الثلاثاء، 17 يونيو 2008

وقفات ( من 201 إلى 210 ) :

بسم الله
عبد الحميد رميته , الجزائر

201- ال" جال " أولا والمحفظة ثانيا : كل شيء يتجه في بلادنا – الجزائر خصوصا - إلى الأسوأ . بدأ السوء من السياسة وانتقل بعد ذلك إلى كل مجالات الحياة المختلفة حتى وصل إلى التعليم والتربية . وإذا وصل الفساد إلى التربية والتعليم فكبر على الأمة 4 تكبيرات . ومع ذلك وحتى إن فقدنا الأمل في العباد أو في الكثير منهم فإننا لا نفقد الأمل في رب العباد سبحانه وتعالى , ومنه فإننا نبقى دوما نتمنى ( ونبذل الجهد والوقت والمال من أجل تحقيق ذلك ) أن يكون غدُنا وغد الأمة الإسلامية أفضل من يومنا هذا وأن تكون الدار الآخرة خيرا لنا من الدار الدنيا.
ومن مظاهر فساد أحوال التربية والتعليم في بلادنا دنو الهمة أو دناءة الهمة عند الكثير من تلاميذنا , بحيث أصبح الواحد منهم ليست له أية رغبة في أن يكون أفضل من غيره من التلاميذ أو من الناس , أو في أن يكون غده أحسن من يومه أو في أن يبذل الجهد الذي يقدر على بذله من أجل دنيا حلال أو من أجل آخرة , أو في أن يستغل وقته فيما يـنـفع ويُـفيد . حدث هذا ومازال يحدث إلى درجة أننا أصبحنا نلاحظ الفرق الكبير بين مستوى تلاميذ العام الماضي ( 2006-2007 م) وتلاميذ هذا العام ( 2007-2008 م ) تعليميا وأدبيا وأخلاقيا , وكأنه فرق بين جيلين لا فرق بين تلاميذ سنتين دراسيتين متتاليتين , فإنا لله وإنا إليه راجعون .
ومن مظاهر دنو الهمة أو دناءتها :
1- تلميذ نسأله في الأيام الماضية " كم تقضي من الوقت يوميا مع تسريح الشعر أو إفساده بالGEL ؟ (الذي يغطي الشعر وبصيلاته ويعمل على انسداد مسامات البصيلات مما يؤدي إلى عدم وصول الأكسجين إلى الشعر وبالتالي تكسره وتقصفه , كما أن استخدام مجفف الشعر الكهربائي بعد وضع الجل على الشعر يؤدي إلى جفافه وتساقطه ,وتكرار استخدام الجل يؤدي إلى تجعد الشعر بسبب وصوله إلى محور الشعرة مما يساعد على انثنائها وتكسرها على المدى البعيد (… , فيجيب التلميذ وهو يقسم بالله معتزا بما يقسم عليه " أقضي مع شعري في كل يوم بين ساعة ونصف إلى ساعتين" !!!. وأترك الكلمة بدون تعليق لأنها غنية عن أي تعليق .
2- تلميذ آخر سمعني أدعو التلاميذ إلى علو الهمة وإلى قوة الشخصية وإلى الإهتمام بعظائم الأمور لا بسفاسفها , حيثُ أشرت إلى التقليد الأعمى عند الكثير من الذكور وإلى المال الضائع والصحة الضائعة والوقت الضائع مع الكثير من الزيف مثل زيف ال " جال " , فسمعته يقول عندئذ لزميله ظنا منه بأنني لا أسمعه " بالنسبة إلي ال ( جال ) أولا والمحفظة ثانيا , وأما الدراسة بلا ( جال ) فلا قيمة لها عندي !!!". وشر البلية ما يُضحك كما يقول المثل .
3- تلميذ آخر أخذتُ منه الهاتف النقال ( في الأسبوع الماضي ) بسبب أنه كان يلعب به وبموسيقاه داخل القسم , من أجل أن أسلمه للإدارة لترجعه له مباشرة أو لوليه . جلس التلميذ أمام مكاتب الإدارة على الساعة ال 10 , فقلتُ له " إذهب إلى القسم لتكمل دراستك لهذا الصباح ( من ال 10 إلى ال 12 ) , وأما الهاتف فاترك أمره للإدارة , وسترجعه لك بإذن الله , إما مباشرة وإما عن طريق ولي أمرك " , فقال التلميذ بصوت منخفض " أنا لن أدخل إلى القسم إلا بالجوال "!!!. وأترك الكلمة تعبر وحدها عن الأحوال المتدهورة لكثير من تلاميذنا اليوم .
نسأل الله الهداية والصلاح لنا ولجميع تلاميذنا , حاضرا ومستقبلا , آمين .
202 – لماذا أذكر ضمن " الوقفات " البعض من سيئاتي :
قلتُ مع بداية كتابتي لموضوع " وقفات مع ذكريات حسنة أو سيئة " المنشور في كثير من المنتديات , قلتُ بأنني أريد من وراء كتابة الموضوع تحقيق جملة أهداف منها : ثامنا : الإشارة إلى البعض من حسناتي وخصالي الحميدة وأفعال الخير التي عملتها في حياتي لا من أجل مدح النفس أو تزكيتها أو من أجل الرياء وإنما من أجل دعوة الغير للإقتداء بي في هذا الخير , وهذا أمر أكد العلماء قديما وحديثا على جوازه إن تم بهذه النية . وأما ما فعلـتُـه من شر فأنا إما أن أستره على نفسي عسى أن يستره الله علي دنيا وآخرة , وإما أن أذكره أحيانا لأجاهد نفسي أو لأحذر الناس من هذا الشر الذي في أنا .ومنه فإنني أشير بين الحين والآخر وفي بعض الوقفات إلى سيئة من سيئاتي , لتحقيق أهداف عدة منها أن أَذكرَ تقصيري في طاعة الله لأُحذر الغيرَ من هذا التقصير .وكذلك أنا أذكر للغير تقصيري في جنب الله لتحقيق هدف آخر , وهو أنني تعودتُ من زمان على أنني كلما أحسستُ في نفسي بنوع من الكبرياء ومن الإعجاب بالنفس لسبب أو لآخر ألجأ إلى أن أذكرَ أمام الغير ( بطريقة أو بأخرى ) سيئة من سيئاتي : ا- لأظهر نفسي أمام نفسي على حقيقتها . ب- ولأقهر في نفسي ذلك الإعجاب بالنفس وذلك الكبرياء . جـ- ولأفرض على نفسي التواضع لله أولا ومع الناس والنفس ثانيا . والحمد لله , أنا أشهد بأنني كلما اتبعتُ هذه الطريقة كلما أحسستُ بالسكينة والطمأنينة تنزل على قلبي وأحسستُ براحة لا يعرف قيمتها إلا من ذاقها .وما أبعد الفرق بين الراحة الشكلية الكاذبة التي يُـحس بها الشخص وهو معجب بنفسه إعجابا شيطانيا , والسعادة الحقيقية التي يعيشها بالفعل وهو متواضع لله وذليل مع الله ومستسلم لله وخاضع لله و...أو ما أبعد الفرق بين الراحة الظاهرية والمزيفة التي يحس بها المرء وهو يتبع أهواءه ونفسه الأمارة بالسوء وشهواته , والطمأنينة الحقيقية التي يعيشها حقيقة وواقعا وهو يُـجاهد نفسه ويوقفها عند حدها ويُـلزمها بفعل ما يرضي الله وباجتناب ما يُـسخط الله تبارك وتعالى .ملاحظة : هناك إخوة أجدهم هنا وهناك في بعض المنتديات لا يرضيهم شيء : ا- إذا ذكرتُ حسنة من حسناتي ضمن هذه الوقفات اتهموني بالكبرياء والغرور وبتزكيتي لنفسي وبرفع قدري , وسبوني وشتموني وألصقوا بي العيوب السبعة وسخروا مني واستهزءوا بي وحذروا الغير مني وحقروني و... !!!. ب- وأما إذا ذكرتُ سيئة من سيئاتي اتهموني بضعف الإيمان وبالتساهل في الدين وبالميوعة والانحلال , وقالوا عني " أنظروا إلى هذا الأستاذ الذي يعجبكم وتعجبكم كتاباته ! . أنظروا إليه كم هو مخادع وماكر , وكم يتهاون في الدين ولا يهتم بشرع الله ولا يقف عند حدود الله ولا يراعي حرمات الله !!. أنظروا إليه يا ناس كم هو مائع ومنحل وضال ومضل , ولكنه في المقابل يتظاهر أمامكم بالبر والتقوى وبالإحسان والورع !!!". سامحهم الله دنيا وآخرة , وهداني الله وإياهم لخيري الدنيا والآخرة , آمين . وفقني الله وإياكم جميعا لما فيه سعادة الدارين , آمين .
203- الوقت هو الحياة : الوقت ليس " كالسيف إن لم تقطعه قطعك " , وليس " من ذهب " , وليس ... ولكن الوقت هو الحياة . إنه الثواني والدقائق والساعات والأيام والشهور والسنوات التي يعيشها المرء على هذه الأرض , ومنه فما أغلاه إن استُـغِـل في خير وما أتفهه وأحقره إن استُـغـل في شر . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُـسأل عن عمره فيما أفناه , وعن علمه فيم فعل , وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه , وعن جسمه فيم أبلاه " .
ومنه مهم جدا جدا جدا لو يسعى كلُّ واحد منا إلى أن يستغل وقته ما استطاع فيما ينفع ويفيد إلى درجة أنه يصبح مع الأيام , ليس لديه الوقت الفراغ الذي لا يجد ما يفعله فيه . هذه أمنية أرى أنها غاليةٌ جدا يجب على كل واحد منا أن يتمنى من الله أن يحققها له .
صحيحٌ أن الشخصَ إذا وصل إلى هذا الحد , بحيث لا يصبح عنده وقت فراغ أبدا , هذا الشخص سيعيش متعبا ولكنني أظن أنه سيعيش مع ذلك سعيدا كل السعادة بإذن الله تعالى , هذا مع أجره الكبير عند الله سبحانه عزوجل .
ملاحظة : إن وقت الترفيه عن النفس بالحلال وبين الحين والآخر ( بلا مبالغة ) هو ليس وقـتا ضائعا , كما أنه يمكن أن يتحول إلى عبادة لنا عليها أجر إن قصدنا بهذا الترفيه التقوي على عبادة الله تعالى .
ومن شدة حرصي على استغلال الوقت الاستغلال الأكبر أنا منذ سنوات وسنوات أقول للكثير ممن أعرف من الناس " لو كان الوقت يُباع لاشتريتُ 6 ساعات لكل يوم بحيث يصبحُ عدد ساعات اليوم عندي 30 ساعة , وعدد ساعات اليوم عند من يبيعني وقـتَـهُ 18 ساعة فقط ". أنا منذ سنوات وسنوات أقول للكثير ممن أعرف من الناس " لو كنتُ قادرا على أن لا أنام لما نمتُ , ولو كنتُ قادرا على أن أكتفي بالنوم لساعة واحدة مثلا خلال اليوم الواحد لفعلتُ " , لأنني محتاج دوما إلى الوقت الزائد , ولأنني دوما أرى أن الواجبات الدينية وكذا الدنيوية أكثر بكثير من الأوقات المتاحة . أقول هذا الكلام للغير وأنا جاد كل الجد , وأنا أعي تماما ما أقول .
إن من أعظم نعم الله علي – مع كثرة سيئاتي التي أتمنى أن يسترها الله علي دنيا وآخرة - أنني ومنذ أكثر من 30 سنة ما عانيتُ ولو للحظة واحدة من الزمان مما يعاني منه الكثير من الناس , أي من وقت الفراغ الذي لا أجد ما أشتغل فيه . إن هذا لم يحصل لي أبدا من سنوات وسنوات . لم يمر علي يوم أو ساعة من النار أو الليل قلتُ فيها لنفسي أو لغيري " آه ! والله أنا لا أدري ما الذي أفعله , ومنه فأنا قلق" . لم يحصل هذا لي منذ حوالي 30 سنة مضت من عمري , وأتمنى أن لا يحصل لي هذا في المستقبل , أسأل الله لي - ولكل إخواني القراء – طولَ العمر وحسن العمل , وكذا الصوابَ والإخلاص في القول والعمل , آمين .
إنني أستغل جزء كبيرا من وقتي مع المطالعة الدينية والعامة وفي العلوم الفيزيائية وعلم النفس وفي السياسة وأخبار المسلمين في الجزائر والعالم و...ومع ممارسة الرقية الشرعية , ومع مساعدة الناس على حل مشاكلهم , ومع الدعوة الفردية إلى الإسلام , ومع التعليم والتربية بالثانوية , ومع تعليم أهلي دينهم , ومع الاهتمام بدراسة الأولاد , ومع قضاء حاجات الأسرة والزوجة والأولاد المادية , ومع الكتابة الدينية والتلخيص والبحوث , ومع ممارسة الرياضة أو الجري بين الحين والآخر , ومع نشر مواضيع دينية في مواقع ومنتديات إسلامية , ومع الصلاة والذكر والدعاء , ومع قراءة القرآن ومراجعته , ومع سماع الأناشيد الدينية , ومع ...
شغلُ كل وقت الفراغ عندي هو – كما قلتُ قبل قليل - نعمة عظيمة جدا , أنا أحمد الله عليها بالليل والنهار , وأرى أن شكري لله عليها هو نعمة أخرى تستحق بدورها أن أشكر الله عليها . وصدق الله العظيم حين قال
" وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها " .
الحمد لله الذي بنعمته تـتم الصالحاتُ , والحمد لله الذي يجب أن يُشكر في كل وقت ومع كل الأحوال .
اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك . يا رب إذا أنعمتَ علينا فاجعلنا من الشاكرين وإذا ابتليتنا فاجعلنا من الصابرين , آمين .
204- ما أعظم أن يُـستغَـلَّ وقت الفراغ عندنا في الخير : أقول بين الحين والآخر للتلاميذ في الثانوية " هناك إجرام من نوع آخر غير الإجرام المعروف عند علماء الإسلام أو رجال القانون أو عند السياسيين أو الاقتصاديين أو الاجتماعيين أو عند علماء النفس أو ... ألا وهو قتل وقت الفراغ بدون أي ذنب ارتكبه هو في حقنا ". ومنه فإنني أنصح نفسي وأنصحهم دوما باستغلال وقت الفراغ فيما ينفع من أمور الدين والدنيا , وأقول لهم " لم لا تستغلون أوقاتكم فيما ينفع , بما فيها وقت الذهاب من الثانوية إلى البيت ومن البيت إلى الثانوية , وكذا وقت السفر القصير والطويل , وكذا أوقات الانتظار من أجل تحقيق مصلحة من المصالح ؟! . لم لا تستغلونها مثلا في مراجعة دروسكم بالثانوية مراجعة مهما كانت بسيطة , وكذا في مراجعة القرآن الكريم الذي تحفظونه ( إذا كنتم بعيدين عن أماكن الصخب والأماكن النجسة ) , وكذا في الذكر والدعاء و...؟!". " إنكم بذلك ستحققون لأنفسكم أكثر من فائدة منها الأجر الوفير عند الله , وكذا تعلم الدين والدنيا أكثر , وكذا السعادة الدنيوية , وكذا طرد القلق والوسواس والخوف و" الخلعة" و...".
ومنه فأنا أقول بأنني ومن زمان طويل لم أحس أبدا بالقلق الآتي من وقت الفراغ , لأن وقت الفراغ عندي مشغول دوما والحمد لله رب العالمين . وأذكر بالمناسبة أن هاتفا نقالا اشتريته مؤخرا ( فيفري 2008 م ) أراجع من خلاله القرآنَ ( مسموعا ومقروء ) وأسمعُ الأدعية والأذكار , وأسمعُ الأناشيد الدينية , هذا الجوال ساعدني أكثر على استغلال كل وقت الفراغ عندي . وأذكر كمثال بسيط عن استغلال وقت الفراغ فيما ينفع , ضمن أمثلة أخرى كثيرة جدا :
كنت منذ حوالي 3 أسابيع داخل مصلحة " Sonelgaz " ( مصلحة الكهرباء والغاز ) من أجل تسديد تكاليف فاتورة . ولأن المنتظرين كانوا كثيرين فإنني اضطررتُ للإنتظار حوالي 75 دقيقة . وأثناء الانتظار كنت أرى الضيقَ على وجوه أغلب من هم حولي , والتبرم , والقلق , وكذا ثورة الأعصاب و... بسبب أن القليل منهم له أشغال أخرى تنتظره , وبسبب أن الكثير منهم لا يستغلون وقت الانتظار فيما ينفع . قلتُ : كان الكثير ممن هم حولي قلقين , ولكنني كنتُ في المقابل أراجعُ القرآنَ بصوت منخفض (حتى لا أزعج من هم حولي من الناس ) , ومنه لقد كنتُ – أثناء الانتظار - في كامل الراحة والسعادة والطمأنينة بسبب من ذلك . لذا فإن ال 75 دقيقة مرت علي وكأنها دقائق قليلة فقط , ومرت علي بردا وسلاما والحمد لله . ووقع لي نفس الشيء بعد أيام قليلة فقط من الحادثة الأولى , وقع لي ذلك داخل مصلحة البريد وأنا أنتظر دوري من أجل استلام مرتبي الشهري , وكذا في مقر شركة نقل المسافرين وأنا أنتظر مجيء الحافلة من أجل سفر , وهكذا ... إنني أفرح كل الفرح عندما أستغل في الكثير من الأحيان وقت الذهاب إلى المسجد أو الرجوع منه وكذا وقت الذهاب إلى الثانوية أو الرجوع منها وكذا ... أستغله في مراجعة القرآن أو الذكر أو الدعاء أو ... ما أعظم أن يُـستغَـلَّ وقتُ الفراغ عندنا في الخير .
والله وحده أعلم بالصواب , وهو وحده الموفق والهادي لما فـيـه الخير .
205-" أعد الصلاة , لأنها باطلة " ! : في يوم من الأيام ( منذ حوالي 30 سنة ) كنت أصلي صلاة الظهر جماعة في مسجد من المساجد في ولاية ميلة ( بعيدا عن ميلة عاصمة الولاية التي أسكن فيها وأعمل فيها ) . وكان إمام ذلك المسجد يوجه – من أكثر من عام - رواد المسجد على خلاف أغلبية مساجد الوطن , أي على غير المذهب المالكي في الفقه , وهو المذهب السائد في المغرب العربي . وأنا هنا أحكي وقفة خاصة بي ولست هنا بصدد القول بأن موقف الإمام على صواب أو على خطأ . أنا فقط أؤكد على أن الإمام كان يفتي الناس ويقدم لهم الدروس الفقهية ويوجههم على غير المذهب المالكي . ومن المسائل الخلافية المعروفة في فقه الصلاة موضع تسليم المأموم خلف الإمام في نهاية الصلاة , حيث قال الإمام مالك بأن السلام مشروع من بعد انتهاء التسليمة الأولى , وذهب فقهاء آخرون إلى أن التسليم لا يشرع إلا بعد التسليمة الثانية للإمام , ولكل فريق من الفقهاء ( رضي الله عنهم ) أدلته القوية أو الضعيفة على ما يقول , والمصيب منهم له أجران والمخطئ له أجر واحد , ولا يعلم المصيبَ إلا اللهُ تعالى.
صليتُ الظهرَ , وأنا لا أعرف حال رواد المسجد , وإلا – أي لو كنتُ أعرفُ أنهم لا يُسلَِّمون إلا بعد التسليمة الثانية للإمام – لتابعـتُـهم ولفعلتُ مثلما يفعلون , لأن الله لا يُـعذب فيما اختلف فيه الفقهاء . صليتُ الظهرَ , وفي نهاية الصلاة سلَّم الإمامُ وسلمتُ أنا بعد تسليمه الأول , وأما أغلب المصلين فلم يُـسلموا إلا بعد التسليمة الثانية كما علَّمهم الإمامُ . وبعد الصلاة مباشرة التفتَ إلي رجلٌ ( جاهلٌ , ولا ينتجُ التعصبُ إلا من الجهل ) وقال لي " أعد الصلاة يا بني " , قلتُ " لمَ يا أبتِ ؟!" , قال " لأنك سلمتَ مباشرة بعد السلام الأول من الإمام " !. أردتُ أن أفهمه بأن المسألة خلافيةٌ بين الفقهاء , لأن جمهور الفقهاء يقولون بأن التسليمة الأولى فرض والثانية سنة فقط , ومنه فإذا سلم المأموم قبل التسليم الثاني من الإمام , أو إذا قام المسبوق لإكمال صلاته مباشرة بعد التسليم الأول من الإمام , فإن صلاته صحيحة بإذن الله تعالى ( وقال آخرون بأن التسليمة الثانية لا بد منها ) . وقبل أن أواصل شرحي للخلاف بين الفقهاء في هذه المسألة وأسبابه , بأسلوب سهل وبسيط يتناسب مع مستوى الرجل الظاهر عليه , قاطعني الرجل بطريقة غير مؤدبة ولا محترمة , قائلا " كفاك تفلسفا , أنا نصحتك حين أخبرتك بأن صلاتك باطلة , ثم بعد ذلك أنت وشأنك : تقبل النصيحةَ أو ترفضُها "!!! . قلتُ له " أسألُ الله يا أبتِ أن يُـعلمني الحق والصواب ". عندئذ تركتُ الرجلَ لجهله وسألتُ الله لي وله ولسائر المسلمين الهداية والعلم والإيمان .
206- الشيوعيون كانوا أرحم معي من بعض المتدينين المتعصبين : ناظرتُ الكثير من الشيوعيين في حياتي , ومنذ عام 1975 م ( حيث كنتُ طالبا في جامعة قسنطينة ) , وهم الآن بعد هداية الله لهم , يحترمونني جدا , والحمد لله رب العالمين . ناظرتُهم ولم يسبني واحدٌ منهم أبدا , ولكن البعض من إخوتي المتعصبين في بعض المنتديات أشبعوني سبا وشتما وسخرية واستهزاء وتنفيرا وتحذيرا , لأسباب ثانوية جدا من أهمها أنني أوسع صدري في المسائل الخلافية في الدين وهم لا يعرفون إلا ضيق الصدر والتشدد والتزمت والتطرف والتعصب لعلماء ودعاة إلى درجة قريبة من التقديس . وفي المقابل يتعصبون ضد علماء ودعاة آخرين إلى درجة اعتبارهم أخطر على الإسلام من اليهود والنصارى . أشبعني هؤلاء الإخوة سبا وشتما وكأنني أسوأ من فرعون " قولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى". يسبونني ثم يطلبون مني أن أناقشهم في مسائل معينة من أجل أن يسبوني أكثر وأكثر . وأنا أقول لهم بين الحين والآخر " لا يمكن أن أتناقش معكم في شيء في ظل جو مثل هذا ( سب وسخرية وتحذير و ... ) , ومع ظلم فظيع يصدر من طرف ناس يعتبرون أنفسهم مجاهدين في سبيل الله ودعاة , ومن خلال منتدى إسلامي". كم في هذه الدنيا من عجائب وغرائب , وكما يقول المثل عندنا " عيش تشوف , وعيش تسمع".
207-" أريد أن تزوجني يا أبي على سنة رسول الله " !!! : مما هو معلوم من الدين بداهة أن زواج رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمره 25 سَـنة , هو سُـنة عادية وليست سُـنة تعبدية .
من مظاهر الجهل الزائد عند البعض من الشباب المتدين أن رجلا قال لي ( شاكيا ) من سنوات بأن إبنه المتعصب طلب منه أن يُـزوجه ( وهو مازال صغيرا نسبيا : عمره 25 سنة ) ( ومازال لم يجد شغلا بعد , وليس له ولا لأبيه مال يكفيه ليتزوج لا لينفق على زوجته وأولاده بعد الزواج ) .
قال الأب لابنه : ولكننا لا نستطيع يا بني , وأنت مازلت صغيرا , وما زلتَ لم تجد شغلا بعد !.
فأجاب الولد المتعصب : إنها سنة رسول الله يا أبي !.
- ما هي ؟
- من السنة أن يتزوج الرجل وعمره 25 سنة , لأن رسول الله تزوج وعمره 25 سنة !!!.
ابتسمتُ وقلتُ للأب " يا ليتك قلتَ لابنك عندئذ : إذن نزوجك يا بني بامرأة عمرها 40 سنة , وثيبا و..."!!!.
قال الأب " لقد قلتُ له ذلك , ولكنه لم يجبني بشيء ".
وشر البلية ما يضحك ويبكي , كما يقولون .
208 – " لا يمكن أن يرى الأستاذ عبد الحميد ابنتي العروس " :
كم عند الناس من تناقضات في حياتهم اليومية .
ومن ذلك تناقض بعض الرجال في تعاملهم مع المرأة , خاصة مع البنت . يوجد في مجتمعاتنا رجال لا يهتمون ببناتهم خارج البيت أو داخل البيت في الأحوال والأيام العادية , ومنه تجد الواحدَ منهم لا يراقب ابنته ولا ينصحها ولا يوجهها ولا يوقفها عند حدها إن تعدت حدا من حدود الله في أدب أو خلق أو حياء أو شرف أو عفة أو كرامة أو ... ومنه لا بأس عليها أن تخالط ذكورا أو رجالا وتصافحهم وتسلم عليهم وتتحدث معهم بما يصلح وما لا يصلح من الكلام , وربما تختلي بالواحد منهم وتفعل معه أو يفعل معها ما الله أعلم به , بلا حسيب ولا رقيب من أهلها وخاصة من أبيها . وتجد الواحد منهم لا يراقب ابنته ولا يحاسبها سواء خالطت الرجال بحلال أو بحرام , وسواء تم ذلك داخل البيت أو خارجه .
ولكنك تجد الرجل في المقابل وفي المناسبات الخاصة كالأعراس وغيرها مما يشبهها , تجده يتشدد مع ابنته التشدد الزائد حتى أنه يمكن أن يمنع ابنته من الحلال لا من أجل الله , ولكن مراعاة فقط لتقاليد بالية ما أنزل الله بها من سلطان . ومن هذا المنطلق يمكن أن يمنع الرجلُ مثلا خاطبا جاء يخطب ابنته على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم , وجاء يريد رؤيتها لبضع دقائق , في بيتها , وبحجابها , وفي وجود محارمها من الرجال . يمكن أن يمنع الرجلُ هذا الخاطبَ منعا باتا , ويرد على طلبه بعنف , ويزجره بقوة , ويكلمه بفظاظة وغلظة وكأنه طلب حراما أو أراد مستحيلا !!!.
وأذكر بالمناسبة أن أهل عريس طلبوني منذ سنوات لأرقي العروس في اليوم الموالي لدخول زوجها عليها . وعندما ذهبتُ إلى بيت العريس انتظرتُ طويلا حتى يُـدخلوني إلى حجرة معينة أرقي فيها العروس . انتظرتُ وبعد حوالي نصف ساعة جاءني العريسُ وبعضُ أهله من الرجال – محرجين - ليعتذروا إلي على اعتبار أن أب العريس قال لهم " لا يمكن أن يرى أيُّ رجل العروسَ . هذا مستحيل !!!". قلتُ لهم " بالنسبة إلي هذا يريحني كثيرا لأن الرقية أتعبتني ولأن ضغط الناس علي من أجل الرقية يزيدُ مع الأيام , وأنا أريد شفاءَ العروس وأفرحُ له سواء تم على يدي أو على يد غيري " , ثم أضفتُ قائلا " ولكنني في المقابل أتعجب من سلوك هذا الرجل ( أب العريس ) :
1- يا ليت الرجل ( أي رجل ) يتشدد مع ابنته – عموما – ليمنعها من الحرام شرعا , لا ليمنعها من الحلال
أو ليمنعها من أشياء مراعاة لعادات وتقاليد بالية .
2- أنا تعودتُ على أن النساء تطلبنني من أجل الرقية وأنا أتهرب ما استطعتُ من أجل التخفيف على نفسي.
وحتى الراقي في بعض الأحيان يطلبني من أجل أن أرقي زوجته أو ابنته أو أخته أو أمه ... مع أنه يمكن له هو أن يرقيها بنفسه . وعندما أقول له " لماذا تطلب مني أن أرقيها ؟!. ارقها أنتَ " , يقول لي " يا شيخ , هي التي طلبتكَ وألحت على طلبها , فلم أُردْ أن أرفضَ لها ما طلبت ".
3-أنا عندما أرقي المرأةَ , لن أرقيها إلا وهي بحجابها ( وربما بنقابها إن أرادتْ ذلك , وهذا الذي أتمناه منها ولها ) , وفي وجود زوجها أو أحد محارمها , ومنه فإن تحفظ أبِ العريس لا معنى له , وهو غير مقبول ولا مستساغ البتة من كل النواحي الشرعية أو العقلية أو المنطقية ".
فرد علي أهل العريس جميعا " والله يا شيخ , إن الحق كل الحق معك , وكل ما قلتَ صواب , ونحن معك 100 % في كل كلمة قلـتَـها , ولكن أب العريس غلـبـنـا " .
قلت لهم " لا عليكم !. سامحه الله , وشفى الله العروسَ وبارك الله للمتزوجين وجمع الله بينهما في خير" .
ثم استأذنت وانصرفتُ . وفي الغد اتصل بي أهلُ العريس من جديد , وقالوا لي " مشكلة العروس ما زالت قائمة ولم تُـحلَّ بعدُ , وأبُ العريس رضي أخيرا بأن ترقيها , وهو نفسه الآن يطلبك ويُـلح في الطلب من أجل أن ترقي العروس , فذهبتُ ورقيتُ العروس , في وجود زوجها , وشُـفـيـت مما كانت تعاني والحمد لله رب العالمين . 209 - هل المطلوب النجاح في الدراسة أم البحث عن زوج ؟! :
عندما تذهب الطالبة إلى الجامعة وترجع منها بعد سنوات بشهادة تعينها في مستقبل أيامها في البيت أو خارج البيت , فإنها تعود مشكورة من الله ومن العباد إذا عادت نظيفة طيبة طاهرة أدبا وخلقا ودينا . أما إذا أتت بشهادة جامعية لكن بعد أن خسرتِ العفة والحياء, فلا بارك الله لها في دراستها وفي الشهادة التي أتت بها .
ومن المضحك والمبكي في نفس الوقت أن تخبرني طالبة في يوم من الأيام - وهي تكاد تبكي - أن أهلها عوض أن يهنئوها في نهاية دراستها الجامعية بنجاحها في دراستها , عوض ذلك لاموها – هداهم الله - لأنها لم تأت من الجامعة معها بزوج المستقبل . هكذا قالوا لها ؟! نعم هكذا , وكأن الطالبة ذهبت إلى الجامعة للزنا أو على الأقل للزواج لا من أجل الدراسة . قلتُ لها " يا ليتَ فرصة تتاح لأكلمَ أهلك وأحذرَهم من مغبة ما يقولون ويفعلون مع ابنتهم , وأبين لهم بأن هذا السلوك منهم لا يدل أبدا على حب لابنتهم وإنما هو يدل على جهل فضيع بالدين وكذا على قلة غيرة على الشرف والعفة والكرامة والعياذ بالله تعالى ". صحيح أن أهلها متأثرون بنظرة الطبقات غير الجامعية السلبية إلى الطالبة الجامعية , لذا فإنهم يرون أن ابنتهم أو أختهم إذا لم تتزوج من خلال الجامعة وفي فترة الدراسة الجامعية قد لا تتزوج بعد ذلك أبدا . هذا سبب , لكن لا يجوز أبدا أن يكون عذرا مقبولا لهم من الناحية الشرعية أو حتى من ناحية العرف والعادات النظيفة .
حسبنا الله ونعم الوكيل , والله أعلم بالصواب .
210 – لم أصافحها فغضبت وقالت للتلاميذ ...! : في السنوات الأولى من بداية تدريسي للعلوم الفيزيائية بالثانوية ( أي منذ أكثر من 25 سنة خلت ) , دخلتُ إلى قاعة الأساتذة بثانوية من الثانويات فسلمتُ على الأساتذة جميعا ( ذكورا وإناثا ) وتوجهتُ للأساتذة الذكور من أجل مصافحتهم ( على اعتبار أنني ومن سنة 1975 م لا أصافح النساء بشكل عام , ولو كن عجائز ) , فجاءتني أستاذة من الأستاذات لتصافحني فحاولتُ أن أتحاشاها بأن أعطيها ظهري وأكتفي معها بالسلام من بعيد , ولكنها أصرت على الوصول إلي لمصافحتي ( وواضح أنها لم تكن تعرف بأنني لا أصافح النساء , وإلا لما اقتربت مني ) . مدت يدها إلي فاعتذرتُ إليها بأدب , وقلتُ لها " أنا – يا أستاذة – لا أصافح النساء " , ثم أضفتُ " كيف حالكم يا أستاذة ؟!. أنتم بخير إن شاء الله !".
لم تجبني الأستاذة وغضبت غضبا شديدا , وظهر الغضبُ بشكل واضح جدا على تقاسيم وجهها , وانسلت من بين الأساتذة والأستاذات لتخرج من قاعة الأساتذة , وهي عازمة على الانتقام .
في الأيام القليلة القادمة عرفتُ كيف أرادت الأستاذةُ الانتقامَ مني . كانت تُـدرِّس قسما من الأقسام كنتُ أُدرِّسُهُ أنا كذلك . سألتْ تلميذاتِـه علانية وأمام كل تلاميذ القسم " ما الذي يقول لكم الأستاذ رميته خارج برنامج الفيزياء والكيمياء ؟! " , فأجبنها " هو ينصحنا باستمرار – فضلا عن الاجتهاد في الدراسة – بالستر والحجاب , وهو يحثنا على الدوام على البعد عن الاختلاط بالذكور إلا عند الضرورة , وعلى ترك الماكياج والعطور خارج البيت , وعلى تجنب اللباس الضيق والمفتوح والشفاف والقصير خارج البيت , وعلى عدم القهقهة ورفع الصوت أمام الرجال , وعلى الأدب والخلق والحياء بشكل عام , على اعتبار أن رأسمال كل امرأة هو حياؤها وعلى ...". قالت الأستاذة للتلميذات " لا تسمعن للأستاذ ولا لهذه النصائح , إنه يغلِّـطـُكــنَّ . ليس لكن إلا حياة دنيا واحدة , ومنه يجب أن تستمتعن بها أقصى استمتاع : البسن ما يعجبكنَّ , وتزينَّ كما أحببتنَّ , واختلطن بالذكور كما شئتنَّ , وتكلمن واضحكن مع الغير كما يفعل الغيرُ معكن , واعلمن أنه لا فرق أبدا بينكن وبين الرجال في شيء !!!". والذي أؤكد عليه هنا هو أن التلميذات كن يُـحببني ويستمعن لنصائحي وينتظرنها مني بفارغ الصبر , ولكنهن ازددنَ حرصا على سماع هذه النصائح بعد أن قالت لهن الأستاذةُ ما قالت , لأنهن اقتنعن أكثر بأنني أنصحهن نصيحة الأب لبناته , وأما الأستاذة فإنهن عرفن أنها لم ترد لهن الخير لا من قريب ولا من بعيد .
إن الحق يبقى حقا إلى يوم القيامة , مهما ابتعد الناس عنه وزهدوا في الدعوة إليه .
وإن الباطل يبقى باطلا إلى يوم القيامة مهما انغمس الناس فيه وبالغوا في الدعوة إليه .
ملاحظة : الأستاذة اليوم – والحمد لله – متقاعدة , وأنا فرحٌ جدا لأنني لاحظتُ عليها مؤخرا بأنها لبست الحجاب , ورجعت إلى الدين بقوة , والحمد لله رب العالمين .أسأل الله الهداية لي ولهذه الأستاذة ولكل قراء هذه الوقفة . وفقني الله وإياكم لكل خير .

ليست هناك تعليقات: