الثلاثاء، 17 يونيو 2008

وقفات ( من 111 إلى 120 ) :

بسم الله
عبد الحميد رميته , الجزائر

111- أتوضأ بكأس ماء فقط ! :
من الذكريات المتعلقة بالسجن الأول "من نوفمبر 82 إلى ماي 84 م" , وعندما كنا في الزنزانة أنا و4 إخوة معي , قضينا حوالي شهرا ونصف الشهر مع بعضنا البعض. من هذه الذكريات أننا وبسبب قلة الماء الذي كان يُعطى لنا ( طبعا ليس لأن الماءَ غيرُ موجودٌ , وإنما كنا نُحرمُ من الماءِ كوسيلة من وسائل التعذيب النفسي خاصة ) , كان الواحدُ منا يتوضأُ أحيانا بكأس ماء فقط !. كأس ماء صغير وليس كبيرا ( حجمُه يساوي تقريبا حجمَ فنجان القهوة ) .
ا- وكان الواحدُ منا يحرصُ في الوضوءِ على أن يكتفيَ بفرائضِ الوضوءِ فقط , ما دمنا في ضيق من أمرنا ولسنا في سعة .
ب – وكنا نكتفي في الأعضاءِ التي يُطلبُ فيها الغسلُ لا المسحُ ( الوجه واليدين والرجلين ) بسيلانِ الماء على العضو لا من العضوِ , لأن هذا قولُ بعضِ الفقهاءِ في توضيحِ الغسلِ المطلوبِ في الوضوءِ خاصة . وكان في هذا من التخفيفِ علينا ما فيه ومن التيسيرِ علينا ما فيه , لأنه لو كان المطلوبُ سيلانَ الماءِ من العضو (لا على العضوِ) لاحتجنا إلى كمية أكبر من الماء للوضوء , ولكان كأسُ الماءِ غير كاف ولو من أجل نصف وضوء .
ومما تعلمتهُ من تلك التجربة :
1- أهميةُ الاقتصاد في الماءِ سواء ونحنُ نطلبُ الدنيا أو الآخرة .
2- نعمُ الله على الإنسانِ - أي إنسان - لا تُعد ولا تحصى.
3-تعلم الفقه الإسلامي مُهم من جهات عدة , ومنها أنه يُخففُ عليكَ من حدةِ أوقات الشدةِ .
4- الاختلافُ بين العلماء (إن لم يُصاحبهُ تعصبٌ وتزمتٌ وتشددٌ ) رحمةٌ عظيمةٌ .

112- أبكي لفراق رمضان :
أنا بين الحين والآخر أقولُ للناس" ما أبعد الفرق بين بكاء وبكاء !" .
1- ما أبعد الفرق بين بكاء على دنيا فاتـتـنا وبكاء على شيء من الدين فقدناه !.
2- ما أبعد الفرق بين بكاء من أجل الناس وبكاء لوجه الله .
3- ما أبعد الفرق بين بكاء من أجل مال أو متاع خسرناه وبكاء سببه الطمع في رحمة الله والخوف من عذاب الله .
4- ما أبعد الفرق بين البكاء الجاهلي الذي يصاحبه لطمُ الخدود وشق الجيوب ودعوى الجاهلية , وبكاء الرحمة .
5- ما أبعد الفرق بين البكاء الذي مبعثه الجزع واليأس والقنوط وفيه " لو " التي تفتح عمل الشيطان , والبكاء الذي يصاحبه الإيمان بالله والرضا بقضائه , وفيه التصديق بقول الله " قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا ".
وبالمناسبة أقول عن نفسي بأنه مرت علي سنواتٌ وسنوات منذ بدأتُ صيامَ رمضان كله في ضواحي العام 1964 م ( وعمري آنذاك 9 سنوات تقريبا ) , قلتُ مرت علي سنواتٌ وسنوات , وأنا كلما وصل اليومُ الأخير من رمضان أدخلُ إلى غرفة معينة في داري , سواء عند والدي عندما كنتُ صغيرا أو في داري مع زوجتي وأولادي بعد أن تزوجتُ , وأُغلقها على نفسي من الداخل وأستسلمُ للبكاء حزنا على انتهاء شهر رمضان وانتهاء صيام وقيام رمضان وكذا متمنيا أن تكون السنةُ كلها رمضان . كنتُ أختبئُ وأبكي البكاءَ الطويلَ : أختبئ عندما كنتُ صغيرا بسبب الحياء من الغير , وأما عندما كبرتُ فكنتُ أختبئُ حتى يبقى بكائي خالصا لوجه الله عزوجل .
وكنتُ أعتزُّ كثيرا بذلك البكاء , وبتلك الدموع الغزيرة التي أسأل اللهَ أن يجعلها في ميزان حسناتي يوم القيامة .
ومع ذلك كنتُ وما زلتُ أقولُ لنفسي " الله أحكمُ الحاكمين " , ومنه فلو كانت السنةُ كلها رمضان لما بقي لرمضان الطعمُ والنكهة والقيمة والمكانة والمنزلةُ التي يحتلها رمضان عند المسلمين منذ أن شرعه الله تبارك وتعالى وإلى اليوم .
والله أعلى وأعلم , وهو وحده الموفق لكل خير .
تقبل الله منا ومنكم , وثبتني الله وإياكم بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة .

113- من كيد بعض الساقطات :
جاءني رجل (متزوج وله أولاد كبار ) منذ سنوات من أجل رقية , جاءني وهو منهار المعنويات وأخبرني بأن امرأة سحرته فتعلق بها وهو يعاشرها باستمرار كما يعاشر الرجل زوجته , وأنه اشترى لها سكنا واسعا بحوالي 200 مليون سنـتـيما وهو يريد أن يكتبه باسمها عن قريب . وأخبرني في المقابل بأنه أصبح يكره زوجته وأولاده ولا ينفق عليهم بل إنه أصبح يكره حتى الدار في حد ذاتها.رقيتُ الرجلَ وقدمتُ له مجموعة نصائح من شأنها أن تخلصه من الساقطة نهائيا وأن ترجعه بسلام إلى زوجته وأولاده.التقيت الرجل بعد بضع أسابيع فأقبل علي فرحا مسرورا وأعلن لي بأنه تخلص نهائيا من السحر وتخلص من الساحرة ورجع إلى زوجته وأولاده وباع داره القديمة وأخذ أهله إلى الدار الجديدة التي اشتراها في الأصل للساقطة , وأنه يحمد الله على نعمه التي لا تُعد ولا تُحصى. اللهم لك الحمد أولا وأخيرا .

114-عن خلوة رجل مع نساء وخلوة امرأة مع رجال :

اختلف الفقهاء ، في خلوة رجل بأكثر من امرأة ، وفي خلوة امرأة بأكثر من رجل : هل تدخل في دائرة الخلوة المحرمة شرعا أوْ لا ؟ .1- ذهب المالكية والحنابلة إلى أنها من الخلوة المحظورة والممنوعة والمحرمة . 2- واختلف الشافعية في ذلك ، ولكن الذي عليه محققوهم جواز ذلك . ورجحه الإمام النووي في ( المجموع ) ودليله الحديث : " لا يدخلن رجل بعد يومي هذا على مُغيبة إلا ومعه رجل أو اثنان " , قال " ولأن النساء المجتمعات ، لا يتمكن الرجلُ في الغالب من مفسدة ببعضهن في حضرتهن " . والمغيبة : من غاب عنها زوجُها في الجهاد وغيره . 3- واتفق الحنفية على أن الصور المسئول عنها , أي خلوة الرجل بنساء أو خلوة المرأة برجال لا تدخل في الخلوة الممنوعة , أي أنها جائزة ومباحة .
وقال الكثير من العلماء " لا يجوز ركوب المرأة مع سائق ليس محرماً لها وليس معهما غيرهما ، لأن هذا في حكم الخلوة ، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ( لا يخلون رجل بامرأة فإن الشيطان ثالثهما ) . وأما إن كان معهما رجل آخر أو أكثر أو امرأة أخرى أو أكثر , فلا حرج في ذلك إذا لم يكن هناك ريبة ، لأن الخلوة تزول بوجود الثالث أو أكثر" .
وقال عبد العزيز بن باز " لا حرج في خروج مجموعة من النساء ( من عائلة واحدة ) مع السائق , إذا كان الموجود من النساء اثنتين فأكثر ، وليس هناك ريبة . لا بأس من الخروج معه إلى المدرسة أو غيرها للحاجة على وجه لا ريب فيه . وإذا تيسر أن يكون معهن رجل فذلك خير وأصلح , ولكن لا يجب ذلك لأن وجود المحرم قد لا يتيسر في كل وقت لكل أحد " . وقال كذلك " لا يجوز أن ينفرد السائق بالمرأة الواحدة في السيارة , إلا أن يكون محرما لها لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم ) . أما إذا كان معه امرأتان فأكثر , فلا بأس لأنه لا خلوة حينئذ بشرط أن يكون مأموناً وأن يكون في غير سفر".
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله " ركوب المرأة وحدها مع السائق غير المحرم ، محرم بلا شك لأنه خلوة .وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم ) . وهذا أخطر من كثير من الخلوات التي لا إشكال فيها , لأن هذا السائق بيده التصرف في السيارة المركوبة ، فيمكنه أن يذهب بها إلى حيث شاء ثم يلجئها إلى ما يريد من الشر . وكذلك هي ربما تكون فاسدة أو يغريها الشيطان بسبب خلوتها مع هذا الرجل فتدعوه إلى أن يخرج بها إلى مكان ليس حولهما أحد , فيحصل الشر والفساد . أما إذا كان معها امرأة أخرى وكان السائق أميناً , فإن هذا لا بأس به , لأن هذا لا يعد خلوة . وعلى هذا فالواجب على المرأة إذا كانت تحتاج أن تذهب إلى السوق أو المدرسة أن تصطحب معها امرأة أخرى إذا لم يكن هناك محرم . والواجب على النساء وأولياء أمورهن أن يتقين الفتنة وأسبابها حتى لا يحصل الشر والفساد".
ومعنى ذلك أن تعدد النساء أو تعدد الرجال يمنع تحقق الخلوة الشرعية المحرمة عند الحنفية وعند بعض الشافعية . ويستثنى مما سبق أهل الريبة ، أي أن وجودَ عدد من الرجال الذين لا ثقة بدينهم وأخلاقهم ، لا يمنع الخلوةَ ، وكذلك وجود عدد من النسوة سيئات السلوك ، لا يمنع الخلوةَ ، بل ربما ساعد العددُ هؤلاء وهؤلاء على الفساد. إذن وجود امرأة مع رجال سيئين أجانب يعتبر خلوة محرمة وغير جائزة وممنوعة , وكذلك وجود رجل مع نساء سيئات أجنبيات يعتبر خلوة محرمة وغير جائزة وممنوعة . وأما في الأحوال العادية الأخرى فالمسألة مختلفٌ في حكمها كما قلتُ قبل قليل . ولأن المسألةَ خلافيةٌ وليست أصولية فأنا من زمان لا أشترطُ على المرأةِ التي تطلبني للرقيةِ ( بعد استئذانها من أهلها أو من زوجِها ) أن يكونَ معها محرمٌ من الرجالِ أو زوجٌ . نعم إن كان معها محرمٌ من الرجالِ أو زوجٌ فذلك خيرٌ وبركةٌ , ولكن إن لم يكن ذلك معها فإنني لا أتشددُ معها وأشترطُ عليها فقط أن تكون معها امرأةٌ أو أكثر من الصديقات أو الجارات أو القريبات أو ... المستورات أو المعروفات بحسن سلوكهن ... وذلك فقط حتى لا يكونَ بيني وبينها خلوةٌ شرعيةٌ محرمةٌ لم يختلف العلماء في حكمها. إن وجودَ الرجلِ الواحد مع امرأتين أو أكثر ليس خلوة , وكذلك وجودَ المرأةِ الواحدة مع رجلين أو أكثر ليس خلوة , على الأقل عند بعض الفقهاء والعلماء قديما وحديثا .والله أعلى وأعلم وهو وحده العاصم من كل سوء .

115- من أسباب ظهور الإرهاب جهل بعض المتدينين بالإسلام :
كنتُ أقولُ لرجال المخابرات الذين كانوا يُعذبونني في السجن عام 1985 م . كنتُ أقول لهم حين يسألونني عن فلان أو علان ممن ينتمون إلى جماعة " مصطفى بويعلي" رحمه الله تعالى ( وهي جماعة خرجت على النظام عن طريق حمل السلاح في ذلك الوقت) " أظن أنهم صادقون ومخلصون , ولكنهم في المقابل جاهلون بالإسلام" .
ثم أضيف " ولو كنتُ جاهلا مثلَـهم لرددتُ على تعذيبكم لي وعلى سبكم لله ولرسوله ولعلماء المسلمين , وعلى الكلام الفاحش والبذيء الذي يصدر منكم باستمرار , وعلى تهديدكم لي بإكراهي على الزنا وشرب الخمر وعلى سبكم لأبي وأمي , وعلى ...لو كنتُ جاهلا مثل هؤلاء الذين سألتموني عنهم لرددتُ مثلما ردوا ". "لو كنتُ جاهلا مثلهم لاتهمتكم بالكفر , ولاتهمتُ كل من يخضع لقوانينكم ولنظامكم بالكفر , ولسببتُـكم أكثر مما سببتموني أنتم , ولخرجتُ عليكم بحمل السلاح في وجوهكم , ولدعوتُ الغير لحمل السلاح ضدكم مثلما فعلتُ أنا , ولاتهمتُ جميع من لم يخرج معي ضدكم بأنه كافر مثلكم , ولاعتبرتُ من واجبِ كل مؤمن ومسلم أن يهاجر إلي وإلى من آمن بأفكاري لنشكل معا جماعة "التـكفير والهجرة " مثلا التي تقيم دولة الإسلام وتطبق شرع الله و...الخ"….
وكنتُ أضيفُ " ولكن لأن الله علمني الكثير من أمور ديني , ومنه فإنني وإن قلتُ بأن الدولة لا تحكم بالإسلام في أغلب قوانينها , ومع ذلك فإنني لا أُكفر حكام بلدي ولا أُكفركم أنتم يا رجال المخابرات أو رجال الأمن والدرك أو ... بل إنني أعتبر بأنكم منحرفون ولكنكم مسلمون , وبأنكم عصاة ولكنكم مؤمنون , ولا أحمل السلاح ضدكم , ولكنني أدعو إلى الإسلام وإلى الحق والعدل والخير , وآمر بالمعروف وأنهى عن المنكر و... حتى يحكم الله بحكمه وهو أحكم الحاكمين , وحتى يفتح الله بين أهل الحق وأهل الباطل وهو أحسن الفاتحين " .
" وأنا كذلك أحاول ما استطعتُ أن أقابل السيئة منكم بالحسنةِ مني , ومنه فأنا أدعو الله لكم يا رجال المخابرات الظالمين بالهداية ثم بأن يغفر الله لكم وبأن يرحمكم وأن يجعلني وإياكم من أهل الجنة آمين".

116- وكأنه وُلد من جديد :
جاءني رجل (متزوج وله أولاد وأحفاد ) منذ سنوات من أجل رقية,جاءني وهو منهار نفسيا وأخبرني بأن امرأة مطلقة-تسكن في نفس المدينة التي يسكنها-سحرته فتعلق بها وهو يعاشرها جنسيا باستمرار وأنه ينوي التزوج بها والتخلص من زوجته الأولى وأولاده منها.وأخبرني كذلك بأنه أصبح يكره زوجته وأولاده ولا ينفق عليهم بل إنه أصبح يكره مجرد الاقتراب من الدار.أما معاشرته لزوجته فإنه زهد فيها من زمان. رقيت الرجل وقدمت له مجموعة نصائح وتوجيهات من شأنها أن تخلصه من العاهرة نهائيا وأن ترجعه بسلام إلى زوجته وأولاده وأكدت له بأن الرقية وحدها لن تحل له المشكل نهائيا إذا لم يبذل هو الجهد الكافي من أجل الابتعاد عن الساقطة والرجوع إلى زوجته وحليلته.اتصل بي الرجل بعد بضعة أسابيع فأقبل علي وكله غبطة وفرح وسرور وأعلن لي بأنه تخلص نهائيا من السحر ومن الساحرة ورجع إلى زوجته وأولاده وكأنه تزوج من جديد.ومن جهتهم اعتبره أولاده وكذا زوجته وكأنه وُلد من جديد.وأكد لي الرجل في نهاية حديثه بأنه أصبح على خير حال والحمد لله رب العالمين .

117- من استغفر لمن ظلمه فقد هزمَ الشيطانَ :
قيل : "مكتوب في الإنجيل : من استغفر لمن ظلمه فقد هزم الشيطان". والشرع وإن كان يجيز لنا أن لا نسمح لمن ظلمنا وأن نطالب بحقنا منه في الدنيا فإن لم نأخذه يكون من حقنا أن نطالب به في الآخرة , فإن الشرع حبَّب إلينا رغم ذلك أن نسمح لظالمنا وأن نعفو عنه دنيا وآخرة . وقد كنتُ أقول في فترة ماضية (منذ أكثر من 20 سنة ) : " اللهم إني أطالب بحقي من عشرات ومئات وآلاف الدعاة ظلموني ظلما مؤكدا 100 % , أطالب بحقي منهم في الدنيا أو في الآخرة كما أطالبُ بحقي من كثير من الناس ظلموني خلال حياتي الماضية " ( أقارب وجيران وأصدقاء وأشخاص في مجال التعليم و...) , لكنني والحمد لله – أصبحتُ أقول من بضع سنوات , وأنا أعي تماما ما أقول " اللهم يا رب إنني أشهدك شهادة حق بأنني سمحتُ وعفوتُ عن كل من اعتدى علي كبيرا أو صغيرا , رجلا أو امرأة , بقول أو بفعل في الماضي القريب أو البعيد" . ولا أستثني من ذلك إلا رجالا من السلطة بدا لي بأنهم أرادوا إيذاء الدين بإيذائي في السجن مرتين ( مرة فيما بين 81 و ماي 84 , والمرة الثانية فيما بين أكتوبر 85 و جانفي 86 م ) فهؤلاء لن أسمح لهم إلا إذا هداهم الله وتابوا مما فعلوا ولو بينهم وبين ربهم سبحانه وتعالى .

118 – شعورٌ متبادل (!) :
في سنة من السنوات الماضية , وأثناء حراسة التلاميذ في امتحان البكالوريا شعرتُ بأن تلاميذ فوج من الأفواج استاء مني كثيرا في الفترة الصباحية بسبب تشددي في مراقبتهم من أجل منعهم من الغش.وفي المساءِ فوجئوا بي آتيا لمراقبتهم مرة ثانية فازداد استياؤهم . وأثناءَ الحصةِ حاولَ التلاميذُ إبعادي عن القاعة من أجل إتاحةِ الفرصة لأكبرِ عدد ممكن من التلاميذ ليغشوا في وجود ( أو مع بقاء ) أستاذتين مسالمتين معهم في القاعة . حاولوا إبعادي بطريقة مفضوحة ومكشوفة حتى الأستاذتان تفطنتا لها. طلبَ مني أحدُ التلاميذ أن أصاحبَـه إلى المرحاضِ لقضاء حاجة ( وهو يعلمُ أنني لن أرسلَ معه أستاذة لأن ذلكَ مخالفٌ للذوقِ السليم وربما للشرعِ الحنيف ) , فتفطنتُ للحيلة ونبهتني إحدى الأستاذتين إلى "لا تخرجْ يا أستاذ , إنهم يريدون الغشَّ في غيابك !" , قلتُ لها " أنا أعلمُ ذلك , ولكن اطمئني . إنني لن أتيحَ لهم الفرصةَ التي يبحثونَ عنها ".
أرسلتُ إحدى الأستاذتين إلى الأمانةِ ليرسلوا إلي أستاذا (ذكرا ) حتى أبعثَه إلى دورة المياه مع التلميذ. جاء الأستاذُ بعد بضع دقائق وأخذ التلميذَ خارج القاعة . بقيتُ أنا أراقبُ التلاميذَ كعادتي وكأن لي 10 أعين : أقفُ تارة وأسيرُ بهدوء بين الصفوف تارة أخرى , ولا أجلس إلا نادرا : من يعتمد على الله ثم على نفسه يطمئنُّ إلى وجودي في القاعة حارسا , ومن جاء معتمدا على الشيطان وعلى الغش انزعج مني أيَّ انزعاج .
وأنا أمرُّ في لحظة من اللحظات بجانب تلميذ استوقفني قائلا لي مبتسما ابتسامةَ من ليس أمامه إلا الابتسامُ " يا أستاذ لماذا أتعبتَ الأستاذَ الآخرَ وأرسلتهُ مع التلميذ , لماذا لم تذهبْ أنتَ مع التلميذِ ولا تُزعج أمانةَ البكالوريا ؟!" , فأجبتهُ مازحا وجادا في نفس الوقتِ " أنا أُحِـبكم كثيرا , ومنه لم أستطع أن أفارقَـكم !" , فردَّ علي بكلمة أضحكـتني كثيرا كثيرا ولمدة حوالي 5 دقائق , وأنا الآن كلما ذكرتُ الكلمة مِلتُ إلى الضحكِ .
ردَّ علي " شعورٌ متبادلٌ يا أستاذ !!!". أضحكتني الكلمةُ فوق اللزوم لأن الشعورَ ليس متبادلا البتة , بل إن التلاميذ انزعجوا مني انزعاجا كبيرا وتمنوا لو يجدون طريقة ما ليتخلصوا بها مني . إنهم لم يحبوني , والشعورُ لم يكن أبدا متبادلا.
وهذا التلميذُ بالذات ضُبط في اليوم الموالي من طرف الإدارة والأساتذة وهو يغشُّ بالقراءة من كتاب علوم طبيعية في مرحاض الثانوية أثناء فترة الامتحان الصباحية . حاولت أمانة البكالوريا معه ليعتذر فلما أنكرَ واستكبرَ أخذوا منه بالقوة الاعترافَ الكتابيَّ بالغش , ثم طردوه نهائيا من الامتحان ( للأسف الشديد ) ولم يسمحوا له أن يُـكملـهُ , وهذه عاقبةٌ سيئة من عواقب الغش الكثيرة جدا في الدنيا وفي الآخرة .
اللهم ثبتنا على الحق ما حيينا آمين .

119- الجن خصومك وليسوا أصدقاءك :
اتصلت بي شابة في يوم من الأيام عن طريق الهاتف عند حوالي 12 ليلا , لتخبرني بأن لها جنا ( تراهم وتسمع أصواتهم ) يعينونها من سنوات على الكثير من شؤون الدين والدنيا وأنها تحبهم ويحبونها وأنهم طلبوا منها لترقي الغير (طبعا مرة بطريقة شرعية وأخرى بطريقة غير شرعية) , ولكنها تريد أن أرقيها لأنها تعاني من القلق الزائد والخلعة والوسواس والصداع والأرق والأحلام المزعجة والخوف تقريبا من كل شيء و...قلت لها :" لن أرقيك حتى تسلمي بأن الجن الذين تقولين عنهم بأنهم يعينونك هم أعداء حقيقيون لك . إن الجن المتسلطين على شخص لن يعينوه أبدا إعانة حقيقية في شيء من الأشياء :" وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا", وإذا تصورتِ عكس ذلك فأنت واهمة كل الوهم ولن تتخلصي مما تعانين منه لأنك أنت عندئذ التي تهدمين ما تبنيه الرقية الشرعية ". حاولتُ عن طريق الهاتف أن أوضح الأمر ثم سألتها في النهاية :"ما رأيك ؟! ", فقالت : "لست مستعدة أن أعاديهم ومع ذلك أريدك أن ترقيني !", فقلتُ :" أنا متأسف جدا , لكنني أحذرك بأنك لن تشفي بإذن الله مادامت لك صلة بالجن . اللهم إني بلغت . السلام عليكم ورحمة الله وبركاته". وانتهت المكالمة .
أسأل الله الهداية والتعليم والشفاء لي ولها ولجميع المسلمين والمسلمات –آمين-.

120- خجلٌ يسمونه – ظلما وعدوانا – حياء :
على خلاف حال أغلبية الناس : أنا يسألني إخوتي وأخواتي بين الحينِ والآخر ( رغم الحياءِ والأدبِ والخلقِ الذي بيني وبينهم ) , يسألونني عن أشياء مختلفة متعلقة بالحلال والحرام , ومنها المسائل الجنسية التي يستحي بعضُ الناس أن يتحدثوا فيها من منطلق الحياء المزيف , والحقيقةُ أنه ليس بحياء ( محمود) ولكنه خجلٌ ( مذمومٌ ) . أنا – منذ كنتُ في الجامعة ومنذ خطوتُ الخطواتِ الأولى والكبرى على طريق الدعوة إلى الله - أُشجعُ إخوتي وأخواتي على السؤال وأجيـبُـهم تارة بأجوبة مختصرة وتارة أخرى بأجوبة مفصلة , تارة بالتلميح وتارة أخرى بالتصريح , تارة عن السؤال المطروح فقط وتارة أخرى أجيب عن السؤال المطروح وعن أسئلة أخرى مشابهة , تارة أجيبُ عن السؤال المطروح وتارة أخرى أُعرضُ عنه لعدم أهميته وأجيبُ عن سؤال آخر غير مطروح وأرى أنه أهمُّ من المطروح , وهكذا ...
ملاحظة 1 : السؤال الذي يُطرح - في المسائل الجنسية - والذي يُطلبُ مني أن أجيب عنه , هو سؤال جدي وليس هزليا , وهو سؤال من أجل معرفة فائدة دينية أو دنيوية أو لحل مشكلة أو ... وليس من أجل لغو أو إضاعة للوقت أو ...ملاحظة 2 : صحيح أن الحديث في المسائل الجنسية مع الأخ أو الأخت أو ... الأفضل أن يكون مختصرا إن كان الاختصار يكفي , والأفضل أن يكون تلميحا إن كان التلميح يكفي , والأفضل أن لا يلجأ إليه المرء إلا عند الضرورة . ولكن إن اضطر الواحدُ منا إلى ذلك , وإن كان التلميح لا يكفي , وإن كان الاختصار لا يكفي , فيجوز عندئذ أو يستحب أو يجب الحديثُ المباشر والمفصل . ولا يمنع من هذا الحديث عندئذ حياءٌ , وإنما الذي يمنع منه عادة هو خجلٌ مذمومٌ وقبيحٌ .
وأنا بهذا الحديث – خاصة في مسائل الجنس – مع أهلي أو مع الناس , أنا أؤدي فرضَ كفاية وأدعو إلى الله وأُعرِّفُ الناسَ بالإسلامِ وأُخرجُ الكثيرَ منهم من حيرتهم وأُعرِّفُ الغيرَ بالحلال والحرام وأساعدهم على حلِّ الكثير من مشاكلهم وأمنعُ البعضَ منهم من الطلاق و...كلُّ ذلك بأسلوب نظيف وطيب ومبارك و...وكلُّ ذلك بدون أن أخالفَ شرعا أو أرتكبَ حراما أو أفعلَ مكروها , وبدون أن أتفوه بأية كلمة فاحشة , والحمد لله رب العالمين .

ليست هناك تعليقات: