الاثنين، 15 يونيو 2009

وقفات مع ذكريات من 281 إلى 290 : :

بسم الله
عبد الحميد رميته , الجزائر

281- كل من العلوم الشرعية والفيزيائية علمتني الدقة في الحساب :
أنا أقول دوما للناس " العلوم الشرعية علمتني الدقة في كل شيء , والعلوم الفيزيائية التي أدرسها في الثانوية منذ 31 سنة تقريبا علمتني كذلك الدقة في كل شيء . تعلمتُ من كل من العلوم الشرعية والعلوم الفيزيائية , تعلمتُ الدقة في كل شيء بما في ذلك الحساب أو الرياضيات .
عندما كنا منذ حوالي 15 سنة , مع مداولات امتحان شهادة البكالوريا , وقبيل ظهور النتائج النهائية كنا نحسب معدلات التلاميذ عن طريق الآلة الحاسبة ( قبل انتشار الكمبيوتر والأنترنت بعد ذلك ) , وعندما وصلنا إلى معدل تلميذ من التلاميذ حسبنا معدله فوجدناه 9.993232531 . عندئذ وقع اختلاف بيننا نحن ال 9 أشخاص
( 8 أساتذة للمواد الثماني ومعنا مفتش مسؤول عن لجنة تضم حوالي 200 تلميذا ) في"هل التلميذ ناجح أو راسب ؟". وأذكر أن أغلبية الزملاء قالوا " نساعد التلميذ ونعتبره ناجحا لأنه قريب جدا من ال 10 / 20 , ولكنني اعترضت في ذلك الوقت على نجاح التلميذ , على اعتبار التلميذ لم يصل إلى معدل ال 10 / 20 وهو معدل النجاح , ومنه فيعتبر راسبا , وقلتُ لهم " لو فتحنا هذا الباب من المساعدة للتلاميذ لأصبح الأمر فوضى , لأننا إذا اعتبرنا صاحب ال 9099 ناجحا لماذا لا نعتبر صاحب 9.98 ناجحا ؟!. وإذا اعتبرنا صاحب ال 9.98 ناجحا لماذا لا نعتبر صاحب ال 9.97 ناجحا ؟!. وهكذا تختل الموازين والمقاييس , ونفتح بذلك بابا عريضا للفوضى والظلم والمحسوبية والتمييز و ... " , وقلتُ في النهاية " لا أوافق أبدا على نجاح التلميذ , ببساطة لأنه لم يتحصل على معدل النجاح الذي هو 10 / 20 ". وبالفعل , بعد طول نقاش وحوار اتفق الجميع على اعتبار التلميذ راسبا .
ثم بعد عامين أو ثلاثة وقعت حادثة مماثلة ومخالفة في نفس الوقت للحادثة السابقة , حيث وجدنا معدل تلميذ 9.997123456 .
والمعروف أننا نكتب النتيجة دوما برقمين فقط بعد الفاصلة , وذلك مع نتائج التلاميذ من الابتدائي إلى نهاية الجامعة . نحن نكتفي دوما برقمين فقط بعد الفاصلة . والمعروف عندنا في الرياضيات , أننا إذا أردنا أن نبقي فقط على رقمين بعد الفاصلة فإننا ننظر إلى الرقم الثالث بعد الفاصلة :
ا- فإذا كان أكثر من 5 أضفنا إلى الرقم الثاني بعد الفاصلة أضفنا 1 : مثال عوض 15.238 نكتب 15.24 ( أي أضفنا إلى ال 3 , أضفنا 1 فأصبحت 4 ) .
ب- وأما إذا كان أقل من 5 أبقينا على الرقم الثاني بعد الفاصلة كما هو : مثال 123.673 نكتب 123.67 ( أي أننا أبقينا على ال 7 كما هي لأن ما بعدها 3 أي أقل من 5 ) .
ملاحظة : إذا طبقنا هذه القاعدة على التلميذ الأول , فإننا سنجد بأن معدله 9099 فقط , لأن الرقم الثالث بعد الفاصلة هو 3 , ومنه فهو تلميذ راسب إذا راعينا الدقة والعدل .
جـ- وأما إن كان 5 بالضبط , فنحن مخيرون بين أن نضيف 1 ( مثل ا ) أو لا نضيف ( مثل ب ) إلى الرقم الثاني بعد الفاصلة : مثال 7.235 إما أن تكتبها 7.24 أو 7.23 , كل ذلك صحيح ومقبول .
إذا طبقنا هذه القاعدة من قواعد التدوير التي يراد منها الدقة أكثر في الحساب , إذا طبقناها على معدل التلميذ الثاني الذي هو 9.997123456 , فإننا نجد أنفسنا مضطرين لأن نعتبر معدل التلميذ 10.00 لأن الرقم الثالث بعد الفاصلة هو 7 , أي أكثر من 5 , ومنه يجب إضافة 1 إلى الرقم الثاني بعد الفاصلة فتصبح نتيجة التلميذ عندئذ 10.00 , ومنه فهو ناجح .
اختلفنا في الأمر , وكنت مصرا على أن التلميذ ناجح , وأذكر أن من ضمن المعترضين على نجاح التلميذ كان أستاذ الرياضيات فقلت له " يا أستاذ إن قبل من أستاذ آخر أن يخالفنا فلا يقبل منك أنت أن تخالف " . وبعد نقاش استمر حوالي 20 دقيقة تم إفهام الجميع بالقاعدة التي أشرت إليها سابقا واتفق الجميع – بلا استثناء -على إنجاح التلميذ , والحمد لله رب العالمين .
ثم أقول : كل مسلم مؤمن يكون دليله في الحياة هو الشرع أولا ثم العقل , يكون غالبا داعية ناجحا في الحياة الدنيا .وأما المسلم الآخر الذي يتناقض في كل وقت مع مقتضيات العقل والمنطق سواء على مستوى أقواله أو أفعاله , فإنه في الغالب إذا دعا إلى الله سيكون داعية تنفير من الدين لا داعية جلب إلى الدين .ومن هنا فإنني أقول للناس في كثير من الأحيان عندما يقولون لي " ظنناك أستاذ علوم شرعية لا علوم فيزيائية " , أقول لهم " أنا أعتز بالعلوم الفيزيائية كثيرا لأن الدين علمني العقل والمنطق والدقة في كل شيء , ثم جاءت العلوم الفيزيائية فأكدت لي أكثر وأكثر مراعاة ( بعد الشرع طبعا ) العقل والمنطق في حياتنا الدينية والدنيوية " .ومنه فالحمد لله ثم الحمد لله على نعمه التي لا تعد ولا تحصى .
اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك .
282- نغير السقف أفضل أم نغير العين ؟! :
قالت لي إحدى محارمي من النساء في يوم الأيام " يا ليت زوجي يصلح لنا كذا وكذا من أمور البيت . هو يعتذر دوما بأنه لا يقدر على ما أطلب أنا منه , وأنا أرى من جهتي بأن من واجباته الأساسية أن يوفر لنا ما نريد ".
قلتُ لها " مطلوب من الرجل أن يوفر لزوجته وأهله وأولاده ما يريدون في حدود استطاعته , ويحرم على المرأة أن تكلف زوجها ما لا يطيق " , ثم سألـتها " ما أردت من زوجك مثلا ؟!" , قالت " طلبت منه أن يهدم سقف الحجرة كذا ... ثم يبنيه من جديد بشكل أحسن وأفضل ..." , قلتُ " لماذا ؟! " , فقالت " ألا ترى تلك الخدوش الموجودة في السقف , ألا تتطلب أن يغير – بسببها - السقف من الأساس !؟". نظرتُ إلى السقف فرأيت السقف على أحسن حال تقريبا . وأما الخدوش التي أشارت إليها المرأة فلا تتطلب أبدا تغيير السقف من أصله,ولكنها تحتاج من بناء عمل ساعة أو ساعتين فقط, بتكلفة أقل بكثير وكثير من تهديم السقف وإعادة بنائه".
قلت لقريبتي " يا فلانة أنا أرى أنه يجب تغيير العين لا السقف " , ففهمتُ قصدي وقالت " أنا أرى أن تغيير السقف أفضل " , قلت لها " بل إن تغيير العين أفضل بإذن الله عند الله وعند الزوج وعند أغلب الناس ".
قالت " كيف ؟!" .
قلتُ لها : لو كان زوجك قادرا على ما طلبتِ منه , فإننا قد نختلف في أيهما أفضل ( يلبي لك طلبك أم لا ؟!) . وأما وهو غير قادر , فإنه لا يجوز لنا أبدا أن نختلف , بل يجب أن نتفق جميعا على أن الأفضل أو الواجب أن لا يلبي لك طلبكِ .
إذا غيرنا السقف فإننا سنطلب بذلك من الزوج ما لا يطيق ويضطر من أجل ذلك إلى الاستدانة التي فيها من الحرج ما فيها , أو يضطر إلى جلب المال من الحرام وفي ذلك من الإثم والعدوان ما فيه .
ثم إن الزوج الذي تكلفه زوجته ما لا يطيق قد يكرهها ويبغضها مع الوقت ويصبح مندفعا بشكل تلقائي وعفوي وبلا شعور إلى أن ينتقم منها بالإساءة إليها بالقول أو العمل , بالطرق المباشرة أو غير المباشرة . كل ذلك من أجل ماذا ؟! , والجواب : من أجل أمر كمالي جدا طلبته منه زوجته وهو ليس ضروريا البتة .
وأما إذا عملنا من أجل تغيير العين أي تغيير الطريقة التي ننظر بها – بالعين أو بالبصيرة لا البصر - إلى الأشياء وحرصنا على القناعة وعلى إيثار الدين على الدنيا وحرصت المرأة على حسن معاملة وزجها وتقدير ظروفه وعلى أن لا تطلب منه إلا ما يقدر عليه ووقفت معه في السراء والضراء قولا وعملا , ونظرت في أمور الدنيا إلى من هي دونها وفي أمور الدين إلى من هي أحسن منها , ونظرت إلى ما أعطاها الله أكثر مما تنظر إلى ما حرمها الله منه , ونظرت إلى الأشياء الجميلة في الحياة أكثر من النظر إلى الأشياء السيئة فيها , و... فإنها ستسعد وستسعد زوجها وكل من حولها , سعادة في الدنيا قبل سعادة الآخرة بإذن الله تعالى .
ثم إن تغيير السقف يتطلب مالا لا يقدر عليه الزوج , وأما تغيير العين أو البصيرة فيتطلب فقط إيمانا ويقينا وعزيمة وإرادة تقدر عليها المرأة بإذن الله إن أرادت .
ولذلك فأنا أصر على ما قلته لهذه المرأة وأقوله دوما لنفسي على سبيل النصيحة " إن تغيير العين أسهل وأفضل وأطيب بكثير من تغيير السقف " .
والنصيحة التي ذكرتُـها أعلاه لا تعني امرأة بعينها بل تعني أغلبية النساء , لأن نقطة ضعف المرأة الأكبر في كل زمان ومكان هي المال , بل إنها نصيحة لنا جميعا - رجالا ونساء - من أجل أن يكون تعلقنا بالدين أكثر من تعلقنا بالدنيا " وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا " .
والله وحده أعلم بالصواب , وهو وحده الموفق والهادي لما فيه الخير .
نسأل الله أن يغلبنا على أنفسنا وعلى الشيطان , وأن يبارك لكل زوج في زوجته , آمين .
283-قال لي" النجاح عندك هو يا أستاذ رميته إعتلاء أعلى المناصب في الدولة , أو تحقيق أرباح طائلة ":
فقلتُ له :1- لقد عرض علي الكثير من الإخوة وفي أكثر من مرة أن أكون برلمانيا أملك مرتبا شهريا مغريا هو أكبر بأكثر من 10 مرات من مرتبي أنا الآن ( بعد 31 سنة من التعليم ) , ولكنني رفضتُ وبقوة . ولو ترشحت فإن أغلبية الناس الساحقة سينتخبون علي بغض النظر عن انتماءاتهم الحزبية , وهذا بشهادات قادة الأحزاب المختلفة في المنطقة التي طلب مني الترشح فيها . رفضتُ أن أكون برلمانيا لأبقى أستاذا بسيطا أعلم وأربي الأجيال , وأعرق قبل أن أنال مرتبي البسيط في نهاية الشهر , ولأبقى مرتاح الضمير وأنا أعيش بعيدا عن الكذب والسرقة والنفاق و ...2- ولقد عرض علي ضباط مخابرات كبار عام 82 م في السجن , عرضوا علي ( بالترغيب والترهيب ) السيارة الفارهة والسكن الجميل الواسع جدا والمرتب المغري والجاه الدنيوي العريض في مقابل أن أعمل معهم ولكنني رفضت بقوة وبشدة وبدون أي تردد , لأنني أعلم أن أكرم الناس عند الله التقي النقي لا صاحب الجاه والقوة والمال و ...3- أنا أرقي الناس منذ 1985 م وحتى والآن , ولقد رقيتُ حتى الآن أكثر من 14 ألفا من الأشخاص من أكثر من 25 ولاية جزائرية .ولم أقبض حتى الآن ولو من شخص واحد ولو سنتيما واحدا , مع أن أكثر من 50 % من رقاة الجزائر حاليا كاذبون وسارقون وآكلون لأموال الناس بالباطل , اكتسبوا الأموال الطائلة من مال الرقية .وأما أنا فإنني ما أخذتُ ولو سنتيما واحدا من أحد حتى الآن ( مع أن المال يعرض علي في كل يوم وبإلحاح ) , وذلك انطلاقا من إيماني بأن القناعة كنز لا يفنى وبأنه " ما عند الله خير وأبقى " .وإذا أردت أخي أن أزيدك فسأزيدك ...ومع ذلك إذا بقيتَ مصرا على أنه ربما " كان النجاح عندي هو اعتلاء أعلى المناصب في الدولة أو تحقيق أرباح طائلة " , بعد كل الذي ذكرتُه لك والذي لم أذكره , فأنت وشأنك أخي الحبيب .
وفقني الله وإياك لكل خير , آمين .
284- " لعن الدين " : كنت مسافرا في يوم من الأيام ( 29 مارس 2009 م ) من مدينة ميلة إلى مدينة ... من خلال حافلة . وفي لحظة من اللحظات وقع شبه اشتباك كلامي بين شخصين من ركاب الحافلة , فقال أحدهما للآخر " يلعن دين بباك " ( بلهجة الجزائر , أي لعنة الله على دين أبيك ) ثم اعتذر اللاعنُ - عندما اعترضتُ عليه - بجملة اعتذارات منها أن نيته حسنة , وأنه تعود على ذلك , وأنه يقصد دين الأب لا دين الشخص الذي أمامه و...
فقلتُ له :
" ا- يا هذا إن ما قلته الآن كفر واضح وصريح بلا شك ولا ريب .
2- الذي لعنته هو دين الأب وهو نفسه دين الإبن , أي هو نفسه الإسلام . إذن أنت – شئتَ أم أبيتَ , اعترفتَ أم لم تعترف – أنت لعنتَ الآن وسببتَ الإسلامَ دين الله عزوجل .
3- النية الحسنة معتبرة فقط مع المباحات والمستحبات والواجبات , ولكنها غير معتبرة أبدا مع المحرمات والمعاصي , ومنه فلا يشملها هنا أبدا الحديث " إنما الأعمال بالنيات ".
4- الحرام حرام إلى يوم القيامة مهما أقبل الناس عليه وانغمسوا فيه , والواجب واجب إلى يوم القيامة مهما قصر في أدائه الناس وتكاسلوا في ذلك .
5- أنت اختلفتَ مع صاحبك فحُـلَّ مشكلتك معه هو , وأما الله فلماذا تدخله أنتَ بينك وبين صاحبك باللعن والعياذ بالله تعالى ؟!.
6- ما يقال في الحكم والأمثال " من شب على شيء شاب عليه " , ليس صحيحا دوما , وأنت مطلوب منك أن تجاهد نفسك بالعزيمة القوية والإرادة الفولاذية وبالله قبل ذلك وبعد ذلك , من أجل تعويد نفسك على طاعة الله واجتناب معصيته ومن أجل التخلص من طباعك السيئة مهما كثرت وتعددت واختلفت .
7- ثم يستحيل أن تجد طعما للسعادة والراحة والسكينة والطمأنينة و ... وأنت تقول ما قلت قبل قليل , فتب إلى الله يا هذا ... أسأل الله لي ولك الهداية , آمين ".
285- سألني " هل يجوز لي قتل إبني ؟ " :
أذكر هنا رجلا متدينا ولكنه خشن كان له إبن عمره حوالي 22 سنة .
والقصة وقعت حوالي 1999 م .
حاول هذا الرجل أن يربي ابنه على الدين , ولكن الابن أصبح مع الوقت تاركا للصلاة وشاربا للخمر والمخدرات وزانيا و ... فغضب عليه أبوه كثيرا واستعمل معه الترغيب والترهيب لأكثر من سنة ولكن بلا جدوى . جاءني الأب في يوم من الأيام مستفتيا وجادا جدا في استفتائه , وكان يريد أن يطبق ما أقول له وفي الحين مهما كان الذي يطلب مني حكم الإسلام فيه عظيما للغاية وخطيرا جدا .
قال لي " يا شيخ أنا أسألك عن أمر معين هو حلال علي أم حرام ؟!. إذا كان حلالا علي فسأقوم به اليوم - قبل الغد - وقبل أن أنام "!!!. قلت له " وما ذاك ؟! " , قال " ابني حاله كذا وكذا وكذا " قلتُ له " أعانك الله وسدد الله خطاك وآجرك الله . هذا هو حال بعض الأولاد في هذا الزمان الصعب " , " ولكن أين السؤال هنا ؟! " , قال لي " هل يجوز لي شرعا أن أقتل ولدي هذا أم لا "!!!.
نظرت إلى الرجل فرأيت كأن النار يخرج لهيبها من وجهه وكأن الشيطان نفخ فيه نفخة غضب قوية . وأنا قلت قبل قليل بأن الرجل خشن , لأنني أعرفه مؤمنا ولكنه جاهل . وبسبب جهله يمكن له وبسهولة أن يرتكب الحماقات التي يمكن أن يندم عليها طول الحياة أو في الدنيا والآخرة . وهذه الحماقات يمكن جدا أن يرتكبها ونيته حسنة وطيبة حتى وإن لم تشفع له هذه النية الحسنة عند الله تعالى.
قلتُ للرجل " لا وألف لا . لا يجوز لك ذلك مهما كان السبب . هذا حرام ثم حرام عليك لا يجوز لك حتى أن تفكر في قتل ولدك مجرد التفكير" .
ثم كلمته في الموضوع طويلا فاقترح علي أن أجلس معه ومع ابنه جلسة مناصحة في وجود أم الولد , قلت له " لا مانع عندي " .
وبالفعل جلسنا في بيته حوالي 3 ساعات من الليل أنا والولد وأبواه ( وكان بيننا وبين الأم ستار ) . وكانت جلسة مناصحة ومصارحة , تبين لي من خلالها بأن الأب ربى أولاده تربية قاسية وعنيفة فطلبت منه بعض التساهل واللين .
كما لاحظت على الولد الطيش ذلك واللامبالاة والاستهتار بالدين وبالوالدين , فنصحته بما رأيته مناسبا له , ثم قلت للأب في النهاية " إذا لم يلتزم ابنك خلال المدة ... بالعودة إلى الصلاة وترك الخمر والمخدرات والزنا و... يمكنك أن تطرده من البيت ( مهما كان ذلك أمرا قاسيا جدا بطبيعة الحال) , ولكن لا يليق بك أبدا أن تفكر مرة أخرى في قتل ابنك". تم الاتفاق على ذلك , وخلال حوالي 6 أشهر استقام أمر الولد ورجع الأب والإبن إلى بعضهما البعض , وهما اليوم - والحمد لله رب العالمين - سمنا على عسل كما يقولون . 286- قال لي " جدنا قرد " :
الإنسان سماه الله إنسانا , ولا يليق أن يسمى حيوانا ناطقا كما يسميه بعض الفلاسفة . هو بشر أو هو بنو آدم أو هو إنسان أو ... ولكنه ليس حيوانا ناطقا . وأذكر أن الطلبة الشيوعيين كانوا خلال السبعينات من القرن الماضي في الجامعة , كانوا يقولون لي ( على اعتبار أنني من المتدينين القلائل فيما بينهم ) " نحن يا عبد الحميد , انحدرنا في الأصل من قرد " , فأقول لهم " وأما أنا فأبي الأول هو سيدنا آدم وأما أنتم فإن أصررتم على ما تقولون فهنيئا لكم بجدكم القرد الأول !!!. وأنا اليوم حين أريد أن أذكرهم بذلك العهد – بعد أن هداهم الله إلى الدين وإلى شعائر الإسلام وإلى الصلاة وإلى ... - يقولون لي " رجاء يا شيخ لا تذكرنا بذلك الماضي الأسود الذي خرجنا منه ولا نريد حتى أن نتذكره ".
287- النوم بسهولة والاستيقاظ بسهولة نعمة كبيرة لا يعرفها إلا من حرم منها :
كثير من النعم لا يعرف قيمتها بشكل عام إلا من حرم منها . ومن هذه النعم نعمة الاستيقاظ من النوم بسهولة والعودة إلى النوم بسهولة .
الناس بصفة عامة مع النوم أصناف ثلاثة أساسية :
1- أشخاص نومهم خفيف جدا , وهؤلاء يمكن أن لا يناموا إلا بصعـوبة لأنه لا بد أن يتوفر لهم هدوء كبير قبل يناموا . ويمكن أن يتوفر لهم ذلك بسهولة , ويمكن أن لا يتوفر لهم ذلك إلا بصعوبة . ثم إن هؤلاء إذا ناموا يمكن أن يستيقظوا لأقل حركة أو صوت أو كلام أو ... لذلك فإن هؤلاء الأشخاص بخفة نومهم هذه يتعذبون ويعذبون من يحيط بهم من الناس سواء كانوا زوجة وأولادا أو زوجا وأولادا أو إخوتا وأخواتا أو أصدقاء وزملاء أو ...
2- أشخاص نومهم ثقيل جدا . وهؤلاء يمكن أن يناموا بسهولة أو بصعوبة , ولكنهم عندما ينامون لا يستيقظون إلا بصعوبة كبيرة وبالغة . ويمكن لهؤلاء وبسهولة أن يتعطلوا – بسبب ثقل نومهم – وتفوتـهم الكثير من المصالح ومن الواجبات والمستحبات الدينية ( مثل صلاة الصبح في وقتها ) والدنيوية
( مثل الشغل ومطالب الدنيا المختلفة ) , كما أنهم قد يثيرون الشفقة أو السخرية من غيرهم :
ا- مع أن الشخص لا يلام على ثقل نومه , لأنه خارج عن نطاقه وعن مجال الاختيار عنده .
ب- ومع أن السخرية والاستهزاء لا تجوز من المؤمن بأخيه المؤمن , و " لا تشمت بأخيك فيعافيه الله ويبتليك " .
أشخاص نومهم بين وبين ...وهذا هو الوسط الأحسن والأفضل والأطيب والأيسر والأنفع و... والواحد من هؤلاء ينام بسهولة ومتى شاء , ويستيقظ بسهولة ومتى شاء هو أو أراد آخر أن يوقظه لأنه هو الذي أوصاه بذلك وأذكر بالمناسبة أنني والحمد لله ومنذ كنت صغيرا من هذا الصنف الثالث .
لذلك فإنني يمكن أن أستيقظ – عموما – عدا استثناءات قليلة - متى أشاء أو متى يشاء من أوصيه بأن يوقظني سواء كان شخصا بشرا أو كان هاتفا نقالا أو ... أستيقظ بسهولة إذا رن الهاتف النقال أو إذا ناداني شخص آخر باسمي بصوت متوسط الحجم أو إذا حركني آخر تحريكة بسيطة بقد إيقاظي .
إذا حركني بقصد إيقاظي أستيقظ بسهولة , وأما إذا مسني بدون قصد منه أي بدون إرادة إيقاظي فإنني غالبا لا أستيقظ .
قلتُ : أنا أستيقظ بسهولة وأنام أيضا بسهولة متى شئت أنا بإذن الله تعالى بطبيعة الحال , سواء في الصباح أو في المساء أو في وسط النهار , شربت القهوة أم لم أشربها ... كنتُ متعبا أم نشطا ...
والنوم بسهولة والاستيقاظ بسهولة نعمتان كبيرتان جدا لا يعرفهما إلا من حرم منهما .
وأنا أقول للغير أحيانا بأن من نعم الله علي أنني أنام وأستيقظ بسهولة كبيرة ومن زمان والحمد لله رب العالمين . هذا إلى حد أنني يمكن أن أصلي صلاة الصبح في المسجد ثم ... حتى إذا اقتربت الساعة السابعة صباحا أجد نفسي متعبا وأمامي عملي بالثانوية الذي يبدأ على الساعة الثامنة صباحا , فأعزم على النوم ولو لنصف ساعة .
أدخل إلى الفراش على الساعة ال 7 صباحا بالضبط , وأوصي زوجتي أن توقظني على الساعة 7.30 , وأضبط كذلك منبه الهاتف على ال 7.30 , ثم أحاول النوم . وعلى السابعة والنصف بالضبط أستيقظ سواء أيقظتني زوجتي أو الهاتف أو استيقظت لوحدي . أستيقظ من النوم بعد أن نمتُ كم ؟!. بعد أن نمتُ 29 دقيقة , لأنني نمتُ عند حوالي الساعة 7.01 , أي أنني بقيت في الفراش 30 دقيقة : 29 منها نوم ودقيقة واحدة تقريبا انتظار نوم , أشغلها ببعض القرآن والأدعية والأذكار المأثورة عن رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم .
والحمد لله ثم الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .
اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك .
قد نتفق وقد نختلف حول أسباب النوم الثقيل والخفيف والمتوسط , ولكن الذي لا أظن أننا نختلف عليه هو أن التوسط في ذلك يطلبه ويتمناه كل واحد منا لنفسه .
288- " ما أخذ بسيف الحياء فهو اغتصاب " :
أو هو قريب أو شبيه بالاغتصاب , أي أن ما تأخذه أنت من الغير عن غير رضا نفس وطيب خاطر كأنك تأخذه منه بالقوة أو كأنك تسرقه منه أو تخطفه منه . لذلك فإن من أراد السلامة لنفسه وأراد رضا الله تعالى ثم محبة الناس له وأراد السعادة وراحة البال وأراد السكينة والطمأنينة عليه أن يحرص في حياته على أن يعطي أكثر مما يأخذ ( اليد العليا خير من اليد السفلى ) , وأن لا يأخذ من الغير – حين يأخذ منهم – إلا إذا تأكد من أن ذلك تم عن طيب خاطر تام ورضا نفس كامل , وإلا – أي إذا لم يكن متأكدا من ذلك – فإن التعفف أولى وأطيب وأكثر بركة بإذن الله .
أقول هذا وأنا أعلم تمام العلم أننا في زمان طغى فيه حب المادة والدنيا والمال على الكثير الكثير من الناس وحتى المتدينين منهم . ومنه فإن الكثيرين يعتبرون الأخذ من الغير شطارة وقفازة , ومنه فكلما كنت نشطا وذكيا كلما أخذت أكثر من الغير , وأما مراعاة وجه الله ثم محبة الناس فأمر ثانوي جدا عندهم , فإنا لله وإنا إليه راجعون !. وهؤلاء يعتبرون أن من يحرص في الحياة على أن يعطي أكثر مما يأخذ , يعتبرونه ناقص " فهامة " وساذجا وبنصف عقل والعياذ بالله و...
وبهذه المناسبة أقول بأنني تعودتُ منذ كنت صغيرا , وما زلتُ على ذلك إلى اليوم , تعودتُ على سبيل المثال على أنني عندما أذهب إلى السوق , يقول لي البائع " كل – يا شيخ - من هذا التمر قد يعجبك , ذق هذا الجزء من البرتقال قد يظهر لك لذيذا فتشتري مثله , خذ بضع حبات من المشمش وتذوقها لترى كم هو حلو , ..." , وهكذا يقال لي مثل هذا الكلام من طرف تجار مئات المرات ولسنوات طويلة , وعن خضر وفواكه ومأكولات مختلفة . التاجر يقول ما يقول , يقول ذلك عادة بنية حسنة وطيبة , وأنا لا أقول أبدا بأنني لو ذقتُ أو أكلت سأرتكب حراما , ولكنني أؤكد على أن التاجر ما قال ما قال , إلا رغبة منه في دفعك للشراء , فإذا أكلتَ أو شربتَ على حسابه هو ثم اشتريتَ منه هو خاسر معك وإذا لم تشتر منه هو خاسر معك . هو خاسر معك في الحالتين .
قلتُ : أنا لا أقول بأن الأكل أو الشرب حرام , لم أقل هذا ولن أقوله لأنني لست مفتيا ولا فقيها ولا عالما , ولأنني لست متأكدا من الحرمة , ولكنني على يقين من أن عدم الكل أو الشرب أولى . إذا اشتريتُ أنا آكل مما اشتريتُ وإذا لم أشتر فإنني لا آكل شيئا . هذا بإذن الله أحسن عند الله وعند الناس وأفضل وأطيب , لأسباب عدة من أهمها أن التعفف أولى وأن " ما عندكم ينفذ وما عند الله خير وأبقى ".
لذلك فإنني ومنذ كنت صغيرا ما أكلتُ مما عرض علي الأكل منه ولا تذوقتُ مما عرض علي التذوق منه , ما أكلتُ ولا تذوقتُ شيئا في أي يوم من الأيام أبدا أبدا أبدا ... أما مع الله فواضح أن التعفف أفضل وبكل تأكيد , وأما مع الناس فإن التاجر يحترمك أكثر ويقدرك أكثر , وكذلك الناس - كل الناس - سيحترمونك أكثر وأكثر كلما رأوك زاهدا فيما عند الغير .
لذلك فإنني أنصح بالمناسبة نفسي وأنصح من يقرأ لي ما أكتبه وأنشره هنا بنصيحة بسيطة جدا ولكنها غالية جدا " إن أردت أخي محبة الله أولا ثم محبة الناس ثانيا فازهد فيما في أيدي الناس ما استطعتَ إلى ذلك سبيلا " .
وأما إن طلبت البطولة والمجد والشرف والعلا وأنت متكالب ومتهافت على ما في أيدي الناس فأنت واهم مليون مرة ومليار مرة .
والله وحده أعلم بالصواب , وهو وحده الموفق والهادي لما فيه الخير .
289- كانت ابنته تدرس عندي ! :
قلتُ وما زلت أقول وسأبقى أقول " إذا أردت أن يحبك الله ثم الناس فازهد – ما استطعت- فيما في أيدي الناس ", ثم أضيف هنا " إزهد خاصة إن كان فيما تأخذ من الغير شبهة ".
ومن أمثلة هذه الشبهات أن يكون الغير أبا لـتلميذ يدرس عندك أنتَ !.
إذا كان التلميذ يدرس عندك وأراد أبوه أن يقدم لك هدية ما فالأفضل أن لا تأخذها ( والعالم أو المفتي هو الذي يمكن أن يقول : يجوز لك أن تأخذ أو لا يجوز لك أن تأخذ ) . هذا أفضل وأطيب وأحسن من جهة تعففا عما في يد الغير ومن جهة ثانية ابتعادا عما يمكن أن يكون شبهة ومن جهة ثالثة طلبا لرضا الله تعالى ثم احترام الناس وتقديرهم . الأفضل أن لا تأخذ – يا أستاذ - هدية من ولي التلميذ أو أبيه أو ... حتى تبقى منصفا وعادلا في تعاملك مع التلاميذ كل التلاميذ , بدون أن تميز فيما بينهم تمييزا جاهليا مبنيا على أن " ولي هذا أهداني كذا , ومنه فمطلوب مني أن أتساهل مع ابنه " و" أما الآخرون فأعاملهم معاملة عادية " !!!. يمكن أن يحدث هذا التمييز من الأستاذ ولو عن غير قصد أو بدون شعور , ومنه فإن غلق باب قبول الهدية من ولي التلميذ أفضل من منطلق سد الذريعة ( حتى ولو لم نحكم بحرمة أخذ الهدية , لأن التحريم يقدر عليه فقط الفقهاء والعلماء ) .
حدث منذ حوالي 12 سنة أن جاءني ولي تلميذة في بداية السنة الدراسية وأخبرني بأن ابنته تريد أن تدرس عندي في السنة الأولى ثانوي وأنها تـصر على أنها " إما أن تدرس عندك أو لا تدرس إطلاقا ". أفهمته في أن في كل الأساتذة خيرا وبركة بإذن الله , ثم قلت له " حاول مع الإدارة , ربما استجابت لطلب ابنتك " . وبعد حوالي أسبوعين استجابت الإدارة لطلب الولي والتحقت التلميذة بقسمي مطمئنة مرتاحة .
وبعد حوالي شهر دخلت حانوتا للمواد الغذائية فوجدت ولي التلميذة مع صاحب الحانوت . طلبتُ من صاحب الحانوت قليلا من الفول السوداني , وانتظرت أن يناولني إياه لأدفع له ثمن ذلك . ولكنني رأيت ولي التلميذة كأنه غمز صاحب الحانوت , فأخذ صاحب الحانوت يجمع مجموعة أكلات ( ياؤورت , جبن , حلوى , شكولاطة , فول سوداني ... ) بسعر أكبر بحوالي 10 مرات من سعر القليل من الفول السوداني الذي طلبته أنا .
ظننت في البداية بأن هذه المأكولات طلبها الولي لنفسه , ولكنني فوجئت في النهاية بأن صاحب الحانوت يعطيني أنا هذه المجموعة من الأكلات ... قلتُ له " أنا ما طلبت إلا كذا فقط من الفول السوداني " . قال لي " هذه هدية من فلان " وأشار إلى ولي التلميذة , وقال لي الولي " هذه يا أستاذ هدية مني إليك , ورسول الله يقبل الهدية " , قلت له " الأمر هنا مختلف . شكرا جزيلا لك . رجاء لا تحلف علي لأنني لن آخذ ما تعطيني إياه الآن مهما ألححت علي ومهما حاولت معي ". حاول صاحبُ الحانوت ومعه الولي , ومع ذلك أصررت ثم أصررت على الرفض . ثم تقدمت عندئذ من ولي التلميذة وقبلتُ جبهته حتى لا يجد حرجا في نفسه من رفضي . وكانت قبلتي لجبهته كأنها ماء أطفأ في الحين الحرج الذي كان عنده . أخذ الولي عندئذ تلك المشتريات لنفسه وخرج .
سألني صاحب الحانوت " لماذا يا شيخ عبد الحميد رفضت وأصررت على الرفض ؟!" , قلتُ له " لأن ابنته تدرس عندي وأنا لا أريد أن أتأثر بهذه الهدية في تعاملي مع التلاميذ . أنا أريد أن أبقى عادلا ومنصفا ما استطعتُ في علاقتي بكل التلاميذ ". سكت صاحب الحانوت برهة ثم قال " الحمد لله يا أستاذ على أنه ما زال بعض الخير في هذه الدنيا " . والولي كان يحترمني ثم ازداد احترامه لي بعد ذلك , وابنته كانت تقدرني ثم ازداد تقديرها لي بعد تلك الحادثة .
الحمد لله ثم الحمد لله ثم الحمد لله . نسأل الله أن يقوينا على أنفسنا وعلى الشيطان , آمين .
290- طلبت منه أن يخصم لي يوما من مرتبي ! : يوم السبت 7/3/2009 م كان مطلوبا مني أن أحضر مجلس قسم من الأقسام متعلقا بنتائج الثلاثي الثاني من السنة الدراسية 2008 /2009 م , وكان موعد المجلس من ال 12.30 إلى ال 13.30 من بعد منتصف النهار . ولكن للأسف الشديد نسيتُ الموعد ولم أتذكره إلا قبيل الساعة 14.00 مساء عندما كنتُ متجها إلى الثانوية للعمل مع التلاميذ من الساعة الثانية إلى الرابعة . وعندما تذكرتُ الموعد وعرفت أنني غبتُ عن حضور المجلس بدون عذر إلا النسيان , ومع أن النسيان في حد ذاته عذر , ومع أنني لا أغيبُ عن عملي بالثانوية إلا نادرا , ولا أنسى ما له صلة بالتلاميذ أو بالإدارة أو بالأساتذة إلا نادرا كذلك , ... فإنني عزمتُ على أن أطلبَ من السيد مدير الثانوية أن يخصم من مرتبي أجر هذا اليوم الذي غبتُ فيه عن حضور المجلس نسيانا . أعرف أن العادة جرت بالعكس لا بما كنتُ أنا مقدما عليه . العادة جرت عند الأغلبية الساحقة من العمال في كل زمان ومكان , جرت العادة على أن العامل يغيب بعذر مقبول أو غير مقبول أو بدون أي عذر , ثم إذا أراد المسئول أن يعاقبه بالخصم من مرتبه , نجد العامل يعترض ويحتج ويرفض الخصم بقوة بالطرق المستقيمة والمعوجة وبالدليل والبرهان أو بلا أي دليل ولا أي برهان .
هذه هي العادة الجارية والتي يعرفها العام والخاص من الناس , كل الناس . ولكنني خالفتُ العادة لأنني لم أستسغ غيابي عن المجلس ولم أقبل من نفسي النسيان الذي اعتبرته تقصيرا مني , فأردتُ أن أعاقبَ نفسي حتى أجتهدَ كيلا أنسى مرة أخرى ( ما استطعتُ وفي حدود المقدرة والإمكان بطبيعة الحال ) . اتجهتُ قبل الساعة الثانية بعد الظهر – وقبل توجهي إلى القسم للتدريس – إلى مكتب السيد مدير الثانوية , استأذنتُ في الدخول عليه ثم دخلتُ . قال لي " خير إن شاء الله يا أستاذ . ما الذي أخرك ؟! " , قلتُ له " ما أخرني عن الحضور في المجلس إلا النسيان . ليس لي أي عذر . ومن أجل هذا جئتك " . قال لي " لا بأس عليك يا أستاذ رميته . من ذا الذي لا ينسى من البشر ؟! ". قلتُ له " أتوسل إليك يا ... أن لا تردني فيما سأطلبه منك الآن " , قال " وما ذاك ؟!" , قلت له " أريد أن تعاقبني بخصم مرتبي لهذا اليوم , حتى لا يتكرر مني تهاون اليوم مرة أخرى . أرجوك يا سيدي المدير لا ترد لي طلبي هذا ".
فرد علي مبتسما وجادا وحازما في نفس الوقت " مستحيل ثم مستحيل ثم مستحيل . أطلب مني يا أستاذ أي شيء آخر أنفذه لك إلا هذا . لن أنفذ لك طلبك هذا ولو ألححتَ ساعات وساعات . قد أفعل هذا مع أغلب الأساتذة , ولكنني لن أفعله مع قليلين أنت واحد منهم . يا أستاذ رميته أنت لا تغيب عن عملك وعن التلاميذ إلا مرة واحدة خلال سنوات عديدة , فكيف تريدني أن أعاقبك إذن من أجل نسيان تقع فيه ولا يكاد يتكرر منك , ومن أجل نسيان لا يسلم منه بشرٌ . ما تطلبه مني يستحيل أن أنفذه لك فرجاء لا تعد طلبك هذا مرة أخرى "!!.
وأنا أعلق هنا بتعليق بسيط :
1- لن يحبك الغيرُ إلا بعد أن تحبَّ أنت الغيرَ .
2-إذا أردت أن تعطي لنفسك مصداقية عند الله أولا ثم عند الناس بعد ذلك لا بد لك من تضحيات جسام ولمدة طويلة ولوجه الله أولا . وأما إن أردت المصداقية والسمعة الطيبة ولكنك لم تجتهد ولم تضح ولم تبذل ولم تعط فاعلم أنك واهم ثم واهم .
3- التكاسل والتهاون لذيذان , ولكن لذة الاجتهاد والجهاد والتضحية أعظم لذة بكثير .
4- قليل من المال مع استقامة على أمر الله وراحة ضمير , هو خير وأفضل وأطيب بكثير من كثير من المال مع اعوجاج مع الله وتأنيب ضمير . والله وحده أعلم بالصواب .

ليست هناك تعليقات: