الثلاثاء، 17 يونيو 2008

وقفات ( من 191 إلى 200 ) :

بسم الله
عبد الحميد رميته , الجزائر
.
191-عن تعلق المرأة الزائد بالأحلام : في يوم من الأيام اتصل بي أخ من الإخوة في الإسلام يقول لي :
- أختي ( عمرها 35 سنة ) رأت بالأمس في منامها بأنها ستتزوج برجل عمره 60 سنة .
قلتُ له : وماذا بعدُ ؟!
- واليوم , وبعد صلاة العصر دق بالفعل باب بيتنا رجل عمره 60 سنة , جاء يطلب أختي للزواج .
- ثم ماذا ؟! .
- انقسم أفراد الأسرة بين موافق على هذا الزواج , على اعتبار أن ما رأته أختي رؤيا صالحة ويجب أن تنفذ وإلا فهي تخاف على نفسها من العواقب السيئة , ومعارض على أساس أن الرجل أكبر من أختي بكثير .
- ثم ؟!
- أختي طلبت منا في النهاية أن نتصل بك أنت يا شيخ , من أجل أن تفصل بيننا وتعطينا رأيك في الموضوع : هل نوافق على خطبتها والزواج منها لهذا الرجل " الشيخ " أم أن الأفضل لنا أن نرفض ذلك ؟!.
قلتُ له : أخي الكريم :
1- أشكركم جميعا – ومعكم أختك – على ثقتكم في .
2- ليس هناك أي دليل قطعي على أن ما رأته أختك في المنام , هو بالفعل رؤيا صالحة .
3- ثم إن الأصل – بعد ذلك وقبل ذلك - فيما يراه النائم أنه على أقسام :
· إن رأى بأنه سيفعل واجبا دينيا : فعله استجابة لأمر الله لا استجابة للرؤيا , كمن رأى غيره يطلب منه في المنام بأن يؤدي الصلاة في وقتها .
· إن رأى بأنه سيفعل حراما شرعا : وجب ألا يفعله لأن ذلك حرام – كشرب الخمر مثلا - , ولأنه لا طاعة لمخلوق أو لمنام في معصية الله تعالى .
· إن رأى بأنه سيفعل مباحا أو جائزا كأن يأكل كذا أو يشرب كذا أو ... يسافر إلى كذا أو يتزوج بفلان أو علان أو ...
4- المرأة متعلقة - بشكل عام - كثيرا إلى درجة المبالغة بالأحلام والرؤى .
5- رؤيا الأنبياء فقط هي التي تعتبر حقا خالصا لأنها وحي من الله , وأما رؤيا غير الأنبياء فيمكن أن يُعمل بها أو يُـهتم بها , كما يمكن أن تُتجاهلَ ولا يعطى لها أي اهتمام .
6- كون الأخت رأت شيئا في المنام بالأمس ثم تحقق اليوم , هذا ليس دليلا ولا حجة ولا برهانا على أن ما رأته حق يجب تنفيذه .
7- توافق أختك على الزواج بهذا الرجل أو لا توافق , كل ذلك جائزٌ ومباح من الناحية الشرعية , ولكن مطلوب منا أن نبحث لها عما هو أفضل لها دينا ودنيا .
8- أنا أخي الحبيب لو كانت أختُـك أختي أو ابنتي , أو لو كانت لي عليها سلطة لما قبلتُ منها ولا لها هذا الزواج مهما كان الزوجُ صاحبَ دين ومال وقوة وسلطان . إن من أهم ما يلزم توفره في الزوج حتى تسعد المرأةُ بزواجها منه هو الكفاءة في السن , وذلك بأن يكون الرجلُ أكبر منها ب 5 أو 10 سنوات أو حتى 12 أو 13 أو 14 أو حتى 15 سنة . وأما أن يكون الفارقُ في السن بين المرأة والرجل 25 سنة فهذا الذي لا أقبله ولا أستسيغه أبدا . من الصعب جدا أن تسعدَ امرأةٌ بزواجها من رجل في عمر أبيها : من الصعب أن تسعد معه نفسيا أو جنسيا أو شعوريا ووجدانيا و...
والله أعلم بالصواب وهو وحده الموفق والهادي لما فيه الخير .
192- تشدد مقصود في عدم أخذ الأجرة عن الرقية : لقد قلتُ في أكثر من مناسبة بأن بعض العلماء قالوا : يجوز أخذ الأجرة على الرقية بإطلاق , وقال آخرون : يجوز ذلك بشرط تحقق الشفاء , وقال فريق ثالث بقول ثالث . ولكن الكل متفق على أن عدم أخذ الأجرة أفضل وأحسن وأنفع من وجوه عدة منها أن أجر الراقي عند الله سيكون أوفر , ومنها أن بركة الرقية ستكون بإذن الله أكبر , ومنها أن قيمة الشخص عند الناس ستكون أعظم . ومنه فلقد رقيتُ حتى الآن ربما أكثر من 14 ألفا من الأشخاص ( خلال 23 سنة ) وما أخذتُ حتى الآن ولو سنتيما واحدا من مريض أبدا أبدا أبدا . لا أقبل أبدا أن يُعطى المبلغُ لي أو لأحد من أهلي , كما لا أقبل أبدا أن يعطى المبلغُ نقدا أو بما يُـعوضُ النقدَ . ولا ننسى أن " ما عندكم ينفذ وما عند الله باق" , وأن " القناعة كنز لا يفنى " , وأنه إذا أردتَ أن يحبك الله ثم الناس فازهد ما استطعتَ فيما في أيدي الناس , و...
ومن قصص تشددي مع المرضى في هذه المسألة بالذات , حتى أُفهمَهم وأُفهمَ من خلفهم بأنني لا أقبل أبدا أن آخذ ولو سنتيما واحدا على الرقية الشرعية ما يلي :
جاءني منذ أكثر من 10 سنوات رجل من ولاية ميلة , جاءني بابنته ذات ال 5 أو 6 سنوات من عمرها , من أجل أن أرقيها . وعندما انتهيتُ من الرقية ( في بيتي ) خرجتُ معه من إحدى الحجرات نحو خارج الدار . وكان الرجل يسير أمامي , وأنا خلفه أمسك بالبنت وأقودها معي خلف أبيها . وعندما خرج هو أمام الباب وقفتُ أنا داخل الدار وقلتُ له وأنا ما زلتُ ممسكا بيد ابنته , أي ما زلتُ لم أترك يدها بعدُ " أسأل الله الشفاء العاجل لابنتك , وأن يطيل الله عمرها ويحسن عملها ويجعلها من إماء الله الصالحات . لا تنس أن تتصل بي في الأيام المقبلة من أجل إخباري بحالتها الصحية . رافقتكما السلامة . السلام عليكم ورحمة الله وبركاته " . تفوهتُ بهذه الكلمات وأردتُ أن أطلق ابنته من يدي . ولكن قبل ذلك وجدتهُ أخذ من جيبه حوالي 40 ألف سنتيما ووضعها في جيب معطفي ( كأجر على الرقية بطبيعة الحال ) . قلتُ له " خذ أمانتك , واعلم أنني لم آخذ أجرا على الرقية في حياتي , ولن آخذ أجرا بإذن الله " , قال " لا يا شيخ ! , بل ستأخذها , هي حقك أو أقل من حقك , وإلا فاعتبرها هدية مني إليك ". قلتُ له عندئذ كلمة أنا أعرف الآن أنها تشدد زائد , ولكنني أعتبر نفسي معذورا على هذا التشدد لأن كل تعصب يولد تعصبا مضادا , ومنه فإن تعصب الكثير الكثير من الرقاة في أخذ الأجرة والمبالغة في ذلك وكذا الكذب على الناس من أجل سرقة أموال المرضى وأكلها بالباطل ( باسم أن أخذ الأجرة جائز في الدين ) , هذا التعصب ولَّـد عندي تعصبا مضادا وتشددا مبالغا فيه من أجل عدم أخذ الأجرة من مريض أبدا أبدا ( مع أنني رقيتُ حتى الآن آلافا وآلافا من الأشخاص ) . ولكن قبل ذلك ومع ذلك وبعد ذلك , أسأل الله أن يكون هذا التشدد صوابا خالصا لوجهه الكريم .
هذا مع ملاحظتين :
1- أن تشددي حتى وإن اعتبر خطأ فهو ليس خطيئة , والفرق شاسع بين الخطإ والخطيئة .
2- هذا تعصب فرضتُـه على نفسي , ولكنني لم أفرضه على غيري .
ما زلتُ لم أكمل القصة بعدُ . قلتُ للرجل بعد أن وضع الأجرة في جيب معطفي " والله إن لم تأخذ المال الذي وضعته في جيبي , فإن ابنتك لن تخرج من بيتي " !!!. نظر إلي بوجه مصفر وعرف بأنني لستُ مثل المشعوذين ولا مثل الكثير من الرقاة السارقين والكاذبين . مد يده إلى جيبي فأخذ المبلغ , ثم تهللت أسارير وجهه وابتسم وقال لي " يا أستاذ , أنا أعتذر إليك عن الإزعاج . قصدي كان طيـبا , الحمد لله على أنه ما زال في هذه الدنيا خير . بارك الله فيك ونفع الله بك ". أطلقتُ عندئذ ابنته من يدي , فأخذها وانصرفَ .
والحمد لله رب العالمين . نسأل الله أن يرزقنا الصواب والإخلاص والقناعة والرضا , آمين .
193- من ذكرياتي السيئة " عن الصلاة جماعة في المسجد " : من المعروف بداهة في عقيدتنا الإسلامية أن الإيمان يزيد وينقص , ولو بقينا باستمرار وعلى الدوام وطيلة حياتنا الدنيا على درجة واحدة من الإيمان لصافحتنا الملائكة . شكا
حنـظلة إلى أبي بكر الصديق قال : نافق حنظلة ، قال : ما هو ؟ قال : نكون مع رسول الله فكأن على رءوسنا الطير ، ثم نخرج ونعافس النساء والأموال وننسى ، قال : وأنا كذلك ، فذهبوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا رسول الله ! إننا نكون معك على حال فإذا خرجنا ورجعنا إلى الضيعات والأولاد والنساء تغيرت أحوالنا ، قال : لو بقيتم في بيوتكم وفي الشوارع كما كنتم عندي لصافحتكم الملائكة في الطرقات ، ولكن ساعة وساعة ) . ومن علامات ضعف الإيمان التهاون مع المستحبات أو فعل المحرمات .
ومع ضعف الإيمان الذي يعترينا بين الحين والآخر , فنحن نسأل دوما لأنفسنا ولغيرنا من المسلمين والمؤمنين أن تكون قوة الإيمان عندنا هي الغالبة , وأن تكون كثرة الطاعة هي المسيطرة , وأن تكون في النهاية حسناتنا أكثر من سيئاتنا وأن نكون من أهل الجنة يوم القيامة .
مرت علي - منذ مدة – فـترة من الفترات قضيتُ فيها أكثر من شهرين وأنا أصلي أغلبَ الصلوات الخمس في البيت ( عوض أن أصليها جماعة بالمسجد ) , تارة جماعة مع أهل بيتي من النساء ومعهن ابني الصغير ( ما زال لم يبلغ بعد ) , وتارة أخرى أصليها لوحدي فذا .
ملاحظة : اختلف الفقهاء في حكم صلاة الجماعة للرجال في المسجد على أقوال :
الأول : قال أحمد بن حنبل : إنها فرْض عَيْنٍ على كل قادر عليها ، وذهب إلى ذلك عطاء والأوزاعي وأبو ثور، ومن أهل الحديث ابن خزيمة ، وابن حبان ، كما ذهب إليه الظاهرية الذين يَأخذون بظاهر النصوص . ولهؤلاء أدلتهم المحترمة على ما يقولون , سواء كانت قوية أو ضعيفة . الثاني : قال مالك وأبو حنيفة وكثير من الشافعية : إن صلاة الجماعة سنة مؤكدة .
الثالث : قاله الشافعي في أحد قوليه وجمهور المتقدمين من أصحابه وكثير من المالكية والحنفية . قالوا : إن صلاة الجماعة فرض كفاية ، يجب على أهل كل محلة أن يقيموها ، وإذا أقامها بعضه سقط الطلب عن الباقين ، وكانت في حقهم سنة , وذلك لإظهار شعيرة الإسلام بإجابة المؤذن وإقامة الصلاة .
قلتُ : كنتُ لأكثر من شهرين أصلي أغلب صلواتي في البيت عوض أن أصليها جماعة بالمسجد .
فعلتُ ذلك لسببين إثنين :
الأول : تكاسل وتهاون و ... بسبب ضعف إيمان . وهذا سبب أساسي للأسف الشديد .
الثاني : بُـعد المسجد عن البيت . وهذا سبب ثانوي , لأن المسافة بين البيت والمسجد لم تكن كبيرة بالقدر الذي يُـعذرُ معه الشخصُ شرعا عن تخلفه عن صلاة الجماعة بالمسجد .
وفي يوم من الأيام انتبهتُ من غفلتي ومن سباتي ومن تهاوني ومن تكاسلي ومن قلة شعوري بالمسؤولية . والذي نبهني أمران :
الأول بالتدريج : وذلك لأنني بدأتُ أُحس مع الأيام بالحرج بيني وبين نفسي , لأنني وجدتُ نفسي ( فضلا عن التقصير في طاعة الله تعالى ) أصلي مع النساء في البيت ( إماما أو فذا ) أكثر مما أصلي مع الرجال في المسجد. وفي هذا من الحرج ما فيه من نواحي عدة على رأسها الناحية الشرعية .
الثاني فجأة : وذلك عندما كنتُ أريد أن أُنصِّب برنامجا لأوقات الصلاة على الكمبيوتر بالبيت أو على جوالي الخاص , علَّـق شخصٌ ( من أهلي ) تعليقا بسيطا جدا ومؤلما جدا , حتى وإن كان قصدُه من وراء ذلك حسنا لأنه كان يريد أن ينصحني بطريقة غير مباشرة . قال هذا الشخصُ " ما حاجة الأستاذ رميته لهذا البرنامج وهو لا يكاد يصلي بالمسجد مع الجماعة إلا صلاتين فقط تقريبا خلال 24 ساعة "!!!.
وعندما سمعتُ هذه الكلمة نزلت علي كأنها نار أو خنجر أو ماء بارد أو ماء ساخن أو ... ولكن في كل الأحوال فإن هذه الكلمة نبهتني وأيقظتني من سباتي ومن غفلتي , وكانت سببا في رجوعي القوي إلى المسجد من جديد حتى أرجع إلى ما كنتُ عليه من قبل أو إلى أحسن وأفضل من ذلك .
آلمتني الكلمة ولكنني مع ذلك قبلـتُـها واستفدتُ منها :
· آلمتني لأنها حقيقةٌ , وليس هناك ما يجرح مثل الحقيقةُ .
· وقبلـتُها مع ذلك لأن نيةَ صاحبها طيبة ومباركة , ولأن في العمل بهذه النصيحة خيري بإذن الله تعالى في الدنيا وفي الآخرة .
ومما أردتُ أن أنبه إليه من خلال هذه الوقفة :
1- بيان أهمية صلاة الجماعة في المسجد . 2- أهمية قبول النصيحة من الغير مهما كانت ثقيلة .
3- الإيمان يزيد وينقص , ونتمنى أن تكون الزيادة لنا جميعا أكثر من النقصان . 4- العيب ليس في الخطأ أو في المعصية , وإنما العيب في التمادي والإصرار على ذلك . 5-كل واحد منا له حسنات , ولكن كل واحد منا له عيوب كذلك , ولا معصوم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم .هذه المعاني وغيرها هي التي أحببتُ أن أنبه إليها هنا .
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك , آمين .
194- ما أبعد الفرق بين تلاميذ أيام زمان وتلاميذ هذا الزمان ! : كما أن الصلاح يزداد في مجتمعاتنا فإن الفساد يزداد كذلك . ومع إيماني وعلمي ويقيني بأن المستقبل لهذا الدين وأن الصراع بين الحق والباطل قائم إلى يوم القيامة ولكن الكلمة الأخيرة ستكون للحق بإذن الله تعالى . مع إيماني بذلك فإنني أعلم من جهة أخرى بأن وقت النصر مجهول الله وحده أعلم به , وكذلك على يد من يتم النصر في النهاية ؟ الله وحده أعلم بذلك .
ومنه فإنني أرى في الكثير من الأحيان ما يطمئنني إلى أننا في وقت دعاة الشر فيه أكثر من دعاة الخير , هم أكثر أو هم أقوى . لذلك فإنني أرى أن مستوى التربية والتعليم في بلادنا ( الجزائر ) متجه من الحسن إلى السيء أو من السيء إلى الأسوأ . ومن علامات ذلك حرص تلاميذ زمان على الدراسة وعدم اهتمام تلاميذ اليوم بهذه الدراسة.
هذا مع ملاحظتين أساسيتين :
1-أنا أتحدث عن الأغلبية بطبيعة الحال ولا أتحدث عن كل التلاميذ , لأنه يوجد في كل جيل تلاميذ
ممتازون وجيدون أدبا وخلقا واجتهادا وتربية وتعليما و...
2-فرق بين جيل سابق وهذا الجيل , وأنا أرى – للأسف الشديد – الفرق لا بين 10 سنوات
سابقة واليوم , وإنما أنا ألاحظ الفرق حتى بين تلاميذ العام الماضي وتلاميذ هذه السنة , الفرق المتجه من الحسن إلى السيء أو من السيء إلى الأسوأ .
أنا لا أخرج التلاميذ من القسم كعقوبة إلا نادرا . وفي يوم من الأيام منذ 3 سنوات أخرجت مجموعة من التلاميذ من القسم كعقوبة لأنهم لم يؤدوا واجبا منزليا . أخرجتهم من القسم على الساعة ال 10 صباحا , وطلبتُ منهم أن يتركوا أدواتهم في القاعة حتى نهاية الحصة ( على الساعة 12 ) , وقلتُ لهم " ستحرمون من حضور الدرس لمدة ساعتين ", فقالت لي إحدى التلميذات المعاقَبات متوسلة , قالت نيابة عن أغلبية زملائها
" ساعتان !. هذا كثير يا أستاذ !". , فقلتُ لها " اخرجي ! قلتُ لكم : لن ترجعوا إلى الحصة إلا على الساعة 12 !", فخرجت التلميذةُ من القاعة وهي تكاد تبكي حسرة على فوات الحضور لساعتين من العلوم الفيزيائية خاصة مع أستاذ تحبه هي وأغلب زملاؤها . أكملتُ الدرس مع بقية تلاميذ القسم , وبقي أغلب التلاميذ المعاقبون أمام القاعة (لم أرسلهم إلى الإدارة ) ساكتين ومنصتين ينظرون إلي من خلال زجاج النوافذ وأنا أقدم الدرس ليستمتعوا ولو بالنظر إلى الإشارت حتى ولو لم يسمعوا كلماتي . وبقوا ينظرون إلي بهذه الطريقة على أمل أن أشفق عليهم وأُرجعهم إلى القسم قبل انتهاء مدة العقوبة التي هي " ساعتان" . وبالفعل عندما دق جرسُ الحادية عشرة , طلبتُ من تلميذ أن يخرج إليهم ليطلبَ منهم الدخول , حيث تابعوا مع زملائهم الدرس وهم فرحون جدا ومسرورون جدا ونادمون جدا على سوء ما فعلوا وعازمون على أن لا يُـقصِّروا في أداء واجب منزلي مرة أخرى حتى لا تتكرر معاقبتهم بحرمان من الحضور للدرس : حرمان يجدون صعوبة في الصبر عليه . وفي نهاية الحصة جاءتني التلميذة وتحدثت إلي راجية ومتوسلة " يا أستاذ رجاء ثم رجاء , لقد بالغت في معاقبتنا . نحن نتمنى منك مرة أخرى ( إن قصرنا ونـتمنى أن لا نُـقصر ) أن تعاقبنا بالطريقة التي تشاء , ولو بالضرب الشديد ( مجرد الضرب ممنوع قانونيا في بلادنا ) , ولكن رجاء لا تحرمـنا من الحضور إلى درسك ولو لساعة من الزمان . ومع ذلك نحن نشكرك على أن خففتَ علينا العقوبةَ , وكذلك نحن نعدك أن نتجنب أي تقصير في المستقبل ما استطعنا !!!".
هذا الحال منذ 3 سنوات فقط , وأما حال الكثير من تلاميذنا اليوم فحدث عنه ولا حرج . إن الكثير منهم – حاشا من لا يستحق ذلك منهم بطبيعة الحال – من أغلى أمنياتهم أن يغيب الأستاذ أو أن يطرأ طارئ يجعل حصة من حصص الدراسة لديهم تتعطل . وأما أن يعاقبَ الأستاذُ التلميذَ فيُخرجه من القسم , فإن التلميذَ يكاد يشكر الأستاذ على ذلك , لأنه خلصه من الحضور للدرس وأتاح له فرصة لاستنشاق الهواء الطلق أو لبعض التجول أو للعب بواسطة الهاتف النقال أو للالتقاء بتلميذ آخر في ساحة الثانوية ليتجاذبا أطراف الحديث أو ... وأما عن ذهابه إلى الإدارة فهو لا يخافه لأن الإدارة هي التي أصبحت تخاف من التلميذ بعد أن كان التلميذ هو الذي يهابُها . وأما أن يأتي التلميذُ بورقة تسمح له بالدخول إلى القسم بعد الغياب فهذا عند التلميذ أصبح أمرا أسهل من شربة ماء , فإنا لله وإنا إليه راجعون .
اللهم حسن أحوالنا وأحوال التربية والتعليم في بلادنا آمين .
195- لم أمتلك في حياتي مبلغا أكثر من 5 ملايين سنتيما ! : مع ظروف الأستاذ المادية المتدهورة في بلادنا ( الجزائر ) , ومع كوني لا أملك موردا ماليا إضافيا من غيري راتبي الشهري المتواضع جدا . ومنه فإنني أقول كلمة عن نفسي يكاد لا يصدقها من يسمعها مني . إنني لم أمتلك مبلغا في حياتي دفعة واحدة أكثر من 5 ملايين سنـتيما , أي أكثر من راتب شهرين تقريبا ( 2008 م ) لأستاذ مرسم وعمل ل10 سنوات أو أكثر في قطاع التعليم وله بعض الأولاد . قلتُ : لم أمتلك في حياتي كلها دفعة واحدة , لم أمتلك أكثر من 5 ملايين سنـتيما ولو لمرة واحدة . هذا مع أنني أستاذ تعليم ثانوي لمدة 30 سنة تقريبا . قلتُ : لم أمتلك دفعة واحدة مبلغا أكبر من 5 ملايين من السنـتيمات , مع أن أغلب زملائي في الثانوي ( إن لم أقل كلهم ) , وكذا أغلب جيراني وأقاربي وأصدقائي و ... امتلكوا هذا المبلغ وأكبر منه بكثير , امتلكوه في حياتهم مرات ومرات .
وأنا لا أتحدث عن هذه المسألة أبدا من أجل الاعتراض على قضاء الله تعالى , بل إنني أقول دوما " الحمد لله ثم الحمد لله ثم الحمد لله , اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك , الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات , اللهم إذا أنعمتَ علينا فاجعلنا من الشاكرين وإذا ابتليتنا فاجعلنا من الصابرين ". وإنما أنا أتحدث عنها لأنبه إلى جملة مسائل ودروس وعبر مهمة في حياتنا اليومية منها :
1- فضلُ الله يؤتيه لمن يشاء , والله يسألُ عباده عما يفعلون , ولكنه هو سبحانه وتعالى لا يُسألُ عما يفعلُ .
2- الدنيا ( مال ومتاع وديار ونساء وسيارات و...) يعطيها الله لمن يحب ولمن لا يحبُّ , ولكن الآخرة , ومعها سعادة الدنيا فإن الله لا يعطيها إلا لمن يحبُّ .
3- وإن كان الفقر يكاد يكون كفرا , ولكن – ومع ذلك – فإن الغنى الحقيقي هو غنى النفس لا غنى المال , ومنه فإنني أحس وفي الكثير من الأحيان ( بل في أغلب الأحيان ) بأنني أسعد بكثير ممن هو أغنى مني مالا وأكثر مني متاعا بسبب الإيمان أولا ثم القناعة والرضا ثانيا . ولا يسعدُ صاحبُ المال الكثير أكثر مني إلا إن كان أكثر مني طاعة لله وأكثر قربا منه سبحانه عزوجل .
4- التنافس على الدنيا الحلال جائز , ولكن الأولى منه والأفضل والأنفع والأطيب والأحسن هو التنافس على طلب الآخرة والجنة .
والله وحده أعلم بالصواب .
196- فرحتُ به فرحا شديدا : لكل واحد منا لحظات وأوقات جميلة جدا عاشها في حياته . ومن أحسن اللحظات التي عشـتُـها في حياتي والتي فرحتُ بها كثيرا , اليوم الذي اشتريتُ فيه هاتفا نقالا ( يحتوي على ذاكرة سعتها 1 جيغا ) يسمحُ بتحميل القرآن الكريم كله مسموعا , وكذا بتحميل المصحف أو القرآن الكريم مقروء . اشتريتُ هذا الهاتف ( في الأسبوع الأول من شهر فيفري 2008 م ) وحملتُ فيه المصحف المرتل والمقروء وبدأتُ استعماله من أجل مساعدتي على مراجعة القرآن الكريم الذي أحفظه منذ عام 1983 م . فرحتُ به فرحا كبيرا جدا لسبب واحد وأساسي هو أنه يساعدني على مراجعة القرآن الكريم أينما كنتُ , ويساعدني على استغلال كل أو جل أوقات الفراغ عندي , خاصة منها أوقات الفراغ المفروضة علي فرضا أو الإجبارية :
* مثل وقت الذهاب إلى المسجد أو الرجوع منه .
* أو وقت الذهاب إلى أماكن معينة لقضاء حاجات معينة .
* أو وقت الانتظار في إدارة من الإدارات أو شركة من الشركات أو مصنع من المصانع .
* أو وقت الفراغ عندي في الثانوية التي أعمل بها .
* أو وقت السفر القصير أو الطويل .
أو …الخ …
وبسبب ظروفي المادية الصعبة كأي أستاذ في الجزائر , فإن سعر الهاتف كان غاليا بالنسبة إلي . ومع ذلك فإن سبب شرائي له ( من أجل القرآن ) جعل زوجتي وأولادي يفرحون معي بهذا الهاتف ويهنئونني عليه , وهذا مما زاد من فرحتي أو مما خفف علي من وطأة سعره المرتفع .
لقد فرحتُ بهذا الهاتف النقال فرحا شديدا , وأنا أسأل الله أن يحقق لي به المقصودَ وأن يجعلنا جميعا من أهل القرآن , كما أسأله تعالى أن يجعله زيادة لي في كل خير ونقصانا لي من كل شر , آمين .
وقبل أن أختمَ , أنبه إلى بعض الملاحظات المتعلقة بهذه الوقفة من ذكرياتي الخاصة :
1- التعلق بالدنيا ( المتوسط لا المبالغ فيه ) أمرٌ لا بد منه لنا , من أجل أن نسعد ونرتاح في حياتنا الدنيا ومن أجل أن نعبد الله في جو طيب ومبارك . ولا يحس بهذا النعمة مثل الذي فقدها .
2- ليس الصغار فقط ولا الكفار فقط هم الذين يفرحون بالدنيا , بل كل إنسان خلقه الله مفطورا على حب الدنيا .
3- الفرق بين حب المؤمن للدنيا وحب الكافر لها , هو أن الكفار " يتمعون وياكلون كما تاكل الانعام , والنار مثوى لهم " , وأما المؤمن فشعاره " ابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة , ولا تنس نصيبك من الدنيا , وأحسن كما أحسن الله إليك , ولا تبغ الفساد في الأرض " .
4- ما يُـفرحني أنا – من متاع الدنيا - قد يكون بالنسبة إليك أمرا عاديا , وما يفرحك أنتَ – من متاع الدنيا - قد يكون أمرا عاديا بالنسبة إلي , أي أن الذي يُـفرح من الدنيا أمرٌ نسبي . وأما ما تعلق بالآخرة فيجب أن نفرح به جميعا حتى وإن تفاوتت درجة الفرحة من شخص لآخر .
5- ما أبعد الفرق بين أن نفرح لنيل دنيا (حتى وإن كانت الدنيا حلالا , وحتى وإن كانت الفرحةُ حلالا ) , وأن نفرح لنيل آخرة . إن الفرحة الثانية أعظم وأكبر بكثير من الأولى . إن الأولى تنتهي ثمرتها في الحين , وأما الثانية فإن ثمرتها الطيبة تبقى بإذن الله إلى الأبد .
ومنه ما أبعد الفرق بين أن تفرح لحصولك على هاتف جوال من أجل الترفيه ليس إلا حتى وإن كان الترفيه حلالا , وبين أن تفرح به لأنه سيقربك بإذن الله من الله تعالى . وأما فرحتك بالجوال لأنه يساعدك على المعصية بالتفرج على صور عورات نساء أو سماع أغاني خليعة أو … فتلك مصيبة المصائب والعياذ بالله تعالى .
اللهم ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة آمين .
197- " كأنها شهادة دكتوراه " : من عجائب التعليم والمعلمين في بلادنا أن المربي والمعلم والأستاذ والولي يغش أحيانا في الامتحانات التي هو يعمل باستمرار من أجل أن يُـفهم الناس بأن الغش فيها حرام شرعا وممنوع قانونا . ومن المضحكات والمبكيات التي مرت بي في حياتي الماضية , أنني كنتُ أحرس في بداية هذه السنة الدراسية ( 2007/2008 م ) المترشحين للفوز بإدارة متوسطات أو إكماليات , أي كنتُ أحرس أساتذة المتوسط الذين يترشحون من أجل أن يصبحوا مديرين في متوسطات. وأثناء الحراسة في امتحان مادة الفرنسية حاول أغلب أفراد الفوج الذي كنتُ أحرسه , حاولوا أن يغشوا بأكثر من طريقة فمنعتهم بشدة وحزم . قال لي بعضهم " يا أستاذ إسمح لنا بسؤال واحد من أجل معرفة معنى كلمة واحدة !" , قلتُ لهم " لن أسمح لا بمعرفة معنى كلمة ولا نصف كلمة !". قالوا " يا أستاذ : تعاونوا على البر والتقوى " !. قلتُ لهم " بل هذا تعاون على الإثم والعدوان ". حاولوا ثم حاولوا فلم أسمح لهم بشيء , فرفع عندئذ أحدُهم صوتَـه لائما ومحتجا ومعترضا
" والله يا أستاذ كأن هذا الإمتحان هو من أجل نيل شهادة الدكتوراه "!!!. وكم هي مضحكة هذه الكلمة خاصة عندما تصدر من مربي ومسؤول وولي وأستاذ , ولكنه ضحك كالبكاء !.
وصدق من قال " هَـمْ يْـضحَّـكْ وهَـمْ يْـبَـكِّـي "!!!.
198- " لعنة الله عليك " 3 مرات : من المعروف بداهة في ديننا أنه لا يجوز للمسلم أبدا أن يلعن أخاه المسلم المعين , لا يجوز له ذلك أبدا مهما أخطأ الأخُ الآخر أو عصى , أو مهما كان الآخرُ فاسقا أو فاجرا أو ... لا يجوز للمسلم أن يلعن آخرَ معينا ما دام مسلما . وحتى الكافرُ فالأولى أن لا يُـلعن إلا إن تأكدنا 100 % بأنه مات على الكفر الذي لا شك في أنه كفر . يجوز أن نقول لعنة الله على الظالمين , ولكن لا يجوز أن نلعن مسلما بعينه مهما كان ظالما , ونفس الشيء يُـقال عن السارق والكاذب والخائن وشارب الخمر والزاني والغش و ... عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : جاء نقلا عن شبكة أنا المسلم :
[ ” ليسَ المؤمِنُ بِطَعّان ولا لعّان ولا فاحِش ولا بَذيء ”. من سب مسلماً فقد فسق لقوله صلى الله عليه وسلم " سباب المسلم فسوق ، وقتاله كفر " ( متفق عليه) . ومن لعن مسلماً فكأنما قتله لقوله صلى الله عليه وسلم " ومن لعن مؤمنا فهو كقتله ومن قذف مؤمنا بكفر فهو كقتله " أخرجه البخاري . قال تعالى " ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون". (الحجرات:11) . ومعنى هذا أن من فعل ذلك كان فاسقاً بعد أن كان مؤمناً . ولا يجوز لمسلم أن يستحل سب المسلم أو شتمه أو عيبه أو غيبته إلا في حق كأن يكون مظلوماً يرد عن نفسه . ولا شك أن الصفح والمغفرة أعظم وآجر عند الله لقوله تعالى " ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور" الشورى : 43 . إن اللعن والسب والشتم والفحش في الكلام والطعن في الأنساب ، كل ذلك ليس من شيم المتقين . وسباب المسلم فسوق يعني أن السابّ نفسه فاسق , لأن سباب المسلم فسوق وقتاله كفر كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم . أما لعن من فعل فعلا معينا دون تخصيص لأحد فهو جائز ، فقد ورد عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه لعن آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه ، ولعن المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء ، ولعن من لعن والديه ، و... ، وقد لعن الله تعالى في القرآن الظالمين والكاذبين , لكن بدون تخصيص لشخص بعينه . والمؤمن بعيد عن السب والشتم ولا يستخدم الألفاظ البذيئة في جد ولا هزل ولا في رضا أو غضب ]. ا.هـ.
ولكن – وكما قلتُ قبل قليل – لا يجوز أبدا أن يلعن المسلمُ أخاه المسلمَ المعينَ مهما كانت حالة الآخرِ من فسوق وعصيان , ومهما كانت نية اللاعنِ طيبة وحسنة . هذا أمر لا خلاف في حرمته وعدم جوازه .
ومع ذلك – وللأسف الشديد – هناك مسلمون يلعنون إخوتهم في الإسلام .
وأنا أحكي عن نفسي . من أثقل ما سمعته في حياتي ضدي : 3 أشخاص قال لي كل واحد منهم " لعنة الله عليك". !!!. صحيح أنه - وكما يقول المثل الفرنسي- " لا تجرحُ إلا الحقيقةُ " , ومنه فما دام الذي يلعنُ هو يلعنُ بباطل وبناء على باطل , وهو يظلم نفسَـه قبل أن يظلمني أنا , وهو بإذن الله شقيٌّ وأنا سعيدٌ , وهو يزيد بفعله من سيئاته وكذا من حسناتي , ومع ذلك فلا أخفي على القارئ الكريم أن هذه اللعنات الثلاث كانت من أثقل ما سمعتُ من سب وشتم لي في حياتي .
1-أما الأول فحكَّـمني ( منذ حوالي 15 سنة ) في خلاف على الميراث بينه وبين أصهاره , ولما حكمتُ لصالح أصهاره , اعتبرني مُـزوِّرا ومُـدافعا عن أصهاره بالباطل و... ولما طلبتُ منه أن يتصل بأي إمام أو أستاذ أو شيخ ليستفتيه , أجابني " والله لو ينزل اللهُ ( استغفرُ الله تعالى ) ليحكمَ بيني وبين أصهاري بما حكمتَ به أنتَ يا عبد الحميد , ما قبِلْتُ بحكمهِ"!!!. ثم قال لي بعد ذلك " لعنة الله عليك " , وأعاد اللعنَ مرات عديدة , حتى ابتعدتُ عنه وأصبح صوتُـه لا يصلني .
2-وأما الثاني فطبيب مدمن على الخمر حكَّمني بينه وبين زوجته ( وأعلن مسبقا بأنه سيقبل بحكمي مهما كان ) فحكمتُ لصالح زوجته التي وافقتُها على طلب الطلاق منه بعد ما عاينتُ فيه ما عاينتُ من شر ومن إدمان على شرب الخمر ومن إصرار على الإثم والعدوان . وعندئذ هددني بالويل والثبور , واتصل بي عن طريق الهاتف ليقول لي " سأقول لك كلمة أنا أعرف بأنها حرام , ولكن سأقولها لك مع ذلك , مهما عذبني الله من أجلها : لعنة الله عليك يا عبد الحميد "!!!.
3- وأما الثالث فهو الأغرب والأعجب لأنه يزعمُ أنه متدين وداعية إلى الله و ... لقد آذاني متعصبون في منتديات مختلفة , وظننتُ بأنه ما آذاني شخصٌ مثلما آذاني بعضُ الإخوة في منتدى من المنتديات لا أريد أن أسميه . لقد آذاني هؤلاء أكثر مما آذاني رجال المخابرات في السجن الجزائري . ومع ذلك فإنني صادفتُ مؤخرا منتدى جزائريا عزيزا علي جدا , آذاني أحد الإخوة فيه إيذاء زائدا ومبالغا فيه . حين قلتُ له " أنا أحترم السلفية الحقة كل الاحترام , وأُقدِّرُ المنهجَ السلفي الحق كل التقدير , و... والصواب أن السلفية الحقة والمنهج السلفي الحق بريئان كل البراءة من هذا التعصب الممقوت . وأما بالنسبة لمن يعتبر هذا التعصب ضد الدعاة والعلماء " سلفية " , فإنني أقول له " إذا كانت هذه هي السلفية فلعنة الله عليها من سلفية ! " , فأجابني قائلا " لعنة الله عليك يا رميته " !!!. قالها ( أي لعنني ) وهو يعلم أنه لا خلاف بأنه يحرم عليه أن يقولها , قالها وهو يعلم أنه يمكن جدا أن ترجع عليه هو ليبوء بها هو والعياذ بالله تعالى ( وهذا ما لا أتمناه له أبدا ) , قالها وهو يعلم أن هذه اللعنة تتناقض مع أبسط بديهيات الإسلام ومع أبسط آداب النقاش وأخلاق الحوار . قالها وهو يعلم أن هذه اللعنة لأخيه المسلم غير مقبولة ولا مشروعة ولا مستساغة ولا ... ومع ذلك قالها , وقالها باسم الدين والدعوة والغيرة على حرمات الله , وهذه هي الدنيا , كل شيء فيها ممكن حتى أن يلعن المسلمُ أخاه المسلمَ .
ومع ذلك فأنا والله مُسامحه ومُسامح من سبقه في اللعن ومن يمكن أن يلحقه . سامح اللهُ الجميعَ . هم عندهم السب والشتم واللعن لي , وأنا عندي الدعاء لهم بخير الدنيا والآخرة . هم لهم ضدي الغل والحقد والغش , وأنا والله ليس عندي لهم إلا حسن الظن والتماس الأعذار وسلامة القلب والسريرة , و " كل ينفق مما عنده " .
والله أعلم , وهو وحده الموفق والهادي لما فيه الخير .
199- الكلام الفاحش البذيء من المرأة أسوأ :
قلتُ في أكثر من موضع وفي أكثر من مناسبة بأن :
1- الكلام الفاحش البذيء لا يجوز قوله أبدا من طرف أي مسلم أو مسلمة لا نيابة عن نفسه , ولا نقلا عن الغير , على خلاف الكفر الذي يجوز أن يُـقال نقلا عن الغير مع ضرورة التنبيه إلى أنه كفر.
2- لا يجوز أن يُقال الكلام البذيء الفاحش ولو بين الرجل وزوجته .
3- لا يجوز أن يُقال الكلام البذيء الفاحش ولو من طرف الطبيب الاختصاصي في شؤون المرأة أو الجنس مع أحد مرضاه من الرجال أو من النساء .
4- لا يجوز أن يُقال الكلام البذيء الفاحش ولو على سبيل المزاح أو الترفيه عن النفس أو ما شابه ذلك .
5- لا يجوز أن يُقال الكلام البذيء الفاحش ولو بين المرء ونفسه , ولو كان المسلمُ في غابة لا يوجد معه فيها إلا الحيوانات المفترسة .
والكلام البذيء الفاحش يحرم شرعا على الرجل وعلى المرأة على حد سواء , ولكنه – عرفا وعادة - ممنوع أكثر وغير مقبول أكثر وغير مستساغ أكثر إن صدر من المرأة المسلمة . وهذا لأسباب عدة من أهمها أن الكلام الفاحش مضاد للحياء المطلوب من طرف الرجال والنساء , ولكنه مطلوب شرعا من طرف النساء أكثر.
مررتُ منذ حوالي 15 سنة على ساحة بالثانوية يمارسُ فيها التلاميذ ( ذكورا وإناثا ) الرياضة بطريقة مختلطة ومحرمة بلا أدنى خلاف بين عالمين مسلمين . مررتُ بتلك الساحة لأنني كنتُ مضطرا لأمُر منها وأنا متجه إلى عيادة الثانوية الطبية . مررتُ على محيط الساحة متجنبا الدخول بين التلاميذ وغاضا بصري عن النظر إلى وجوه أو أجساد التلميذات , ولكنني قبل أن أبتعد عن الساحة وأقترب من العيادة سمعتُ :
1- ما لا أسمعه إلا مرة واحدة خلال حوالي 5 أو 6 سنوات متتالية , وهو الكلام البذيء الفاحش .
2- وما لم أسمعه إلا مرة واحدة في حياتي كلها , وهو الكلام البذيء الفاحش يصدرُ من امرأة .
سمعتُ إحدى التلميذات تنطق مع إحدى زميلاتها وبصوت متوسط كانت تظن معه أنه لن يصل إلى سمعي, سمعـتُـها قالت ما قالت , فتظاهرتُ بأنني لم أسمع خاصة وأن التلميذة في لباس الرياضة . سمعتُها قالت ما قالت وتمنيتُ لو أنني ما مررتُ من ذلك المكان ولم أسمعْ ما سمعتُ .
لأول مرة في حياتي سمعتُ بأذني امرأة تقول الكلام الفاحش والبذيء . ولأنني ضربتُ خلال 30 سنة من التعليم , ضربتُ حوالي 15 تلميذا ذكرا , ولكنني لم أضرب تلميذة واحدة في حياتي , فإنني ولأول مرة في حياتي تمنيتُ أن أضربَ هذه التلميذة لو كانت تلميذتي ولو كانت تدرس عندي .
أسأل الله لي ولها ولكم إخوتي ولكنَّ أخواتي : الصواب والإخلاص في القول والعمل , والسعادة في الدارين الدنيا والآخرة , آمين .
200- عن طبع ونشر مواضيعي الإسلامية : حاولتُ منذ حوالي 10 سنوات أن أطبع مواضيعي الإسلامية القديمة التي كان عددها حوالي 30 موضوعا , والآن – فيفري 2008 م - وصل إلى أكثر من 200 موضوعا , بعضها قصير لا يتجاوز الصفحتين , والبعض الآخر طويل يمكن أن يصل إلى مئات الصفحات . ولكنني لم أستطع , مع أن أصحاب المطابع يقولون لي دوما بأن المكتوب جيد ويستحق النشر. لم أستطع الطبع والنشر لسبب واحد لا ثاني له , وهو ضعف إمكانياتي المادية . أصحاب المطابع يلزمهم مبلغ كبير في البداية , أنا لا أملكه ولا أملك ولو جزء بسيطا منه . لم أستطع الطبع مع أنني متنازل عن كل حقوقي المادية , لأنني أعلنت باستمرار أنني لا أقبل ولو سنتيما واحدا كمقابل مادي على ما أكتبُ وأنشرُ , وأنني أكتب لله وحده وأنشر لله فقط . ومع ذلك فإن تنازلي عن حقوقي المادية لم يشفع لي عند أصحاب المطابع الذين يغلب على الكثير منهم طابع التكالب على المال للأسف الشديد , ومنه فإن كل محاولاتي من أجل الطبع والنشر باءت بالفشل .أوصيتُ زوجتي وأولادي في تلك الفترة " إذا لم أتمكن من طبع ونشر مواضيعي , فحاولوا ولو بعد وفاتي أن تطبعوا لي وتنشروا لي مواضيعي ولو بعد عشرات السنين . هذه أمنية غالية عندي أريد لكم أن تنفذوها لي في يوم من الأيام مهما بعدَ هذا اليوم ".
كانت هذه وصيتي لأهلي منذ حوالي 10 سنوات . ولكن عندما ظهرت المنتديات الإسلامية وبدأتُ - منذ أوت 2006 م - أنشر فيها مواضيعي القديمة والجديدة .وكذلك عندما ظهرت المدونات وبدأت أنشر فيها القديم والجديد من مواضيعي من خلال :ا - مدونة مسائل في رسائل في " مكتوب " .ب- مدونة موسوعة الإسلام والجنس في " مكتوب " .جـ- مدونة مسائل في رسائل في " أكتب" . د- مدونة وقفات مع ذكريات حسنة أو سيئة في Google .قلتُ : عندما بدأتُ أنشر مواضيعي عبر المنتديات الإسلامية المختلفة ومن خلال المدونات الأربعة ( وما يمكن أن يأتي بعد الأربعة ) .عندئذ تخليتُ عن وصيتي لزوجتي وأولادي وسحبتُـها منهم .صحيح أن الطبع والنشر من خلال كتيبات صغيرة أو من خلال كتب كبيرة نسبيا , أمر له أهميته الكبيرة , وهو وسيلة أساسية , ولا يعوضها شيء . ومع ذلك فإن النشر كذلك عبر الأنترنت مهم وطيب ومبارك ونافع بإذن الله , ولا ننسى أن ما لا يدرك كله لا يجوز أن يترك جلُّـه . نسأل الله أن يرزقنا الصواب والإخلاص في القول والعمل وأن ينفع بنا جميعا خلقا كثيرا . الإسلام منتصر بنا وبغيرنا , نسأل الله أن ينصره بنا آمين .

ليست هناك تعليقات: