الاثنين، 15 يونيو 2009

وقفات مع ذكريات من271 إلى 280 :

بسم الله
عبد الحميد رميته , الجزائر

271- " يا ليتك ما كتبت ما كتبتَ عن حكام المسلمين , وعفا الله عما سلف " :
قالت لي أخت من الأخوات
في الأيام الماضية كتعليق على موضوع نشرته في منتدى من المنتديات أشرتُ فيه إلى بعض ظلم حكام المسلمين للمعتقلين الإسلاميين عندهم , وذلك من خلال موضوعي " النوم في الماء البارد والصلاة عريانا ". قال الأخت الكريمة " شكرا لك أخي عن الفتوى المتعلقة بجواز الصلاة ولو كنتَ عريانا . ولكن كان من المفروض عدم إدراج القصة أساسا , وعفا الله عما سلف , وذلك على الأقل من أجل تحسين صورة النظام الجزائري . وبالنسبة للإستعباد والإستبداد فنحن والحمد لله أحسن من دول عديدة عربية . وأرى أن ذاك الزمن قد ولى . وكما كانت هناك أخطاء من مسؤولين , كانت أخطاء أخرى من مواطنين إسلاميين .مرة أخرى بارك الله فيك أستاذ رميته . كان هذا رأيي الشخصي , وجهة نظري أنا فقط يا أستاذ ".
فأجبتها بقولي :
أختي الفاضلة نتفق ونحن إخوة ونختلف ونحن إخوة كذلك , ولكنني مع ذلك أقول لكِ بأنني أختلف معك في الرأي ...1- الحديث عن ظلم الحكام العرب والمسلمين ( والعرب خاصة ) هو حديث عن واقع لا يجوز أبدا إنكاره ولا تجاوزه .2- ظلم حكام العرب والمسلمين وطغيانهم هو أمر مهم جدا وخطير جدا , وهو من الأسباب الأساسية لتقدم الكفار – من يهود ونصارى ووثنيين و... - في القرن الأخير من بعد سقوط الخلافة الإسلامية وإلى اليوم , وتأخر المسلمين . ولذلك لا يجوز أبدا جحود هذا الظلم وإنكار وهذا الطغيان بأي حال من الأحوال . 3- التستر على ظلم وطغيان وتعدي حكام العرب والمسلمين هو تشجيع لهم ولو بطريقة غير مباشرة , ولو بنية حسنة وطيبة , قلتُ : هو تشجيع لهم على زيادة الطغيان والدكتاتورية , وهو لذلك أمر لا يجوز البتة .4- " عفا الله عما سلف " كان يمكن أن يقبل مع من تاب وأناب . وأما حكامنا فكانوا ومازالوا متمردين على الله وشرعه وكذا على شعوبهم . وفي المقابل هم مصرون على إعطاء الولاء للكفار لا للمسلمين , وللشيطان لا للرحمان , وعلى خدمة أنفسهم ومن يواليهم لا خدمة شعوبهم . ومنه فإن حكاية " عفا الله عما سلف " غير مقبولة البتة هنا ومع حكامنا جميعا أو مع أغلبيتهم الساحقة . 5- وأما حكاية تحسين صورة الجزائر فالمطلوب تحسين الصورة بالحق لا بالباطل وبالعدل لا بتغطية الشمس بالغربال , والله أحق أن يرضى , وشرع الله أحق أن يراعى , ودين الله أحق أن نحافظ على صورته الطيبة والحسنة والجميلة .6- ثم نحن لا نقارن أبدا بين نظام ونظام ولا بين بلد وبلد ولا بين الجزائر العزيزة وغيرها من بلدان العالم العربي والإسلامي الحبيب , وإنما نحن نتحدث عن طغيان وظلم وتعدي وإساءة ودكتاتورية أغلب حكام العرب والمسلمين مع دين الله ثم مع شعوبهم . الكل بصفة عامة سواء , فقط مع بعض الاختلاف في الدرجة من نظام إلى نظام ومن بلد إلى بلد .7- وأما أن ذلك هو زمن قد ولى , فهذا والله ليس صحيحا البتة , بل هو زمن كان وما زال ولا ندري إلى متى سيبقى , بل إن ما وقع في الجزائر في التسعينات ( من 1992 م وإلى عام 2000 م ) هو أبشع بكثير مما وقع معي ومع أمثالي عام 82 م وعام 85 م .8- وأما أن الحكام ظلموا وكذلك بعض الإسلاميين أخطأوا أو انحرفوا عن سواء السبيل فهذا صحيح , ولكن مع التنبيه إلى أن انحراف الحكام أعظم بكثير من جهات عدة منها :أولا : أن الحكام تحكمهم قوانين ومواثيق دولية مطلوب منهم الالتزام بها , ومنها ما يتعلق بمنع التعذيب الجسدي , وأما الإسلاميون فإذا لم يحكمهم الخوف من الله , فلا قانون يضبطهم , ومنه فاللوم على الحكام أكبر بكثير .ثانيا : أن من أسباب خروج الكثير من الخارجين عن الحكام بالطرق الفوضوية أو بالطرق السليمة , كما يقول الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تعالى هو ظلم حكام العرب والمسلمين وإصرارهم على رفض تحكيم شرع الله وتفننهم في تعذيب المعارضين السياسيين لهم . ومنه فإن مسؤولية هؤلاء الحكام أكبر بكثير من مسؤولية من خرج عليهم أو لم يخرج عليهم بالطريق المناسب , والله وحده أعلم بالصواب .نسأل الله الهداية لنا ولجميع حكام المسلمين بلا استثناء . اللهم أصلح أحوالنا وأعز الإسلام والمسلمين , آمين .
272- المزاح الكاذب المباح : بالأمس ( 28/2/09 م ) كنت أحرس تلاميذ في إمتحان بالثانوية , ولأن تلاميذ هذا الزمن يعول الكثير منهم على الغش ولأنني منعتهم من الغش , فإنهم يقضون جزء كبيرا من وقت الحصة في النظر إلي ومراقبتي وأنا أتحرك داخل القسم ( أملا في أن يغفلوني ) . خاطبتهم في وقت من الأوقات – أثناء الحصة وقبل انتهائها - مازحا " لماذا تنظرون إلي في أكثر وقت الحصة . آه نسيتُ . أنتم تنظرون إلي لأنكم اشتقتم إلي"!. ضحك التلاميذ , لأنهم يعلمون بأنني أعلم أنهم ينظرون إلي لشيء آخر لا لأنهم أحبوني واشتاقوا إلي . ومنه فإن ما قلته لهم هو مزاح أو كذب جائز , ولا علاقة له بالكذب الحرام لا من قريب و لا من بعيد .
ومما وقع بيني وبين بعض الإخوة مئات المرات ما يلي : قال لي أحد الإخوة وهو يقرأ لي موضوعا عن الرقية الشرعية منشورا في منتدى من المنتديات , أؤكد من خلاله على :1- أن عدم أخذ الأجر على الرقية الشرعية أفضل من أخذه حتى وإن كان الأخذ جائزا شرعا من حيث الأصل. 2-وعلى أنني رقيتُ أكثر من 14 ألفا من الأشخاص حتى الآن وما أخذتُ الأجر ولو عن واحد منهم , والحمد لله رب العالمين . قال لي الأخ وهو يقرأ لي ذلك " أخي الأستاذ عبد الحميد , ما رأيك لو أعمل معك كما يعمل الممرض مع الطبيب . أنت ترقي الناس , وأنا أقبض الأجر نيابة عنك ثم في نهاية النهار أو الأسبوع أو الشهر نتفق على أنك تأخذ مثلا 80 % من المبلغ المجموع , وأنا أستفيد من 20 % منه . ما رأيك أخي عبد الحميد أليست الفكرة جميلة ؟! ".ولأن الأخ يتحدث في شيء أنا أعلم يقينا أنه لا يقصده بالفعل بل يقصد المزاح فقط . ومنه فإن هذا المزاح كاذبٌ ولكنه جائز بإذن الله تعالى .
هذا إذن أمر يجب أن يكون واضحا حتى لا نتهم من قال مباحا بأنه كذب كذبا حراما .
273- الأخوة والمحبة في السجن نعمة عظيمة جدا :
أذكر أننا عندما كنا في سجن البرواقية ( ولاية المدية ) لمدة عام ونصف , قضينا سنة ونصف السنة كفترة من أحسن فترت حياة كل واحد منا الخاصة , أو قضينا أياما هي من أحسن الأيام في حياتنا . وفي المقابل قضينا في نفس الفترة أياما هي من أسوأ الأيام في حياتنا .
السجن كأي شيء آخر فيه الخير الكثير وفيه الشر الكبير .
كان في السجن الجوع والعطش والألم والحزن والتعذيب النفسي والبدني والإذلال والإهانة والظلم والقهر والتعدي والإساءة والفساد والإفساد , وسب الله ورسوله وعلماء الإسلام وشتم الصحابة رضوان الله عليهم , والتهديد بالإكراه على الزنا وعلى شرب الخمر ...الخ ...
ولكن كان في السجن كذلك الأخوة والمحبة والتكافل والبكاء من خشية الله والذكر والدعاء الصادقان والخالصان ورؤية الرسول سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام في المنام وتعلم الدين وحفظ القرآن وقوة الإيمان والثبات على الحق والاستهانة بالباطل مهما علا وتكبر وتجبر والاعتزاز بالحق والاستعداد في كل وقت للتضحية بالنفس رخيصة في سبيل الله تعالى و ... وهكذا ...
ومما أذكره من حسنات السجن فيما بين نوفمبر 1982 م وماي 1984 م الأخوة الكبيرة والمحبة العظيمة التي كانت فيما بيننا وكذا سعة الصدر وطول البال أثناء خلافاتنا مع بعضنا البعض . نختلف – طبعا في مسائل دينية أو دنيوية , فرعية وثانوية واجتهادية - فيما بيننا . ويسيء الواحد منا إلى الآخر في حوالي 1 % من الأحوال , ولكن والحمد لله وفي حوالي 99 % من خلافاتنا كان شعارنا قولا وعملا , قانونا وتطبيقا هو " رأيي صواب ولكنه يحتمل الخطأ ورأيك خطأ ولكنه يحتمل الصواب " و " نتفق ونحن إخوة ونختلف ونحن إخوة كذلك " و
" اختلافاتنا يجب أن تكون رحمة لا نقمة " و " نختلف ولكن لا يجوز أن يفسد اختلافنا الود الذي يجب أن يكون بيننا " و " المحافظة على الأخوة الإسلامية ومقتضياتها واجب من أهم واجبات الإسلام " .
ومنه فإنني أؤكد على أننا اختلفنا فيما بيننا في مئات المسائل أو آلاف , ومع ذلك لا يقول أحدنا للآخر أبدا ما يسيئه أو يجرحه أو يقلقه أو يؤذيه أو ... ولا يسب أحدنا الآخر ولا يشتمه أبدا , ولا يسخر أحدنا أبدا من الآخر ولا يستهزئ به في أية لحظة , ولا يُـنفِّر أحدنا أبدا من أخيه ولا يُحذر منه أبدا مهما كان . وأؤكد على أنه لم يقل أحدنا لآخر أبدا أبدا أبدا " أنت ضال أو منحرف أو فاسق أو فاجر أو مائع أو منحل أو مبتدع أو... أو أنت تكذب أو تسرق أو تخون أو ...". لم يحدث هذا أبدا أبدا أبدا لا في النوم ولا في اليقظة . وحلاوة الجو الإيماني الذي كنا نعيشه في السجن وكذا بركات الأخوة والمحبة التي كنا نستظل بظلالها لا يحس بها إلا من عاشها , ومع ذلك نسأل الله أن يعافينا جميعا من السجن" لا تتمنوا لقاء العدو , ولكن إذا لقيتموه فاثبتوا ".
وكنتُ في تلك الفترة أقدم لإخواني ال 20 الموجودين معي في السجن درسا أسبوعيا في فقه العبادات على المذهب المالكي مقارنا بالمذاهب الأربعة الأخرى ( الشافعي وأحمد وأبو حنيفة وبن حزم ) , وكنت في دروسي هذه أركز على جملة أشياء منها :
1- تعلم أحكام العبادات على مذهب الإمام مالك .
2-مقارنة مذهب الإمام مالك ببقية المذاهب والتأكيد على أن كل المذاهب محترمة وكلها تشكل الإسلام العظيم , وأنه لا يجوز التعصب لواحد منها ولا ضد واحد منها .
3- تعلم فقه الاختلاف والاستفادة منه في سائر شؤون حياتنا الدينية والدنيوية .
وفي المقابل كان الكثير الكثير من الإخوة الإسلاميين المعتقلين في الجزائر في الفترة ما بين 1992 م و 2000 م , كانوا في بعض المعتقلات يختلفون فيما بينهم بالليل والنهار في مسائل ثانوية فرعية اجتهادية في الدين أو في الدنيا . وبسببها يسخر بعضهم من بعض ويشتم بعضهم بعضا ويحذر بعضهم من بعض , و... وكانوا يعيشون كأنهم خصوم وأعداء وكأنهم ليسوا إخوة في الدين وليسوا دعاة إلى الله وليسوا مساجين ومعتقلين في سبيل الله , و... ووصل بالبعض منهم الجهل والتعصب للأسف إلى درجة أنهم أصبحوا يصلون في المعتقل جماعة من خلال أكثر من جماعة واحدة للصلاة المفروضة الواحدة , وذلك بسبب الاختلاف والتعصب لمسائل بسيطة جدا لا يجوز أبدا التعصب لها أو التشدد من أجلها , لأنها إما متعلقة بمستحبات أو سنن فقط , أو بواجبات أو فروض خلافية بين الفقهاء والعلماء .
274- " سي عبد الحميد , وعمي عبد الحميد , والأخ عبد الحميد " :
أنا هنا أذكر جانبا هزليا بسيطا جدا من حياتنا التي كنا نعيشها في السجن , والذي كنا من خلاله نُرِّوح به عن أنفسنا ونقوي من خلاله أنفسنا على عبادة الله وكذا على الصبر على متاعب السجن والتحقيق والتعذيب و ... كنا في السجن في الفترة الممتدة من نوفمبر 1982 م وماي 1984 م , كنا 21 شخصا: أنا ومعي 20 آخرون.
وكنا ثلاثة أشخاص أسماؤنا " عبد الحميد " .
ومنه اقترح علينا في يوم من الأيام الأخ ... الذي كان أستاذ عربي في الثانوية ثم في الجامعة , رحمه الله , لأنه مات خلال السنوات الحمراء العشرة بالجزائر , أي سنوات التسعينات . قلتُ : اقترح علينا الأخ أمرا حتى لا تختلط الأسماء بين الإخوة بين عبد الحميد وعبد الحميد وعبد الحميد .
اقترح علينا اقتراحا اتفقنا عليه جميعا , وبقينا نعمل به طيلة العام والنصف وحتى خروجنا من السجن في ماي 1984 م , بعد أن حكمت محكمة أمن الدولة بالمدية , حكمت علينا جميعا بالبراءة .
اقترح الأخ الفاضل رحمه الله رحمة واسعة ورزقه أجر الشهداء , لأنه مات مقتولا .
اقترح أن ينادى الإخوة :
1- على الأول ( وكان طبيبا إسمه ... عبد الحميد ) ب " سي عبد الحميد " .
وسي معناها " السيد " , وهي كلمة تطلق على الشخص كدلالة على احترامنا وتقديرنا له ولعلمه , كما نقول اليوم للمطلع على الإسلام " يا شيخ " .
2- وعلى الثاني ( وكان طالبا في جامعة بضواحي الجزائر العاصمة , إسمه ... عبد الحميد ) ب " الأخ عبد الحميد " .
3- وأن ينادى علي أنا ( عبد الحميد رميته ) , بـ " عـمي عبد الحميد " .
ومع أنني لم أكن الأكبر سنا في ذلك الوقت , بل كان عمري آنذاك 27 عاما وكان الشيخ عباسي مدني مثلا يرقد بجانبي في ذلك السجن وفي تلك الفترة , كان عمره حوالي 53 سنة أي أن سنه كان ضعف عمري أنا , إلا أن الأخ اقترح على إخواني مناداتي ب" عمي " من جهة للتفريق بيني وبين الآخرين ومن جهة أخرى من باب الاحترام والتقدير لمن نقول له " عمي " حتى وإن كان في السن أصغر منا .
وكم كانت تعجبني كلمة " عمي عبد الحميد " التي سمعتها بعد ذلك من إخواني خلال فترة السجن كلها , سمعتها منهم آلاف المرات .
وفقني الله وأهل المنتدى جميعا لكل خير , آمين .
275- " الإغضاء عن السفيه يزيد صاحبه رفعة " : وقيل كذلك " الإعراض عن الجاهل أحسن جواب له ". فإذا فرضنا أن شخصا قال لك - بعد أن قدمت له نصيحة ما - ما لا يصلح أن يُقال , فلـمَ تقلقْ وتغضبْ وتثورْ !؟ . إن الذي قال لك ما لا يليق , أثبتَ بذلك عيبَـه هو لا عيبَـك أنت . إنه زاد من حسناتك عند الله , كما زاد هو من سيئاته . إنه هبط بقيمته عند من يسمعه إلى الحضيض , أما قيمتُـك أنت فلن تُنقصَ منها تلك الكلمات شيئا , بل إن قيمتك يرفعُـها الله غالبا عند الناس كلما تحمَّـلتَ الأذى وقابلتَ السـيـئـةَ بالحسنةِ واحتسبتَ أجركَ عند الله .
وأذكر هنا بالمناسبة أن رجلا طلبني منذ حوالي 15 سنة من أجل أن أحكم بينه ( هو وزوجته ) من جهة , وبين أهل زوجته من جهة أخرى , أن أحكم بين العائلتين في قضية لها علاقة بالميراث . سمعتُ من الطرفين في جلستين طويلتين , ثم حكمتُ بما رأيتُه موافقا للشرع الحنيف , وطلبتُ مع ذلك الاستعانة بعد ذلك برجل له اختصاص في المسائل التقنية حتى يُكملَ القسمة بين العائلتين من الناحية المادية والمالية والتجارية .
وبعد أن حكمتُ بما حكمتُ به لم يعجب الحكمُ الرجلَ فثارت ثائرته وقال لي " ما دخلك أنت يا عبد الحميد ؟!". فقالت له زوجته " أنت الذي طلبتَ الشيخ عبد الحميد يا رجل !".
سكت برهة ثم قال لي " أنت مزور , أنت جئت تدافع عن غيري بالباطل , أنت مفسد !!!". قلتُ له " ما دمنا قد وصلنا إلى هذا الحد فأنا أستأذن في الانصراف , وشكرا جزيلا لك ".
أرادت زوجتي أن تنصرف معي من بيت هذا الرجل ( كان زوجا لإحدى محارمها من النساء " , فطلبتُ منها أن تبقى ساعة أو ساعتين لتكمل الزيارة وصلة الرحم ثم تلحق بي , وأضفتُ قائلا لها " الرجل اختلف معي أنا , وأنا لا أريد أن أدخلك أنتِ في الوسط . قريـبـتك هي قريبتك وصلة الرحم في الإسلام هي صلة الرحم مهما كان بيني وبين زوج قريـبـتك " .
خرج الرجل معي , إلى باب الدار وقبل أن نصل إلى الباب , قلتُ له " أنا أتمنى منك أن تُحكم أي إمام في مدينة ميلة , وستجد أنه سيحكم بينك وبين ... بنفس ما حكمتُ أنا به قبل قليل " , فقال لي باللفظ " لو نزل الله من فوق سبع سماوات , وحكم بنفس ما حكمتَ به أنت , ما قبلتُ بحكمه أبدا !!!". والعياذ بالله تعالى , وأستغفر الله العظيم من كل ذنب عظيم .
ومنذ تلك الحادثة كلما صادفتُ الرجلَ في طريقي أسلم عليه فلا يرد .
وفي يوم من الأيام جاء إلى ثانويتنا ليسأل عن ابنته وعن أحوالها , فأخطأت الإدارة وظنت بأن ابنته كانت تدرس عندي فاستدعت مجموعة من الأساتذة , وأخطأت فاستدعتني أنا معهم . دخلتُ إلى مكتب المسؤول وقلتُ للولي وللمسؤول وللأساتذة " السلام عليكم " فردوا " وعليكم السلام " . ولما رأيتُ بأن التلميذة لا تدرس عندي وأن الأمر لا يعنيني , خرجتُ في الحين . الحادثة وقعت في الصباح على الساعة ال 10 , وعند الساعة الواحدة التقيتُ بأستاذ من الأساتذة الذي قال لي " يا أستاذ رميته , أنت في الصباح , وبمجرد خروجك من عندنا لحقنا بك فخرجنا وراءك " , قلتُ " ما الذي أخرجكما وقد جاء الأب يسألكم عن ابنته ؟!" , فقال لي " بمجرد أن خرجتَ أنتَ رد على سلامك بقوله ( أنظروا إلى الكلب الذي يسمى عبد الحميد ) , فلم نفهم لماذا قال لك ذلك , ولكننا انصرفنا عنه وقلنا له ( إن كانت الأستاذ رميته كلبا , فكلنا كلاب ) . أراد الولي أن يبقينا ولكننا أصررنا على الانصراف ".
قلتُ وما زلتُ أقول " سامحه الله وهداه الله ثم أسعده الله في الدارين " . ومع ذلك فأنا أجزم 100 % وليس 99 % بأن الرجل أسقط من قيمته عند كل من سمع بقصته وبما قال لي وما فعل معي ( وعلى رأسهم زوجته الفاضلة ) , هذا فضلا عن إثمه عند الله عزوجل .
اللهم اغفر لنا جميعا وارحمنا واهدنا وارزقنا وعافنا , آمين .
276- أخطأتُ في قراءة سورة القدر : يحكى أن رجلين مسلمين صالحين يحفظان القرآن الكريم اضطرا في يوم من الأيام للصلاة في بيت أحدهما . أمَّ صاحبُ البيت الآخرَ ( أي صلى به إماما ) وقرأ في إحدى الركعتين بسورة الزلزلة فأخطأ فيها , فلامه الآخر بعد الصلاة " كيف تخطئ في سورة قصيرة ومعروفة مثل الزلزلة !؟ ". وفي يوم من الأيام - وبعد سنوات - اضطرا للصلاة في البيت مرة أخرى , ولكن في هذه المرة في بيت الشخص الثاني . وكما هي السنة عندنا في ديننا , صلى صاحبُ البيت إماما ( وهو الذي كان مأموما أيام زمان ) بالآخر ( وهو الذي كان إماما من قبل ) . وللأسف الشديد أخطأ الإمامُ أثناء القراءة في إحدى الركعتين , أخطأ في قراءة سورة الفاتحة (!!!).وبعد الصلاة قال له صاحبه " هذه بتلك , وإن كنتَ - مع ذلك - أنتَ الملوم أكثر , إذ كيف تخطئ في قراءة سورة الفاتحة التي لا تكاد تجد مؤمنا مهما كان صغيرا أو جاهلا يخطئ فيها "!!! .
وأنا وقع لي مؤخرا ( مع بداية شهر مارس 2009 م ) حادث مماثل لما ذكرتُ , وكأن الله من خلال ذلك يُـعلمنا التواضعَ ويطلب منا في نفس الوقت السعي لأن نكون دوما أحسن وأفضل دينا ودنيا . صليتُ في البيت بنساء أهلي صلاة العشاء جماعة , وأثناء الركعة الأولى أخطأتُ في قراءة سورة القدر ( إنا أنزلناه في ليلة القدر...) مع أنني أحفظ القرآن كله منذ 1982 (حيث حفظته خلال 3 أشهر ونصف فقط في السجن) وأنا أراجعه باستمرار والحمد لله رب العالمين . بعد الصلاة مباشرة , أي بعد التسليمة الثانية قرأتُ سورة القدر - أمام نساء أهلي - وأعدتها بشكل صحيح وسليم وبكل سهولة , مع أنني أثناء الصلاة تعثرتُ فيها . وهذا النسيان الذي يعترينا بين الحين والآخر يُـذكرنا بضعفنا وعجزنا وقصورنا ويدعونا أكثر وأكثر إلى أن نعتصم بالله ونتقوى بالله ونستعين بالله ونطلب الهداية والتوفيق من الله وحده , ونكثر من قول " لا حول ولا قوة إلا بالله " .
علق أخ فاضل على مقالتي هذه عندما نشرتها في منتدى من المنتديات فقال " وفائدة أخرى من القصة ( وأنا مجرب ) أنك ما عيّرت أحداً بشيء إلا ابتليتَ أنتَ به أو بأدهى منه , حتى ولو كنتَ من أبعد الناس عن هذا الشيء الذي عيرت غيرك بسببه . هناك خيط دقيق جداً بين النصح والسخرية , لا يراه ولا يتبينه بتوفيق الله إلا أصحاب البصيرة والتجربة وبعد النظر . شكرا لك أستاذ رميته ".
فقلتُ له " أخي الحبيب صدقت ثم صدقت .هذا إن سخر منك بطريقة غير مباشرة أو سخر منك وهو يدعي النصيحة لك .فما بلك بمن يسخر منك ويستهزئ بك جهارا نهارا وبطريقة واضحة وصريحة , ومع سبق الإصرار والترصد , كيف سيكون حاله مع الله دنيا ثم آخرة ؟!.
نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة , آمين .
والله وحده أعلم بالصواب .
277- من المنكرات التي تقع أحيانا باسم الإصابة بالجن ! :
أنا حتى الآن كلما تذكرت هذه القصة الحقيقية والواقعية أعتبرها نكتة لأنها مضحكة بالفعل , إذ كيف يلعب بعض الشباب بأهاليهم فيفسقون ويفجرون ويرتكبون الحرام باسم الجن , والجن بريء كل البراءة مما اتهم به .
هي نكتة طريفة , ولكنها في المقابل نكتة مؤلمة للغاية .
هي نكتة طريفة , ولكن فيها في المقابل من الدروس والعبر ما فيها .
طلبني أهل فتاة من أجل أن أرقيها في بيت أحد أقاربها بولاية من الولايات بعد أن أتوا بها من مقر سكناها بولاية أخرى . ذهبتُ بعد الخامسة مساء إلى حيث هي عند أقاربها فاستقـبلتُ هناك من طرف أهلها وأقاربها . دخلتُ إلى الغرفة التي توجد بها الفتاة ورأيت هناك عجبا . رأيتُ عجبا يقع أمام أهلها وأقاربها وبدون أن ينكر ذلك أحدٌ خوفا من أذى الجن لأن الكل تصور بأن الفتاة مصابة بجن , والجن طلب منهم الاستسلام لما يقع أمامهم وعدم الإنكار , وإلا انتقم الجن من الفتاة !!!.
استدراك :عرفتُ من أهل الفتاة قبل أن أرى الفتاة بأنها كانت - ولشهور عدة- تتصل بشاب ( باستمرار) جار لها , تتصل به خفية عن أهلها . ولما اكتشف الأهلُ ذلك هددوه وهددوها هي , ثم ... ثم بعد ذلك مرضت الفتاة أو تمارضت , ووقع لها ما وقع , حتى طلبني أهلها من أجل أن أرقيها . طلبوني من أجل الرقية على اعتبار أنها أصبحت تعاني من الأرق والقلق والوسواس والخوف و ... ومن أوجاع في مناطق معينة من جسدها لم ينفع الطبيب في علاجها أو تهدئتها ... و...
أواصل القصة : دخلتُ إلى الحجرة ورأيتُ عجبا . رأيت على فراش وثير وجميل يتسع لشخصين , رأيت فتاة عمرها حوالي 17 سنة وهي تعانق شابا عمره حوالي 19 سنة : الأيدي متشابكة , والجسدين ملتصقين البطن بالبطن والصدر بالصدر والخد ملتصق بالخد , و ... وبمجرد دخولي نظرا إلي بنظرة فيها من عدم الارتياح ما فيها . وقبل أن أسمع من الفتاة أو من الشاب وقبل أن أرقي الفتاة , رأيتُ أن تغيير هذا المنكر الذي أمامي هو الأولى في البداية . سألتُ الشاب والفتاة بسرعة عن هذه الوضعية فسمعتُ ما ملخصه أن الجن هو الذي سكن في جسد الفتاة وطلب من الشاب أن يلتصق بالفتاة لساعات متصلة في كل يوم , وإلا انتقم الجني من الفتاة !!!.
قلتُ للشاب " هل ما تفعله حلال أو حرام , وهل تقبله أنت لأختك مع أجنبي عنها , و...؟!" , قال لي
" هذا حرام وأنا لا أقبله أبدا لأختي , ولكنه فُـرض علي فرضا من طرف الجني الذي أصاب الفتاة . أنا جارها والجني حتم علي أن ألتصق بها كما ترى , وإلا انتقم منها "!!!. وقال لي أهل الفتاة وأقاربها بأنهم حاولوا الفصل بين الجسدين فلم يستطيعوا , وربما لم يبذلوا الجهد اللازم من أجل ذلك , خوفا على الفتاة من أذى الجن !!!.
ابتسمتُ وكدتُ أضحك ولكن ضحكا كالبكاء . قلتُ للفتاة وأنا واثق من نفسي مستعينا بالله وحده أولا وأخيرا " والله الذي لا إله غيره إنني لن أعطيكم أكثر من دقيقة واحدة لتنفصلا عن بعضكما , وإلا فسترون ما سأفعله بكما ؟! . وأما حكاية أن الجن فرض عليكما هذا الحرام , فإنني لن أقتنع به أبدا أبدا أبدا ".
وصدقوني إخوتي القراء : في أقل من دقيقة نظر الشاب والفتاة لبعضهما البعض واستشار كل منهما الآخر بالإشارة , وفكرا وقدرا ثم فكرا وقدرا , ثم قبل أن تكتمل ال 60 ثانية , ابتعد الشاب عن الفتاة بعد أن أطلقته الفتاة من بين ذراعيها وهي غضبى .
قلت له " اخرج وانتظر في قاعة مجاورة " . طلبتُ في الحين من أهل الفتاة أن يأخذوا الشاب في سيارة ليرجعوه إلى أهله ( الذين يسكنون على بعد حوالي 100 كيلومترا في ولاية أخرى ) في الحين , وبعد صلاة المغرب مباشرة , وذلك بعد أن طمأنتهم بأنه لن يحصل شيء من الضرر للبنت بإذن الله تعالى .
ثم رقيتُ الفتاة وسمعت منها في وجود أهلها من الرجال ثم في وجود البعض من أهلها من النساء فقط ,
و ... فـتأكدتُ بأن الفتاة ليس بها أي أثر للجن . وبعد أخذ ورد , وسماع ثم سماع , ومن أكثر من طرف , في تلك الليلة ثم في اليوم الموالي , علمتُ بأن حكاية الجن كانت فقط مسرحية متفق عليها بين الفتاة والشاب من أجل إعطاء ديمومة واستمرارية لاتصالهما ببعضهما البعض وهما رافعا الرأسين وبلا أي خوف من العائلتين : عائلته هو وعائلتها هي .
وصلتُ إلى هذه النتيجة , ولكني لم أخبر بها أهل الفتاة حتى لا ينتقموا منها , ولكنني في المقابل :
1- طمأنت أهل الفتاة إلى أن الفتاة لا بأس عليها – صحيا - بإذن الله من اليوم فصاعدا .
2- نصحت الفتاة حتى لا تعود لفعلـتها أبدا لأن ذلك حرام ومنكر ولا يجوز ( لأنه كذب وغش ومس حرام بين الرجل والمرأة الأجنبية عنه و... ) , وإلا أخبرتُ أهلها بحقيقة الأمر .
3- أكدتُ لأهل الفتاة بأن يراقبوا ابنتهم من اليوم فصاعدا وأن لا يقبلوا في حياتهم أبدا بالحرام مهما بدا لهم بأن جنا أو إنسا يريدون أن يفرضوه عليهم .
وبعد أيام قليلة من تلك الحادثة اتصل بي أهل الفتاة وأخبروني بأن ابنتهم بألف خير وبأنها تحت المراقبة باستمرار وبأنهم استفادوا مما حدث لابنتهم دروسا ودروسا , والحمد لله رب العالمين ...
278- أنا لا أدري لماذا يصر بعض الناس على العقلية الأحادية ؟! :
قال لي في يوم من الأيام أخ كريم " لقد أرسلتُ ابنتي من المدينة التي نسكن فيها إلى مدينة أخرى تبعد عنا بحوالي 150 كلم , حيث يسكن عمها . أرسلـتُـها هناك لتقضي عند عمها أياما من عطلتها الجامعية . ولأنني أخاف على ابنتي كثيرا من أولاد الحرام من الرجال , فإنني اتصلتُ بها عن طريق الهاتف فيما بين المدينتين مرارا وتكرارا لأطمئن عليها ولأوجهها ولأحذرها من أولاد الحرام و... واتصلت بعمها عن طريق الهاتف وأكدت له أكثر من مرة على وجوب استقبال ابنتي بمجرد وصول الحافلة التي تقلها إلى المدينة الثانية . طلبتُ منه أن يستقبلها بعد وصول الحافلة مباشرة ليأخذها معه إلى بيته ولا يترك لها فرصة لكي تذهب هنا وهناك و ... أو حتى لتفكر في الذهاب إلى أي مكان غير دار عمها و...".
ولأنني أعرف ابنة هذا الرجل التي كانت متدينة وفاضلة وصاحبة حياء وأدب وأخلاق و... , وأعرف أننا عموما في أمن وأمان خاصة في المدينتين وما بينهما , وأعرف أن الفتاة انتقلت في سفرها عبر الحافلة التي نصف ركابها تقريبا نساء و ... فإنني قلتُ للرجل " أنا لو كنتُ مكانك ما خفتُ على ابنتي مثلما خفتَ أنتَ , وما تشددتُ معها كما تشددتَ أنتَ " , فثار في وجهي غضبانا وقال لي " يجب أن أخاف على ابنتي وأن أقلق عليها أكثر وأكثر , ويجب أن أتشدد معها وأعسر الأمور أمامها أكثر وأكثر حتى أغلق أمامها أية إمكانية للإنحراف وأية إمكانية للإعتداء عليها ".
قلتُ له " أخي الحبيب أنا أرى أنك تشددت مع ابنتك زيادة عن اللزوم , ومع ذلك أنا مقتنع 100 % بأنك تقصد خيرها ومصلحتها ... أنا أرى بأن التشدد مع الفتاة والميل إلى سوء الظن بها و ... قد يثيرها ويستفزها ويجعلها تتعود على الكذب عليك وعدم مصارحتك والظهـور أمامك بوجه غير وجهها الحقيقي و ... ولكنني مع ذلك أحترم رأيك كل الاحترام وأضعه على رأسي وفي عيني , وأنا أعلم يقينا بأن نيتك حسنة وبأن قصدك طيب ... أنا وإن كنت أحترم رأيك إلا أنني لو كنت مكانك لن أفعل مع ابنتي مثلما فعلت أنت ... أنا أميل إلى التساهل مع ابنتي وإلى حسن الظن بها وإلى التماس الأعذار لها وإلى إعطائها مساحة لا بأس بها من الحرية ( بدون مبالغة بطبيعة الحال , أرخي لها الحبل ولكن رأس الحبل يبقى دوما بيدي ) , وأرى أن هذا هو التعامل الأمثل مع البنت بعد أن ربيناها وكوناها لسنوات وسنوات على مبادئ الإسلام والإيمان ... أنا وإياك نقصد في النهاية مصلحة البنت ولكن أنت بطريقتك المحترمة وأنا بطريقتي المحترمة كذلك , وفي كل خير , والله وحده أعلم بالرأي الأصوب . والخلاصة هو أن رأيي صواب ولكنه يحتمل الخطأ , ورأيك خطأ ولكنه يحتمل الصواب" .
انفجر عندئذ في وجهي ثورة وغضبا وكأنه بركان مدمر , وكأنني قلتُ كفرا أو فسقا وفجورا , وقال لي " يجب أن نقطع الآن حديثنا هذا ما دمت تريد التعامل مع ابنتك بهذه الطريقة المائعة والمنحلة , والتي تسمح للذئاب أن يعتدوا عليها وبسهولة ... أنت بهذه الطريقة لا تغار على ابنتك ولا تحرص على مصلحتها ولا تخاف عليها وعلى شرفها وحيائها وأدبها وخلقها و ... لا يُـقبل منك أبدا إلا أن تخاف على ابنتك كما أخاف عليها أنا , وأن تـتشدد مع ابنتك كما أتشدد أنا مع ابنتي . ولا يجوز لك أبدا أن ترى ما فعلـتُـه أنا مع ابنتي تعصبا وتشددا وتزمتا ... والخلاصة هو أنه يجب عليك أن ترى فقط ما أراه أنا هنا وفي هذه المسألة بالذات , لأن رأيي هنا هو وحده الحق والهدى والرشاد الذي ما بعده إلا الباطل والضلال والغي " !!!.
ولا تعليق عندي على ما قال لي هذا الرجل إلا " سبحان الله لماذا يصر بعض الناس على العقلية الأحادية في المسائل الخلافية الفرعية الثانوية الاجتهادية " ؟! .
279- الحياة لا بد أن تستمر:
لام أخٌ فاضل عضو في منتدى , لام أختا كريمة ( مشرفة على قسم ترفيهي في المنتدى ) على أنها كتبت عن بعض الأشياء الترفيهية ( بطريقة إسلامية نظيفة ومؤدبة ) في نفس الأيام التي كانت فيها إسرائيل تحرق الأخضر واليابس في غزة مع نهاية عام 2008 م وبداية عام 2009 م , لامها الأخ بشدة وبعنف ومع مبالغة , على اعتبار أنها قاسية القلب وأنها لا تراعي مشاعر الآخرين وأنها غير مهتمة بإخوتها في غزة و ...
فقلتُ لها وله ما يلي :
صحيح أن المطلوب الأهم في تلك الأيام هو التضامن مع إخوتنا في فلسطين بكل أنواع وأشكال التضامن الممكنة , وأن العبادة الأهم في تلك الأيام كانت هي الوقوف مع إخوتنا في غزة بأموالنا وأنفسنا وبجهودنا وأوقاتنا و... ولكن مع ذلك فإن الحياة لا بد أن تستمر .
يموت أبي وأمي والحياة تستمر , وتحتل فلسطين وأفغانستان والعراق و ... والحياة تستمر كذلك , و ...لو سرنا بهذا المنطق الذي تتكلم عنه أنت أخي الفاضل , فإن الحياة ستتوقف من مئات السنين لأن أعداء الإسلام يتكالبون على الأمة الإسلامية باستمرار ومن زمن طويل , والصراع بين الحق والباطل ماض إلى يوم القيامة . ثم لا تناقض أبدا بين أن نتحدث عن الحرب الشرسة المعلنة ضد إخواننا في غزة وأن نتحدث عن الصلاة والصيام والزكاة والحج والرقية والسياسة والاقتصاد والاجتماع والتربية والتعليم و ... هذا دين وذاك دين كذلك . صحيح أن الأولى في هذه الأيام هو التركيز على الحديث عما يحدث لإخواننا وكشف عداوة إسرائيل وأمريكا والغرب للإسلام والمسلمين وكذا الكشف عن فضائح الأنظمة العربية وعلى رأسها النظام العربي الـ... الخائن وكذا نظام عباس أبي مازن العميل و ... لأن الأهم قبل المهم , ولكن كل ذلك لا يمنع أبدا من الحديث الموازي عن كل شيء آخر من أمور الدين والدنيا .ثم أختي الفاضلة والعزيزة ... لا عليك .لا تحملي هما . هذه هي الدنيا فيها الحلو وفيها المر , وفيها ما يعجب وما لا يعجب , وفيها ما يفرح وفيها ما يحزن . الذي يقول لك ما قال يمكن جدا أن تكون نيته حسنة وإن لم يحسن استعمال العبارات المناسبة حين خاطبك بما خاطبك به.وأنت كذلك نيتك طيبة وحسنة بإذن الله تعالى , وذلك لأن أبي يموت وأمي تموت ومع ذلك أعيش أنا . رسول الله عليه الصلاة والسلام يموت ويدفن تحت الأرض , ومع ذلك تستمر الحياة .
ويمكن أن يموت أخي بالأمس وأتزوج أنا اليوم . نعم الأفضل أن أكون بسيطا في فرحي حين أتزوج ( ويمكن أن أؤجل الزواج إلى وقت لاحق ) ولكن لا يليق أبدا أن يمنع موتُ حبيب , أن يمنعني من الزواج ومن الفرح .لو كانت غزة تستفيد من إغلاق كل النوافذ إلا نافذة نتحدث من خلالها عن غزة لفعلنا وأغلقنا كل النوافذ وكل الأبواب كذلك , ولكن غزة مطلوب منا أن نتضامن معها ماديا ومعنويا ,وبالغالي والرخيص (في حدود الاستطاعة) , ولكن مع ذلك لا مانع أبدا أن تستمر قبلها ومعها وبعدها , أن تستمر الحياة . ومنه لا مانع أن نبقى – مع كل ما يصيب إخوتنا في غزة - نأكل ونشرب وندخل ونخرج ونبيع ونشتري ونتزوج ونربي أولادا ونمزح بدون أن نبالغ ونمزح ولا نقول إلا حقا , وهكذا ...يوم أن ماتت أمي منذ حوالي 20 سنة خيل إلي أن الحياة ستتوقف نهائيا , ولكن بعد أيام بدأت أنسى وعلمتُ عندئذ أن بعض النسيان خير , ومع ذلك نتمنى أن لا ننسى غزة حتى ينصرها الله على أعدائها .أنتِ أختنا ... , أنت بإذن الله خيرك أكثر بكثير من شرك , ومنه فإن الأصل هو حسن الظن بك والثقة فيك , ومنه أنا أسأل الله أن لا يأتي علينا يوم أو ساعة أو دقيقة أو حتى ثانية واحدة نشك من خلالها في نيتك . اللهم انصر جميع إخواننا في غزة . اللهم كن معهم ولا تكن عليهم .اللهم أعز الإسلام والمسلمين وانصر كلمتي الحق والدين , ووحد صفوف المسلمين واجمع شملهم واجعل كلمتهم واحدة .بارك الله فيك ... وفي أهل المنتدى جميعا . 280- الناس مع الاعتذار إلى من ظلموه ثلاثة أصناف :
أول ما يحاسب الله عليه العبد يوم القيامة فيما يتعلق بحقوق العباد : الظلم , ومنه فمطلوب من كل واحد منا أن يراقب نفسه كثيرا وما استطاع إلى ذلك سبيلا حتى لا يظلم مسلما أبدا . ولأن كل بني آدم خطاء فإن الواحد منا سيظلم غيره مهما حاول ومهما راقب نفسه , ومهما ... ولكن :
1-على كل منا أن يحاول من أجل أن يكون إحسانه للغير أكثر بكثير من ظلمه له .
2-على كل منا أن يحاول أن لا يصر على ظلم الغير إن رأى بأنه ظلمه , بل عليه أن يسارع بالتوبة إلى الله والاعتذار لمن وقع عليه ظلمه .
والناس هنا يختلفون اختلافا كبيرا له أسباب مختلفة على رأسها تأتي قوة الإيمان بالله والطمع في رحمته والخوف من عذابه . الناس يختلفون من حيث الاستعداد للإعتذار للغير , إذ نجد هنا الناس منقسمين إلى 3 أقسام أساسية :
1- البعض من الظالمين ليس لهم أي استعداد للإعتذار لمن ظلموه , سواء تلميحا أو تصريحا , بطريقة مباشرة أو غير مباشرة , مهما كان ظلمهم لمن ظلموه كبيرا وعجيبا وعريضا وضخما وفظيعا , ومهما شهد على ظلمهم الكثير الكثير من الناس , ومهما نبههم إلى ظلمهم الكثير من الناس , ومهما شهد على ظلمهم للغير البشر والشجر والحجر .
ومن هؤلاء أذكر شخصا كان مسؤولا في مؤسسة تعليمية سبني وشتمني وقال لي الكلام البذيء الفاحش والساقط والخليع والمائع والمنحل و ... وكفر بالله أمامي مرات ومرات ومرات , وأنا لا أقابل منه كل ذلك إلا بالدعاء له بالهداية ثم الرحمة والمغفرة . وحتى أهله وأولاده توسلوا إلي في أكثر من مرة أن أصبر عليه وعلى ظلمه عسى أن يرجع إلى صوابه في يوم ما . ومع ذلك ما رجع إلى صوابه حتى اليوم , وما اعتذر إلي في يوم ما , بأية طريقة كانت .
وهذا الشخص يتعامل معي أهله ( أولاده وبناته ) حتى الآن المعاملة الطيبة والحسنة , وكأنهم يريدون الاعتذار إلي في مكان أبيهم , وأنا مع ذلك مسامحه دنيا وآخرة بإذن الله تعالى . وهذا النوع من الظالمين عندهم من الشر ومن سوء الطوية ما عندهم , نسأل الله لنا ولهم الهداية والرشاد .
وأظن ( وقد أكون مخطئا ) أن هذا النوع الأول يشكل أقلية من الناس .
2- والبعض الآخر من الظالمين ليسوا مستعدين للإعتذار بطريقة مباشرة , لأنه ليست هم قوة الإيمان الكافية ولا الشجاعة اللازمة , ومنه فإنك تجدهم يلجأون في الغالب إلى الاعتذار لمن ظلموه بالطرق غير المباشرة وبالتلميح لا بالتصريح , سواء تم الاعتذار بالقول الطيب أو بالمعاملة الحسنة أو .... ولا شك أن هذا الصنف من الناس هو أفضل بكثير من الصنف الأول , سواء عند الله أو عند المظلوم أو عند الناس أجمعين . ولا شك أن أجر هذا الصنف من الظالمين كبير عند الله تعالى . وأنا أعتقد أن هؤلاء يشكلون أغلبية الظالمين في دنيا المسلمين .
3- وأما الصنف الثالث ممن ظلموا غيرهم , فهم الأفضل والأحسن والأطيب والأصلح والأهدى والأرشد , وهم الذين إذا ظلموا غيرهم سارعوا بالتوبة إلى الله وبالاعتذار المباشر والواضح والصريح لمن ظلموه , الاعتذار الذي ليس فيه " لكن ..." , الاعتذار لوجه الله ليس إلا , واحتسابا للأجر عند الله وحده . ولا شك أن دافع هؤلاء الأول هو قوة الإيمان بالله وعظم اليقين فيما عند الله من ثواب لمن أحسن ومن عقاب لمن أساء . وأظن أن هذا الصنف الثالث يشكل أقلية من الناس .
الصنف الأول سيء جدا وهو قليل , والصنف الأخير حسن جدا وهو قليل كذلك .
وأما الصنف الثاني فهو الذي يتشكل من أغلبية المؤمنين المسلمين , والله أعلم .

ليست هناك تعليقات: