الاثنين، 16 يونيو 2008

وقفات مع ذكريات ( من 61 إلى 65 ) :

بسم الله
عبد الحميد رميته , الجزائر

61 – " الباب اللي يَجِّيـكْ مَنُّـو الريحْ سَـدُّو واسْـتَرِيـح " :
أي " المنفذ الذي يمكن أن يأتيك شرٌّ عن طريقه , ما عليك إلا أن تُغلقَه لتستريح ". في السنة الأولى من دراستي في الجامعة ( عام 1975 – 1976 م ) ( أي منذ حوالي 33 سنة ) لم أجد في البداية غرفة أسكن فيها بالحي الجامعي . ومنه فقد اضطررتُ للبحثِ عن سكن آخر مهما كان نوعه ولكن بتكلفة أقل , لأن عائلتي كانت فقيرة ( كنتُ من بين أفقر زملائي في الإبتدائي أو المتوسط أو الثانوية أو الجامعة ) . سكنتُ في البداية ولبضعة أسابيع في حمام عمومي وفي ظروف صعبة جدا لأنه لم يكن نظيفا ولأن الضجيج كان يسوده في الكثير من الأحيان ولأنه كان مفتوحا لي فقط لأبيتَ فيه في الليل , وأما في النهار فهو لغيري ممن يريد أن يستحم فيه . وكنتُ لذلك أدخلُ إليه في الليل بعد العِشاء وأخرجُ منه في الصباحِ قبل الساعة الثامنة , ثم لا يُسمحُ لي بعد ذلك أن أدخلَ إليه من جديد إلا بعدَ العِشاء .
ثم انتقلتُ إلى مكان آخر ظنا مني بأنني انتقلتُ إلى مكان إقامة أفضل , ولكنني عرفتُ فيما بعدُ بأنني كنتُ في ذلك كالمستجير بالرمضاء من النارِ , لأنني هربتُ من شرّ فوقـعـتُ في شرّ أكبر منه .
استأجرتُ حجرة عند عائلة أنا ( كنتُ جامعيا ) وإثنان آخران (كانا يدرسان في ثانوية ) , على أساس أننا في كل شهر ندفعُ تكلفةَ الكراء للشهر المقبل , وهكذا إلى نهاية السنة الدراسية . وعرفتُ خلال أسابيع بأن المرأةَ صاحبةُ البيتِ كانت تعملُ حارسة أو خادمة في بيت من بيوت ال د ع ا ر ة ( أكرمكم الله ) بمدينة ... وهذا خبرٌ أذهلني لأنني وبغض النظر عن الجواز أو الحرمة , فأنا لم أستسغْ نهائيا أن أسكنَ عند امرأة هذه هي وظيفتها . بدأتُ عندئذ أفكرُ تفكيرا جديا في مغادرة هذا البيت على الأكثر في نهاية الشهر الأول . ولكن قبل ذلك لا بد أن أبحثَ عن مكان إقامة بديل . وخلال أيام أخرى عرفتُ بأن ابنةَ المرأةِ صاحبة البيت طالبةٌ مثلي في الجامعة . جاءت في البداية ترحبُ بي مع أمها وقبلتُ الأمر على مضض واعتبرته عاديا أو شبه عادي . ولكن الأمرَ تكرر خلال أيام تكاد تكون متتالية , مرة باسم الاطمئنان على أحوالي وأحوال من معي , ومرة باسم السؤال عن الدراسة والبرامج والتوقيت والمراجع والكتب والمطبوعات وثالثة باسم ...وهكذا ...شممتُ لمدة حوالي أسبوع من خلال زيارات هذه الطالبة لي أنا والأخوين اللذين كانا معي , شممتُ ما لا يُعجبُ , فعزمتُ عزما أكيدا على أن أغادر هذا البيتِ مع تمامِ الشهرِ مهما كان الثمنُ . وبعد أيام اكتملَ علينا شهرٌ ونحن في هذه الدار , فغادرتُ الدارَ إلى الحي الجامعي , حيثُ سُمح لي – لحسن حظي ولسوء حظي في نفس الوقتِ - بأن أسكنَ في حجرة كبيرة نسبيا مع 11 طالبا , مع أنَّ حجراتِ الأحياء الجامعية يسكنُ فيها عادة في ذلك الوقت طالبان أو 3 أو 4 على الأكثر , والحمد لله على كل حال أو والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

62 - بعض قادة الدعوة ( ولم أقل الكثير أو الأكثر ) يمسَخون جميع عقولَ أتباعهم :
لتُحاكي عقلَ الواحد منهم . إذا خالفتَه في جزء من مائة جزء (1 / 100 ) فأنت منحرف وضال . إذا سار يمينا فأنت يجبُ أن تكون معه , وإن سار شمالا فعليك أن تتبعه , تماما مثل القرود تقلِّد ولا تفكِّر .
إذا انهزم فهزيمتهُ نصرٌ , وإياك أن تقول بأنه انهزم . وإذا كذب فاعلم أنه فعل ذلك لمصلحة الدعوة ! , وإذا ادعى شيئا فهو الواحد الأوحد -والعياذ بالله- .
قد يرى القارئ أن في هذا بعضَ المبالغة لكنني أؤكد أنه واقع عشتُ جزءا منه في السنوات 85/86/87 م حين نصحتُ ثم نصحتُ من الداخل (حيث الاعتبار للولاء قبل الكفاءة ) فقيل لي بلسان الحال لا المقال : " نافِق أو فارِق ". فلما فارقتُ اتُّهِمْتُ بالفسق والفجور والانحراف والضلالة و... وبأنني...و...مما لا يطاوعني لساني أن أتلفظ به ولا قلمي أن أكتبه , وهُدِّدتُ بالضرب وبما هو أشد من الضرب و...هذا بعد أن كنتُ- بشهادتهم- وأنا ساكتٌ بالداخل مِن أقدم وأهم وأعلمِ القياديين في الجماعة , وسبحان مغير الأحوال !.

63 – أسوأ قصة أو رواية قرأتُها في حياتي :

قراءة الكلام البذيء الفاحش من خلال قصة أو رواية أو ترجمة أو سيرة أو ...هو أمر حرام وهو غير جائز , سواء كانت نيتنا من وراء ذلك حسنة أم سيئة . وأذكرُ الآن - وبكل أسف - أنني قرأتُ عندما كنتُ تلميذا بالثانوية - بين 1972 و 1975 م - ( كنا 4 تلاميذ فقط نصلي بالثانوية , وكان زملائي ينادونني " الشيخ" لأنني أعرفهم بالإسلام , مع أنني لا أعرف من الإسلام في ذلك الوقت إلا أقل جدا من القليل ) رواية بالفرنسية - فيها حوالي 300 صفحة من الحجم الصغير , وسمعتُ فيما بعد أن القصة حُولت إلى فيلم من الأفلام الساقطة والهابطة المشهورة اليوم في عالم الفن المائع والمنحل , أو ما يسمى بقصص الحب ( !!! ) . ولأنني كنتُ شابا غلبتني نفسي فإنني انجذبتُ إلى القصة وقرأتُها بشغف خلال يومين أو ثلاثة . وأنا الآن أجزمُ للقراء أنني عندما انتهيتُ من قراءة الرواية كدتُ أتقيءُ - أكرمكم الله - من سوئها وفسادها وقبحها وسقاطتها وخبثها و... وعزمتُ منذ ذلك الوقتِ على أن لا أقرأ - بعد ذلك - ما فيه كلامٌ فاحش ولا أقرأ خبيثا ولا أقرأ إلا طيبا . ومنه انتقلتُ بعد ذلك إلى قراءة مئات الروايات الإسلامية خلال سنوات قليلة جدا , من ضمنها روايات نجيب الكيلاني وعبد الحميد جودة السحار والكثير مما كتبَ مصطفى صادق الرافعي و....الخ...
وفي ذلك الوقت عرفتُ من ضمن ما عرفتُ من ديني :
1- أن الهوى عندما يغطي على العقل يصبحُ الشخصُ كالمجنون .
2- أن المعصية لذيذة ولكن لذتها تزول ولا يبقى إلا عقوبتُها . وعلى الضد من ذلك , فإن الطاعة مُـتعبة ولكن تعبَـها يزولُ ولا يبقى إلا ثوابُـها .
3- أن لذةَ جهاد النفس من أجل إلزامها بالطاعة أعظمُ بكثير من لذة موافقة النفس واتباع هواها والوقوع في معصية الله .
4- أن هناك فرقا واضحا جدا بين قراءة الكفر ( الجائز بشروط ) وقراءة الكلام البذيء الفاحش
( الحرام في كل الأحوال ) .
5- وأنه لا يوجد أبدا أمرٌ جميلٌ وحرامٌ في نفس الوقت : إما أن يكون جميلا بحق , فهو حلال .
وأما إن كان حراما , فهو قبيحٌ بكل تأكيد ولا يمكن أن يكون حسنا .
6- وعرفتُ كذلك لماذا توبةُ الشاب أحبُّ عند الله من توبة الشيخ ؟ .
والله ورسوله أعلم .

64 – عن غض بصري مع التلميذات :
صحيحٌ أنني كنتُ متشددا في أمرِ غض البصر في الثانوية في السنوات الأولى من التعليم , ثم تساهلتُ مع نفسي قليلا في هذا الأمرِ . تساهلتُ مع نفسي لسببين أساسيين (سواء كانا كافيين كعذرين شرعيين أم لم يكونا كافيين ) :
الأول : أنني كنتُ غيرَ متزوج من قبل , ثم تزوجتُ بعد ذلك , والفرق واضحٌ جدا بين كوني متزوج أو غير متزوج , ولا يحتاج الأمرُ هنا إلى زيادة بيان أو توضيح .
الثاني : أنني من فرط مجاهدتي لنفسي ولهواي وللشيطان من جهة , ومن فرط محبتي الكبيرة لتلاميذي – ذكورا وإناثا – التي تفوقُ بكثير محبتَهم هم ليَ أنا , من جهة أخرى . قلتُ : لهذا السبب وذاك أصبحتُ مع الوقتِ أنظرُ ربما في 95 % من الأحيان تقريبا , أنظر إلى التلميذة – خاصة وهي في الثانوية – وكأنها ابنتي بالفعل , ومنه فأنا وإن رفعتُ بصري للنظر إلى وجهها , فأنا أفعلُ ذلك معها بنية حسنة وكأنها إحدى محارمي . ومع ذلك يبقى مطلوبا من الرجل ( أي رجل ) دوما أن يجاهد نفسه من أجل غض البصر – مع النساء الأجنبيات - ما استطاع إلى ذلك سبيلا .
والله أعلمُ بالصواب وهو وحده المعينُ , ولا حول ولا قوة إلا بالله .

65 – " نريده أن يُدرِّسَنا ولا نريده أن يحرسَنا " :
لا تتركْ أيها الأستاذ لأي كان أن يضغطَ عليك بماله أو بجاهه أو.. , بالترغيب أو بالترهيب أو.. حتى تسمحَ له أو لغيره أن يغًشَّ . عليك أيها المربي أن لا تأخذك في الحق لومة لائم , وليرض من شاء بعد ذلك وليسخط من شاء . وعليك أن تبدأ بنفسك أنت أولا , فتمنع نفسَك من الغش ما حييتَ في مجال التدريس أو في غيره ولو مع أولادك وبناتك , وتربي أولادك على ذلك . وإلا فلا خير فيك وفيما تنصح به غيرَك , بل قد يكون علمُك عندئذ حجة عليك -والعياذ بالله - عوض أن يكون حجة لك . إن الإدارة من زمان , على مستوى المؤسسات التعليمية , وفي كثير من الأحيان : هي ترسلني لأحرس التلاميذ في الأقسام التي يجد فيها المراقبون صعوبة في منع التلاميذ من الغش . وبعض التلاميذ يقولون باستمرار معي أو مع غيري " نريد أن يُدرِّسَنا الأستاذُ رميته , ولكننا لا نحبُّ أن يحرسَنا في الامتحانات" . وهذا شيءٌ أنا أعتز به كل الاعتزاز : كونُ التلميذ يحبُّ أن يدرسَ عندي , وكونُ التلميذ الذي يريدُ أن يغشَّ لا يريدني أن أحرسَه في الامتحان . ثم أنا دوما أقول للأساتذة والإداريين و..." من يسمح لابني أو ابنتي أن يكتبَ ولو كلمة - في امتحان ما - عن طريق الغش , فإن الذي سمح له بالغشِّ غاشٌّ قبل أن يكون ابني ( أو ابنتي ) غاشا . وأولادي منهم المتوسطُ في دراسته ومنهم فوقُ المتوسط ومنهم الحسنُ ومنهم الجيدُ , ولكن ليس منهم أحدٌ يَغشُّ في الامتحانات , والحمد لله رب العالم . كانت لدي – منذ سنوات - بنتٌ تدرسُ في الثانوية التي أدرِّسُ بها , وكان مستواها فوق المتوسط . وفي نهاية السنة الدراسية وقبل صبِّ علاماتِ التلاميذ في كشوفِ النقاط وقبل مجالسِ الأقسام , استشارت أستاذةٌ أستاذة أخرى ( الأستاذتان تُدرسان ابنتي ) " هيا يا فلانة نضيفُ بضعَ نقاط لابنة الأستاذ "رميته" كمساعدة لها لأنها مجتهدةٌ ولأن سلوكها جيدُ , ولكن معدلَـها لا ندري إن كان سيسمحُ لها بالانتقالِ للمستوى الأعلى أم لا ؟ ( ولكنها انتقلتْ بعد ذلك بمعدلها الحقيقي وبدون أية " معونة " , وبمعدل أكبر من 11 / 20 والحمد لله ) . أجابتْها الأستاذةُ الأخرى " لا نفعلُ شيئا حتى نستشيرَ الأستاذ رميته , لعله هو لا يقبلُ , ويمكن أن يعتبرَ " المعونة " غشا , وهو دوما يعلنُ بأنه ضدَّ الغش من أي كان " . جاءت الأستاذتان واستشارتاني في الأمر فقلتُ لهما " والله ثم والله إن أضفتما لابنتي ولو نصف نقطة فإنني أعتبركما غاشَّتين قبل أن تكون ابنتي غاشة ". وأنا متأكدٌ من أن موقفا مثلَ هذا يرفع قيمةَ صاحبه عند البشر , وبإذن الله هو يرفعُ أكثرَ وأكثر من قيمة صاحبه عند الله تعالى .
يتبع : ...

ليست هناك تعليقات: