الاثنين، 15 يونيو 2009

وقفات مع ذكريات من241 إلى 250 :

بسم الله
عبد الحميد رميته , الجزائر

241- كنتُ آكل حب الريحان حبة حبة ! : نحن نعرف الريحان كنبات عطري مميز , والذي من خواصه الطبية : 1- مغلي الأوراق يستخدم في الطب الشعبي في علاج أمراض القولون العصبي , وعلاج المغص المعدي والمعوي , وهو طارد للغازات ومخفض لضغط الدم , كما أنه يساعد على علاج الدمامل والبثور الجلدية . 2- الزيت العطري للريحان يدخل في صناعة أدوية الزكام والرشح والأعصاب والتقلصات العضلية , وفي علاج المفاصل وعلاج ألم الأسنان . يخلط هذا الزيت مع زيت الينسون ( أو حبة حلاوة ) لتحضير المستحضرات القاتلة لبعض أنواع الحشرات . وزيت الريحان يستخدم كدهان لعلاج نزلات البرد والزكام وألم المفاصل والكدمات . 3- أثبتت العديد من الدراسات أن نبات الريحان طارد للعديد من الحشرات الضارة , ولذا ينصح بزراعته في حقول الطماطم والفلفل والقرعيات و ....
ونبات الريحان يزرع في بعض المناطق زراعة , ولكنه في مناطق أخرى هو نباتٌ وحشي مزروع تلقائيا في بعض الغابات كما هو الحال في غابات مدن سكيكدة والقل وجيجل وبجاية والجزائر العاصمة و ...
وأنا ذكرتُ هنا نبات الريحان لا من أجل الحديث عن طب الأعشاب , ولكنني لأتحدث عن وقفة من وقفاتي المتعلقة بهذا النبات . كنتُ في السنوات من 1975 إلى 1980 م شديد الإقبال على تعلم الدين وتعليمه للناس سواء في الجامعة أو في مسقط رأسي ( سكيكدة ) أو في مدينة ميلة . وكنت شديد الاهتمام بتطبيق ما أعرفه من الدين بحذافيره من واجبات وسنن ومستحبات و ... بل كنتُ أتخلى أحيانا عن بعض الحلال ( قليل أو كثير ) خوفا من الوقوع في الحرام . وهذا كله طيبٌ , ولكن كل شيء إذا زاد عن حده يمكن أن ينقلب إلى ضده .
ومنه فنتيجة :
1- جهلي من جهة بالدين في وقت كان من الصعب جدا أن تجد في المكتبات الجزائرية كتابا واحدا إسلاميا , وفي وقت كانت السلطة في الجزائر يمكن جدا أن تعاقبَ الشخصَ ولو من أجل تفسير حديث أو شرح آية وجدته عنده في جيبه أو في بيته , كما يمكن أن تعاقبَـك السلطةُ إن وجدت عندك شريطا فيه درس ديني لعبد الحميد كشك مثلا أو وجدت عندك كتابا دينيا لسيد قطب مثلا مثل معالم في الطريق أو وجدت عندك شريطا فيه أناشيد دينية لأبي الجود أو أبي راتب أو أبي مازن أو الترمذي أو ...
2-ومن جهة أخرى نتيجة محاربة السلطة للدين وللمتدينين , وكذا جهل عامة الناس الفضيع للدين .
قلتُ : نتيجة جهلي بالدين ومحاربة السلطة لكل ما له صلة بالدين وكذا جهل الناس الكبير بالدين , كنتُ أقوم أحيانا ببعض التصرفات على اعتبار أنها من صميم الدين وأنها سنة الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام , والحقيقة أنها ليست كذلك . ومن أمثلة ذلك أنني علَّـمتُ نفسي وعلَّـمتُ البعضَ من إخواني الذين كنتُ أقدم لهم دروسا دينـية في المساجد وفي غير المساجد , علَّـمتُ نفسي وغيري أن آكل حبات الريحان في فصل الشتاء
( الذي ينضجُ فيه حـبُّـه وكنا نأكله كثيرا في هذا الفصل لأنه لذيذ طعما ومفيد صحيا ) , حبة حبة عوض أن آكل مجموعة حبات في لقمة واحدة !!!.
كنتُ آكل حب الريحان ( وهو لمن لا يعرفه أقل في الحجم من حبات الحمص ) حبة حبة ( عوض مجموعة حبات دفعة واحدة ) ظنا مني أن هذه سنة الرسول عليه الصلاة والسلام . وأنا ظننتُ أن الأكل بهذه الطريقة سنة على اعتبار أنني قستُ حبَّ الريحان إلى العنب ( أو التمر ) الذي وردت فيه أحاديث تحض على أكله حبة حبة أو تؤكد على أن رسول الله كان يأكله حبة حبة . كان ( صلى الله عليه وسلم ) يُحب من اللحم الذراع ،
ويُعجبه العسل ، و يأكُلُ العنب حبة حبة ، و يأكل البطيخ ، و يأكل التمر ويشرب عليه الماء و...". ولقد فاتني في ذلك الوقت أن القياسَ للعلماء وليس لي أنا , ثم إن القياسَ غير مناسب هنا البتة لأن حبة التمر أو العنب كبيرة وأما حب الريحان فهو صغير جدا ,ومنه فإنني لم أنتبه إلى خطئي هذا إلا بعد حوالي عامين أو ثلاثة ,حيث اعتبرتُ فهمي السابق للسنة فيه النية الطيبة والحسنة من جهة لكن فيه الجهل والسذاجة من جهة أخرى !. وأنا الآن كلما ذكرتُ هذه القصة من حياتي السابقة ابتسمتُ وحمدتُ الله على نعمة العلم والإيمان , وكذا على نعمه سبحانه التي لا تعد ولا تحصى . اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك .
نسأل الله أن يعلمنا وأن يقوينا وأن يرزقنا الصواب والإخلاص في القول والعمل , آمين .
242- أغرب ما رأيته أثناء الرقية في حياتي :
أنا أنقل الآن أمرا غريبا جدا ( وأظن أنه أغرب ما وقع لي مع الرقية منذ 23 سنة ) . وقع لي هذا منذ حوالي أسبوع فقط من الآن ( جويلية 2008 م ) . والغرابة التي أقصدها هنا هو الأمر المخيف جدا والمخالف جدا للصورة السائدة عند الناس . جاءتني امرأة مع أخيها من أجل رقية لنفسها هي ولأخيها . أما هي فكان أمرها سهلا ويسيرا وبسيطا وعاديا .وأما هو فكان شخصا يعمل في دولة من الدول الأوروبية وجاء إلى الجزائر من أجل العطلة وكذا من أجل الرقية . سمعتُ منه في البداية وقدمت له النصائح المناسبة من أجل تقوية إيمانه والتغلب على مرضه , وكذا حاولتُ أن أفهمه وأن أعلمه الفروق الأساسية بين الأمراض العضوية وكذا النفسية وكذا السحر أو العين أو الجن , وكذلك أن أبين له الفرق الواضح والبين بين الرقية الشرعية والشعوذة , و...ثم قرأتُ له شيئا من القرآن على ماء وأعطيته له ليشربه , ثم هممتُ أن أضع يدي على ناصيته لأبدأ في قراءة القرآن الكريم عليه .وفجأة : قام الشخص من فوق الكرسي وتغيرت صورته تماما تماما تماما , بحيثُ أنني مهما كنت أديبا أو شاعرا أو كاتب قصص وروايات و ... لن أستطيع أبدا أن أصف بدقة صورة الشخص التي كانت غريبة ورهيبة ومخيفة ومفزعة و ...الرجل كان عمره حوالي 30 سنة , وفجأة احدودب ظهره بشكل ظاهر جدا وتمدد جسمه إلى الأعلى بحيث أن طول جسمه ازداد بحوالي نصف متر تقريبا وتصلبت يداه جدا حتى أصبحتا كأنهما خشبتان أو صفيحتان معدنيتان . قام من فوق الكرسي الذي كان يجلس عليه وتحرك داخل الحجرة التي رقيته فيها , تحرك على رؤوس أصابع قدميه , و ... ولكن الأغرب جدا في صورة الشخص هو وجهه الذي تغير كلية وتشوه جدا واقترب الرجل مني وكأنه يريد أن يلتهمني !. صورة وجه الشخص تغيرت وتشوهت وأصبحت قبيحة جدا ومنفرة جدا ومفزعة جدا ومخيفة جدا ومروعة جدا . وإذا أردتُ أن أقرب إليك – أيها القارئ - الصورة إلى حد ما , فإنني أقول لك بأن وجه الشخص أصبح يشبه إلى حد كبير صورة مصاص الدماء ( Vampire ) الذي يتفرج عليه بعض الناس في أفلام الرعب , ولكن الصورة التي كانت أمامي كانت أسوأ بكل تأكيد . كل الذي رأيته رأيته خلال أقل من دقيقة .ولا أخفي عليك أخي الكريم أنني خفت قليلا - ولحوالي 5 أو 10 ثواني - وهو الخوف الوحيد الذي تملكني في حياتي أثناء الرقية , مع أنني رأيت الكثير الكثير مما يخاف منه الناس ولم أخف منه أنا . خفت لثواني معدودات ثم استرجعت شجاعتي ورباطة جأشي ثم وضعت يدي على ناصية المريض , وأخته ( التي خافت قليلا ولكن خوفها لم يكن كبيرا لأنها تعودت على رؤية أخيها على تلك الصورة , وهو يسمع القرآن أو يقرأ القرآن ) تمسكه وتحاول أن تجلسه على الكرسي . قرأتُ عليه لمدة حوالي 5 دقائق , وهو إلى حد ما على الصورة السابقة ثم بدأ يهدأ وبدأت صورته العادية ترجع إليه حتى رجع إلى صورته العادية والحقيقية تماما سواء صورة الوجه أو سائر الجسد , وذلك مع انتهائي من القراءة .أكملتُ الرقية وطرحت عليه أسئلة أجابني عنها , ونصحته بنصائح وعدني بالالتزام بها , ثم غادر المكان هو وأخته على أن يخبرني بأحواله بعد أيام قليلة بإذن الله . وطبعا مهما تتصور أنتَ – أخي القارئ - ما وصفته لك فيبقى دوما هناك فرق كبير بين من رأى ومن سمع .والله ولي التوفيق , وهو وحده الشافي من كل داء .
243- نصفُ حجاب خير من لا شيء :
طالبات في جامعة قسنطينة سألنني عام 1976 م عندما كنتُ في الجامعة وكنت أسكن في حي نحاس نبيل ( بجانب الجامعة الإسلامية ) , حيث كنت أقدم دروسا دينية بين الحين والآخر للطالبات في مسجد الحي المقسم إلى قسمين إثنين : قسم للذكور وقسم للإناث , يفصل بين القسمين ستار كثيف يمنع الرؤية من قسم إلى آخر .سألتني بعض الطالبات في يوم من الأيام "ما الحكم فيما فعلناه مع بعض المتبرجات خلال الشهور الأخيرة حين طلبنا منهن نزع الحجاب بالقوة لأن كل واحدة منهن تلبس حجابا متبرجا . إنهن بهذا يشوهن صورة الحجاب الإسلامي المعروف عند علمائنا . ما الرأي يا شيخنا !؟".فأجبتهن جوابا مفصلا جاء فيه " لقد أخطأتن خطأ فاحشا بما فعلتن , ومهما كانت نيتكن حسنة فإن فرض نزع الحجاب على هؤلاء الطالبات حرام ثم حرام ثم حرام عليكن . إن نصف حجاب هو خير من لا شيء , والحجاب الكامل هو خير من النصف حجاب , وهكذا ". وأما تشويه صورة الحجاب عند الغير فنتخلص منه أو ننقص منه عن طريق أشياء أخرى منها التوعية والدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر و ... ولكن لا يجوز أن يكون طلب نزع الحجاب ( مهما كان ناقصا ) وسيلة مشروعة لكنَّ من أجل الوصول إلى الحجاب الكامل" .
والذي قلته قبل قليل صالح لكل زمان ومكان .ومنه فالمرأة التي تستر شعرها خير من التي تكشفه .والمرأة التي تستر الفخذ خير من التي تكشفه . والتي تلبس اللباس الواسع خير من التي تلبس الضيق . والتي تلبس اللباس الكثيف خير من التي تلبس الشفاف وهكذا ...ومنه فإن التي تلبس نصف الحجاب وتستر نصف الجسد خير بكثير من التي تكاد تكشف جسدها كله .ولا يمكن أن تستوي هذه مع تلك .صحيح أننا نتمنى لكل امرأة الحجاب الكامل كما يحب الله ورسوله , ولكن إذا خيرتُ بين نصف الحجاب ولا شيء , فإنني سأختار وبدون تردد نصف الحجاب .ومنه فأنا لا أقبل أبدا المنطق الذي يقول " إما أن تلبسي الحجاب كاملا وإلا بلاش "!!!. هذا غير مقبول نهائيا لا مع الحجاب ولا مع غيره من الواجبات الدينية .كما أنه لا يجوز لنا أن نقول لشخص " إما أن تصلي صلاة كاملة بخشوعها و ... وإلا فلا داعي لأن تصلي" , فكذلك لا يجوز أن نقول لامرأة " إما أن تلبسي الحجاب الكامل وإلا فالتبرج الكامل هو المطلوب منك"!!! .
244 – " ألا أعطيك رشوة على الرقية ؟! " :
1- الناس بسبب جهلهم بالدين الإسلامي يتصورون بأن الرقية لا بد لها من أجر حتى تأتي بثمرتها الطيبة وبالشفاء المرجو منها .
2-ومن جهة أخرى فإن الناس يتصورون أن الراقي لا بد أن يأخذ على رقيته أجرا , بسبب أن أغلبية الرقاة عندنا في الجزائر يأخذون الأجر على الرقية , بل إن هؤلاء الرقاة – مع الوقت – يصبحون يكذبون الأكاذيب والأكاذيب الصغيرة والكبيرة , الصريحة وغير الصريحة , والتي تصدق والتي لا تصدق , من أجل سرقة أموال الناس .
وإذا أضيف إلى هذا السبب وذاك جهل الناس باللغة العربية يمكن أن يقع مثل ما وقع لي أنا منذ حوالي عام في بيت من البيوت , وفي ولاية من الولايات . زرت عائلة تلميذ قديم درس عندي منذ أكثر من 25 سنة , فطلب مني أبوه أن أرقي أمه لأنها كانت تشتكي من أمراض معينة ظنت أن الرقية تنفعها من أجل الشفاء منها .
سمعتُ منها ورقيتُـها , ثم قدمت لها النصائح والتوجيهات المناسبة . وعندما أردتُ الانصراف استوقفني زوج المريضة وقال لي بنية طيبة وبقصد حسن وكذلك بدون أن ينتبه إلى معنى الكلمة التي ينطق بها " يا شيخ عبد الحميد , ألا تسمح أن أعطيك على رقيتك رشوة ؟! " . ابتسمتُ وابتسم معي ابنه لكلمة " الرشوة " , وقلتُ للأب متلطفا " شكرا جزيلا لك يا أبي , ولكنني لا آخذ لا رشوة ولا أجرا على الرقية , عجل الله بشفاء زوجتك وخفف عنها الآلام وغفر الله لها ذنوبها , آمين " .
245- عندما أعفيتُ من الإشراف على القسم الإسلامي بمنتدى الشروق :
وكنتُ قد كُـلِّـفت بالإشراف على القسم الإسلامي بعد إلحاح من أكثر من مشرف ومن السيد مدير المنتدى وكذا من السيد مدير الجريدة نفسه . وبعد حوالي 6 أشهر من بدء عملي بهذا التكليف تم إعفائي من الإشراف من طرف الإدارة بسبب أنني أحببتُ التشدد مع بعض السلفيين المتعصبين الذين رأيتُ – وما زلت على رأيي هذا إلى الآن – أن المنتدى لن يصلح أمره ولن يزداد نفعه ولن تكثر بركته إلا بالضرب بيد من حديد على كل سلفي متعصب يفسد في المنتدى مع سبق الإصرار والترصد , ولكن إدارة المنتدى رأت أن التساهل معهم أفضل لأن ذلك من مقتضيات الديموقراطية وحقوق الإنسان و...
وبعد أن أخبرني – فجأة - السيد مدير الجريدة بأنني معفى من الإشراف منذ حوالي 3 أيام خلت , وذلك بدون إعلام مسبق , كتبتُ له – وللإدارة ولكل المشرفين- وفي يوم الأربعاء 24 رمضان 1429 هـ ( الموافق ل 24/9/2008 م ) ما يلي بالحرف :
أخي الكريم ... لن أعلق على أسباب إعفائي من الإشراف على القسم الإسلامي ولا عن طريقة إعفائي إلا بكلمة : عفا الله عني وعنكم وشكرا جزيلا لكم جميعا وبلا استثناء . أنا أذكر لك الآن كلمة قالها لي الكثيرون في حياتي منهم " عبد الله جاب الله " عندما كنتُ في جماعته من 1975 إلى 1986 م ( ومنذ ذلك الوقت وأنا حر أرفض الانخراط في أي تنظيم أو جماعة أو حزب ) . كان يقول لكثير من الإخوة " عبد الحميد - على خلاف الكثير من الإخوة - شديد الكراهية للمسؤولية " , وقال لي غيره " أنت يا عبد الحميد لا تصلح للمسؤولية , خاصة منها السياسية لأنك لا تقبل ولا تطيق اللف والدوران " . وأنا منذ كنت صغيرا أرفض المسؤوليات حتى الصغيرة منها , ومنه فأنا أرفض حتى أن أصلي بالناس , وأرفض أن أكون مسئولا على أية جمعية مهما كانت ثقافية أو خيرية أو دعوية أو تربوية في مجال التدريس أو غيره , ورفضتُ أن أكون مسئولا كبيرا في حماس كما رفضتُ أن أكون مسئولا معتبرا في الفيس المنحل , ورفضت أن أكون مسئولا في النهضة , ورفضت أن أترشح للإنتخابات البلدية أو الولائية وكذا في الانتخابات التشريعية باسم أكثر من حزب ( والفوز مضمون بإذن الله 99 % , وما ندمتُ على ذلك أبدا ) , ورفضتُ حتى أن أكون مدير ثانوية مع أن الإدارة عُرضت علي على طبق من ذهب مرات ومرات , و... أخي الفاضل ... , لهذا الذي ذكرته الآن ( والذي لم أذكره أكثر مما ذكرتُه ) , فإنني ومن الأمس وأنا أسأل الله بيني وبين نفسي أن أكون قد أعفيتُ بالفعل من الإشراف في منتدى الشروق .إنني تمنيتُ ذلك لجملة أسباب من أهمها : ا- ضيق الوقت عندي وكون الواجبات والمستحبات عندي أكثر من الأوقات . ب- وكذا كراهيتي من الصغر للمسؤولية . جـ- وخاصة بسبب أن هذه المسؤولية تقسي قلبي وتجعلني أقصر في حق نفسي روحيا وأدبيا وأخلاقيا وفكريا و ... وتجلب لي الكثير من العداوات والخصومات وكذا الكثير من المشاحنات ...لذلك فإنني تمنيتُ ومن أعماق القلب أن أعفى لأنني استحييتُ أن أطلب الإعفاء بنفسي كما استحييتُ أن أعلن بنفسي الاستقالة . ومنه فإنني أحمد الله أن الإعفاء جاء منكم وليس مني , لذلك لن ألوم نفسي في يوم من الأيام لأن الإعفاء جاءني من الإدارة لا من نفسي ( حتى وإن كنتُ في أعماق نفسي راغبا فيه ) . الآن أخي الكريم ... , وعندما قرأتُ لك ما كتبتَه أنت تـنـفستُ الصعداء وأحسستُ كأنكم أزحتم اليوم عن كاهلي جبلا كان يتعبني حملـه كثيرا لشهور وشهور .وأنا والله ثم والله ثم والله - وعلى خلاف أغلب من يُـعفون من الإشراف الذين يغضبون ويعملون من أجل الانتقام - إنني أشكركم ثم أشكركم ثم أشكركم على إعفائي من هذه المسؤولية الكبيرة خاصة على القسم الإسلامي وخاصة في منتدى كبير كالشروق .ملاحظة : أنا أعاني من ضيق الوقت وأتمنى لو أجد من يبيعني الوقت فأشتريه , ووالله أنا أخبركم بشيء ربما تجدون صعوبة في تصديقه - مع أنه صحيح 100 % - وهو أنني وفي رمضان هذا العام أو في أعوام سابقة والله إذا كانت أغلبية الناس ينتظرون بفارغ الصبر موعد الإفطار فأنا أتمنى يوميا وعلى طول الشهر لو أن النهار يطول ولو أن موعد المغرب يبتعد ب 4 أو 6 ساعات بحيث لا يؤذن مثلا للمغرب إلا حوالي 12 ليلا عوض السادسة مساء تقريبا . هذا هو حالي على طول الشهر ( وقلتُ هذا لكثير من الناس عندنا في ميلة ) بسبب ضيق الوقت عندي وبسبب استغلالي لكل وقتي مع طلب الدنيا أو الآخرة . أقول هذا وأحمد الله على ذلك كثيرا .شكرا لكم جميعا إخوتي وأخواتي في إدارة الشروق , وجزى الله خيرا كل المشرفين بلا استثناء . أسأل الله أن يغفر لكم جميعا ويرحمكم ويبارك فيكم وينفع بكم ويوفقكم لما فيه خير أكبر لكم ولمنتدى الشروق حاضرا ومستقبلا .تحية عطرة وحارة لكل واحد منكم , وهذه قبلة مني أضعها ولو من بعيد على رأس كل واحد منكم جميعا بلا استثناء .اللهم اغفر لأهل منتدى الشروق جميعا بلا استثناء وارحمهم واهدهم وارزقهم وعافهم واجعلهم من أهل الجنة , آمين .والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
246 – البخل والأساتذة والمعلمون :
البخيل مسكين وظالم ومجرم من أكثر من جهة منها أنه يحرم غيره من مال الله , وكذا يحرم نفسه وأهله من هذا المال ليستفيدوا منه في حياتهم الدنيا , وكذا يحرم نفسه من أجر الإنفاق في سبيل الله والصدقة والإحسان , و... ثم يموت في نهاية المطاف ويترك هذا المال لغيره . البخيل يبذل ما يبذل من جهد ووقت طيلة حياته من أجل جمع مال لا يستفيد منه هو لا في دنياه ولا في آخرته .
وأنا أذكر هنا بالمناسبة أساتذة زملاء بعضهم بخلاء , وهذا البخل ربما هو الذي ساعد على انتشار دعاية معينة في أوساط الناس – من سنوات وسنوات - مفادها أن البخلاء في المجتمع كثيرون منهم المعلمون والأساتذة !!!. جرت العادة عندنا في الجزائر على أننا عندما نزور شخصا مريضا نأخذ معنا قَـضْـيَـة ( أي بعض المواد الغذائية وكذا بعض الحلويات أو الفواكه أو ...) كنوع من الهدية للمريض أو أهله . وحدث لي في أكثر من مرة أن زرتُ مريضا مع البعض من زملائي الأساتذة , وفي الطريق أعتذر منهم للدخول إلى محل مواد غذائية لشراء بعض المستلزمات للمريض أو أهله . وكان يمكن أن يشتري كل واحد منا أشياء أو نجمع من بعضنا البعض مبلغا من المال ونشتري به ما نريد للمريض أو أهله . قلتُ : حدث لي في أكثر من مرة أنني عندما أهم بالدخول إلى محل مواد غذائية أسمع أستاذا يقول لبقية الأساتذة بصوت منخفض ظنا منه أنني لا أسمعه " اتركوا الأستاذ رميته , إنه يحب أن يقضي أو ينفق في سبيل الله " !!!. طبعا يقول لهم هذا الكلام على سبيل السخرية مني , وأنا أتجاهل عادة كلامه وأقول له في نفسي " إن تسخر مني مرة فأنا أسخر منك مرتين " .
وأنا أعلم في المقابل أن هذا الأستاذ - وفي أعماق نفسه - يحتقر نفسَـه كل الاحتقار , وأن شأنه هنا هو شأن الثعلب الذي لم يقدر على الوصول إلى عنقود العنب (أي أن الأستاذ لم يقدر على مجاهدة الشح والبخل في نفسه ) , فيقول عنه بأنه حامض !.
ملاحظة : أنا ذكرت الأستاذ بالذات - مع أن البخل موجود عن الكثير من الناس - لأنني أستاذ , ولأن الأستاذ يجب أن يكون قبل غيره قدوة في الأدب والخلق .هذا مع علمي واعترافي بالظروف المادية الصعبة والقاسية التي يعيشها الأستاذ منذ الاستقلال وإلى اليوم .

اللهم إنا نعوذ بك من الجبن والبخل ونعوذ بك من أن نرد إلى أرذل العمر ونعوذ بك من فتنة الدنيا ونعوذ بك من فتنة القبر , اللهم آمين .
247- ما أعظم الحب بين الزوجين ! :
أنا منذ كنت صغيرا وأنا أحلم باليوم الذي أتزوج فيه لأتنافس مع زوجتي في الإحسان إليها , ومنه فلقد كنتُ دوما أتمنى أن أحسن إليها أكثر مما تحسن هي إلي , وإن كنت بطبيعة الحال أتمنى منها - كأي رجل - أن لا تحرمني من حقوقي عليها . حتى وإن كنت حريصا على أن أكون القوام على زوجتي وأن أكون حازما وجادا وأن يكون رأس الخيط دوما بيدي حتى تهابني زوجتي وتحترمني وتقدرني وتعتبرني زوجا صالحا ورجلا بحق , فإنني - منذ تزوجتُ وإلى اليوم - أنا أحرص كل الحرص على أن أحسن إلى زوجتي أكثر مما تحسن هي إلي , وأعاملها المعاملة الأطيب وأعاشرها العشرة الأحسن والأفضل , وذلك حتى تحبني الحب الكبير . ما أسوأ - أيها الرجل - أن تحب من لا تحبك , وما أقبح أن تحب من تكرهك وتبغضك , وما أشنع أن تحب من لا تعرف أو لا تعترف أصلا بأنك تحبها , وما أسوأ أن تحب من تسئ إليك , وما أقبح أن تحب من تُـقدم مالك وجيبكَ على حبك لها , وما أشنع أن تحب من تعتبر أن الحب مطلوب منك لها فقط وليس منها لك .وفي المقابل ما أعظم وأطيب وأحسن وأفضل وأنفع و ... أن تحب المرأة التي تحبك , وأن تحب من تعشقك , وأن تحب من هي على يقين من محبتك لها , وأن تحب من تحسن إليك وتتفانـى في ذلك , وأن تحب من تعتبر حبك لها هو رأسمالها في الحياة الدنيا ( بعد الإيمان بالله تعالى ) , وأن تحب من تتنافس معك باستمرار في الحب والود والرحمة والإحسان , وأخيرا أن تحب من تعتبرك حسنة وجنة الدنيا .وبهذه الطريقة وصلتُ في النهاية في علاقتي بزوجتي إلى أن أعاملها بالجد والحزم حتى تحترمني وبالإحسان والمعاملة الطيبة حتى تحبني . وأنا والحمد لله رب العالمين أعتبر أن من أعظم نعم الله علي في الحياة الدنيا محبتي لها ومحبتها لي , وأنا أعتز كثيرا بكلمة تقولها زوجتي كثيرا لأمها ( لأنها تستحي أن تقولها لأخواتها الإناث ومن باب أولى لإخوتها الذكور ) , وهي " أنا يا أمي إن أحسنتُ لعبد الحميد مرة , فإنه يحسن إلي 10 مرات " .اللهم ارزقنا حبك وحب من يحبك وحب أي عمل يقربنا إلى حبك .اللهم بارك لكل زوج في زوجته واجمع بينهما في خير .
والله أعلم بالصواب .
248- الرقية ب "Télécommande " : من تناقضات بعض الناس في علاقتهم بالرقية الشرعية أنهم يستهينون بها ولا يعطونها ما تستحق من أهمية ومكانة ومنزلة . ومنه فإننا نجد بعضهم تعودوا على أن يطلبوا الرقية للمريض بدون إحضار المريض , ومنه فإنني صادفتُ خلال حوالي 23 سنة من عمري , صادفت أكثر من 1000 شخصا ( نعم أكثر من ألف شخصا , وبدون أية مبالغة ) يعطيني الواحد منهم إناء به ماء أو زيتا أو عسلا ويطلب مني أن أقرأ عليه قرآنا , وذلك لعلاج سحر أو جن أو عين . يفعل ذلك معي وأنا لا أعرف من المصاب ؟! ولا أعرف عنه شيئا : رجلا أو امرأة , صغيرا أو كبيرا ؟! , كما لا أعرف شيئا عما يشتكي منه المريض ( إن فرضنا بأنه مريض بالفعل ) , ولا أعرف - إن كانت هناك إصابة فعلية – هل تحتاج الإصابة لطبيب أم لراقي شرعي ؟!.
وأذكر هنا أن زوجتي والكثير من أصدقائي وجيراني وأقاربي وزملائي وأصهاري ومعارفي وبعض أولادي وبناتي يطلبون مني – في هذه الأحوال - أن أقرأ للناس ولا أسألهم شيئا ماداموا لا يريدون مني أن أسألهم : لا أطلب معرفة حقيقة الإصابة وحقيقة المريض , ولا أطلب رؤية المريض والتحدث إليه والسماع منه و... ولكنني في الغالب أرفض هذا الطلب وأُصر على معرفة المرض والمريض وعلى رؤية المريض والسماع منه والتحدث إليه . وأنا أقول دوما للناس الذين يطلبون مني الرقية الشرعية بدون رؤية المريض والتحاور معه وبدون معرفة أي شيء عنه , أقول لهم جادا ومازحا في نفس الوقت " هذا الذي تطلبونه مني يا ناس ليس رقية شرعية عادية , وإنما هي رقية بجهاز التحكم عن بعد أو رقية بال "Télécommande " !!!. هي رقية شرعية جائزة بكل تأكيد ولكنها خلافُ الأولى وفائدتُـها قليلةٌ غالبا .
وأذكر بالمناسبة أن امرأة أرسلت إلي منذ أيام ( 2008 م ) 5 لترات ماء في كيس مع بعض الأولاد , وعندما فتحت الكيس وجدت ورقة مع الماء مكتوبا عليها جملة مختصرة ومقتضبة " أريد بهذا الماء رقية من السحر " , فقرأتُ لها في الماء وأرسلـتُـه إليها – تلبية لرغبتها – ولكن بعد أن كتبتُ لها على نفس ورقتها :
* " ما هو الدليل على وجود السحر ؟" .
* " الرقية من بعيد هي رقية بجهاز التحكم عن بعد , وهي منعدمة الفائدة أو إن فائدتها محدودة جدا ".
والله وحده أعلم , وهو وحده الشافي من كل داء .
249 – مما علمتني الحياة إياه في التعامل مع المسيء إلي :
لقد علمتني الحياةُ الكثيرَ الكثير , لكن من أهم ما علمتني إياه : 1-أن هناك فرقا كبيرا بين أن تنتصر لنفسك وأن تنتصر لله , ومنه فإن رسول الله عليه الصلاة والسلام كان لا ينتصر لنفسه قط , وإنما كان لا يغضب إلا إذا انتهكت حرمة من حرمات الله تعالى . 2-اللذة الذي يجدها الإنسان المسلم وهو يعفو عمن ظلمه أو يقابل السيئة المرتكبة ضد شخصه بحسنة , هذه اللذة هي أعظم بكثير وكثير وكثير من اللذة التي يمكن أن يجدها المسلم وهو ينتقم لنفسه أو يقابل السيئة بسيئة مثلها . 3-إذا أردتَ أن تكون عظيما عند الله ثم عند الناس فاحرص على أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك . أما إن كنتَ غير ذلك فأنت عندئذ والعظمة خطان متوازيان , وأنت تطلب العظمة بدون تقديم الثمن أنت تطلب المستحيل .ظلمني رجال كثيرون من السلطة خلال سنوات وسنوات .وظلمني دعاة مسلمون كثيرون خلال أكثر من 25 سنة .وظلمني إداريون كثيرون في مجال التربية والتعليم .وظلمني ناس عاديون لأسباب مختلفة .وظلمني متعصبون في منتديات مخـتلفة لحوالي 3 سنوات من الكتابة والنشر في المواقع والمنتديات الإسلامية .وظلمني وظلمني ...ومع ذلك أنا والله ومنذ أكثر من 30 سنة أدعو غالبا لهؤلاء الذين ظلموني وأساءوا إلي واعتدوا علي بخيري الدنيا والآخرة , في صلاتي وخارج صلاتي , وأنا لا أكاد أنام في ليلة من الليالي إلا وأنا أدعو وألح في الدعاء " يا رب إني سامحت جميع هؤلاء بلا استثناء . يا رب اهدهم واغفر لهم وارحمهم . يا رب ارض عنهم . يا رب أكرمهم ولا تهنهم , يا رب زدهم ولا تنقصهم , يا رب كن لهم ولا تكن عليهم , يا رب أسعدهم في الدارين . يا رب بدل سيئاتهم حسنات واجعلهم يوم القيامة في أعلى عليين بالجنة , و ... " .
وكم ذكرت من اعتدى علي بأسمائهم في سجودي وكذا خارج صلواتي وبالليل والنهار و ... وكم ذكرت بالإسم ... و ... و ... ممن سبني وشتمني وألصق بي العيوب السبعة وسخر مني وحذر مني و... ذكرتهم بأسمائهم... وكم دعوتُ لهم بخيري الدنيا والآخرة , وقلت وأكدتُ في القول " يا رب إني بعتُ لهم عرضي اليوم وغدا وبعد غد , ولكنني أسألك يا رب فقط أن تهديهم حتى يتوقفوا فقط عن سب العلماء والدعاة والجماعات الإسلامية , أما أنا فإنني والله مسامحهم على كل ما فعلوا ويفعلون معي . يا رب أتمنى أن يكون كل من ظلمني راضيـن عنك , فارض اللهم عنهم جميعا " .إنني ومنذ أكثر من 30 سنة حريص على أن لا أنام في أغلبية الليالي إلا وأنا لا أحمل في نفسي وقلبي أي غش أو غل أو حقد لأي واحد من المسلمين مهما كان من أمره معي .أنا كغيري من عامة المسلمين عندي الكثير من السيئات التي يعلم الناس القليلَ منها وأعلم أنا الكثيرَ منها , ولكن لي في المقابل بإذن الله بعض الحسنات , وأظن - والله وحده أعلم بالصواب - أن من أعظم حسناتي أنني بائع لعرضي لأي مسلم ما حييتُ وإنني حريص على أن لا أقابل - غالبا - السيئة ضدي بمثلها وعلى أن لا أنتقم لنفسي قط ما استطعتُ إلى ذلك سبيلا .والله وحده الموفق والهادي لما فيه الخير .
250- اليوم رأيتُ التعصبَ شخصا يمشي على رجليه :
رأيتُ وسمعتُ وعاينتُ ثم عانيتُ من تعصب المئات من المتعصبين المتدينين الذين لا يعرفون من الدين إلا " حرام وبدعة " , ولا يعرفون من الدين إلا " سب مئات العلماء والدعاة وتقديس قلة أخرى من العلماء " , قلتُ : عانيتُ من تعصب هؤلاء خلال أكثر من 25 سنة , ورأيتُ خلال هذه الفترة من التعصب أشكالا ومن المتعصبين ألوانا , ولكنني أظن أنني قلما وجدتُ متعصبا مثل الذي صادفتُ اليوم ( 18/10/2008 م ) بعد صلاة العصر مباشرة .
جاءتني امرأة - بصحبة إخوتها الثلاثة – من أجل أن أرقيها لأنها كانت تعاني ومنذ سنتين من كثير من الأعراض , وكانت قد زارت أطباء ورقاة فلم يفيدوها بشيء . وكعادتي من سنوات وسنوات أقَـسِّم وقت الرقية إلى قسمين : نصفه للحديث مع المريض وأهله ثم تقديم النصائح والتوجيهات المناسبة , وأما النصف الباقي من الوقت فأخصصه للرقية إن رأيتُ بأن الأمر يتطلب بالفعل رقية أو رأيتُ أن المصاب متعلق جدا بالرقية . تعاملت مع المريضة كأنها أختي الصغرى ( عمرها 40 سنة , وغير متزوجة ) وتعاملتُ مع أخويها الكبيرين وكأنهما أخوان صغيران لي وتعاملتُ مع أخيها الأصغر ( عمره 20 سنة وهو تلميذ في السنة الثالثة ثانوي , وفاشل في دراسته ) وكأنه ابني . وبعد انتهاء الرقية شكرني الأخوان الكبيران للمريضة وانصرفا , وأما أخو المريضة الأصغر فسألني سؤالا مفاجئا " ما حكم الإسلام في وضع الراقي ليده على ناصية المريضة من فوق الخمار ؟!". وظننته في البداية يسأل ليتعلم فأجبتُـه , ولو علمتُ بأنه يسأل ليُـسمعني ما لا أحب أن أسمع ما كنتُ أجبته بشيء وما كنت دخلتُ معه في أي نقاش . أجبته بجواب مفصل قليلا , ومما قلته له :
ا- أما مصافحة الرجل للمرأة الأجنبية فمسألة خلافية بين الفقهاء ومن أيام زمان بين مبيح ومحرم ولكل فريق أدلته القوية أو الضعيفة , والله وحده أعلم بالصواب , وإن كنت أنا لا أصافح النساء منذ 1975 م وإلى الآن .
ب- وأما وضع الراقي ليده على ناصية المريضة فيمكن أن يختلف فيه الناس والرقاة والدعاة والفقهاء " هل هو من السنة أم لا ؟! ", ولكن لم يقل أحد من العلماء القدامى أو المعاصرين , المتشددين أو المتساهلين بأن مجرد وضع الراقي ليده على رأس المريضة من فوق الخمار ( وبدون أن يُـمسك برأسها ) حرامٌ . هذا لم يقل به ولو فقيه واحد أبدا .
وكنتُ أظن أن جوابي هذا يكفيه ويُـنهي الحديث بيننا أنا وإياه , ولكنني فوجئتُ بما لم أتوقعه أبدا , فوجئتُ بشاب جاهل ومتعصب ووقح وسيئ الأدب وقليل الحياء و ... أسمعني - وهو وحده - خلال حوالي ربع ساعة ما لم أسمع مثله في حياتي إلا نادرا , أو أسمعني وحده في ربع ساعة ما سمعته مُـفرقا ومن خلال أشخاص خلال سنوات وسنوات .
ملاحظتان :
ا- أنا أعرف أن هذا الشاب لا يمثل كل المتدينين من التيار " ... " , ولكنني أؤكد على أنه وإن لم يوجد مثله إلا القليلون ولكن يوجد من القريبين منه – خاصة عندنا في الجزائر- آلاف أو عشرات الألوف من الشباب المتدين الذي عنده من التعصب ما عنده , وتعصبه له أسباب مختلفة يأتي على رأسها الجهل الفضيع بالدين لأنه لا يمكن أن يأتي تعصب إلا من جهل .
ب- أخبرني أخو هذا الشاب عندما رأى أخاه الصغير يتطاول علي " يا شيخ نحن – أي عائلتنا – نعرف بأن أخانا الصغير متعصب جدا وأنه جاهل , ولكن ما باليد حيلة حاولنا وحاولنا معه ولكن قد يلين الحجر ولكن أخابا أبى أن يلين , فاصبر عليه واحتسب أجرك عند الله يا شيخ ".
قال لي هذا الشاب الكثير الكثير وبطريقة فيها من السخرية والاستهزاء ومن سوء الأدب وقلة الحياء ما فيها , وكان مما قاله لي :
1- " وضع الراقي ليده على رأس المرأة ولو من خلال خمار كثيف لا تصل معه حرارة البدن إلى يد الراقي هو حرام بلا أي شك أو ريب , والأدلة على ذلك من الشرع كثيرة سواء من الكتاب أو السنة أو الإجماع أو القياس" !!!.
2- " كل من قال بأن ذلك جائز هو جاهل ولا يعرف من الدين شيئا "!!!.
3- " والراقي الذي يضع يده على ناصية المرأة أثناء الرقية – مثلك أنت يا رميته عبد الحميد - جاهلٌ ولا يخاف الله تعالى " !!!.
4- " الشيخ يوسف القرضاوي والشيخ محمد سعيد رمضان البوطي والشيخ محمد الغزالي و ... , ضالون ومنحرفون ومبتدعة وجاهلون ومائعون ومنحلون وخطرون على الدين , بل خطورتهم على الدين أعظم من خطورة اليهود والنصارى , وهم لا يفهمون من الدين شيئا " !!!. هذا مع أن الرقية الشرعية لأخته وكذا حديثنا لا صلة لكل ذلك بهؤلاء العلماء سواء كانوا محسنين أو مسيئين .
5- " العلماء بن باز والعثيمين والألباني هم وحدهم علماء الدنيا المسلمون الذين يؤخذ منهم العلم والشرع , وأما من عداهم فجهال ليس إلا " !!! .
6- " تمنيتُ أن لا آتيك بأختي لترقيها لأنك ترتكبُ المناكر والمحرمات في رقيتك ولأنك لا تحترم المرأة ولا تقدرها , ولأنك تنتهك حرمات النساء , ولأنك جاهل ولا تخاف الله تعالى , ولكن أخوي فقط هما اللذان أجبراني على الإتيان بها إليك , ولقد ندمتُ الآن أكثر عندما رأيتك ترقي أختي وتضع يدك على ناصيتها . إن ما ارتكبته أنت الآن أمامي منكر كبير ومعصية عظيمة " !!!. هذا مع أنني أصبحتُ ومن سنوات قليلة أقرأ القرآن غالبا على المريضة بدون وضع اليد على ناصيتها , على اعتبار أن ذلك لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بيقين ( ولكنني أؤكد مع ذلك على أن أحدا من العلماء لم يقل بأن ذلك حرام ) .
7- " أنت أكبر مني سنا ( في سن أبي ) ولكنني أفهم الدين أفضل منك بكثير " !!! .
8-" أنتَ – يا رميته - قرأتَ آلاف الكتب الإسلامية طول حياتك , وأما أنا فقرأتُ فقط حوالي مائة كتابا دينيا , ومع ذلك فأنا أفهم الدين أحسن منك بكثير لأنني أقرأ وأفهم ما أقرأ , وأما أنت فتقرأ ولكنك لا تفهم مما تقرأ شيئا " !!!.
9- " أنت تقرأ لكل من هب ودب ممن تسميهم علماء أو دعاة , وأما أنا فأقرأ فقط للعلماء الربانيين , ومنه فالقليل من العلم الذي آخذه أنا أكثر بركة بكثير من الكثير من العلم الذي تأخذه أنت " !!!.
وأثناء النقاش أخذني هذا الشاب الصغير من كتفي وجذبني من طرف معطفي بقوة وبطريقة عنيفة جدا وكأنه يريد أن يضربني , حتى تدخل أحد أخويه الكبيرين وقال له " أبعد يدك عن الأستاذ , هذا عيب وحرام عليك . تأدب يا أخي مع أستاذك وأبيك وإمامك ". فعلَ معي هذا الشابُّ ما فعل وكأنه معلم مع تلميذ كسول أو كأنه أب مع ولد عاق , وقال لي " يا هذا أنا أقول لك بأنك ارتكبت الحرام مع أختي , وأنت تقول لي : هذا ليس بحرام . أنا أتحدث معك بعلم وأما أنت فلا تنطلق فيما تقول إلا من فراغ . هل تفهم ما أقول لك أم لا "؟!!!.
ووالله لولا أنني أرقي لوجه الله أولا وأخيرا , وأنا من القلائل هنا في الجزائر الذين ما أخذوا ولو سنتيما واحدا على الرقية في أي يوم من الأيام - مع أنني رقيتُ في حياتي أكثر من 15 ألفا من الناس- لتوقفتُ عن ممارسة الرقية بسبب سلوك مثل هذا الشاب معي , ولكن مما تعلمناه من ديننا أن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خيرٌ من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم .
وكذلك أقول " الحمد لله الذي علمنا الإسلام قبل أن نعرف مثل هذا الشاب الجاهل " .
لقد عرفتُ في حياتي الماضية الكثيرَ من المتعصبين ولكن قَـلما رأيتُ متعصبا مثل هذا , وكذلك فإنني تعودتُ على أن أرى أو أسمع أو أقرأ لمتعصبين متدينين جهلة , ولكنني اليوم لم أر متعصبا فحسب ولكنني رأيتُ التعصبَ في حد ذاته يمشي على رجلين , والعياذ بالله تعالى .
نسأل الله أن يرزقنا الصواب والإخلاص والصدق , وأن يجعلنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام , ومن أهل الاعتدال والتوسط والتواضع , وأن يرزقنا الأدب في الحوار والتواضع في التعامل , وأن يجعلنا من أهل الخير , آمين.

ليست هناك تعليقات: