الاثنين، 16 يونيو 2008

وقفات مع ذكريات ( من الوقفة 71 إلى 75 ) :

بسم الله
عبد الحميد رميته , الجزائر

71 - الطريق إلى الدولة الإسلامية شاق وصعب وطويل :
إن الظروف المحلية وكذا ظروف الجِوار وكذا الظروف الدولية والعالمية ,كل هذه الظروف وغيرها بما فيها حالة الشعب الجزائري الواقف بقلبه مع الإسلام والشعب وبسيفه مع القوة والنظام ,كلها تؤكد بأن الذين خرجوا على النظام في الجزائر ( في 92 م ) كانوا ساذجين للغاية في مجال الدين والسياسة حين كانوا يظنون أن إقامة الدولة الإسلامية أمرٌ سهل وبسيط , وأن المسألة-كما قال البعض منهم , هي مسألة 6 شهور أو عام على الأكثر .
وأذكرُ بالمناسبة أنني قلت في محاضرة بمدينة القل ( ولاية سكيكدة ) مع بداية سنة 1991 م أمام جمهرة من الناس بأن الطريق إلى الدولة الإسلامية شاق وصعب وطويل , ( ونُشِرت لي مقالة بهذا العنوان بالذات في جريدة من الجرائد الجزائرية قبل ذلك بسنوات ) فردَّ علي الأخ "... القيادي الكبير في الجبهة إ . للإنقاذ " قائلا :"يبدو أن أخانا عبد الحميد متشائم . أبشروا ! إن الدولة الإسلامية على الأبواب بإذن الله "!!!. وكنتُ- وما زلتُ- أُشفق على الدعوة الإسلامية من هؤلاء الشباب الطيب والمتحمس للدين ولشريعة الله , أشفق عليه من هؤلاء- أمثال ...- بسبب سذاجتهم الزائدة والمبالغ فيها والتي لا يحبون غالبا أن يعترفوا بها , ولا أدري إذا كانت صدمة الواقع الآن بعد " الاتفاق " الذي وقع بينهم وبين السلطة , قد أخرجتهم من هذه السذاجة أم لا .

72 - السجن أحبُّ إلي :
إنني أعتقد أن حياة الإنسان في منزله – مع زوجته وأولاده - ذليلا خاضعا لمن أذله أسوأُ وأشقى آلاف المرات من السجن ومتاعبه – ولو بعيد عن الأهل والمال والولد و...- مع احتفاظ الإنسانِ بالاستعلاء على من ظلمه وإشعاره بأنه لا يخشاه ولا يخاف منه , وصدق سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام : ( السجن أحبُّ إلي مما يدعونني إليه ) . ولقد مضى عليَّ وقتٌ كنتُ فيه أضحكُ بصوت مرتفع أمام جلادي ( حتى وهو يجلدُني في السجن ) وأُحِسُّ بالعزة وتغمرني الراحةُ العارمة , وهو في المقابل في قمة غضبه ويُحسُّ حتما بالذلة ويخيم على عقله وقلبه ضيقٌ شديدٌ , لأنه على الباطل وأنا على حق , ولأنه ظالمٌ وأنا مظلومٌ , ولأنني سُجنتُ بسبب أنني أدعو إلى الله وأما هو فيعذبني في سبيل الشيطان والعياذ بالله . والسجين
-إذا كان على حق وكان مظلوما وكان يعلم أن ما أصابه هو في سبيل الله وحده - يمكن أن يقولَ لجلاده بكل قوة : "والله أنا في سعادة لو علم بها أقوى شخصٍ في البلاد لقاتلَني عليها بأقوى سلاحٍ عندهُ " .

73 – إياك والظلم :
قال عبدٌ صالح لحاكمٍ :".. فقد أمكنتك القدرة من ظلم العباد ، فإذا هممت بظلم أحد فاذكر قدرةَ اللهِ عليك . واعلم أنك لا تأتي إلى الناس شيئا إلا كان زائلا عنهم باقيا عليك ، واعلم أن الله عز وجل آخذٌ للمظلومين من الظالمين ".
وأذكر بالمناسبة أن جلادا من الجلادين كان يجلدني- مع غيره - في السجن بين سبتمبر 1985 م وجانفي 1986 م ويعذبني بالكهرباء ويضربني ويسبني , ويسب أمي وأبي والعلماء والأنبياء ويقول لي : " قل لربك ينزل ليدافع عنك !!!". كنت أقول له ولكنه لا يفهم للأسف الشديد :
-"يا فُلان أنت لا سلطانَ لك إلا على بدني , أما عقلي وقلبي فإنك لن تصل إليهما مهما حاولت وعاونك على ذلك ظلمةُ الدنيا كلهم".
-و"يا فُلان أما ظلمك لي فإنه زائل عني بإذن الله طال الزمن أو قَصُر ولا يبقى لي منه إلا الحسنات بإذن الله , ولكنه باقٍ عليك إلى أن تلقى ربك يوم القيامة على شكل سيئات قد تقدر على حملها ويمكن جدا أن لا تقدر".
ولكن لا حياة لمن تنادي . وكما قال الله :( فإنها لا تعمى الأبصار, ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ) .

74 – بين الجهد المبذول والنتائج المترتبة :
ليس مطلوبا من التلميذ أن يكون مستواه الدراسي مثل مستوى أخيه أو أخته أو قريبه أو جاره أو صديقه أو ...هذا خطأ كبير يقع فيه التلميذ عندما يقول " لِمَ لا أكون مثل فلان ؟!" ويقع فيه الأستاذ أو ولي التلميذ أو ... عندما يقول للتلميذ " يجب أن تكون مثل فلان وأن تأخذ المعدلَ الذي أخذه فلانٌ وأن يكون لكَ مستوى فلان أو ...". هذا خطأٌ واضح لأن اللهَ خلق الناسَ وخلقهم مختلفين من حيث إمكانياتهم وقدراتهم .
ومنه فإن الصوابَ هو أن يقول التلميذُ " يجب أن أبذلَ الجهدَ الذي يجبُ أن أبذلَـه من أجل الاجتهادِ في دراستي ثم بعد ذلك لا يُهمُّ المستوى الذي أصلُ إليه أو المعدلُ الذي سأتحصلُ عليه " , وكذلك فإن الصواب أن يقولَ المعلمُ والولي و...للتلميذِ " يجب أن تبذلَ الجهدَ الذي تقدرُ على بذله من أجل الاجتهاد في دراستك , ثم بعد ذلك لا يُهمُّ المستوى الذي ستصلُ إليه أو المعدلُ الذي ستتحصلُ عليه".
إن التلميذَ الذي بذلَ الجهدَ الذي يقدرُ على بذله ولم يتحصلْ في النهاية في الامتحان –أي امتحان - إلا على 05/20 مثلا ( وهو معدل ضعيف جدا ) , لا يجوز ولا يليقُ أن يلومَهُ أحدٌ , لماذا ؟ , والجوابُ : لأنه فعلَ ما يقدرُ على فعله وكذا فعل ما يجبُ عليه أن يفعلَ.
وأما التلميذُ الذي بذل جهدا لكنه أقلُّ مما يقدرُ على بذله ثم حصلَ على معدل كبير هو 18 /20 مثلا , فإنه يُلام ويُعاتب و..., لماذا ؟ , والجوابُ : لأنه تكاسل ولم يبذلْ الجهدَ الذي يقدرُ على بذله .
رأيتُ تلميذة جيدة سلوكا واجتهادا , كانت تدرس عندي ( في السنة الثالثة ثانوي ) منذ سنوات , رأيتها تبكي أمام القسم . سألتها " ما الخطبُ ؟! " فأجابتْ وقد ازداد نحيبها " أنا أتحسرُ وأتساءل : لماذا لا أكون مثلَ زميلي فلان , معدلي في نهاية الثلاثي الأول حوالي 16/20 , لماذا لا آخذ أكثر من 17/20 مثلما أخذ زميلي فلان ؟!" , فابتسمتُ وقلتُ لها " يا فلانة أنت مخطئة , أنتِ ما زلتِ حتى الآن لم تعرفي ما هو واجبك ؟. ليس مطلوبا منك شرعا أو منطقا أو عقلا أو تربويا أو تعليميا أو ...أن تحصلي على المعدل الذي حصل عليه فلان , وإنما المطلوبُ منكِ أن تبذلي الجهدَ الذي تقدرين أنتِ – لا زميلكِ – على بذله . فإن فعلتِ ذلك ارتفعَ اللومُ عنك مهما كان معدلُك الذي ستحصلين عليه . وبقيتُ أشرحُ لها هذه النقطة حتى هدأ روعُها وسكنتْ نفسها واطمأن قلبها.

75- تعلق الناس المبالغ فيه براق معين :

ألا يبالغ الناس في التعلق براق معين هو الذي يجب أن يرقيهم وإلا فالرقية مرفوضة ؟.
والجواب : بلى! إن البعض يبالغ إلى درجة غير معقولة ولا مقبولة ولا مستساغة . يأتيني بعض الناس طلبا لرقية فأقول للواحد منهم :
1-"أنا مشغول بالرقية أكثر بكثير من غيري.
2-كل الرقاة أسباب والشافي هو الله وحده.
3-إذا ألححتَ على أن أكون أنا بالذات الذي أرقيك فإن الله يمكن أن لا يعطي الشفاء على يدي لينبهك إلى أن الشفاء بيده هو يجريه على يد من يشاء هو لا من أشاء أنا أو تشاء أنت.
4-قد أعطيكَ أنا موعدا بعيدا وقد يعطيكَ راق آخر موعدا (من أجل الرقية) أقرب.
5- أنا أدلك على من يرقي مثلي بطريقة شرعية ويستحيل أن أرسلك إلى مشعوذ أو دجال أو راق يرقي بالطرق المنحرفة.
6-إذا ذكرتَ لي أشخاصا شفاهم الله على يدي ولم يشفهم على يدي غيري , فإنني أذكر لك في المقابل كثيرين لم يُشفوا على يدي وشفاهم الله على أيدي غيري.
7- إذا شُفي شخص على يدي فليس شرطا أن يُشفى كل شخص مريض يأتيني لأرقيه,ويستحيل أن تجد في الدنيا كلها اليوم أو بالأمس أو في الغد راقيا أو طبيبا أو .. يُشفى على يده كل من يقصده للعلاج ,وإلا فإنه قد يصاب بالغرور ويدعي أنه إله والعياذ بالله تعالى من الكفر بعد الإيمان".
وأظن بعد طول حديث معه بأنني أقنعته لأن كلامي شرعي ومنطقي,لكنني بمجرد الانتهاء من كلامي يرد علي في الغالب قائلا:"ومع ذلك -أي مع كل ما سمعت منك- أرجوك أن ترقيني أو تعطيني موعدا من أجل رقية"!.
وأسمع –كمظهر من مظاهر تشبت المريض المبالغ فيه براق معين-كلمات غريبة مثل :
1-"والله لن أذهب عند أحد غيرك حتى ولو كان صديقي أو أخي أو قريبي أو جاري (أو تقول الزوجة :حتى ولو كان زوجي) راقيا.
2-والله لو أخذتُ غيرَك ليرقي زوجتي لكذبتُ عليها وقلتُ لها بأن هذا هو"عبد الحميد رميتة" !!!.
3-والله لن آخذ ابنتي اليوم عند أي راق آخر, ولكنني سأنتظر الموعد الذي تحدده أنت لي من أجل أن ترقيها,حتى ولو ماتت قبل أن ترقيها أنتَ!!!.
4-أنا ذاهب عند الراقي الذي ذكرتَه لي , ولكنني أتمنى أن لا أجده حتى أرجع إليك لترقيني أنتَ"!!!.أنا أعلم بأن ثقة المريض في الراقي قد تعين على فعالية الشفاء وعلى سرعته,لكن إذا وصل تعلق المريض بالراقي إلى هذا الحد المبالغ فيه فإنه يصبح شركا أصغر أو أكبر كما يصبح مصيبة كبيرة تجب محاربتها ومجاهدتها بكل الطرق الشرعية الممكنة مهما وجدنا في طريق ذلك من عقبات .
يتبع : ...

ليست هناك تعليقات: