السبت، 14 يونيو 2008

وقفات مع ذكريات ( من الوقفة 41 إلى 45 ) :

بسم الله
عبد الحميد رميته , الجزائر

41 - يلزمك طبيب ولا تلزمكِ رقية :
طلبت امرأةٌ مني أن أرقيَها لأنها غير قادرة حتى الآن على الإنجاب , فقلتُ لها : وماذا قال لكِ الطبيبُ ؟.
قالت : طلب مني عمليةً جراحيةً في الجزائر العاصمة ( وهي تسكنُ في ميلة ) تُجرَى لي من طرف طبيب معين .
قلتُ لها : إذن ما دوري هنا ؟. إن دواءَك عند الطبيبِ كما قال لكِ الطبيبُ , ولا معنى للرقية الشرعية من أجل علاج مرضٍ تأكد طبيا أنه عضوي وعُرِفت طريقةُ علاجِه .
قالت : لكنني لا أقدرُ على التكاليف المادية للعملية الجراحية , خاصة وأنها تتم بعيدا في العاصمة! .
قلتُ لها : سبحان الله !. وهل تظنين أننا إذا لم نقدر كما لم تقدري أنتِ , يتحول المرضُ من مرضٍ عضوي (علاجه عند طبيب) إلى مرضٍ آخر يُعالَجُ بالرقية الشرعية ؟. إن المرض العضوي سيبقى عضويا , وإن السحر أو العين أو الجن سيبقى كل ذلك كذلك بإذن الله .
صحيح أن الدعاء مطلوب ومفيد بإذن الله , وصحيح أن الله قادر على كل شيء وأن أمره إذا أراد شيئا "أن يقول له كن فيكون " , لكن يبقى الأصل أن المرض العضوي جعل الله دواءه عند طبيب وأن السحر والعين والجن جعل الله حله عن طريق الرقية الشرعية .

42 - الجمالُ بين الحجاب والتبرج :

أولا : هل الحجابُ جمالٌ أم قبحٌ أو هل يُجمِّل الحجابُ المرأةَ أم أنه يُقبِّحها ؟.
إذا قلنا بأنه يُجمِّلها , فيمكن لقائل أن يقول " إذن الله أراد أن يفتنَ الرجلَ حينما طلبَ من المرأة أن تتحجبَ عندما تظهرُ أمام الأجانب من الرجال"!.
وإن قلنا بأن الحجابَ يُقبحُ المرأةَ , فيمكن لقائل أن يقول " إذن الله أراد للمرأة التي خلقها تحبُّ فطرة أن تتجملَ , أراد لها خلافَ وعكس ما تريدُ , أي أراد لها الحجابَ الذي يُـقبِّحها , مع أننا نعرف بداهة في ديننا بأن الله جميلٌ ويحبُّ الجمال"!.
ثانيا : هل التبرجُ جمالٌ أم قبحٌ أو هل يُجمِّل التبرجُ المرأةَ أم أنه يُقبِّحها ؟.
إذا قلنا بأنه يُجمِّلها , فيمكن لقائل أن يقول " إذن الله أراد الخيرَ للمتبرجة حين جمَّلها بالتبرج , وأراد غير ذلك للمتحجبة حين طلبَ منها وأوجب عليها الحجابَ "!.
وإن قلنا بأن التبرجَ يُـقبِّحُ المرأةَ , فيمكن لقائل أن يقولَ " إذن لماذا يفرضُ الله الحجابَ على المرأة حتى لا تفتن الرجلَ بجسدها المكشوف , ما دام كشفُها لجسدها ( الذي هو التبرج ) هو قُبحٌ يُنفِّرُ الرجلَ منها ولا يجذبُـه إليها ؟!".
والجواب الشافي والكافي الذي يرفع هذين الإشكالين هو أن كلا من الحجابِ ومن التبرجِ يُجَمِّلُ بوجه من الوجوه وبشكل من الأشكال . أما الحجابُ فـيُجمِّلُ المرأةَ جمالا يجعل الرجلَ يحترمُها ويُقدرها ويعرفُ لها قيمتَـها الكبرى ومنزلتها العظمى ومكانتها الجليلة .
وأما التبرجُ فيُجمِّلُ المرأةَ جمالا يجعلُ الرجلَ يطمعُ في المرأةِ وينظرُ إليها كما ينظرُ الرجلُ إلى زوجتهِ .
والمرأةُ الشريفةُ والعفيفة والطاهرة والنظيفة لا تحبَُ من الرجل الأجنبي عنها أن ينظرَ إليها إلا نظرةَ الاحترام والتقدير , وهي تنالُ ذلك بالحجابِ وبالحجاب فقط لا بالتبرج .
وهي في المقابل لا تحبَُ من رجل أن ينظرَ إليها نظرةَ طمع فيها وفي جسدها , إلا أن يكون زوجَها وزوجَها فقط . وهي تنالُ ذلك – أي طمعَ زوجها فيها - بالتبرج والتزين والتكشف مع زوجها لتكسبَ بذلك رضاه , ولتنال قبل ذلك الأجرَ الكبيرَ من الله عزوجل.
وأذكر بالمناسبة أنني سألتُ مجموعة كبيرة من الطالبات في حي جامعة من الجامعات حوالي عام 1976 م
( في الوقت الذي بدأ فيه الحجابُ في الانتشار في الجامعات , وأما الثانويات فالتلميذات ما زلن في ذلك الوقتِ لا يعرفن الحجابَ ) , بعدما ذكرتُ لهن بأن التبرجَ يُجَملُ جمالا وبأن الحجابَ يُجمِّلُ جمالا آخر. سألتهن "ومن منكن تحبُّ من رجل غيرِ زوجها أن ينظرَ إليها نظرةَ طمع . من ؟!" , فأجابت كلُّ الطالباتِ بالكلمة أو بالسكوت " نحن نرفضُ ذلك رفضا مطلقا , ولا نقبل به أبدا" , إلا واحدة – وكانت تدعي بأنها ملحدة أو شيوعية أو أنها لا تؤمنُ بالله تعالى - , فاجأتني بقولها " أنا أحبُّ أن يطمعَ في كلُّ الرجالِ الأجانب" !!! , فقلتُ لها " هنا نضع نقطة كبيرة , ويجب أن ننهي الآن حديثنا" , لأنه لا فائدة في أي نقاش مع امرأة مثل هذه , وصدقَ من قالَ " إذا لم تستحِ فاصنعْ ما شئتَ ". والله أعلم .

43 -الرقية لتقوية الإيمان :
من تصورات الناس الخاطئة والمتعلقة بالرقية الشرعية الظن بأن الرقية يمكن أن تُطلب من أجل تقوية الإيمان . جاءتني أخت من الأخوات في يوم من الأيام مع زوجها تريد رقية لها , وعندما سألتها "لماذا ؟" , قالت : "لقد كنت قبل الزواج قوية الإيمان , وبعدما تزوجت وأصبح لي أولاد ودار وزوج و.. كثرت الهموم والمشاكل وضعُف إيماني إلى حد كبير . فكرت طويلا في الحل ثم اهتديت إلى الرقية ! ".ومثل هذه المرأة كثيرون وكثيرات في المجتمع ( سواء كانوا أميين أو مثقفين ) منهم :
ا- أم تبحث عن رقية لابنها الذي يشرب الخمر , حتى يتوقف عن هذا الفسق والفجور!!
ب- رجل يريد رقية لابنته التي تسيء الأدب مع والديها,حتى تتحول من سوء الأدب إلى حسن الأدب!!
جـ- امرأة تشتكي من زوجها الذي يخالط ويعاشر من لا يصلح من الناس , وتريد رقية له ليصاحب الطيبين عوض الخبيثين !!.
د- زوج يشتكي من زوجته التي تسيء معاملته وعشرته , ويريد مني أن أرقيها لتصبح قانتة حافظة للغيب بما حفِظ الله !!.
إننا يجب أن نفهم بأن الرقية شُرعت من أجل علاج ما سببه عين أو سحر أو جن ,ولا علاقة لذلك –لا من قريب ولا من بعيد-بالطاعة والمعصية وبالثواب والعقاب وبضعف الإيمان أو قوته .
إن الذي يريد للناس الهداية يجب عليه أن يتبع طريق الأنبياء والرسل,وهو طريق النصح والتوجيه والتعليم والتبليغ والتبشير والإنذار والتذكير..ثم بعد ذلك:" لست عليهم بمسيطر" و "إنك لا تهدي من أحببت , ولكن
الله يهدي من يشاء ". وإن الذي يريد أن يُقوي إيمانه بالله عليه بمقويات الإيمان المعروفة مثل الصلاة وقراءة القرآن والذكر والدعاء ومثل التطوع في الصلاة والصيام,والصدقة وصلة الرحم والمطالعة الدينية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومحاسبة النفس و..ولم يقل واحد من العلماء بأن من ضَعف إيمانه عليه بأن يرقي نفسه.والمعروف بداهة في ديننا أن الإيمان يزيد وينقص.وللزيادة أسباب,وللنقصان أسباب,لكن ليس من أسباب الضعف أبدا ترك الرقية ولا من مقويات الإيمان أبدا رقية المؤمن لنفسه أو ذهابه عند راق ليرقيه.ولو كان الأمر كذلك لبدأت بنفسي لأن كل مؤمن يحب أن يكون إيمانه قويا في أغلبية الأوقات ! .

44 -يغشُّ وهو يعلم أن الغشَّ شر , وأن المُعين على الغش لا يُحترَم :
تلاميذي من زمان يقولون لي تلميحا أو تصريحا , يقولون لي مباشرة أو لغيري " نحبُّ أن تُدرِّسنا , ولكننا لا نحبُّ أن تحرسنا "!. والسببُ واضحٌ , هو أنني حريصٌ على منع التلاميذ من الغش ما استطعتُ إلى ذلك سبيلا .
كنتُ بالأمس ( 9/6/2007 م ) أحرسُ التلاميذَ في امتحان البكالوريا في ثانوية من الثانويات .حرستُ في الصباح فوجا وتشددتُ معه في الحراسة – كما هي عادتي في حراستي للتلاميذ في أي امتحان- حتى أمنعَ التلاميذَ من الغش.
وفي المساء كُلِّـفتُ بحراسة نفس الفوج , ورأيتُ - عندما دخلتُ إلى القاعة – استياء على وجوه التلاميذ الذين أحرسهم . سألتُهم قبل أن يدقَّ الجرسُ وقبل أن نوزعَ عليهم أوراقَ الإمتحان في المادة المعينة " بالله عليكم أجيبوني بصراحة وبصدق لله , في الله ومن أجل الله : تشددتُ معكم أنا اليوم في الحراسة , ثم تجدون – مثلا- في الغد إن شاء اللهُ أستاذا يعينكم على الغش أو يسمحُ لكم أن تغشوا , ثم نفترقُ بعد أيام , كلُّ واحد منا سينصرفُ إلى حال سبيله . وتمر أيامٌ بعد الامتحان – ولا أقولُ أسابيع أو شهور أو سنوات – وأنا أسألُكم " مَنْ مِنَّـا ستحترمون أكثر وستقدرون أكثر وستحبون أكثر وسترون أنه هو على الحق وهو المصيب وهو الصادق وهو المخلص وهو ... أنا الذي تشددتُ معكم في الحراسة ومنعتكم من الغش ودفعتكم للاعتماد على الله ثم على النفس ووجهتكم إلى طلب الدنيا بالحلال وأبعدتكم عن الحرام وعما يُغضب اللهَ وأردتُ لكم أن تكونوا رجالا ( ونساء ) صالحين ومصلحين في الحاضر وفي المستقبل...أم ذلك الأستاذ الذي تساهلَ معكم وساعدكُم على الغش ودفعكم للاعتماد على الشيطان ووجهكم إلى طلب الدنيا بالحرام وغمسكم في الحرام وجلب لكم ما يُسخط الله عليكم وأراد لكم أن تتعودوا على الغش والسرقة والنهب والكذب والخداع أينما حللتم حاضرا ومستقبلا " , " من ؟. أنا أم هو ؟. قولوا لي بالله عليكم "!. ونظرتُ إلى هؤلاء التلاميذ الذين كانت أغلبيتهم لا تعرفني , ومنهم فهم لا يخافون مني ولا يطمعون في وليست لديهم أية مصلحة في مجاملتي , قلت : ونظرتُ , فرأيتُ الجميعَ ينطرون إلى بعضهم البعض وإلي مبتسمين ثم قالوا بصوت واحد "ستكون حتما أنت يا أستاذ الأولى بالاحترام والتقدير و...صدقتَ والله يا أستاذ في كل ما قلتَ , ولكنها شهواتنا وأهواؤنا وأنفسنا الأمارة بالسوء هي التي تُرغبنا في الغش وفي الاستياء منك ومن أمثالك ممن يمنعوننا من الغش " , وأضافوا راجين" سل الله يا أستاذ أن يُـغلِّـبـنا على أنفسنا ".
والله أعلى وأعلم .

45 – لا تقل لأحد " هو ليس في البيت " وهو في البيت :
من مظاهر الكذب الذي لا يجوز ولا يُقبل ولا يُستساغ , والذي تَعوَّد عليه الكثيرُ من الناس بمن فيهم المتدينون , أن يرسلَ أحدٌ (موجودٌ في البيتِ ) لآخر موجود أمامَ الباب ( يطلبُ مَن في البيتِ) مَنْ يقول له " فلانٌ ليسَ موجودا بالبيت " , مع أنه في الحقيقة موجودٌ داخل البيتِ . يمكن أن تقول للغير الذي يطلبُك بأنك مشغولٌ ولا تستطيعُ أن تُـقابلَـه , ولكنه لا يجوزُ لكَ أن تقولَ بأنكَ لستَ موجودا وأنتَ في الحقيقة موجودٌ فعليا . هذا كذبٌ وهو حرامٌ .
ومما يتصل بهذه المسألة أقول : كنتُ في يوم من الأيام خارجا من بيتي قُبيل أذان العشاء لأصليَ العشاءَ جماعة في المسجدِ , فدقَّ جرسُ الهاتفِ , فقلتُ لزوجتي [ إن كان هذا يريدني أنا فقولي له " هو خارجٌ ليصليَ العشاء . أَعدْ الاتصالَ به بعدَ العشاءِ "]. ولما كنتُ ألبسُ الحذاءَ قريبا من البابِ الخارجي للدار , ظنتْ زوجتي بأنني خرجتُ من البيتِ , فقالتْ لمن طلبتني عبر الهاتف " عبد الحميد خرج قبل قليل . أعيدي الاتصال به بعد العشاء مباشرة " . سمعتُها تقولُ هذه الكلمةَ فرجعتُ وقلتُ لها [ أنا ما زلتُ لم أخرجْ بعدُ من البيتِ . إذن صحِّحي ما قلتِ لهذا المرأة التي تطلبني , وقولي لها " زوجي خارجٌ الآن , ولكنه مازال لم يخرجْ بعدُ . أعيدي الاتصال به بعد العشاءِ ". ] , فقالت لها كما طلبتُ منها , والحمد لله رب العالمين .
أنا قلتُ ما قلتُ لزوجتي حرصا مني على الصدقِ مع الناسِ ما استطعتُ إلى ذلك سبيلا .
واللهُ وحدهُ الموفقُ والهادي لما فيه الخيرُ .
يتبع : ...

ليست هناك تعليقات: