السبت، 14 يونيو 2008

وقفات الجزء 7 ( من الوقفة 36 إلى 40 ) :

بسم الله
عبد الحميد رميته , الجزائر

36 - سوء فعلي مع معاوية رضي الله عنه :
أذكر أنني ومنذ 31 سنة ( 1976م) قرأتُ لبعض علماء الشيعة بدون أن يكونَ لي الزاد الكافي من عقائد أهل السنة والجماعة , قرأت شيئا فيه من الطعن ما فيه في الصحابة عموما وفي معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه خصوصا . تأثرتُ بما قرأتُ وظهر تأثري من خلال كلام سوء قلتُـه في معاوية رضي الله عنه في ندوة دينية قدمتُها في المسجد أمام الطلبة المصلين في مسجد جامعة قسنطينة (الجزائر) . وبعد أيام قرأت كتاب " العواصم من القواصم" للقاضي أبي بكر بن العربي رحمه الله , وفيه بيان لرأي أهل السنة في الخلاف بين علي ومعاوية وبين علي وعثمان وبين علي وعائشة , وفيه كذلك دفاع عن عثمان ومعاوية وعائشة وإنصاف لعلي رضي الله عنهم جميعا . ندمتُ كثيرا على ما صدر مني وتبتُ وعزمتُ على أن أكملَ توبتي بتقديم ندوة أخرى أُصلحُ من خلالها خطئي السابقَ . وقدمتُ بالفعل الندوة التي حضرها جمهورٌ كبيرٌ من المصلين وعرضتُ من خلالها ملخصا لكتاب"بن العربي"وذكرتُ معاوية بالخير مرات بعدما انتقدته مرة واحدة ,والحمد لله رب العالمين.

37 - طائفة الأحباش :
لقد كنت في يوم من الأيام أستمع إلى برنامج"فتاوى على الهواء" في قناة " إقرأ " والذي كان يجيب فيه على أسئلة المشاهدين عالمٌ من علماء السعودية , فإذا بأحد المستمعين عوض أن يطرحَ سؤالا عن طريق الهاتف ذهب يسب الشيخ"يوسف القرضاوي" ويعتبره عدوا للإسلام والمسلمين وضالا ومنحرفا , فأوقفه العالم السعودي مشكورا وقال له بأنه ليس من منهجنا السب والشتم ولا الطعن في علماء الإسلام , وأن الشيخ القرضاوي عالم ثقة قد يصيب وقد يخطئ كغيره من العلماء , ولكنه عالم أمين حسناته بإذن الله أكثر من سيئاته . تساءلت بعدها مباشرة عن هوية المتدخل بسبب جرأته في طعن العلماء ووقاحته التي لا نظير لها , ثم عرفتُ بأنه من طائفة تسمى طائفة " الأحباش ". بحثٌّ عن معلومات عن هذه الطائفة ثم كتبتُ رسالة بسيطة في هذا الموضوع تنويرا للرأي العام وتعميما للفائدة , ومن باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتعريف الناس بالضلال حتى لا يقعوا فيه . وأسميتُ الرسالة " لمن لا يعرفها : هذه هي طائفة الأحباش " .

38 - ماذا عن نية المريض في أن يرقيه فلان دون غيره ؟ :

يجب على المريض أو يستحب له – قبل أن يتجه إلى راق معين- أن يقويَ نفسه بالصبر والأمل, وأن يعتقد بأن الله هو وحده الشافي وأن الرقية سببٌ وأن الأصل في الرقية المقروء (وهو كلام الله) وليس القارئ , فلا ينبغي تعليق القلوب بالأشخاص.ولكن أكثر الناس متعلقون فوق اللزوم ببعض الرقاة لأنهم يرون أنهم أنفع لعباد الله من غيرهم . وإذا كنتُ أجد عذرا لشخص واحد حين يقول : " أنا نويتُ أن أذهب عند فلان الراقي بالذات أو أنني قصدتُه هو بالذات أو أن من أثق فيه أرسلني إليه هو بالذات " لأنني أرى أن هذه الثقة من المريض في مُعالج معين قد تُساهم مساهمة لا بأس بها في العلاج , لكنني لا أجد العذر لعشرة أشخاص آخرين يقولون نفس القول لكن بإصرار أكبر (حتى أن بعض المرضى يُفضلون البقاءَ في الفراش ولو لمدة طويلة من أجل أن لا يرقيَهم إلا " فلانٌ " الراقي ) لأن المبالغَة في هذه النية قد تُوقع الناس المرضى أو أهاليهم- خاصة منهم النساء- في الشرك والعياذ بالله الذي قد يُبطل الأعمال ويُؤخر الشفاء .
وأذكرُ بالمناسبة رجلا أخبرني من أيام أن ابنته في حال خطرة جدا (يكفي أنها لم تأكل من حوالي أسبوع ) زارت أطباء وما أفادوها في شيئ . طلب مني أن أعطيه موعدا لأرقي ابنته . اعتذرت إليه بأنني مشغول وأعطيته إسمي راقيين في ميلة ومكان إقامة كل منهما , وقلت له : " إذا لم تجدهما أو وجدتهما مشغولين فارجع إلي أو اتصل بي عن طريق الهاتف لأعطيك موعدا لابنتك " , فسمعتُ منه جوابا عجيبا وغريبا فيه من الجهل ما فيه : " أنا نويتُ الرقيةَ لابنتي عندكَ أنتَ بالذات . اعطني موعدا للغد لترقي ابنتي أنتَ بالذات . وحتى لو ماتت ابنتي في الغد , فلستُ مستعدا لأن آخذها عند غيرك ليرقيها اليوم !!!". وأتركُ الكلمة "الجاهلية" بدون تعليق .
ومنه فإننا نقول : يا ناس بالله عليكم لا تبالغوا في التعلق بالأشخاص , وتعلقوا عِوضا عن ذلك بربِّ الأشخاص أولا وأخيرا يعطيكم الله ما تتمنوا منه في الدنيا وفي الآخرة .

39- ما معنى الخلوة المحرمة بين الرجل والمرأة ؟ :
هناك جهل قد يكون مقبولا ومستساغا عرفا وعادة , وهناك جهل آخر ليس مستساغا ولا مقبولا , على الأقل في نظري بغض النظر عن كون الشخص معذور أو غير معذور من الناحية الشرعية . ومن أمثلة ذلك :
تعودتُ من سنوات وسنوات على أن أجري مسابقة لتلاميذي في الثانوية في نهاية كل سنة دراسية أو في نهاية كل ثلاثي , من خلال حصة إضافية . المسابقة أجريها بين تلميذ وتلميذة , وأطرحُ فيها على كل تلميذ من التلميذين 3 أسئلة : في الثقافة العامة , وفي العلوم الفيزيائية , وفي العلوم الإسلامية . وأثناء المسابقة وفي نهايتها أعلقُ على الأسئلة والأجوبة وأنصحُ وأوجه وأستخلص الدروس والعبر و…ثم أعلنُ عن الفائزِ الذي أهنئه وعن الخاسرِ الذي أشجعُه على بذل جهد أكبر في المستقبل , ليكون هو بإذن الله الفائزَ في مسابقة أخرى لاحقة .
وفي مسابقة من المسابقات طرحتُ سؤالا في العلوم الشرعية على تلميذة من التلميذات : " ما المقصود بالخلوة شرعا ؟ وما حكمها ؟ " . وفوجئتُ بجواب التلميذة البعيد حدا عن الصواب , والذي له صلة وثيقة بالأحكام الإسلامية التي يجب أن تعرفها التلميذةُ خاصة وأنها مسلمة بالغة , وهي كذلك تلميذةٌ تدرسُ في مؤسسة مختلطة – للأسف الشديد-. أجابت التلميذة " الخلوة هي الزنا " " وهي حرام "!!! .
فوجئتُ ولم أستسغ ولم أقبل - على الأقل بيني وبين نفسي- أن تجهل التلميذةُ إلى هذا الحد .
ولكن هذا هو حالنا للأسف الشديد , والمسؤولية طبعا لا ترجعُ إلى التلميذة فقط , بل إلى النظام ككل . الكل له مسؤولية وإن تفاوتت درجةُ هذه المسؤولية . الحكامُ مسؤولون وكذلك العلماء والدعاة والمربون والأئمة و…
الخلوةُ في الحقيقة هي – شرعا- أن يوجدَ رجلٌ بالغ مع امرأة بالغة أجنبية , أن يوجدا في مكان لا يراهما فيه إلا اللهُ ثم الشيطانُ . والمثالُ على ذلك :
ا-أن يوجدَ الشخصان في غابة بعيدة عن الأنظار . وأما إن وجدا في مكان عام يراهما فيه الناسُ فليس هذا بخلوة , وإن كان تجنبُ ذلك أفضلَ من الناحية الشرعية .
ب-أن يوجدا في بيت مغلق من الداخل . وأما إن لم يكن مغلقا من الداخل فليس هذا بخلوة , وإن كان تجنبُ ذلك أحسنَ من الناحية الشرعية .
وذهب بعض الفقهاء – منهم بعض الشافعية- إلى أن الرجلَ الواحد مع أكثر من امرأة لا يعتبر خلوة , وكذلك إلى أن المرأةَ الواحدة مع مجموعة رجال لا يعتبر خلوة .

40 -لا خير في قوم لا يقبلون النصيحة :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا خير في قوم لا يتناصحون , ولا خير في قوم لا يقبلون النصيحة " . وقبول النصيحة أمرٌ مهم جدا في ديننا وأساسي ومفيد ومثمر ونافع و…وفيه من الأجر ما فيه عند الله سبحانه وتعالى .
ومن فوائد حرص المؤمن على قبول النصيحة :
ا- فيه الأجر الكبير عند الله عزوجل.
ب- فيه إعانة للمؤمن على نفسه وهواه وشيطانه .
جـ- فيه تقوية للمؤمن : عزيمة وإرادة .
د- هو وسيلة أساسية وفعالة من وسائل جهاد المؤمن لنفسه .
هـ -هو أداة فعالة من أدوات إصلاح المرء لنفسه من خلال العمل بنصائح غيره .
وإلى جانب كل ما ذُكر وما لم يُذكر , يمكن أن نُؤكِّدَ على أن من ثمرات قبول المؤمن للنصيحة من الغير : أن ترتفعَ قيمتُـه عند الغير , وأن يشهدَ الغيرُ له بالخير. ومَنْ كثُرَ الشاهدون له بالخيرِ – لله وفي الله- كان ذلك دليلا بإذن الله على أن المؤمنَ مقبولٌ عند الله وعلى أنه محل رضا من الله .
كنتُ في الأسبوع الماضي أقدمُ درسا دينيا في مسجد من المساجد وتحدثتُ مع مجموعة من المصلين عن البعض من آداب القرآن . وذكرتُ بعضَ الأخطاء وبعضَ المحرمات التي يرتكبها بعض الناس وهم لا يدرون . خرجنا بعد ذلك من المسجد فجاءني شخصان : كل منهما تعنيه نصيحتي السابقة , ولكن رد فعل أحدهما معي كان معاكسا لرد فعل الآخر .
أما أحدُهما فقال لي "يا أستاذ أنا ممن يرتكبون المخالفة التي ذكرتها قبل قليل" , ثم ابتسم –معتزا بنصيحتي وقابلا لها- ثم قال" أنا أعترفُ بأنني كنتُ مخطئا , وسأتغلبُ على نفسي بإذن الله وأجاهدُ نفسي بقوة لأكفها عن ارتكابِ الحرامِ الذي ارتكبتُه من زمان , حتى ولو كانت نيتي حسنة".
وأما الآخرُ فقال لي :" يا أستاذ , أنا كذلك ممن يرتكبون ما زعمتَ أنه مخالفةٌ شرعية ". ثم أضاف" يا أستاذ أنا أرى أن ما قلتَ أنتَ قبل قليل ليس صحيحا "!!!. وبدأ يرفعُ صوته ويحتجُّ بدون أن يقدم أي دليل أو برهان أو حجة على احتجاجه . كان يعبرُ بهذه الطريقة عن عدم قبوله للنصيحة , مع أن صاحبَه اعترف وكذلك بقية المصلين الذين حضروا درسي كلهم سلموا بصحة كلامي 100 % ولا أقول 99 % . وواضحٌ كذلك على هذا الشخص أنه مخطئ,ويعرف أنه مخطئ ولكنه لا يعترف بأنه مخطئ , بل إنه ينكر بأنه مخطئ.
والذي لاحظتُه في نفسي وفي الحين في ذلك اليوم أن الشخصَ الأول ارتفعتْ قيمتُه عندي نتيجة قبوله للنصيحة , وأن الثاني سقطتْ قيمتُه عندي وعند كل من رآه يحتج علي اتباعا لهواه .
وفي المقابل كنتُ اليوم في قاعة المحكمة بمدينة ميلة , حيث أردتُ أن أحضرَ المحاكمة المتعلقة بقضية لها صلة بشخص أعرفه. وأثناء المحاكمة رأيتُ شخصا كان تلميذا عندي منذ سنوات طويلة . سلمتُ عليه وبقيتُ أتحدثُ معه . وإنْ تم حديثي بصوت منخفض , ومع ذلك فإنهُ لفتَ انتباهَ البعض من الحاضرين , وأنا ما انتبهت لنفسي حتى نبهني شرطي بعد خروجي من المحكمة . نبهني بأدب ( والظاهر أنه كان لا يعرفني , ولو كان يعرفني ربما لم يكن لينصحني هيبة مني ) إلى أنك "يا هذا شوشتَ قليلا بحديثك مع صاحبك في قاعة المحكمة". ابتسمتُ تعبيرا مني عن قبولي الكامل للنصيحة , وقلتُ له : " حقك وحق هيئة المحكمة وحق جميع من حضروا علي . أنا أعترف بأنني أخطأتُ . ولكن عذري أنني ما انتبهتُ , ولو نبهتني أو نبهني أيُّ أحد غيرك لتوقفنا في الحين عن الكلام . أنا أعتذر ثم أعتذر . هذا الخطأ لن يتكرر مني بإذن الله مرة أخرى". استبشر الشرطيُّ بجوابي وفرح واعتز وانشرح صدرُه لأنه توقع مني غير ما سمعهُ , وقال لي " لا عليك يا شيخ , هي مجرد ملاحظة بسيطة . أنا أشكرُك ثم أشكرك لسعة صدرك ولقبولك النصيحة . أنتَ والله الآن أعظمُ – بكثير- قدرا عندي مما كنتَ قبل قليل ". وهذه ثمرة من ثمرات استعداد المؤمن لقبول النصيحة من غيره .
يتبع :...

ليست هناك تعليقات: