حكايتي هذه هي الآن متزوجة بمسؤول كبير وعندها أولاد وبنات , وزوجها يعرفني جيدا ويحترمني كثيرا ويقول لي بأن زوجته تقول له باستمرار " بلغ للأستاذ رميته ما يلي : أعتذر أولا عما سببته له في يوم ما من حرج ومن مشاكل مع إدارة الثانوية ومن ... ثم ما كان مني أنا في يوم من الأيام هو مجرد طيش أولاد وبنات ... ثم ما فعله معي الأستاذ في ذلك اليوم هو عين الحكمة ولو كان مؤلما جدا في حينه ... ولو أخطأتْ ابنتي اليوم مع أستاذها كما أخطأتُ أنا في يوم ما مع الأستاذ رميته , فإنني أتـمنى لأستاذها أن يتصرف معها كما تصرف الأستاذُ رميته معي , مهما كان تصرفه قاسيا علي ومهما تمت هذه القسوة مع ابنتي التي هي أغلى شيء عندي ".
ثم أواصل : ومن الكلمات التي قلـتُـها أنا خلال نقاشي مع المدير كلمة معينة أثارت استغرابَـه الشديد وتعجبَـه الكبير , وذلك عندما قلتُ له من ضمن ما قلتُ " أنا شاب صغير وغير متزوج وأُدرس تلميذات في مثل سني أنا تقريبا , ومنه فأنا أخاف على نفسي من الفتنة وأنا أدرس تلميذة بهذا التبرج المثير والفاتن !". بقي المدير لشهور عدة وهو يردد كلامي هذا على أساتذة الثانوية أحيانا متعجبا وأحيانا أخرى ساخرا " أنظروا إلى الأستاذ رميته المتدين والشيخ والذي يؤم الناس أحيانا في الصلوات و ... هو يخاف على نفسه من فتنة النساء أو من فتنة البنات . ما أعجب أمر الأستاذ وما أغربه . إنه أمر لا يُصدَّق !!! ".
والحقيقة هي أنني لست غريبا ولا عجيبا وكلامي ليس غريبا ولا عجيبا ولا شاذا , وإنما هو طبيعي جدا وللغاية.
1- القول بأن التلميذة التي عمرها 16 أو 17 أو 18 سنة هي بنتي أو عوض بنتي (مهما كانت متبرجة ) , ومنه فلا بأس أن أنظر إلى عورتها كما أشاء وأن أمسها كما أشاء وأن أختلي بها كما أشاء و ... لأنها في مرتبة ابنتي , هذا كله كلام فارغ لا قيمة له شرعا ومنطقا وعرفا وعادة و ... ووالله إن الذي يقوله إما مريض أو أنه يكذب على نفسه . هي ليست بنتي وأنا أنظر إليها حين أنظر إليها على اعتبار أنها أجنبية لأنها أجنبية بالفعل وهي في السن الذي يجعلها مرغوبا فيها من طرف أي رجل . ولو نظرتُ إلى تلميذة عمرها 17 سنة مثلا وهي في كامل زينتها ثم قلتُ " وماذا في ذلك ؟! إنها ابنتي !" , والله أنا أكذب عندئذ مليون مرة . وأما إن أردتُ أن أتعامل مع التلميذة على اعتبار أنها ابنتي , تعاملا يحبه الله لي ويرضاه الله لي , فيجب علي أن أنصحها وأوجهها وأتمنى لها الخير والعفاف والشرف والطهر والأدب والأخلاق والدين و ... الذي أحبه أنا لابنتي أو لنساء أهلي . ثم بعد ذلك يجب علي أن لا أمسها ولا أنظر إلى عورتها ولا أقـبلها ولا أداعبها ولا أختلي بها ولا ... لأنها حقيقة وشرعا أجنبيةٌ عني وليست أبدا محرما من محارمي .
هكذا يجب أن يتعامل الواحدُ منا مع أجنبية عنه , وإلا بلاش .
2-رغبة الرجل في المرأة رغبة فطرية وغريزية كالرغبة في الأكل والشرب , ولا علاقة لها أبدا بكون الرجل متدين أم لا , قوي الإيمان أو ضعيف الإيمان , قريب من الله أم بعيد عن الله . نعم قوي الإيمان يمنع نفسه من الحرام وأما ضعيف الإيمان فقد يطلبُ المرأة بالحلال والحرام , ولكن الرغبةَ في حد ذاتها في المرأة موجودةٌ عند الرجل كل رجل , مهما كان أتقى الناس أو كان أفسقَـهم .
3- خوفي على نفسي من فتنة النساء أو من فتنة تلميذات دليلٌ على صحة إيمان وإسلام , أي أنني أخافُ على نفسي أن أعصي الله تبارك وتعالى . ومنه فأنا أُبعدُ عن نفسي الفتنة حتى أُدرِّسُ التلاميذ وأنا طائع لله , وأُدرسُ التلميذات وأنا بعيدٌ عن ارتكاب أي حرام مع تلميذة ولو من خلال النظرة الحرام ... وبذلك أنا أضربُ عصفورين بحجر واحد كما يُقال .
4- خوفي على نفسي من فتنة النساء أو من فتنة التلميذات دليل على صحتي البدنية والعضوية وعلى أنني رجل سليم وصحيح ومعافى . وأما لو قلتُ " أنا ليست لي أية رغبة في النساء بشكل عام , والمرأة عندي هي مثل الطاولة أو الكرسي أو القلم أو الطباشير أو ... هي لا تعني بالنسبة إلي أي شيء " , فإنني بذلك أقدم الدليلَ القطعي على أنني مريضٌ ويلزمني طبيبٌ . وكل رجل يقول بأنه لا يرغب في المرأة أصلا , هو إما كاذب وإما مريض , وليس هناك احتمال ثالث .
وفقني الله وأهل المنتدى جميعا لكل خير , آمين .
297- قالت لي " رأس ابني ( خشين) " !!! : ليس كل ما يبدو للشخص بأنه يراه هو يراه بالفعل لأنه ربما يبدو له فقط بأنه يرى كذا , وهو في الحقيقة لم ير شيئا . وليس كل ما يبدو للشخص بأنه يسمعه هو يسمعه بالفعل لأنه ربما يبدو له فقط بأنه يسمع كذا , وهو في الواقع لم يسمع شيئا . وما أكثر ما قال لنا قائل
" في الطريق يبدو لي بأنني أسمع شخصا يناديني باسمي , ولكنني عندما أستدير إلى الخلف لا أجد أحدا " !.
وهذا أمر يمكن أن يقع شيء منه لكل الناس أو لأغلبيتهم , ولا يجوز أن يقلقنا لا من قريب ولا من بعيد .
ولا يُـعتبر هذا النوع من الوسواس – إن صح التعبير - مرضا يحتاج إلى رقية أو إلى طبيب إلا حين تزداد حِـدته ويكـثـرُ جدا ويستمر لمدة طويلة حتى يصبحَ مع الوقت مشكلة لا بدَّ لها من حل .
وهذا الوسواس البسيط الذي يمكن اعتباره عاديا والذي يمكن أن يقع لأغلبية الناس , هو وسواس عادي وطبيعي أحيانا لا يُـضحك أحدا ولا يلفتُ انتباهَ أحد إليه , ولكنه في أحيان أخرى هو مضحكٌ وقد يُـلفتُ انتباهَ بعضِ أو الكثيرِ من الناس إليه .
ومن أمثلة ذلك : التقيتُ – منذ حوالي 20 سنة – بامرأة داخلة إلى المستشفى مع ابن لها عمره حوالي 7 سنوات . سألتها عن أحوالها وعن حال الطفل الذي معها , فقالت لي " أنا آتية به إلى المستشفى لأبحث له عن علاج " .
- ما الذي يشتكي منه ؟
- هو لا يشتكي من شيء !
- إذن لماذا أتيتِ به إلى المستشفى ؟
- لأن رأسه " خشين " !!!.
و"خشين" بلهجة الجزائريين تعني معنيين : إما أن الرأس خشين , أي أن صاحبه عنيد , وإما أن الرأس خشين بمعنى أن حجمه كبير عضويا !.
وأنا فهمتُ في البداية المعنى الأول , فقلتُ لها " وهل هناك طبيب يعالج الرأسَ الخشين ؟! . عناد الطفل تلزمه تربية وطول بال ونفس طويل وصبر ومصابرة ونصيحة وتوجيه ودعاء لله ورجاء ... ولا يحتاج إلى طبيب " .
قالت " لا ! . أنا أشتكي من كبر حجم رأس ابني , ومنه فأنا أبحث له عن دواء أو عملية جراحية للإنقاص من حجم رأسه حتى يصبح متناسبا مع حجم الجسم عموما !" , ولكن الطفل في الحقيقة كان طبيعيا جدا وكان رأسه عاديا تماما . حاولتُ أن أقنع الأم بأن ابنها طبيعي حتى تُـرجعه إلى البيت ولا تكمل طريقها إلى المستشفى , ولكنها أصرت على أن رأسه " خشين " ولا بد له من طبيب يعالجه بأدوية أو يُجري له عملية جراحية تنقص من حجم رأسه !!!.
تركتها تذهب عند الطبيب , وبعد حوالي 3 أيام وجدتُـها في مكان ما مرة أخرى , فسألتها " ماذا صنع الأطباء لولدك ؟!" , ابتسمت وقالت " حاولتُ إقناعهم ولكنهم أحاطوا بي : أطباء وممرضون , وضحكوا معي كثيرا وطويلا لأنهم كانوا – في أغلبيتهم - يعرفونني , ثم أفهموني وأقنعوني بصعوبة بـأن ابني سليمٌ كما قلتَ أنت لي يا شيخ عبد الحميد ". قلتُ لها " الحمد لله , وأتمنى أن لا تترك هذه الحكاية آثارا سيئة على نفسية ولدك في الحاضر أو في المستقبل " , قالت " يبدو أنه بألف خير , والحمد لله رب العالمين ".
298 – لغو ثم لغو باسم البحث عن الزوجة الحلال : اللغو هو الباطل أو هو ما لا يفيد أو ... على خلاف بين العلماء والفقهاء والمفسرين و... وقد يكون اللغو في الكلام وقد يكون في الفعل .
وأنا أعرف معنى اللغو من أيام زمان , ولكنني أظن أنني ما عرفتٌ معنى اللغو في الكلام كما ينبغي أو أنني عرفتُ معنى اللغو أكثر وأكثر يوم الإثنين 4/5/2009 م مساء .
كنتُ راجعا من مدينة قالمة إلى قسنطينة , ثم من قسنطينة كنتُ راجعا عبر سيارة أجرة إلى مدينة ميلة . دخلتُ السيارة على الساعة الخامسة و 40 دقيقة , وبعد 5 دقائق تحركت السيارة متجهة إلى ميلة . دخلتُ السيارة على الساعة 5.40 دقيقة حيث وجدتُ فيها شابا عمره 25 سنة يتحدث عن طريق الجوال مع نساء ... بقي الشاب يتحدثُ بصوت مرتفع يسمعه جميعنا ( ركاب السيارة : أنا و 4 آخرون والسائق ) . بقي يتحدث حتى الساعة السادسة والربع حيث انقطع الاتصال ربما بسبب أننا مررنا بمكان كان خارج التغطية .
وكان حديث الشاب مع النساء أو مع البنات , كان في نظري لغوا في لغو , وكان جلـه حراما وفيه من سوء الأدب وقلة الحياء والوقاحة وانتهاك محارم الله ما فيه , والقليل منه كان كلاما لا فائدة منه وإنما هو قتل للوقت و... ليس إلا .
وعندما سألتُ الشاب أخبرني بأنه يتحدث مع هذه الشابة وأخواتها منذ الساعة الثالثة والنصف لا منذ الساعة الخامسة و40 دقيقة ( أي منذ حوالي 3 ساعات إلا ربع ) وأنه يتحدث كل شهرين أو ثلاثة مع مجموعة من البنات بقصد التعرف ثم إذا أعجبته واحدة , عندئذ ربما اتجه إلى أهلها ليطلبها للزواج .
وإن لم تعجبه أية واحدة منهن بحث عن أخريات ليحاول معهن لشهور عدة ومرة أخرى , فإن لم يجد من تصلح له زوجة بحث عن مجموعة ثالثة وهكذا ... وقال لي بأن هذا شأنه مع النساء والبنات منذ حوالي 3 سنوات , وأنه يقضي في كل يوم حوالي 5 أو 6 ساعات في الحديث الطويل مع البنات ... تارة مباشرة هنا وهناك وأحيانا أخرى عن طريق الهاتف النقال , وتارة بإذن أهل الفتاة وأحيانا أخرى بغير إذن الولي ...
ترددتُ في البداية هل أنصحه أم لا , ثم عزمتُ على أن أكلِّـمه وأنصحه وأوجهه بطريقة لينة لعله يسمع ويستفيد , إن لم يكن اليوم فعلى الأقل في يوم من الأيام , وإن لم يستـفـد هو فقد يستفيد بقية الركاب أو السائق مما سأنصحه به . والحمد لله أن الشاب سمع مني وقبل مني ( مع أنه لا يعرفني ) ما نصحته به , على الأقل في الظاهر سواء عمل بما نصحته أم لم يعمل به , بدليل أنه كان طيلة الحديث يكلمني ب " يا شيخ " أو " يا أستاذ " " بارك الله فيك ... " " عندك حق ..." " سل الله لي الهداية يا شيخ " ... ثم في النهاية طلب مني رقم هاتفي حتى يتصل بي متى احتاج إلى مساعدتي أو إلى نصائحي .
وكان من ضمن ما قلـتُه له خلال حوالي 45 دقيقة , ما يلي :
1-الذي يبحث عن زوجة يبارك الله له فيها , يحب أن يتبع الطريق الشرعي في سبيل ذلك ولا يتبع هذا الطريق الملتوي الذي أنت تسلكه منذ سنوات . والطريق الطبيعي هو أن تسأل عن الفتاة من بعيد أو من قريب . ثم إذا اطمأن قلبك إليها اتصل مباشرة بأهلها واطلبها منهم . إذا وافقوا فاستكمل بقية الخطوات الشرعية وإلا فاذهب أنت في حال سبيلك , وليفتح الله على كل منكما بالخير .
2- حكاية التعارف بين الشاب والفتاة قبل الخطبة أو بعدها , وقبل العقد أو بعده هو كذب في كذب , ووالله لن يعرف أحدهـمـا الآخر كما ينبغي وعلى حقيقته إلا بعد الزواج .
3- كل هذا الوقت الذي أنت تقضيه في التحدث مع فتيات أجنبيات مازالت الواحدة منهن ليست خطيبة لك ولا زوجة , ستُـسأل عنه يوم القيامة , واسأل نفسك من الآن : هل سيكون هذا الوقت في ميزان حسناتك أم سيئاتك ؟!.
4- كل هذا الكلام الذي سمعـتُـه أنا منك خلال 25 دقيقة تقريبا هو لغو في لغو , وأغلبه - إن لم أقل كله - باطل وحرام . ومع ذلك أنا أعرف أن ما تقوله لهؤلاء الشابات بعيدا عن سمع الغير وكذا ما تقوله لهن في الليل هو أسوأ بكثير مما يقال أمام أمثالي وفي النهار . وهذا أمر مفهوم وبديهي ولا يحتاج إلى شرح أو دليل أو حجة أو برهان .
5- أنت لا تقبل حتما أن يتحدث شاب مع أختك أو إحدى نساء أهلك بمثل ما سمعتك أنت تتحدث به قبل قليل مع بعض الشابات . إذن كيف تقبل لبنات الغير ما لا تقبله أنت لنساء أهلك , وكيف لا تقبل من غيرك من الشباب ما تقبلك أنت من نفسك ؟! . أليست هذه قمة في الأنانية يا هذا ؟!.
6- لن يبارك الله لك في زواج أنت تريد أن تبدأه بالحرام من أول يوم . وكذلك لن تحترمك امرأة في الدنيا ولن تُـقدرك إلا إذا كنتَ معها وقافا عند حدود الله تعالى . وأما وأنتَ تتحدث مع شابة أجنبية عنك باللغو الذي كنت أسمعه منك قبل قليل , فيستحيل أن تحترمك وتقدرك . كن على يقين من هذا يا ولدي ...
هداني الله وإياك وجميع شباب وشابات أمة الإسلام وجميع أبناء أمة محمد عليه الصلاة والسلام إلى ما فيه الخير والهدى والرشاد والتوفيق , آمين .
299- كثرة الاهتمام بهذه الدراسات تُـقـسي القلب مع الوقت :
أنا أعتقد أن كثرةَ الاهتمام – وأؤكد على كلمة كثرة - بالدراسات المتعلقة بمسائل غيبية , ( فضلا عن أنها غالبا خلافية ولا نعرفُ الصوابَ فيها , وفضلا عن أنه ليست لها فائدة عملية ) تُقَسي القلبَ مع الوقتِ , خاصة إن لم يُصاحبها اهتمامٌ كافي بالتربية الروحية مثل النوافل من الصلاة والصيام ومثل الذكر والدعاء ومثل قراءة القرآن ومثل زيارة المقبرة ومثل محاسبة النفس ومثل ... وأنا أعرف شبابا عندنا في بعض المناطق في الجزائر , هم أبطالٌ في نقل أقوال العلماء في النفس والروح والقلب والعقل و...مما ليست لهُ أية فائدة عملية , ثم تجدهم جاهلين لأبسط مسائل الفقه في الصلاة والصيام , وتجدهم ضعافا جدا في مجال تخصصهم الدراسي , وتجدهم بعيدين كلَّ البعد عن التعامل مع الناس بما يمليه عليهم الأدبُ والخلق الإسلامي , وتجدهم قساة في التعامل مع أقرب الناس إليهم من إخوة وأخوات وأب وأم , وتجدهم يعانون ( بشهادة أهاليهم ) في الكثير من الأحيان من القلق والوسواس والخوف والخلعة و... وكلُّ هذا نتجَ في نظري عن اهتمامهم الزائد بدراسة علم ظني - ليست فيه فائدة عملية ويُقسي القلب - على حساب علوم أخرى تُعرِّفُ بالدين وتُـقرِّب من الله وتزيدُ من الأجر وتُسعد الإنسانَ وتُرقِّـق القلبَ وترفعُ المعنوياتِ وتُـقوي الإيمانَ و...
تم منذ حوالي 3 شهور بين أخوين كريمين هنا في الجزائر. أحدُهما يؤكد على أن عدوه الأساسي هو النفس الأمارة بالسوء , وكان يُـقدمُ على صحة دعواه أدلة من أقوال بعض العلماء , وأما الآخر فكان يؤكد على أن عدوه الأكبر هو الشيطان وكان هو الآخر يستدل على صحة ما يقول بأقوال علماء آخرين . واحتد النقاشُ بينهما فقلتُ لهما مهدئا " على رسلكما لن يستفيد الدينُ ولن يستفيد أيُّ مسلم من حدة النقاش بينكما , ولن يُـقدم أحدكما دليلا قطعيا على صحة ما يقول , ولن يستطيعَ أيٌّ منكما أن يُـقدم لنا ولو فائدة عملية بسيطة يمكن أن نأخذها من هذا الحوار. على رسلكما ! إن المطلوبَ من كلِّ واحد منا حتى يحبَّـه اللهُ ويرضى عنه أن يتخذَ الشيطانَ عدوا وأن يتغلبَ على هواه وأن يرفعَ نفسه على درجة الرضى والاطمئنان أو على الأقل إلى درجة النفس اللوامة , ثم لا علينا بعد ذلك من بقية النقاش والحوار. قولا لي بالله عليكما ما الذي يستفيدُ منه أيُّ واحد منا إن عرفنا أين موضع النفس من البدن أو لم نعرف ذلك ؟ ما علاقة النفس بالروح ؟ أيهما أهم ؟ ما علاقة النفس بالهوى والشيطان ؟ ما علاقة النفس بالعقل ؟ ما علاقة النفس بالقلب ؟ إلى آخر هذه الأسئلة . قولا لي بالله عليكما أية فائدة سيجنيها المؤمنُ من خلال هذه الدراسات أو البحوث أو من وراء أي نقاش في هذه المسائل أو من هذه الخصومة بينكما ؟ . هداني الله وإياكما لكل خير آمين ".
300-الله عادل وحكيم ورحيم : قال لي أخ متعصب في يوم من الأيام ( عام 1991 م ) عندما ذكرتُ أمامه حاكما ظالما من حكام الجزائر , وقلتُ عنه أمامه " رحمة الله " , قال لي عندئذ " أسأل الله أن لا يرحمه . وإن دخل هو إلى الجنة فأنا لا أريد أن أدخلها , بل إنني أسأل الله عندئذ أن يدخلني إلى النار "!!! .وهذا عندي قمة في التعصب الذي لا يأتي إلا من جهل .1- هل مثلا لو أتيحت لي الفرصة للتحدث مع الرئيس " أوباما " مثلا عن الإسلام ودعوته إلى الإسلام و ... هل أُغلق هذا الباب أمام نفسي وأمامه هو وأقول له " باب التوبة مغلق أمامك أنت يا ... لأنك حاربت الله ورسوله والمسلمين كثيرا , وأنت لذلك لا يصلحُ لك إلا انتقام الله منك "!!! .أنا أرى أن هذا موقفٌ لا يصلح أبدا من الناحية الشرعية , لأن باب التوبة في الحقيقة مفتوحٌ أمام العباد ( كل العباد ) ما لم يغرغر أحدهُم , أي ما لم يصل إلى لحظات الاحتضار قبيل وفاته . ثم هذا موقفٌ لا يصلح شرعا لأن الله وحده أعلم بمن ينـتقم منه ومن يعفو عنه , وهو وحده أعلم كذلك بمن يخـتم له بالخير ومن يخـتم عليه بالشر , وهو وحده أعلم بمن يستحق رحمته ومن لا يستحق إلا عذابه .2 - ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم " أو " خير لك مما طلعت عليه الشمس " ولم يستـثن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا مهما كان فاسقا أو فاجرا أو كافرا أو مشركا أو منافقا أو عدوا لله ولرسوله وللمؤمنين والمسلمين .3 - ثم إن مات شخصٌ على الكفر ثم أدخله الله يوم القيامة النار , فإننا لا نشك أبدا ولا يجوز لنا أن نشك أبدا في عدل الله ثم في رحمته سبحانه وتعالى , حتى ولو عاش هذا الشخصُ ألفَ سنة والناس لا يعرفون عنه إلا أنه عابد لله تقي نقي ورع زاهد و ... يجب أن نكون على يقين ما دمنا مسلمين مؤمنين أن الله ما أدخله النار إلا لأنه يستحق النارَ , ولأنه يعلم منه ما لا يعلمه الناس منه , ولأنه يعلم الظاهر والخفي وأما الناس فلا يعرفون إلا الظاهر فقط , , ولأن الله هو العدل " ولا يظلم ربك أحدا " . وفي المقابل : إن مات شخصٌ على الإسلام ثم أدخله الله الجنة يوم القيامة , فإننا لا نشك أبدا ولا يجوز لنا أن نشك ولو للحظة من الزمان في عدل الله ثم في رحمته سبحانه عزوجل , حتى ولو عاش هذا الشخص ( مثل بوش وأكثر من بوش , وفرعون وأكثر من فرعون ) ألف سنة والناس لا يعرفون عنه إلا أنه كافر ومشرك وعدو للإسلام والمسلمين , ولا يعرفون عنه إلا أنه عاش أغلب حياته يحارب الأرض والسماء بالليل والنهار بالقول والفعل , ولا يعرفون عنه إلا أن فيه وعنده " العيوب السبعة " كما يقول الناس في مَـثَـلهم المشهور , ولا يعرفون عنه إلا أنه لم يفعل في حياته خيرا قط . يجب أن نكون على يقين ما دمنا مسلمين مؤمنين أن الله ما أدخله الجنة إلا لأنه يستحقها ( بعد رحمة الله طبعا ) , ولأنه يعلم منه ما لا يعلمه الناس منه , ولأنه يعلم الظاهر والخفي وأما الناس فلا يعرفون إلا الظاهر فقط , , ولأن الله هو العدل " ولا يظلم ربك أحدا " , ولأن الله أحكمُ الحاكمين " إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ " .
وهذا الكلام – كما هو واضحٌ - يتضمن رد المشيئة إلى الله عز وجل ، فإنه هو وحده الفعال لما يشاء " لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ". والله وحده أعلم بالصواب .
انتهت ال 300 وقفة , ثم تأتي بعدها بإذن الله تعالى ال 100 وقفة الرابعة مع ذكريات حسنة أو سيئة

ليست هناك تعليقات: