السبت، 14 يونيو 2008

الجزء السادس (من ال 26 إلى الوقفة 30 ) :

بسم الله
عبد الحميد رميته , الجزائر

26 - قمة الجهل والجرأة على الله والبعد عن الحياء :
عندما كنتُ أُدرِّسُ في ثانوية ..., وفي الوقت الذي كنتُ فيه أعزبا , كنتُ أبيتُ أنا وبعض الأساتذة العزاب في حجرة معينة خصصتْها لنا إدارة الثانوية مشكورة . وكان الطريقُ الموصل إلى هذه الحجرة يمر على ساحة الثانوية ثم على ساحة ثانية للثانوية مخصصة لرياضة التلاميذ والتلميذات ( في ثانوية مختلطة للأسف الشديد ) . ورياضةُ البنات في ذلك الوقت كانت أسوأ مما هي عليه اليوم , لأنها كانت تتم – إجباريا- بسروال قصير جدا يكشف أكثر مما يستر ( short ) , فضلا عن أن هذه الرياضة كانت تتم بشكل عادي وإجباري مع التلاميذ الذكور وأمام الذكور من غير التلاميذ ( الذين يتفرجون على الإناث من فوق حائط الثانوية ! ) . ولكن كان هناك طريق صغير وضيق يمكن أن يمر عليه الشخصُ ليصل إلى حجرة الأساتذة العزاب بدون أن يمر على ساحة الرياضة . ولأن زملائي كانوا – منذ كنتُ صغيرا - يعتبرونني شاذا لا لأنني شاذٌّ بالفعل , ولكن لأنني لا أشاركهم فيما لا يجوز من الكفر اللفظي ومن الكلام الفاحش ومن المخالطة المحرمة للبنات و ... ومن الاطلاع المحرم على عورات النساء الأجنبيات . قلتُ : لهذا فإنني كنتُ حريصا كل الحرص على أن أتجنب المرورَ بجانب التلميذات وهن يمارسن الرياضة حتى لا أرى ما لا يجوز لي رؤيته من عوراتهن . وفي يوم من الأيام كنتُ مارا إلى حجرتنا بالثانوية من خلال الطريق الخاص , وبعيدا عن أستاذة الرياضة وتلميذاتها . وعندئذ رأتني الأستاذة من بعيد , فنادت تلميذاتها (اللواتي كن يحترمنني ويحببنني ) وصرختْ فيهم وهي تقهقهُ " تعالين وانظرن إلى الأستاذ رميته ,كيف أنه يستحي أن يمر بجانبكن حتى لا يراكن !. هههههاه أُنظرن إليه كيف يستحي من بناته !. هههههاه أنظرن إليه كيف يستحي مما لا يستحي منه غيرُه من الرجال !. هههههاه أنظرن إليه يا بنات !", ثم تضيف ضاحكة وساخرة مني "مسكين إنه يستحي منكنَّ ولا يريد أن يرى جمالكن !".
وأنا أترك الكلمة بدون أي تعليق , لأنها غنية عن أي تعليق .

27 -السؤال صعب جدا لأنه سهل جدا (!) :
يحدث لأي واحد منا في حياته - ولو بشكل قليل أو نادر- أن يُطرح عليه سؤال ديني أو دنيوي فلا يستطيع أن يجيب , لا لأن السؤال صعب جدا بل لأنه سهل جدا.
وقد يَطرح الواحد منا على آخر سؤالا معينا فلا يستطيع الآخر أن يجيب عنه , لا لأن السؤال صعب جدا ولكن لأنه سهل جدا. وهذا الذي يحدثُ لأي منا في القليل أو النادر من الأحيان ( لأنه لو وقع كثيرا أو غالبا فإنه يصبحُ أمرا غير طبيعي , ويصبح مشكلة تبحث عن حل , وقد يصبحُ مرضا نفسيا أو عصبيا يتطلبُ علاجا سريعا ) , هو أمرٌ طبيعي مرتبط بكون الإنسان عاجز وقاصر وضعيف , وعنده من الهموم ما عنده , وعنده من المشاغل ما عنده . هكذا خلقه الله " تبارك الله أحسن الخالقين ".
وكمثال على ما أقول طَرح علينا معلمٌ سوري في الستينات عندما كنتُ أدرس في السنة 2 أو 3 من التعليم الإبتدائي , طرح علينا السؤال الآتي ووعدنا بجائزة يعطيها لمن يجيب جوابا صائبا . لم يجبْ أحدٌ منا عن السؤال في نفس الحصة , لأن السؤال بدا لنا صعبا جدا !. وكنتُ أنا أول من أجابَ عن السؤال , ولكن بعد يومين أو ثلاثة من التفكير ولم يأتِ الجوابُ من عندي , بل من عند أخت لي كبيرة سألتُـها فضحكتْ علي وأجابتني . أخبرتُ المعلمَ بأن الجوابَ من أختي وليس من عندي , ومع ذلك ضحكَ معي بعد أن ابتسم ابتسامة عريضة ثم أعطاني الجائزة البسيطة جدا والغالية جدا (صورة جميلة , وزجاجة عصير فاكهة , وبعض الحلوى ) .
تتساءلون عن السؤال المطروح ما هو ؟!.
إضحكوا علي قليلا ولا تضحكوا كثيرا . إنه " مريم إبنة عمران , ما اسم أبيها ؟ "!.

28 - قد يتيهُ كل منا تيها طبيعيا لكن بشروط :
الإنسان ضعيفٌ وعاجز وقاصر. هكذا خلقه الله , وقد يكون من الحِكم من وراء ذلك : أن يبقى الإنسانُ متواضعا لله ولا ينفخُ فيه الشيطان في يوم من الأيام ويدعي أنه"إله" والعياذ بالله تعالى . ومن مظاهر ضعف الإنسان أنه يتيه في بعض الأحيان تيها طبيعيا بدون أن يُلام كثيرا . وبدون أن أكون طبيبا نفسانيا وبدون الرجوع إلى أطباء نفسانيين يمكن أن أقولَ – انطلاقا من التجربة- بأن التيه من أي منا طبيعيٌّ ( ولا يدل أبدا على مرض ) بشروط منها :
ا- أن يقع التيهُ في فترات متباعدة , ولا يقع في كل يوم مثلا .
ب- أن لا يصل التيهُ إلى درجة يصبحُ معها صاحبهُ لا يفرق بين الأرض والسماء , ولا بين الرجل والمرأة , ولا بين أن يكون أبا أو إبنا , ولا يفرق – والعياذ بالله – بين زوجة وبنت , ولا…
إذا توفر الشرطان فإن التيه يصبح عاديا وطبيعيا بإذن الله . قد يُضحكنا في بعض الأحيان , نعم ! , ولكن يبقى صاحبُه غير ملوم .
من أمثلة ذلك : أن الواحد منا يبحثُ عن ساعته وهي في يده , ويطلب العشاءَ وهو قد تعشى , وتكسر المرأةُ البيضة وترمي البيض في سلة القاذورات (بالمطبخ ) وتضع قشرَ البيض في الزيت المغلي بـ"المقلى" , وهكذا …
ومن أمثلة ذلك من حياتي الخاصة : كنتُ ذاهبا (في الصيف منذ حوالي 5 سنوات) من قريتي التي يسكنُ فيها أهلي ( بولاية سكيكدة ) إلى قرية أخرى مجاورة حيث كنتُ مدعوا إلى الغذاء بمناسبة عرس قريب لي , ومدعوا كذلك لتقديم درس ديني بسيط له علاقة بالأعراس والأفراح . وفي الطريق – ولمسافة تساوي حوالي 3 كلم – التي قطعتُـها مشيا على الأقدام ,كنتُ أشغلُ نفسي بذكر الله أو بقراءة القرآن . وفي لحظة من اللحظات مرتْ بي بقرة ( والطريقُ عادة خال لأنه موجود داخل غابة وهو بعيد عن السكان ويقعُ في منطقة نائية و…) , فقلتُ لها بدون أن أنتبه إلى أنها حيوانٌ وليستْ إنسانا " السلام عليكم "!. وبعد دقيقتين أو ثلاثة , أي بعد قطعي لحوالي 50 أو 60 م تساءلتُ مع نفسي " لمن قلتَ يا عبد الحميد قبل قليل : السلام عليكم ؟!" , فاستدرتُ إلى الخلفِ فلم أر إلا بقرة خلفي , فعلمتُ بأنني سلمتُ على بقرة !!! .

29 -عسكر كامل يسكن في جسدك :
أذكر أن شابة ( والذي ظهر لي فيما بعد , بعدَ طول الحديث معها وبعد أن رقيتها أنها مريضة نفسيا . وهذا هو الذي أكده أكثر من طبيب قبل ذلك.والمرض كان بسيطا لكن الراقي الجاهل عقَّدهُ) عمرها 20 سنة اشتكى أهلها من أنها تغضب وتثور لأتفه الأسباب , وتتكلم كثيرا , وتحب العزلة , وتسمع القرآن والدروس الدينية في البيت بصوت مرتفع يؤذي أهل البيت وكذا الجيران , وتقلق فوق اللزوم , وتريد أن تخرج من البيت لتذهب إلى أماكن مهجورة وخالية , ومن أنها عنيفة ومستعدة لتتشابك مع أي كان يعترض هوى من أهوائها , و...سألتها : "ما بك ؟ " فقالت والألم يعصر قلبها :"وكيف لا أكون كما قال لك أهلي , وقد ذهبتُ عند الراقي (فُلان) فأخبرني في نهاية الرقية بأن معسكرا كاملا من الجن يسكن في جسدي ! ".ثم أضافت قائلة : "وإذا كان الأمر كما قال بالفعل فما فائدة بقائي مقيمة مع الإنس ؟!.إن السكن مع الجن أولى لي من السكن مع الإنس". جلستُ معها حوالي ساعة , سمعتُ خلالها منها وقدمتُ لها النصائح والتوجيهات المناسبة وبسطتُ لها مرضها , ثم رقيتُـها ( وأنا مقتنع بأنها لا تحتاج إلى رقية ) . وخلال مدة قصيرة – وربما كذلك مع دواء الطبيب النفساني - شُفيتْ والحمد لله رب العالمين .
نسأل الله الهداية لكل الرقاة , وكذا العلم والوعي لكل الناس , حتى لا ينخدعوا بالرقاة الجهلة والكاذبين والآكلين لأموال الناس بالباطل .

30 - دنو الهمة ودناءتها :
الفرق بين الرجل الصفر ( أو المرأة الصفر ) وغيره هو أن الأول همته متدنية وتكاد تساوي الصفر , وأما الثاني فهمته عالية وسامية ومرتفعة . ومن علامات دنو الهمة أو دناءتها أن الشخص يرضى بالقليل أو بلا شيء في أمر الآخرة , في الوقت الذي يكون فيه مستعدا ليرتكب الصغائر والكبائر من أجل متاع الدنيا الزائل والفاني . ومن علامات علو الهمة وسموها أن الشخص يحاول أن يزهد في شؤون الدنيا الفانية , وأما في أمر الآخرة فإنه يبذلُ الغالي والرخيصَ ليكون غدُه أحسنَ من يومه ولينتقل دوما من السييء إلى الحسن أو من الحسن إلى الأحسن . وللأسف ما أكثرَ الرجال الأصفار في زماننا هذا ! .
ومن أمثلة الإنسان الصفر :
1- الولد الذي أخبرتني أمه ( تلميذ في ثانوية ) , بأنها سألته "يا بني لماذا لا تجتهد في دراستك ليكون لك معدل أحسن من معدلك الحالي (10/20 ) , خاصة وأن أباك ( وهو معلم ) وكذا أساتذتك يؤكدون جميعا على أنك قادر على أن تحصل على معدل أكبر بكثير من معدلك الحالي ؟!" , فأجابها " أنا يا أمي قنوعٌ , ولا تنسي يا أمي أن القناعة كنز لا يفنى"!!!. وشر البلية ما يضحكُ كما يقولون ! .
2- التلميذ الآخر الذي أخبرتني أمه بأنها سألته سؤالا مشابها , وأضافت " لماذا يا بني تسمحُ للبنات في الثانوية أن يتفوقن عليك في الدراسة , لماذا لا تعمل من أجل أن تكون أقوى منهن في الدراسة كما أنك أقوى منهن بدنيا وعضويا ونفسيا ؟" , فأجابها " أنا يا أمي لا أريد أن أتشبه بالبنات ( لأننا في زمان تتفوق فيه البنات في الدراسة أكثر من تفوق الذكور ) , ولا تنسي يا أمي أن الله لعن المتشبهين من الرجال بالنساء. أنا يا أمي لا أجتهد في دراستي حتى لا أتفوق فيها ولا تصيبني لعنة الله بعد ذلك"!!!. آه ثم آه ثم آه كم في هذه الدنيا من مضحكات ومبكيات في نفس الوقت !!!.
والرجل الصفر , لأنه لا يهتم بالمهم فإنه يهتم بالأقل أهمية أو بما لا أهمية له أو بما هو تافه , لأن العقل والقلب إما أن تشغلهما بحق وإلا شغلاك بالباطل .
سألني أحدهم في يوم من الأيام – منذ حوالي 10 سنوات- ( وكان لا يعرفني جيدا , وإلا ما كان طرحَ علي السؤالَ الذي طرحه ) , وهو يشير إلى معطف كان يلبسه ويعتز به أيما اعتزاز " أتدري يا عبد الحميد بكم اشتريتُ هذا المعطف ؟!" قلتُ " لا أدري" , قال بكبرياء وتعالي زائفين " لقد اشتريته بأغلى الأسعار : ب 250 ألف سنتيما" ( وهو سعر باهظ – كما يعرفُ ذلك أهل الجزائر- إلى حد كبير خاصة في ذلك الوقت ) . رددتُ عليه سائلا ( بطريقة لم يتوقعها , وبها عرفني جيدا ) " أتدري بكم اشتريتُ معطفي هذا ؟!" (وأشرتُ إلى معطف بسيط كنتُ ألبسه ) , قال " لا أدري " , قلتُ " لقد اشتريتُـه والحمد لله بأبخس الأثمان , ب 40 ألف سنتيما ", فسكتَ ولم يعلقْ ولو بكلمة , لأنه تعلمَ من جوابي جملة معاني :
الأول : أخطأ في العنوان لأنه أراد أن يستفزني فما استجبتُ له , وأراد أن يتكبر علي التكبر المنهي عنه شرعا فتكبرت عليه التكبر الجائز .
الثاني : الله ينظرُ إلى القلبِ وما بداخله من إيمان , وإلى الجوارحِ وما تقوم به من عمل صالح , ولا ينظرُ إلى الصورِ والأجسام .
الثالث : الذي ليس له شيءٌ مهم من أدب وأخلاق ودين وأمانة و... يَظهرُ به للناس فإنه يُظهِرُ عندئذ شكلَه وجسمَه ولباسَه و...
ومنه فأنا أقولُ بين الحين والآخر للتلميذات - في الثانوية التي أُدرسُ بها حاليا - اللواتي يتركن الأدبَ والأخلاق والاجتهاد في الدراسة ويجعلن همَّهن الأكبر : السفورَ والتبرج والاهتمام الزائد بالزينة , أقول لهن" المرأةُ التي لا تجدُ ما تُظهرهُ – مما هو مُـهِـم – تُظهرُ عادة جسدَها "!. هذه كلمة قاسية , ولكنها في نفس الوقت حقيقة .نسأل الله أن يوفقنا لما فيه الخير وأن يجعل هِمتنا دوما - أو غالبا- عالية وأن يجعلنا من أهل الجنة آمين .
يتبع : ....

ليست هناك تعليقات: