الثلاثاء، 17 يونيو 2008

وقفات مع ذكريات ( من 96 إلى 100 ) :

بسم الله
عبد الحميد رميته , الجزائر

96- إنه التعصب المذموم والحزبية الضيقة :
طَلَبَ مني أيام زمان البعضُ من القياديين في "الفيس"
( أو الجبهة الإسلامية للإنقاذ ) أن أكتب بين الحين والحين مقالات دينية وسياسية لتُنشرَ لي في جريدة "المنقذ"
( الناطق الرسمي للحزب الإسلامي في ذلك الوقت) , فكتبتُ أكثر من 10 مقالات خلال حوالي أربعة شهور , ولكن الإخوة المشرفين على الجريدة لم ينشروا لي ولو مقالا واحدا . تعجَّبَ للأمرِ من طلبَ مني أن أكتبَ -ذكرهم اللهُ بخير ورحم اللهُ من ماتَ منهم - , ولكنني أخبرتُـهم بالسببِ الظاهر , وقلتُ لهم بأن السبب في أغلب الظن هو أنني لستُ منخرطا في الحزب . إنه التعصب المذموم والحزبية الضيقة التي تجعل الكثير من المنتظمين في أحزاب إسلامية لا ينظرون إلا بمنظار الحزب ولا يسمعون إلا بأذنِ الحزب ولا يفكرون إلا بعقل الحزب , وهكذا...!!!.

97- لكل أجل كتاب :
مرت علي السنوات ال8 الحمراء ( من 1992 م إلى 2000 م ) بردا وسلاما إلى حد ما.ومع أنني سُجنتُ أيام زمان وأوذيتُ بسبب من ذلك إيذاء شديدا , إلا أنني لم أُصب بأي أذى طيلة السنوات الثمانية الحمراء سواء من طرف رجال السلطة(من الشرطة أو الدرك أو الجيش أو المسلحين من المدنيين) أو من طرف الإسلاميين الذين كانوا في الجبل ( من الجيش الإسلامي للإنقاذ أو من الجماعة الإسلامية المسلحة). ولعل من أسباب ذلك ثلاثة :
1-كوني غير منخرط في أي حزب إسلامي , مع المحاولات المتكررة من المسؤولين عن الأحزاب الإسلامية المختلفة من أجل انخراطي ومع إصراري الدائم على الرفض حتى يبقى أفقي أوسع وأكبر بإذن الله .
2- أقدميتي في التعليم الثانوي , وكون الكثير من أولاد المسؤولين وغير المسؤولين درسوا عندي وهم يحبونني كثيرا ويذكرونني باستمرار بالخير مع أولياء أمورهم .
3- ممارستي للرقية الشرعية لسنوات وسنوات بطريقة عقلية وشرعية ومنطقية , ومع مراعاة الجوانب النفسية , وبدون أخذ مال ممن أرقيهم , في وقت أصبح أكثر من 50 % من رقاة الجزائر سارقين وجاهلين وكاذبين .
ومما له صلة بال 8 سنوات الحمراء القصة الآتية التي حكاها لي أحد الإخوة الكرام منذ شهور(عام 2007 م).
قال لي : هناك ضابط من الضباط الكبار الجزائريين - يعرفك وإن كنتَ أنت لا تعرفُـه - يُسلِّم عليكَ ويقولُ لك " أبشر فإنني أتمنى أن يكون الله قد أحبَّـك وأحبَّ لك الخيرَ حين نجاك من القتل بأعجوبة" , قلتُ له
" وكيف ذلك ؟" , فقال " الضابطُ يقولُ : في ليلة من ليالي 1994 م كُلفتُ أنا و 3 أشخاص معي من أجل اعتقال "عبد الحميد رميته" في ليلة من الليالي , ثم قتله في نفس الليلة على اعتبار أنه إرهابي ( لا لشيء إلا لأنني متدين) ورميه في الطريق العام في اليوم الموالي . وأثناء مجيئنا إلى بيته في سيارة من السيارات قبيل منتصف الليل , نزلتْ في ميلة أمطارٌ غزيرة ووقعتْ عاصفةٌ شديدة جدا كان من نتيجتها أن اصطدمتْ سيارتُـنا فتحطمت هي ونجونا نحنُ . وبسبب أننا شُغلنا بعد ذلك بإجراءات إصلاح السيارة وعلاجنا من جروحنا أُلغيت المهمةُ التي كُلفنا بها ونجا الشيخ عبد الحميد من الموت بأعجوبة ".
وصدق الله العظيم " لكل أجل كتاب " و " إذا جاء أجلهم لا يستاخرون ساعة ولا يستقدمون".
والحمد لله رب العالمين . نسأل الله أن يختم لنا بالخير وأن يجعلنا ممن يحبون اللهَ فيحبهم اللهُ آمين.

98- خوف الراقي الساقط من الفضيحة :
الراقي المنحرف يخاف في العادة من مواجهة الراقي المستقيم . ومن الأمثلة على ذلك راق عندنا (يدعي بأنه راقي , وهو ليس راقيا ) في مدينة ميلة هو أسوأ من المشعوذين الدجالين . هو يرقي الناس بطرق غير شرعية منها الإستعانة بالتمائم والبخور وقراءة الأبراج وادعاء علم الغيب والنميمة بين الناس والتقوي بما يسمى ب"الجن الصالحين"و...الخ. طلب منه صهري ( أخو زوجتي ) وهو راق مثلي , طلب منه الاتصال بي أو إعطائي موعد لأتصل به أنا من أجل النقاش معه حول فساد طرقه المتبعة في الرقية التي يعتبرها شرعية وما هي بشرعية.وبمجرد أن سمع إسمي من فم صهري (مع أنه تعود أن يقول للمرضى بأنه يعرفني وذلك من أجل كسب ثقة الناس فيه) انتفض وكأن جنيا ضربه وفارق صهري بسرعة وبطريقة غير عادية . قال له صهري : "ما بك ؟ أنت لم تجبني !؟ " فأجاب وهو هارب وبسرعة كبيرة :" فيما بعد.. فيما بعد...".

99- بركة الرقية عظيمة :
جاءني شاب من سنوات بزوجته التي دخل بها منذ أيام ومازال لم يقض حاجته منها بعد, جاءني بسبب أن امرأته ترفض أن تمكنه من نفسها لأنها لا تطيق-بلا سبب ظاهر- رؤيته ولا السماع منه ولا تقبل أبدا –وبلا سبب ظاهر- أن يمس ولو شعرة من رأسها. دخلت العروس وزوجها خلفها (وتركا وراءهما البعض من أهل الزوجة ينتظران بعيدا عن العمارة التي أسكنها ) لأنها لا تطيق مجرد رؤيته.وبعدما سمعت منها عرفت أنها مسحورة فرقيتها . وبمجرد ابتعادهما عن البيت بخطوات أسرعت الزوجة فأمسكت بيد زوجها بقوة وسارت إلى جانبه في اتجاه السيارة التي كان الأهل ينتظرونهما فيها , ولاحظتُ من بعيد علامات التعجب والدهشة من جهة والفرحة الغامرة من جهة أخرى على وجوه الأهل عندما رأيا الزوجة خارجة مع زوجها على هيئة تختلف كل الاختلاف عن الهيئة التي دخلا عليها , والحمد لله رب العالمين .

100 – أغتسل خلال دقيقتين فقط :
أنا أجزم بأن بعض ظروف المساجين الإسلاميين في بلادنا العربية هي أسوء من ظروف الحيوانات , وهي من أسوأ الظروف التي يعيشها مسجونٌ في أي بلد من بلاد العالم مهما كان ثالثا أو متخلفا . ومن علامات ذلك التضييق على المسجون في أبسط حقوقه كإنسان سواء كان مسلما أو كافرا , ومنها حقه في الاغتسال ( أو الدوش douche ) كل أسبوع أو أكثر أو أقل . في الفترة بين سبتمبر 85 وجانفي 86 م قضيتُ 3 أشهر ونصف في زنزانة انفرادية أشتاقُ فيها للهواء ( عندما أحسُّ بضيق التنفس أضعُ أنفي بين أسفل الباب وأرضية الزنزانة لأتنفسَ قليلا ولا أختنقَ من قلة الهواء ) وللضوء ( ليس عندي في الزنزانة إلا مصباح خافت وضعيف مشتعل 24 /24 ) . وكان الواحد منا في الزنازن المختلفة يلبسُ لباسَ المساجين , وهو سروال متصل بقميص في لباس واحد يُفرض لبسُه على المساجين.وكان الواحد منا لا يغتسل إلا مرة واحدة في الشهر ( وهي فترة طويلة جدا بطبيعة الحال ) , وكان يشترط علينا أن ننهي الغسلَ خلال دقيقتين بالتمام والكمال ( 120 ثانية ) , فإن انتهت الدقيقتان ولم يخرج الواحدُ منا من حمامه فُتح عليه البابُ وتم إخراجُه من الحمام عُريانا وبالقوة ومع الضرب !. ويمكن للقارئ الكريم أن يتخيل كيف يمكن للواحد منا أن يغتسل خلال دقيقتين ودقيقتين فقط !!!. أنا الآن عندما أذكر ذلك أضحكُ وأكاد أبكي : أضحكُ لأن الاغتسالَ في دقيقتين مضحكٌ بالفعلِ ويمكن اعتباره نكتة حقيقية حتى وإن كان تصديقُها صعبا جدا , وأكادُ أبكي للظلمِ الواقع في دنيا الناس اليوم خاصة ضد الإسلاميين بتهمة أنهم أصوليون أو إخوان مسلمون أو إرهابيون أو ...إن الدم الإسلامي اليوم – في الدنيا كلها – هو أرخصُ الدماء , وإن العرض الإسلامي اليوم – في الدنيا كلها – يداس ويهان للأسف الشديد . كنتُ أدخلُ إلى الحمامِ فأنزعُ لباسي – أكرمكم الله- في حوالي 10 ثواني ثم أصب الماءَ البارد على جسدي في حوالي 40 ثانية ثم أمررُ الصابونَ على جسدي بسرعة فائقة خلال حوالي 20 ثانية ثم أصب الماءَ البارد على جسدي مرة ثانية خلال حوالي 40 ثانية ( بدون أي دلك لأنه ليس لدي الوقت الكافي للدلك , وبدون نزع الصابون كله من فوق جلدي لأن الوقت لا يكفيني لإزالة كل آثار الصابون من فوق جسدي ) ثم أنشف جسدي من الماء والصابون خلال حوالي 5 ثواني , فتتبقى لي حوالي 5 ثواني أخيرة ألبس فيها ثيابي بسرعة قبل أن يُـفتحَ علي البابُ من طرف الجلادِ الفظ الغليظ .
نسأل الله أن يرزقَـنا الصوابَ والإخلاص في كل أقوالنا وأفعالنا . اللهم إذا أنعمت علينا فاجعلنا من الشاكرين وإذا ابـتـليـتـنا فاجعلنا من الصابرين اللهم آمين .
انتهت ال 100 وقـفة الأولى . وأبدأ بعد اليوم مع ال 100 وقفـة الثانية بإذن الله .

ليست هناك تعليقات: