الخميس، 12 أبريل 2012

326 – أي شعر هذا ؟ :

طلب مني في يوم من الأيام أهل عروس ( هي واحدة من محارمي ) - وذلك قبل الزواج بيوم واحد - طلبوا مني أن أرقي ابنتهم من أجل أمر ما , كانت تعاني منه , وهي تريد التخلص منه قبل دخول زوجها بها .

ولما كنتُ أقرأ عليها القرآن ( أثناء الرقية ) وضعتُ يدي على رأسها ( أو على خمارها ) فلامست يدي خصلات من شعر رأسها ففوجئت من ملمس شعرها اليابس الذي لا يشبه الشعر لا من قريب ولا من بعيد ...كما فوجئت بلون الشعر الأصفر المخالف للونه الطبيعي الأسود الذي كنتُ أراه يزين رأسها بين الحين والآخر بمناسبة أو بدون مناسبة .

سألتها بعد الرقية " ما بال هذا الشعر يابسا ؟!" , فأجابت خجلة ومطرقة برأسها إلى الأسفل " إنه الجال وإخوة الجال " , طبعا من مستحضرات كيميائية ومراهم شيطانية تضر بشعر المرأة ولا تجمله أبدا بل تجعله قبيحا جدا سواء بالنظر أو باللمس .

ثم سألتها " ما بال لون شعرك متغيرا ومختلفا عن لونه الأصلي ؟!" , فقالت وهي تكاد تدفن رأسها في الأرض

من شدة الإحراج " إنه مصبوغ بمناسبة زواجي " , طـبـعا بأصباغ تُـقـبـح صورة المرأة ولا تجملها أبدا , وتصيب الشعر مع الوقت بجملة آفات منها إصابته بداء التساقط فضلا عن تجعده وقبح منظره . وقد لا يلاحظ قبحَ هذا الشعر الشخصُ الذي ينظر إليه من بعيد , ولكن الذي يقترب منه ( كالزوج أو كالمحارم من الرجال أو النساء ) سيرى حتما قبح هذا الشعر وبشاعته .

جلستُ مع هذه الشابة وسألتها ثم سمعت منـها ثم قلتُ لها ما يلي , وإن كنت أميل – من خلال التجربة – إلى أنها ( مثل الأغلبية الساحقة من النساء , ومثل مئات النساء اللواتي كلمتُـهن في مواضيع مشابهة خلال عشرات السنين ) بعقلها معي ولكنها بعاطفتها ضدي :

1- العادات والتقاليد لا يليق أن تُـحترم إلا إن كانت حلالا وكانت غير مكلِّـفة .

2- لا يجوز الإسراف والتبذير في أي شيء بما في ذلك تكاليف الولائم والأفراح والأعراس .

3- لا يجوز أن يكون الواحد منا إمعة إن أحسن الناس أحسن هو وإن أساءوا أساء , ولكن وكما قال رسولنا محمد عليه الصلاة والسلام " وطنوا أنفسكم ... إن أحسن الناس أن تحسنوا , وإن أساءوا أن تجتنبوا إساءتهم " .

4- ربما ليست هناك مناسبة تنسى فيها النساء الله عزوجل مثل مناسبات الأعراس وحفلات الزواج .

5- المبالغ المالية التي تُـصرف على تسريحة شعر العروس وعلى الماكياج , مبالغ ضخمة يا ليت النساء تـصرفنها في أشياء أخرى أهم .

6- أجمل امرأة في العالم هي المرأة الطبيعية النظيفة , ثم السواك والكحل والحناء كل ذلك يُـجمِّـل المرأة الجمال الحقيقي لا المزيف .

7- تسريحات شعر العروس الحالية فضلا عن أنها مكلفة مادية للعروس وأهلها فإنه لا علاقة لها أبدا بجمال العروس , بل هي في الحقيقة والواقع تقبح المرأة وتشوه صورتها إلى حد كبير , ولكن كثيرات من النساء لا تفقهن ولا تعلمن ولا تعترفن .

8- والغريب أن أغلبية العرائس تـتشبت الواحدة منهن في عرسها هي , تـتشبت وتتمسك بهذه العادات والتقاليد البالية والمنحرفة والمكلفة والمقبحة من منطلق التفاخر والتباهي ومراعاة كلام الناس والخوف من انتقاداتهم و ... ثم إذا فات عرسها هي تصبح بين عشية وضحاها وبدون مقدمات , تصبح تنتقد وبقوة وبشدة من تراها من العرائس ( من زميلات وصديقات وجارات و... ) مقبلة على الزواج وتفعل ما كانت تفعله هي في ماض قريب جدا ... ما أعجب أمركن أيتها النساء !.

9- إذا أنكرتَ على عروس متمسكة فوق اللزوم بالعادات الحرام أو بالتقاليد المكلفة ماديا أو التي تقبح ولا تجمل , يمكن أن تقول لك " إيه ... أنتم ما فكرتم في التغيير إلى الأحسن إلا عندما وصل الأمر إلى زواجي أنا " , مع أنه كان الأولى بها أن تقول العكس تماما , أي أن تقول " الحمد لله الذي أتاح لي فرصة من خلال حفل زواجي أنا , أن أتخلص مما لا يجوز أو لا يليق من بدع أو محرمات أو عادات الأعراس البالية والحمقاء أو على الأقل أنقص وأقاوم وأحاول ما استطعتُ ... وأجري على الله عزوجل " .

10- قالت لي الشابة التي كنتُ أحدثها , قالت لي في وقت من الأوقات خلال جلستنا " يا ... كل واحد له قناعاته وآراؤه "!!!. فـقلتُ لها :

ا- أبدا ثم أبدا ... لا قيمة للقناعات والأفكار والآراء إن كانت مخالفة للشرع والدين

" وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ تكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا " .

ب- ثم أبدا وأبدا ... أنا أجزم بأن القضية لا علاقة لها البتة بالقناعات , ولكنها فقط العبودية والتقديس للعادات والتقاليد المنحرفة ... ولكنه التباهي والتفاخر ... ولكنه الخوف من كلام الناس ... ولكنه التقليد الأعمى والعياذ بالله وإلغاء العقل الذي كرم الله به الإنسان وفضله به على سائر مخلوقاته الأخرى .

والله ولي التوفيق , وهو وحده القادر عليه

327-قال " حضرتُ حفل زواج أبي " !!! :

كنا منذ 10 سنوات , كنا في بيت من البيوت - وبمناسبة زواج أحد أصهاري - حوالي 20 شخصا نـتحدث عن الزواج وعن حفلات الزواج الإسلامية ... وكنتُ قيل ذلك أتحدث مع الحاضرين عما يجوز وما لا يجوز في الأعراس , وعن بدع ومحرمات الولائم , وعن سبل السعادة الزوجية وأسس الأسرة المسلمة , كما كنتُ أجيب عن البعض من تساؤلاتهم الدينية ... وتكلمنا أثناء ذلك عن حفل زواج جديد حضره مؤخرا أحد الشباب الحاضر معنا في تلك الجلسة ... ثم انتقلنا للحديث عن حفل زواج قديم تم منذ حوالي 20 سنة خلت ( حفل زواج أب الشاب السابق ) . ولكن الشاب لم ينـتـبـه إلى أننا غيرنا موضوع الحديث من حفل إسلامي جديد حضره هو مؤخرا إلى حفل زواج إسلامي قديم تم بمناسبة زواج أبيه هو . وفجأة تدخل الشاب وقال فرحا ومعتزا " إيه , لقد كان حفلا رائعا وجميلا . لقد حضرتُـه أنا واستمعت بمشاهدته وأتمنى أن يكثر الله من مثل تلك الحفلات "!.

نظر إليه الجميع متعجبين منكرين وقائلين " ماذا أصابك يا هذا , ماذا تقول ؟!" , قال " أقول ما سمعتم , وهل قلتُ ما لا يليق ؟!" , قالوا له " نحن نتحدث عن حفل زواج أبيك يا هذا " , فاحمر وجهه وأطرق خجلا ثم اعتذر وانصرف من المجلس حياء من أبيه خاصة الذي كان حاضرا في تلك الجلسة .

بارك الله لكل زوج في زوجته وجمع بينهما في خير , آمين

328- عن النوم بعد العصر:

والشرع كما رغبنا في القيلولة لفوائدها , فإنه لم يرغبنا في النوم بعد العصر .

ولقد ورد في كراهة النوم بعد العصر حديثان هما " من نام بعد العصر فاختلس عقله فلا يلومن إلا نفسه " ,

و"من نام بعد صلاة العصر فقد برئت منه ذمة الله " , ولكن العلماء يؤكدون على أن الحديثين هما بين الوضع والضعف الشديد , وعلى أنه لم يصح أي حديث من الحديثين .

ومع ذلك فمن واقع الناس أنا لاحظتُ وسمعتُ ورأيتُ بعض الحكايات والقصص الحقيقية والواقعية التي تفيد

( أو يبدو أنها تفيد ) بأن النوم بعد العصر سيء عند بعض الناس على الأقل ولا أقول عند أغلب أو عند كل الناس . وسواء كان ما لاحظـتُـه أنا ظاهرة عامة أم أنها فقط حالات شاذة ليست إلا , فإنني الآن أحكي بالمناسبة ذكرى من ذكرياتي السيئة التي أظن أنها متعلقة – ولستُ متأكدا من ذلك بطبيعة الحال - بالنوم بعد العصر .

دعاني بن عم لي أنا وزوجتي ( كان لنا في ذلك الوقت منذ حوالي 22 سنة تقريبا , كان لنا أنا وزوجتي ولد وبنت فقط ) إلى الفطور عنده في بيته , وذلك في يوم من أيام شهر رمضان المبارك . أوصلتُ زوجتي وولدي إلى بيت بن عمي بعد العصر مباشرة على أمل أن ألتحق أنا بهم بعد صلاة المغرب مباشرة .

رجعتُ إلى بيتي وجلستُ في قاعة الاستقبال أتفرج على بعض برامج التلفزيون . ولأنني كنتُ متعبا جدا بسبب قيام الليالي العشر من رمضان وقلة النوم بالليل وعدم قدرتي على تعويضه في النهار , لأنني أعـمل بالـنهار في الثانـوية , قلتُ : بسبب من ذلك فإنني قلتُ في نفسي " سأضطجع على السرير وأرتخي فقط لبضع دقائق ثم أقوم " , خاصة وأنه لم يبق الكثير من الوقت لأذان المغرب . وضعتُ رأسي على الوسادة , وفجأة نمتُ ... نومة لم أنمها من قبل ولا من بعد , ولم أتوقعها أبدا طيلة حياتي .

استيقظتُ من نومي بعد مدة طويلة جدا , فوجدتُ نفسي داخل حجرة مظلمة ( والتلفزيون متوقف لأن برامج التلفزيون الجزائري في ذلك الوقت تنتهي عند حوالي 12 ليلا ) . أشعلتُ مصباحَ الحجرة ونظرتُ حولي فلم أعرف للوهلة الأولى من أنا ؟ , أين أنا ؟ , أنا في الليل أم في النهار ؟ , أنا في بيتي أم في بيت غيري ؟ , أنا صائم أم مفطر ؟ , أنا في الصيف أم في الشتاء ؟ , هل نمتُ ساعة واحدة أم أنني نمت 100 ساعة ؟ , ماذا وقع لي ؟!.

نظرتُ إلى الساعة في يدي فتعجبتُ , ثم نظرتُ إلى الساعة الحائطية فوجدتُ تطابقا بينهما وتعجبتُ للمرة الثانية , ثم نظرت إلى منبه موجود فوق جهاز التلفزيون فوجدت تطابقا آخر وتعجبت للمرة الثالثة . أيمكن أن أكون قد نمتُ كل هذه المدة ؟! . هذا أمر غريـب وعجيـب . أيمكـن أن يحـدث لي هذا ؟!. ما السبـب في هـذا الذي وقع لي ؟!. وجدتُ أن الساعة 3 سا و 30 دقيقة ( أي أنني نمتُ من الخامسة عصرا إلى الثالثة والنصف صبحا , أي حوالي 10 ساعات ونصف ) . أمر أكاد لا أصدقه حتى اليوم . توضأتُ وصليتُ المغرب والعشاء والشفع والوتر , ثم ذهبتُ عند بن عمي لأخبره وزوجتي بالخبر وأعتذر إليهم جميعا , ثم ذهبتُ عند أصهاري فوجدتُـهم يتسحرون فأكلتُ وشربتُ ما كتب الله لي كفطور وسحور في نفس الوقت . بعدها بدقائق أذن مؤذن الصبح فتوجهتُ إلى المسجد لأصلي الصبح جماعة , ثم ذهبتُ إلى دار بن عمي لآخذ زوجتي وولدي وابنتي ثم نرجع إلى بيتنا , بعد ليلة لم أعرف مثلها طيلة حياتي وأتمنى أن لا أعرف مثلها في المستقبل القريب أو البعيد .

وفقني الله وإياكم جميعا لكل خير , آمين .

329- لـَـشعرٌ أبيض صادق أفضل لي – مليون مرة - من شعر أسود كاذب :

1- بالنسبة للمرأة كبيرة السن التي ابيض شعرها بسبب الكبر , لا يجوز لها أن تصبغ شعرها بالأسود لأن ذلك تغيير لخلق الله تعالى , كما أنه نوع من الكذب على الناس وعلى نفسها ... وربما على الزوج .

2- والرجل كبير السن الذي ابيض شعره بسبب الكبر , لا يجوز له كذلك أن يصبغ شعره بالأسود إلا في حالة الجهاد في سبيل الله , وذلك من أجل خداع العدو . وأما في غير هذه الحالة فإن صبغ الرجل للشعر الأبيض ( أو الشيب) بالسواد هو تغيير لخلق الله تعالى كما أنه كذب من الرجل على نفسه وعلى الناس , ومنه فهو حرام شرعا .

3- الشعر الأبيض يرتبط عادة عند الرجل أو المرأة بكبر سن كل منهما وبنضجه وبحكمته و ... " نسأل الله أن يكبرنا في طاعته " , ولذلك كما نفرح بطفولتـنا , ونسر برجولتنا , يجب أن نعتز كل الاعتزاز بالشيخوخة التي تجعلنا محل احترام جميع العقال من الرجال ومن النساء .

قال رجل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - " يا رسول الله أي الناس خير ؟ ". قال " من طال عمره وحسن عمله " . قال " فأي الناس شر ؟ " قال " من طال عمره وساء عمله " .
ومعلوم أن طول العمر يجلب الشيب ... ومنه ما أروع الشيب في الإسلام ... الشيب يجلب النور وتكتب به الحسنات وتكفر به الخطايا وترفع به الدرجات . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من شاب شيبة في الإسلام كانت له نورا يوم القيامة " . وقـيل لرسول الله " فإن رجالاً ينتفون الشيب" , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تنتفوا الشيب ؛ فإنه نورٌ يوم القيامة. ومن شاب شيبة في الإسلام كتب له بها حسنة ، وحُطّ عنه بها خطيئة ، ورفع له بها درجة ". وقال رسول الله " الشيب نور المؤمن ".

قالت أخت فاضلة من الأخوات في هذا الموضوع [ كثيراً ما أسمع هذا التساؤل من النساء " كيف أتخلص من الشيب ؟" , وكأنه مرض خطير يتـعـين استئصاله ! . وكنتُ ولا زلت بفضل الله أسعدُ برؤية الشيب يخط طريقه إلى شعري وأجده حظاً من الحكمة أهدي إليّ من الله رب العالمين . وليت من خافت من الشيب وحاولت تغييره أن تكون تـنبهت أولاً إلى ما ينذرها من تسارع العمر وفوات الوقت وضرورة المسارعة إلى اغتنام القادم من الأيام بالتوبة والعمل الصالح ].

وأذكر هنا بالمناسبة حادثة وقعت لي بالأمس فقط , حين أخبرني أحد الإخوة بأنه جلب مؤخرا عن طريق طبيب أعشاب يشتغل في إحدى الدول العربية ( وله فروع في الجزائر ) , جلب دواء ( هو خليط من الأعشاب الطبيعية الطبية ) وظيفته إخراج شعر أسود من رأس الرجل الذي ابيض شعره من الشيب . ونتيجة لذلك يتبدل مع الوقت شعرُ رأس الرجل الكبير فيصبح أسودا عوض الشعر الأبيض أو الشيب ... ثم قال لي الأخ " إذا كنت تريد هذا الدواء فأعطني المبلغ كذا وسآتيك بالدواء بعد أيام بإذن الله تعالى " .
اعتذرت إليه بلطف وقلت له من ضمن ما قلتُ :

· لو أعطيتني أنتَ مالا من أجل أن آخذ هذا الدواء وأستعملـه ما قبلتُ .

· أنا في غنى تام عن هذا الدواء سواء صحت فائدته وثبت نفعه أم لا .

· وأنا كذلك في غنى تام عن هذا الدواء سواء حل استعماله شرعا أم حَـرُم .

· إن الشعر الأبيض الطبيعي يعطي الرجل الكبير مهابة واحتراما وتقديرا , كما يدل على أن الرجل الكبير أصبح حكيما كما أصبح خزانة من الحكم الغالية ومن التجارب المفيدة ... فضلا عن أن الشيب للرجل المسلم ( أو للمرأة المسلمة ) هو في ميزان حسناته بإذن الله يوم القيامة ... كما أن الشيب رسالة متكررة من الله للرجل ( وللمرأة ) من أجل أن يستعد للرحيل - من الدنيا - على الإسلام وعلى التوبة وعلى الخير وعلى ما يحب الله عزوجل " ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ".

· إذا قارنا بين شعر أسود عند الصغير وشعر أبيض عند الكبير فإننا نقول بأن في كل منهما خيرا , ولكل منهما دلالاته الطيبة والمباركة ... وأما إن قارنا بين شعر أسود طبيعي عند الصغير وشعر أبيض عند الكبير ولكنه مصبوغ بالسواد , فإنه لا وجه عندئذ للمقارنة بينهما لأن المقارنة بينهما هي مقارنة بين شعر أسود صادق وشعر أسود كاذب , ولا مجال أبدا للمقارنة أو المفاضلة بين الصدق والكذب .

· ثم ختمتُ كلامي بقولي " ... ولشعر أبيض ( فوق رأسي ) صادق هو عندي أفضل مليون مرة من شعر أسود كاذب " .

فابتسم الأخ ابتسامة موافقة , وقال لي " صدقتَ والله أخي الحبيب " .

اللهم اهدنا واهد بـنا واجعلـنا سببا لمن اهتدى . اللهم ارزقنا حسن الخاتمة , آمين .

330-كم هي صعبة وشاقة مهمة الطبيب النفساني أو طبيب الأعصاب !؟ :

بالأمس جاءني صديق أعرفه من زمان , جاءني بابنه ( طالب في كلية الطب السنة الثالثة في جامعة من الجامعات الجزائرية ) , الذي أصيب منذ حوالي 10 أيام بمرض بدا له في البداية بأنه إصابة جن , ثم تحت إلحاحي عليه من أجل أن يأخذ ابنه عند الطبيب على اعتبار أن المرض يمكن جدا أن يكون مرضا نفسيا أو عصبيا وأنه ليس سحرا أو عينا أو جنا ... قلتُ : تحت إلحاحي عليه اضطر الصديقُ ليأخذ ابنه عند طبيب نفساني أكد له بأن ابنه مصاب بوسواس حاد . جلس الطبيبُ مع المريض لفترة معينة ليسمع منه وليقدم له النصائح المناسبة , ثم أعطاه بعض الأدوية المهدئة والمقوية ليتناولها .

الطالبُ – وقبل ان يُـصاب – كان يخالط أو يصاحبُ ( في الجامعة ) بعض السلفيين المتعصبين الذي يريدون أن يحولوا كل مسألة خلافية في الدين إلى مسألة اتفاقية , والذين لهم جرأة كبيرة على سب وشتم مئات العلماء والدعاة المسلمين , والذين يجهلون الدين ولا يدرون أنهم جاهلون به ... ثم في وقت من الأوقات دخل إلى موقع من المواقع عبر الأنترنت , فقرأ فيه بأن قيام الساعة سيكون عام 2021 أو 2022 م ... عندئذ اختلطت عليه الأمور فجأة وأصيب بجملة أعراض منها :

· " التخلاط في الكلام " .

· الحديث عن الأرض والسماء وعن الملائكة والشياطين وعن الكتاب والسنة و... بطريقة كلها فوضى لأنه يخرج من موضوع فجأة ويدخل في موضوع آخر بدون مقدمات , وبدون أية مناسبة أو شبه مناسبة ... ويقول لمن حوله " يا ناس الساعة قريبة , الساعة آتية لا ريب فيها ... أنا أفهم كل شيء وأنتم لا تكادون تفهمون شيئا ...

· الصداع والأرق وأوجاع في أجزاء معينة من الجسد والقلق الزائد والأحلام المزعجة والتيه و ...

· سوء الظن بالآخرين وعدم التماس الأعذار لهم و ...

... الخ ...

الأبُ من أول لحظة بدأ فيها مرضُ ابنه ظن أن به مسا من الجن , وأنه يحتاج إلى رقية شرعية ولكنني ( وقد تعودتُ على معاينة مثل هذه الحالة مع مئات من الناس أو أكثر خلال سنوات وسنوات ) عرفتُ ومن أول وهلة تقريبا بأنها مشكلة تحتاج إلى طبيب نفساني أو طبيب أعصاب ولا تحتاج إلى رقية شرعية . وتحت إلحاحي أخذ الأبُ ابنَـه عند الطبيب وبعد خروجهما من عند الطبيب بدأت مشكلةٌ أخرى جديدة تواجه المريضَ وهي أنه لا يعترف بأنه مريضٌ أو يعترف بأنه مريض ولكنه لا يقبل تناول الدواء .

لا يقبل تناول الدواء لسببين :

الأول أنه يرى بأن الدواء فيه نسبة من مخدر ومنه فإن تناوله حرام .

والثاني أنه يرى بأن الدواء موجه إلى مجانين وهو ليس مجنونا !!!.

ولذلك فإن الأب عرض علي أن يأتيني بالإبن لأجلس معه جلسة أولى لتحقيق هدفين :

الأول : إقناعه بأهمية وجواز تناول دواء الطبيب .

والثاني : مناقشته في بعض المسائل النظرية الدينية المختلطة عليه في مخه أو ذهنه .

ونبهني الصديقُ إلى أن الطبيبَ يتمنى أن لا نعارضَ المريضَ في أفكاره بقوة , أي يجب أن نناقشه ونحاوره بالتي هي أحسن لا بالتي هي أخشن .

جاءني بالأمس الأبُ والإبنُ , وتم بيننا حوار طويل , هذا جزء منه أو هذا ملخصٌ عنه :

1- بمجرد أن ذكرتُ آية من القرآن الكريم , أوقفني الطالب المريض بطريقة عنيفة , وقال لي " تأدب مع القرآن الكريم , وقل قبل قراءة أي شيء من القرآن ( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم , بسم الله الرحمان الرحيم ) . نبهته إلى أن هذا مستحب أو مندوبٌ وليس واجبا , ومنه فمن لم يقل ذلك ليس آثما ولا عاصيا ... ثم بعد قليل قرأ هو شيئا من القرآن ولم يذكر استعاذة أو بسملة , فنبهته إلى ذلك فابتسم وغير الموضوعَ .

2- قلتُ أثناء حديثي معه في مرة من المرات " أنا أرى ..." , فقاطعني قائلا " لا يجوز أن يقول المسلم ( أنا ) . لا يقول ( أنا ) إلا الشيطان لعنه الله " !!! , قلتُ له " هذا أمر غريب وعجيب . من قال هذا الكلام من العلماء المسلمين ؟!. قال الله أنا وقال رسول الله وغيره من الأنبياء ( أنا ) , وقال العلماء والصالحون والدعاة والشهداء والأولياء و ... قال كل واحد منهم ( أنا ) في أكثر من مرة وفي أكثر من موضع . ( أنا ) يجوز أن تقال أو لا يجوز أن تقال , على حسب السياق الذي تَـرِدُ فيه وعلى حسب نية صاحبها ".

قال تعالى " لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ " , وقال " وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ " , وقال " وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آَوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ " , وقال" وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا ..." , وقال " قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ..." , وهناك في القرآن عشرات الأمثلة الأخرى , وفي السنة عدد أكبر من الأمثلة , وأما عند العلماء المسلمين فإن الأمثلة والأدلة على جواز قول " أنا " لا تعد ولا تحصى .

3- كان الشابُ المريض يطلب مني ومن أبيه أن نسكت وأن نكتفي فقط بالسماع منه مهما أطال وتوسع في كلام غير مفيد ولا أول له ولا آخر ... فكنت أنا والأب نترك له الكلمة أحيانا حتى ينتهي أو يكاد , وأحيانا أخرى كنا نقاطعه بأدب وبالطريقة الأنسب والأطيب حتى لا نجرحه .

4- حاول أن يناقشني أثناء الجلسة في أهمية حفظ القرآن الكريم , فقلتُ له " ليس هذا هو موضوع جلستنا ... نحن نريد الآن أن نتحدث عن مرضك وعن كيفية علاجه , وأما حفظ القرآن فلن نختلف في أن حفظ القرآن مهم وأنه شعيرة من شعائر الإسلام وأن عليه الأجر الكبير عند الله تعالى ... ثم أخبرته بأنني حفظتُ القرآن منذ حوالي 29 سنة , أي منذ 1982 م , حفظته خلال 3 أشهر ونصف فقط , وما زلتُ محافظا عليه حتى الآن والحمد لله رب العالمين .

5- دفعتُ الشاب المريضَ دفعا للحوار والنقاش حول الأمراض النفسية والعصبية من جهة والأمراض العقلية من جهة أخرى . الشاب حاول أن يقنعني ( وأباه ) بأنه لا فرق بين هذه وتلك وبأن الأدوية التي أعطيت له من طرف الطبيب هي نفسها التي تعطى للمجانين . وأثناء محاولتي إقناعه بخطإ ما يعتقده حاول في أكثر من مرة أن يخرج عن الموضوع فأُرجعه أو يُرجعه أبوه إلى نفس الموضوع .

6- حاول الشاب كذلك أن يقنعنا أنا وأباه بأن الأطباء أيا كانوا لا يُـقبل منهم دواء إلا إذا انطلقوا في وصفتهم العلاجية وفي حديثهم مع المريض من الكتاب والسنة فقط وفقط فقط ... قضيتُ معه حوالي 10 دقائق لأفهمه وأقنعه بأن العلوم الإنسانية بشكل عام لا قيمة لها إلا إذا كان منطلقها الكتاب والسنة وأقوال العلماء المسلمين , وأما العلوم الكونية كالطب والفيزياء والكيمياء والهندسة وغيرها فلا جنسية لها , ومنه فيمكن أن تؤخذ من مسلم كما يمكن أن تؤخذ من كافر , من طائع أو من عاص , بدون أي حرج شرعي .

7- تكلمت معه عن الخبر بأن نهاية الدنيا ستكون عام كذا , وقلتُ له بأن هذا كلام فارغ وأنه لا يقبل أبدا من طرف أي مسلم مهما كان ضعيف الإيمان أو جاهلا بالإسلام . إن الله وحده يعلم الغيب وموعد قيام الساعة من أعظم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله تعالى ... قلتُ له " ومنه فلا يجوز لي ولا لك أبدا أن نتردد ولو للحظة في رفض مثل هذه الأخبار , بل يجب أن نكون على يقين بأن هذه الأخبار لا تصدر إلا من كافر أو جاهل ".

وحكيت له القصة الآتية :

أذكر مفكرا مصريا ( ) اشتغل لمدة بدراسة الإعجاز العددي في القرآن الكريم لكن الشيطان نفخ فيه فأعجبَ بنفسه وادعى أنه يعرف متى تقوم الساعة بحسابات زعم أنه أخذها من القرآن الكريم وأعلن عن زعمه على الملأ في ملتقى للفكر الإسلامي بنادي الصنوبر بالجزائر عام 1979 أو 1980 م , وأذكر أننا رفعنا أصواتنا عالية مطالبين العلماء بالرد عليه , فقام في الحين الشيخ محمد الغزالي رحمه الله ورد عليه بقوة وجرأة وشجاعة وبالدليل والحجة والبرهان مما أثلج صدورنا وصدور كل الحاضرين من الطلبة ومن المسؤولين وغيرهم , وأخبره بأن الله وحده يعلم الغيب ويوم القيامة من الغيب ,كما أكد له أن من يدعي معرفة "متى تقوم الساعة ؟" , عليه أن يراجع إيمانه لأنه كافر أو أنه قاب قوسين أو أدنى من الكفر ولقد سمعتُ مؤخرا من الشيخ يوسف القرضاوي بأن هذا المفكر مات في السنوات الأخيرة مقتولا وهو على ما كان عليه من سوء الحال والعياذ بالله , نسأل الله أن يحفظنا وأن يختم لنا بالخير– آمين -.

قال لي الشاب " وهل أنت تجيز قتله ؟!" , قلتُ له " أنا لست مفتيا ولا فقيها , ومنه فإنني لا أعرف إن كان يُـقتل أم لا يـقتل ... المؤكد عندي أنه ( وهو يدعي معرفة موعد قيام الساعة ) يعتبر كافرا بعد إقامة الحجة عليه " , وأما أنه يُـقتل أو لا يُـقتل فأنا لا أدري ...

8- حاول أن يؤكد لي بأن الأساس هو العلم الزائد الذي يملكه هو مهما كان صغيرا في السن ( عمره حوالي 23 سنة ) , وأما أنا وأبوه فقيمتنا أقل مهما كنا كبارا لأن زادنا من العلم الشرعي ( حسب رأيه ) قليلٌ جدا .. قأجبته بأنه لا مشكلة هنا ... " الخير فينا جميعا إن شاء الله , وكما أن الشرع يطلب منا احترام صاحب العلم الديني فإنه طلب منا كذلك احترامَ الكبير خاصة إن كان أبا أو في مرتبة الأب" ... ثم أكدتُ له على أن العلم الديني الواسع يعلمنا من ضمن ما يعلمنا التواضعَ أكثر مع الكبير ومع الغير كما يـبعدنا عن دوما عن التعصب والتكبر .

9- في لحظة من اللحظات أحس الشابُ بأنني حاصرته كثيرا وأبطلتُ أغلب ما يقول بالدليل والبرهان وبالتي هي أحسن وبعيدا عن أي عنف ... عندئذ ظهر الغضبُ على وجهه , وقال لأبيه مستأذنا " يا أبي إما أن تُـسكِـتَ هذا الرجل وإلا سأضربه ..." , ثم التفت إلي وقال لي " إما أن تحترم نفسك وتتوقف عن مناقشتي أو سأضربك "!!!. وبدا من ملامح وجهه بأنه يريد الضرب بالفعل تحت تأثير مرضه ... ظهر الحرجُ على أبيه الذي تمنى أن لا يصل السوء بابنه إلى هذا الحد , ولكنني تمالكتُ نفسي وطمأنتُ الأبَ , وقلتُ للشاب " لا بأس عليك ... سأبقى أحرص أثناء الجلسة على العدل بيني وبينك , فأسمع منك وتسمع مني مهما استأتَ وغضبتَ ... وأما إن ضربتني فلن أرد عليك , بل أنت تضربني على خدي الأيمن وأنا سأعطيك بإذن الله خدي الأيسر لتضربه كذلك . أنت تضربني وأنا أدعو لك بالشفاء والعافية وبالمغفرة والرحمة ... الله يرضى عليك ويسعدك دنيا وآخرة ابني العزيز" . هدأ الشابُ وبدا عليه أنه يريد الاعتذار , ولكنه لا يقدر عليه .

10 – قلت له أثناء الحوار " يا سي فلان " ( و" سـي" عندنا في الجزائر معناها " سيدي" , وتقال إما من باب احترام الكبير أو من باب المعاملة الطيبة للصغير ) , فقال لي غاضبا " أنا لست سيدا ... أنا عبد ضعيف من عباد الله ... لا تقل لي ( سيدي ) , ولن أقول لك ( سيدي) , لأنك لست سيدا ولكنك فقط عبد من عباد الله ... ابتسمتُ , وقلت له " لا عليك أنا أعتذر ... لن أخاطبك مرة أخرى ب " سيدي " , ولكن إن قلـتَـها أنتَ لي فلن أرفضها بل سأقـبلها راضيا مطمئنا .

..............................................................

واستمر الأخذ والرد بيننا لحوالي ساعة ونصف , واستمر الكر والفر - إن صح التعبير - واستمر الحوار والنقاش بيننا , واستمرت النصائح والتوجيهات ... مرة بالهدوء ومرات أخرى بالعنف والتشدد والتعصب الذي لا يأتي إلا منه هو ( ولا يلام على ذلك أبدا لأنه مريض ) ... وأثناء سيادة العنف والتعصب يساورني إحساس بأن الجلسة لن تنتهي إلا بشر والعياذ بالله ... ولكن الله سلم والحمد لله , بحيث أن الشاب المريض لان إلى حد كبير في نهاية الجلسة , وسأله أبوه " اقتنعت بكلام الأستاذ ... هل أنت مستعد أن تشرب الدواء ؟!... هل اطمأننت إلى وجوب العمل بنصائح وتوجيهات الأستاذ لك , سواء منها المتعلقة بكيفية التخلص من مرضك بإذن الله , أو المتعلقة بالمنهج الذي يُـطلب منك السيرُ عليه في مستقبل أيامك حتى تسعد دنيا وآخرة , حاضرا ومستقبلا ؟!" , فأجاب الشابُ مبتسما " نعم اقتنعت ليس تماما ولكن إلى حد كبير ..." , ومد يده ووضعها فوق يدي ليعطيني من عنده شحنة من الحنان , وكأنه يعتذر عما بدر منه , وكذلك كأنه يشكرُنا أنا وأباه بطريقة غير مباشرة " .

وأخيرا أنبه إلى بعض الملاحظات الأساسية :

الأولى : صادفتُ أثناء ممارستي للرقية الشرعية طيلة 26 سنة ماضية , صادفتُ مئات الأشخاص من نوع هذا الشاب المريض وأسوأ منه وأفضل منه .

الثانية : جلسة واحدة مع مثل هذا المريض قد تكون كافية أحيانا من أجل شفائه بإذن الله خلال أيام أو أسابيع قليلة ... وقد يحتاجُ المريضُ إلى 3 أو 4 جلسات متتالية خلال أسابيع .

الثالثة : ما قمتُ به مع الشاب المريض ليس أبدا بديلا عما يجب أن يقوم به الطبيبُ مع المريض ... أنا لستُ أبدا بديلا عن الطبيب لأنني لست طبيبا ولا أشبه الطبيبَ , ولكنني فقط أعتبرُ أن عملي مكمل لعمل الطبيب . وحتى إن لم ينفع عملي مع المريض فإنه لن يضره أبدا أبدا أبدا .

الرابعة : كما قلتُ في عنوان الموضوع " كم هي صعبة وشاقة مهمة الطبيب النفساني أو طبيب الأعصاب ؟!" , خاصة إن كان الطبيب من الأكفاء وممن يخافون الله تعالى .

والله وحده أعلم بالصواب . اللهم اشفنا وعافنا , آمين .

ليست هناك تعليقات: