السبت، 14 يونيو 2008

وقفات ( الجزء 8 ) ( من 46 إلى 50 ) :

بسم الله
عبد الحميد رميته , الجزائر

46 – شتان بين وقت ووقت أو بين سرقة وسرقة :
في يوم من الأيام كنتُ أحرسُ التلاميذَ في امتحان البكالوريا . ولأنني كنتُ كعادتي متشددا في الحراسة فإنني أحاولُ ما استطعتُ أن لا أخرجَ من القاعة,لأنني أخافُ أنْ يغلبَ التلاميذُ الحارسين المتبقيين (خاصة إن كانتا امرأتين لأن النساء عاطفيات , ولأن التلاميذ ربما لم يخافوا منهن). وفي اليوم الثاني من الامتحان وفي المساء تأخرَ التلاميذُ مع الامتحانِ وخفتُ أن يفوتني الوقتُ الاختياري للعصر , فاستأذنتُ من الحارستين اللتين كانتا معي في القاعة وذهبتُ إلى الرواق المجاور للقاعة – بعيدا عن التلاميذ - وصليتُ العصرَ فوق أوراق أوساخ وبالحذاء , حيث كنتُ متوضئا بوضوء الظهر . والذي لفتَ انتباهي هناك أنني وجدتُ في الرواق أستاذا خرجَ مثلي , ومن القاعة المجاورة , وترك الحارسين المتبقيين في القاعة . جاء الأستاذ إلى الرواق بعيدا عن التلاميذ من أجل تناول سيجارة (!). قلت في نفسي "ما أبعد الفرق بين وقت يقضيه المؤمنُ مع الدخانِ ووقت يقضيه مع الصلاةِ " . وحتى إن فرضنا بأن ال 5 أو ال 10دقائق المخصصة للصلاة أو للدخان هي سرقة للوقت المخصص للتلاميذ ( قلتُ : إن فرضنا ) , فما أبعد الفرق بين سرقة من أجل الصلاة وسرقة من أجل شرب الدخان . شتان شتان بين هذه وتلك .

47 – أنا أفرق بين حقي وحقوق الناس أو حق الله :
اشتريتُ منذ يومين أو ثلاثة , اشتريتُ – بعد العِشاء - 1.5 لتر من اللبنِ لأشربَ جزء منها قبلَ أن أنامَ . وبالمناسبة أنا أحبُّ اللبنَ كثيرا لأشربَه في كل وقت إلا في الصباح , واللبن مفيد جدا من الناحية الصحية وهو أكثر فائدة من الحليب . أخذتُ اللبنَ إلى البيتِ , فقالتْ لي – بعد دخولي إلى البيت بربع ساعة تقريبا – زوجتي وابنتي " في هذا اللبن ذبابتان !" , فنظرتُ فوجدتُ الذبابتين مغمورتين داخلَ اللبنِ . إشمأزت نفسي من شربه بعد ذلك , خاصة وأنا لا أعرفُ إن كان الحديثُ النبوي الذي يَطلبُ منا فيه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن نغمسَ الذبابةَ التي تسقطَ في إناءِ أحدِنا ثم نرميها بعد ذلكَ , لأن "في أحدِ جناحيها داءٌ وفي الآخر دواءٌ " , قلتُ : خاصة وأنا لا أعرفُ إن كان الحديثُ يقصدُ أيَّ ذباب أو يَعني ذبابا بعينه .
طلبتُ من زوجتي أن ترميَ اللبنَ كلَّه . بعد يوم أو يومين سألني ابني أمين - عمره 13 سنة , تلميذ في السنة 2 متوسط- "لماذا لا تُخبر صاحبَ اللبنِ بأمرِ الذبابتين ؟!" قلتُ له " أنا أستحي من زمان أن أخبرَ التاجرَ بالأمرِ إن كانَ متعلقا بي أنا , خوفا من أن يفهمَ التاجرُ بأنني أطلبُ دنيا وأنني لا أحتجُّ إلا من أجلِ الدفاعِ عن نفسي ومن أجلِ المطالبة بحقي" , وضربتُ أمثلة لابني مشابهة لحكاية الذباب في اللبن منها : أشتري الطماطمَ (أو البندورة ) مُعلب وفي بيتي يتبينُ بأن صلاحيتَه قد انتهتْ , وأشتري الياؤورتَ ثم يتبينُ لي بأنه نَتـِنٌ , وأشتري السمكَ معلب ثم أنتبهُ في البيتِ إلى أنه فاسدٌ . وهكذا , والأمثلة كثيرة . وأضفتُ لابني قائلا : وأما عندما يتعلق الأمرُ بتقصيرِ التاجرِ في حقوقِ الناسِ الآخرين أو بتعديه على حقوقِ اللهِ ( كأن كذبَ أو شرِبَ الخمرَ أو نافقَ أو ترك الصلاةَ أو...) , فإنني لا أسكتُ عادة بل إنني أنصحُ التاجرَ وأوجهه وأنكرُ عليه تارة باللين وتارة أخرى بالشدة.
والملاحظ هو أن التاجرَ يقبلُ مني غالبا , خاصة ما دام يعرفني ويثق في ويحترمني , سواء عملَ بما أنصحُه به أم لم يعمل . ومجرد قبوله للنصيحة يدلُّ في نظري على أنَّ في التاجر خيرٌ , ومنه إن لم يعمل اليوم فسيعملُ في يوم من الأيام بإذن الله . وفي الحالات القليلة التي لا يقبلُ فيها التاجرُ مني , فإنني أُفهمُه تلميحا أو تصريحا بأن المهم عندي أنني نصحتُ لله , ثم لا تُهمُّني النتيجةُ بعدَ ذلك إلا في المرتبة الثانية , ومن ثم أقول له " اللهم إني بلغتُ . اللهم فاشهد".
وما قلتُه عن التاجر يُقال مثله عن الإداري , وعن العامل في الشركة أو المصنع , وعن الأستاذ , وعن الطبيب , وعن المهندس وعن ... الكل أسيرُ معهم نفسَ السيرة وأُفرِّق معهم جميعا بين من قصَّر في حقي ومن اعتدَى على حقوق الناس أو الله .

48 – قالت لي " أصبحنا لا نستحي أن نتحدث عن الحب" :
إنَّ الحبَّ النظيفَ الذي أقصدهُ هو حبُّ الواحدِ منا لأخيه وأخته وأمه وأبيه وابنه وابنته ولقريبه ولجاره ولصديقه وصاحبه ولأستاذه وتلميذه وكذا حبُّ الواحد منا لزوجتهِ ...ولعامة المسلمين وخاصتهم ...الخ...
وهو كذلك حبُّ الخيرِ لنفسي ولكلِّ مسلم ولكلِّ الناسِ ولجميعِ خلق اللهِ .
وأعظمُ الحبِّ هو بطبيعةِ الحالِ حبُّ المسلمِ لربِّه , وقبل ذلك حبُّ اللهِ لعبدِه المسلمِ .
ومن كثرةِ ما أكدتُ لتلاميذي وتلميذاتي في مناسبات مختلفة وبطرق متنوعة , وخلال سنوات وسنوات , على المعاني النظيفة للحبِّ في الإسلامِ , قالتْ لي إحدى التلميذات في يوم من الأيامِ "والله يا أستاذ ما كنا نجرؤ أبدا على أن ننطقَ بكلمةِ الحبِّ أمام أحد والدينا حتى علمتنا أنتَ معانيه النظيفةَ , فأصبحتْ الواحدةُ منا تتحدثُ عن الحبِّ وبدون أي حرج , لا أمامَ أمها فقط بل حتى أمامَ أبيها كذلك" , والحمد لله رب العالمين .
والله أعلم .

49- بعض النساء مغفلات , ومنه فهن يُخدعن بسهولة :
أنا بطبيعة الحال أتحدثُ عن نسبة كبيرة ولا بأسَ بها من النساء . هُن طيباتٌ نعم ولكنهن ساذجاتٌ ومغفلات , بحيث يُخدعن بكل سهولة , خاصة من طرف من لا يخاف اللهَ من الرجال. والأمثلة على ذلك كثيرةٌ وكثيرة جدا , أذكر منها :
المرأة التي جاءتني في يوم من الأيام تطلبُ رقية , لأنها تشتكي من بعض المشاكل النفسية , فقلتُ لها " يجب استشارة الطبيبَ النفساني أولا " , فقالت لي " لقد استشرتُه , وما نفعني" , وبعد طولِ حديث معها علمتُ منها بأن الطبيبَ عوضَ أن يُعالجَها فعلَ معها ما لا يجوزُ . ولأنها أبقتْ على السرِّ بينها وبين نفسها ولم تَبُح به لأحد - حتى لأقربِ الناسِ إليها - تعقدتْ حالتُها النفسية أكثر وأكثر .
الطبيبُ الساقطُ استغلَ سذاجتَها وكذا سذاجةَ أهلِـها الذين جاءوا بها إليه وطلبَ منهم أن يبقَوْا خارجَ الحجرةِ التي يفحصُ فيها مرضاه بحيثُ يبقى هو مختليا بها خلوة محرمة , وهذا غيرُ مقبول لا منها ولا من أهلها .
ثم : طلبَ منها أن تنزع ثيابها فاعترضتْ في البداية , وعندما أخبرها بأن ذلكَ من متطلباتِ علاجِها (!) استسلمتْ لما أرادهُ منها , وهذه سذاجةٌ منها غير مقبولة البتة وبأي حال من الأحوال , مهما كانت نيتها حسنة , وحتى ولو قالتْ "إنه طبيبٌ وإنه يعرفُ ما يفعلُ وإنه ..."!!! . والطبيبُ فعلَ معها بعدَ ذلكَ كلَّ مقدماتِ الزنا ولم تبقَ إلا الفاحشةُ الكبرى ما تمكَّنَ منها , لأنَّ المرأةَ عندما أرادَ أن يصلَ إلى الخطوةِ الأخيرة امتنعتْ عليه وبقوة , فخافَ لا من اللهِ ولكن من الفضيحةِ أمامَ الناس . إن طبيبا مثلَ هذا لا يصلحُ معهُ إلا أن يُفضحَ على رؤوسِ الأشهادِ ثم تُرفعَ قضيةٌ ضدَّهُ للعدالة من أجلِ سحبِ الشهادةِ منه , وإيقاعِ العقوباتِ المناسبة عليه , لعله يتعظُ هوَ ولعلَّ غيرَه ينزجرُ.
عندما صارحتني المرأةُ قدمتُ لها النصائحَ المناسبةَ , وبعد بضعِ أسابيع تحسنتْ حالتها إلى حد كبير . لا أقولُ بأنها شُفيتْ تماما ولكنها تحسنت كثيرا , والحمد لله رب العالمين .
والله أعلم .

50 – تخاصمتُ مع أقٌربِ الناسِ إلي من أجل رفضِ الوساطة في الرقية :
الناسُ عندنا هنا خاصة في ميلة يريدون أن أرقـيَهم أو أرقي ذويهم من المرضى , مع أنه يوجد في ميلة الكثيرُ من الرقاة . هم يريدونني أنا نتيجة ثقة كبيرة موجودة بيني وبينهم , وهذا أمر أعتز به كثيرا , إلا أن المبالغةَ في تعلقِ الناس بالأشخاص تُقلقني لأن فيها نوعا أو شيئا من الشرك بالله تعالى , لأننا نعلمُ يقينا أننا كلنا أسبابٌ وأن الشافي هو اللهُ وحده .
ومما تعودَ عليه الناسُ من باطل يريدون أن يربطوه بالرقية : التوسط أو الوساطة أو الشفاعة .
ومنه فإننا نجد الكثيرَ من الناس الذين يرودونني أن أرقيَـهم أنا بالذات لا غيري , أو يرودونني أن أرقيهم في أقرب الآجال الممكنة , نجد الكثيرَ من هؤلاء يتخذون البعضَ من معارفي كوسائط من أجل تحقيق ما يريدون .
وهذا أمر يقلقني جدا لأنني أريد أن أُبقي الرقيةَ الشرعيةَ لله 100 % , وأريد أن نبقي عليها بعيدا عن أية شفاعة
(قد تجوز واحدة ولا تجوز أخرى) . أنا أريد أن لا يقف بيني وبين من يريد الرقية أحدٌ من معارفي : أعطي لمن أعطي موعدا وأرقي من أرقي وأرسلُ من أرسل إلى غيري من الرقاة بدون أي تدخل من معارفي . أنا أرفضُ في الرقية أن أميزَ بين الناس لاعتبارات دنيوية وأرفضُ أن أقدمَ القويَّ على الضعيفِ أو الغني على الفقير أو المشهور على المغمور و... أو المسؤول على المواطن البسيط . وأريدُ في المقابل أن لا يقفَ بيني وبين المرضى أحدٌ من معارفي مهما كانت قيمتُه عندي كبيرة .
وحتى أُبعد هذه الوساطات تخاصمتُ – طبعا في إطار ودي وأخوي – مع زوجتي مرات ومرات وكذلك مع إخوتي وأخواتي وكذلك مع البعض من أصحابي والبعض من زملائي في العمل و.... وكلُّ هؤلاء عندما أؤكد لهم " رجاء لا تتوسطوا " " أنا أرفضُ وساطتَكم وشفاعتَكم في الرقية " , يقولون لي " ما تقولُـه صحيحٌ وصوابٌ يا عبد الحميد , ولكن ..." " ولكننا – وبدون أن نشعرَ- نحنُ نسايرُ الحياةَ بكل ما فيها من عِوج"!!!.
واللهُ أعلمُ بالصوابِ.
يتبع : ...

ليست هناك تعليقات: