الاثنين، 16 يونيو 2008

وقفات مع ذكريات ( من 66 إلى 70 ) :

بسم الله
عبد الحميد رميته , الجزائر

66 – توضأ بالماء كما يتوضأ كلُّ الناس ! :
أذكرُ أن امرأة في يوم من الأيام رقيتُها وفي نهاية الرقية قرأتُ لها في زيت زيتون وقلتُ لها : " استعمليه كالآتي :
في كل يوم وقبل النوم - وحتى ينتهي الزيت - :
1- توضئي الوضوء الأصغر , وإن لم تكوني طاهرة .
2- ثم اقرئي المعوذتين والفاتحة والإخلاص وآية الكرسي .
3- ثم ادهني بالزيت كذا وكذا من أجزاء جسدك .
ثم ...
وقبل الفطور عليك بشرب 3 ملاعق صغيرة من الزيت على الريق ".
وطلبتُ منها أن تخبرني بحالتها بعد أيام , أي عندما تنتهي من استعمال الزيت .
وفي أمسية ذلك اليوم وفي ساعة متأخرة اتصلتْ بي تلك المرأة عن طريق الهاتف , وسألتني " يا شيخ هل أتوضأ قبل النوم بالزيت ؟ ! ". قلتُ لها " سبحان الله ! وهل هناك أحدٌ في الدنيا يتوضأ بالزيت ؟!".
وشر البلية ما يضحكُ كما يقولون !!!.
ومن ذلك الوقت أصبحتُ غالبا أقول للمريض في نهاية الرقية الجملة الآتية , وأؤكد عليها خوفا من أن لا يفهمَ ويتوضأ في المساء بالزيت عوض أن يتوضأ بالماء , أصبحتُ أقول له " توضأ بالماء كما يتوضأ كل الناس",
وأعيدها مرتين أو ثلاثة .
والله أعلم بالصواب .

67 – عن الغش في الامتحانات من جديد :
قلتُ وما زلتُ أقول وسأبقى أقولُ بأن الغشَ في الامتحانات حرامٌ شرعا وممنوع قانونا , حتى وإن أصبح – عرفا- مقبولا ومستساغا , وحتى وإن أصبح – عادة – المانعُ للغش شاذا وأصبح الغاش طبيعيا !. والمعلمُ أو الأستاذ بقدر ما يجبُ أن يتشددَ مع نفسه من أجل أن يقدمَ للتلاميذ أكبرَ نفع ممكن – مادي ونفسي ومعـنـوي و..- من خلال تدريسهم , بقدر ما يجبُ عليه أن يتشددَ مع نفسه من أجل منع التلاميذ من الغش في الامتحانات , سواء رضي التلاميذ أم سخطوا .
ومما يتعلق بذكرياتي مع التلاميذ ومحاولة الغش في الامتحانات أذكر ما يلي :
1-تلميذة – في امتحان ما – ضبطتها بعد 10 دقائق من بدء الامتحان وهي تريد أن تنقل من ورقة صغيرة مكتوب فيها مجموعة من الدروس في مادة من المواد . الدروس مكتوبة بخط صغير جدا , والتلميذة أتت بها معها من البيت . أخذتُ ورقة الإجابة من التلميذة وكذا مجموعة الأوراق التي كانت تريد أن تنقل منها , وقلت لها " تفضلي . اخرجي " !. أجابتني التلميذة " والله يا أستاذ هذا حرام عليك "!. قلت لها " غريب أمركِ يا هذه ! تغشين , ثم تقولين لمن يريد أن يمنعكِ من الغش : حرامٌ عليك . إنك بهذا ترتكبين ذنبين في آن واحد ".
2- تلميذٌ حاول أن يغشَّ في امتحان ما , فما مكنْـتُه من ذلك . حاول ثم حاول , فلما لم يستطع أرجع ورقتَـه بيضاء تقريبا . وفي نهاية الحصة أخبرتني بعض المراقبات بأنهن رأين التلميذَ يمشي في الرواق ( بين الأقسام ) وهو يتحدثُ مع نفسه وبصوت مرتفع حديثَ الغاضبِ والمُنكِر , ويقول " ما بال هذه الأستاذ ( بدون أن يسميني ) , أكيد هو مجنون , إنه مجنون بلا أدنى شك , هذا رجل ما هوشْ في عَقْـلُو (أي ليس له عقل )" !.
3- أثناء حراسة البكالوريا علوم أحرار للعام 06/07 م انزعج تلاميذُ فوج من الأفواج من حراستي لهم في الصباحِ ثم في المساء , ومن تشددي معهم في الحراسة , فذهبَ بعضُهم إلى أمانةِ مركز الحراسة , حيث وجدوا هناك بعضَ الأساتذة فاشتكوني إليهم قائلين لهم " رجاء ثم رجاء لا ترسلوا الأستاذ رميته في الغد ليحرسنا من جديد"!. قال لهم الأساتذةُ " ألم يقم الأستاذُ رميته بواجبه في الحراسة كما ينبغي ؟!" , فطأطأوا رؤوسهم وسكتوا ولم يجيبوا , فأعاد الأساتذةُ عليهم السؤالَ من جديد " هل قصَّر الأستاذُ في أداء مهمة الحراسة ؟!" , فأجابَ التلاميذُ مجتمعين ومبتسمين " نعم قام بمهمته , ولكنه بالغ في ذلك "!!! . وشرُّ البلية ما يُضحك كما يقولون .

68 – زيارةُ الناس لي في المستشفى :
أُصِبْـتُ في يوم من الأيام من عام 2006 م بمرض بسيط في إحدى رجلي اضطررتُ من أجله إلى الدخولِ إلى المستشفى والبقاءِ هناك حتى نصف الشفاء بعد حوالي 7 أيام , ثم بقيتُ مع عطلة مرضية في بيتي لمدة 3 أسابيع , حيث شفيتُ تماما والحمد لله رب العالمين .
وأثناء بقائي في المستشفى ( لأول مرة في حياتي ) لمدة حوالي أسبوع زارني الكثيرُ من الناس من داخل المستشفى ومن خارجه , من المرضى ومن الأصحاء , من التلاميذ والتلميذات , ومن الأساتذة والإداريين والعمال والمراقبين و ...
وأخذتُ من الفترة التي قضيتُـها في المستشفى في ذلك الوقت مجموعة من الدروسِ والعبر أذكر منها :
1-أن الإنسان ضعيفٌ جدا يمكن أن تقتله وبسهولة بعوضةٌ واحدةٌ , ولكنه عندما يبتعدُ عن الله يمكن أن ينفخَ فيه الشيطانُ فيتكبرُ ويتجبر.
2-أن صحةَ الإنسان نعمةٌ عظيمة جدا لا يعرفها في الكثيرِ من الأحيان إلا من فقدها , " نعمتان مغبونٌ فيهما كثير من الناس : الصحة والفراغ".
3-كلُّ واحد منا يحتاج في أعماق نفسه إلى العطف والحنان , ومنه كنتُ أفرح كثيرا عندما يزورني أيُّ شخص - مهما كان - نتيجة الرغبة الداخلية في أعماق نفسي إلى العطف والحنان .
4-فرقٌ كبير بين أن يزوركَ شخصٌ - وأنتَ مريضٌ – ( أو يعودُكَ) طمعا فيك أو خوفا منك , أو يزورَك لوجه الله تعالى . ومنه كانتْ فرحتي عظيمة جدا لزيارة الناس لي , لأنهم لم يزوروني إلا لوجه الله , لا لدنيا يصيبونها .
5-كانت فرصة بقائي في المستشفى مهمةٌ جدا من أجل أن أحاسبَ نفسي – دينيا ودنيويا - . ومنه فأنا أنصحُ
نفسي وغيري بأهمية أن يجدَ كلُّ واحد منا وقتا ( كل يوم أو كل أسبوع أو ..) من أجل أن يختليَ بنفسه
ليُحاسبها على ما قدمتْ وليُلزمها بما ستُقدمُ في المستقبل .
والله وحده الموفق والهادي لما فيه الخير .

69 - إذا أردتَ أن يحبك اللهُ ثم الناسُ فازهدْ فيما في أيدي الناس :
في مجال الرقية يوجدُ على طول الجزائر – خاصة- وعرضها , يوجد على الأقل مئاتُ الأشخاص يحترفون الرقية وما هم برقاة . إنهم ليسوا برقاة شرعيين لسببين أساسيين : جهلهم الفظيع بالإسلام وبالرقية الشرعية , وكذا اختلاسهم لأموال الناس بالباطل . وبسبب سرقة " أشباه الرقاة " لأموال الناس بالباطل كوَّن هؤلاء الرقاة وفي زمن قياسي جدا ثروات كبيرة وخيالية , اشتروا بواسطتها السيارات الفاخرة وبنوا الفيلات و...
ومما يتصل بهذا الأمر أقولُ عن نفسي" ما أكثر ما رقيتُ ناسا خلال سنوات وسنوات , وحاولوا أن يعطوني مالا فرفضتُ , وحاولوا أن يعطوا لزوجتي أو أولادي فرفضتُ , وحاولوا إعطائي مالا باسم الهديةِ فرفضتُ و...
وحاولوا كذلك أن يعطوني " مقابلا " للرقية بطريقة غير مباشرة فرفضتُ .
ملاحظة : لقد حدث لي مراتٌ ومرات أن رقيتُ أشخاصا ثم حاولَ الواحدُ منهم أن يعطيني مئات الألوفِ من السنتيمات , وأنا في الحقيقة في أشد الحاجة ولو إلى 10 آلاف فقط من السنتيمات ( وهو مبلغٌ زهيد جدا يعرفه فقط الجزائريون ) , ومع ذلك أرفضُ أخذَ المبلغ وأُصرُّ على الرفضِ . ووالله أنا متأكدٌ من أن السكينةَ والطمأنينة التي يُنزلها الله على قلبي والراحةَ التي أحسُّ بها والسعادةَ التي أشعرُ بها وأنا لا آخذ مالا , هي أعظمُ بكثير من التي أحسُّ بها لو أخذتُ مالا , وصدق من قال " اليدُ العليا خيرٌ من اليد السفلى " وقال "والباقياتُ الصالحات خيرٌ عند ربك ثوابا وخير أملا " , وقال " وما الحياةُ الدنيا في الآخرة إلا متاعٌ " وقال " ما عندكم ينفذُ وما عند الله باق " .
حاول الكثيرُ من الناس ( الذين رقيتهم أو رقيتُ لهم واحدا من أهلهم ) – خاصة منهم أصحابُ السلطة والنفوذ من المسئولين الكبار في البلدية أو الدائرة أو الولاية أو الشرطة أو الدرك أو الجيش , أو أصحابُ المال من الأغنياء – أن يعطيني الواحدُ منهم عنوانَـه أو رقمَ هاتفِـه ويقول لي " إن احتجتَـني في يوم من الأيام لأخدمَـك في أمر ما , فأنا تحت التصرف "!. ولكنني كنتُ دوما أجيبُ الشخصَ وبأدب " أنت مشكورٌ جدا يا هذا . بارك الله فيك , ولكنني لن أحتاجَ بإذن الله , لذلك لا داعي لأن آخذ عنوانَـك أو رقمَ هاتفك ".
قد يبدو هذا التصرف مني تشددا لا لزوم له , ولكنني متأكدٌ بأنه يساعدُ على جعل الرقية الشرعية خالصة لوجه الله , ثم هو يساعدُ على رفع قيمة الشخص بإذن الله عند الناس .
إن هذا المسئول أو الغني لو أخذتُ منه عنوانَـه أو رقمَ هاتفه وطلبتُـه في يوم ما من أجل خدمة , فإن قيمتي ستسقطُ عنده , ثم إن طلبتُه من أجل خدمة ثانية سقطتْ قيمتي عنده أكثرَ , ثم بعد ذلك يمكن جدا أن تسقطَ قيمتي عنده إلى درجة أن يصبح يُـغيرُ طريقَـهُ كلما رآني ( والعياذ بالله تعالى) .
وأما عندما أستغني عن خدماته فإنني متأكدٌ بأن قيمتي سترتفع عندهُ وبأنه يصبح كلما رآني أقبلَ علي مُسلِّـما ومُرحِّـبا و... من فرط محبته لي واحترامه وتقديره لي . هذا عن قيمتك أيها الراقي عند الناس - عندما تزهدُ فيما في أيدي الناس - , وأما ما هو أهم فإن رقيتَـك ستكون أقربَ إلى الإخلاص لوجه الله , وإن أجرَك على الرقية سيكون بإذن الله أكبرَ , وإن بركةَ رقيتك ستكون بإذن الله أعظمَ وأعظمَ .
ولا ننسى في النهاية " ما عندكم ينفذ وما عند الله باق ".
والله أعلى وأعلم .

70 – أنا أشربُ القهوةَ ولكن ... :
أنا أشربُ القهوةَ من زمان بمعدل واحدة بعد الغذاء وواحدة بعد العشاء , ولكنني أشربها متى شئتُ ولا أشربها متى شئتُ . أشربها ويمكنني أن أمتنعَ عن شربها بكل سهولة , ولا أشربها ولا يحصلُ لي شيءٌ . ومنه فأنا لستُ مدمنا على شربِ القهوة , ولا حرجَ علي إن بقيتُ أشربها باعتدال وتوسط وبدون مبالغـة , ما دام لا يمنعني مانعٌ صحي أو طبي من شربها .
وأنا أقول للناس دوما "لا يُقبَل منا أن ندمنَ على شيء إلا أن يكون عبادة من العبادات ( إن صحَّ وصفُ الإدمان هنا ) " . ومنه فأنا إن أدمنتُ على الصلاة في وقتها ( مع تحفظي طبعا على لفظ" الإدمان" هنا ) فإدماني محمودٌ
– وهو واجبٌ - , وإن أدمنتُ على أذكار اليوم والليلة فإدماني محمودٌ – وهو مستحبٌّ- . ونفس الشيء يُقال عن صيام رمضان وعن صيام التطوع وعن قيام الليل وعن عيادة المرضى وعن طلب العلم وعن زيارة المقبرة وعن الصدق والوفاء والأمانة و... كلُّ إدمان من هذا النوع محمودٌ ومطلوبٌ وصاحبه مشكورٌ .
– وأما الإدمانُ على الـمـبـاحات من شؤون الدنيا فلا بأس به ما لم يترتب ضررٌ على التوقفِ , فإن ترتب ضررٌ على التوقفِ فإنني أرى بأنه يجبُ التوقفُ عن فعل الشيء لأن الشخصَ أصبح مدمنا , والإدمان هنا سيءٌ وقبيحٌ ومذمومٌ .
والمثالُ عن ذلك رجلٌ تعود على شربِ القهوةِ من مدة طويلة أو قصيرة بحيثُ أصبحَ عندما لا يشربُـها لمدة 24 ساعة أو أقل أو أكثر يؤلمُهُ رأسُـه . هذا الشخصُ أصبحَ مدمنا على شربِ القهوة , والمطلوبُ منه التوقفُ عن شربها حتى ولو كان شربُها حلالا . وأما إن توقفَ عن شربها لأيام ولم يحصلْ له شيءٌ فإنه لا يعتبرُ مدمنا , ولا بأس عليه عندئذ أن يستمر في شربها إن أراد ذلك . وما قيلَ عن القهوة يُقالُ مـثـلُهُ عن سائر المباحات الدنيوية التي لها صلة بالأكل والشرب والملبس والمسكن والجنس وغير ذلك ...
أتمنى أن يكون الأمر واضحا . والله أعلم بالصواب .
يتبع : ...

ليست هناك تعليقات: